; logged out
الرئيسية / التكتل الإقليمي العربي أحد أدوات مواجهة المستقبل الاقتصاد الهندي: مؤشراته وفرص تكامله مع نظيره الخليجي

العدد 111

التكتل الإقليمي العربي أحد أدوات مواجهة المستقبل الاقتصاد الهندي: مؤشراته وفرص تكامله مع نظيره الخليجي

الإثنين، 05 أيلول/سبتمبر 2016

الهند من بلاد الأساطير إلى الأسطورة

هذه هي الهند التي جذبت القادمين الجدد من التجار العرب ثم الأوروبيين، مع وصول البرتغاليين إليها في عام ١٤٩٨م، وتوافد الشركات الأوروبية ما بين ١٦٠٠ -١٥٦٥: شركة الهند الشرقية الهولندية المؤسسة في عام ١٥٩٤م، وشركة الهند الشرقية الانجليزية المؤسسة في لندن في عام ١٦٠٠م، وشركة الهند الفرنسية التي أسسها كولبير في عام ١٦٦٢م، بعد عدة حملات قامت بها شركات صغيرة منذ عام ١٥٢٨م.

ويبدأ القرن الاستعماري الثاني (١٩٤٧-١٨٥٨م) بامتداد السيطرة البريطانية على شبه القارة بأكملها، وينتهي مع تقسيم الهند في عام ١٩٤٧م، ليترك بلدًا لم يعد يمثل سوى ٤% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويمثل سكانه ١٤% من سكان العالم.

مصادر الفكر الاقتصادي الهندي:ظهر مفهوم الاقتصاد الحديث الأول في الهند منذ عام ١٩٣٨م، وخاصة مع تأسيس لجنة التخطيط الوطنية برعاية قائد الاستقلال جواهر لال نهرو، والذي استوحى أفكاره من الاشتراكية الفابيانية في بريطانيا العظمى، فضلًا عن تأثير النموذج الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك، وتجارب التخطيط الاقتصادي المركزي تحت دعاوى الاشتراكية في مقابل النمط الغربي الذي نعت بالرأسمالية المستغلة.

ويحظى طرح نموذج الهند الاقتصادي فيما بعد الاستقلال بالاهتمام في إطار التجربة الصعبة للعقود الثلاثة الأولى بعد الاستقلال. فقد أطلق على النتائج الاقتصادية البعيدة جدًا عن الآمال المعقودة على هذا النموذج في بداية تنفيذه، اللقب المشهور بمعدل النمو الاقتصادي المسقوف، أي الذي لم يتجاوز ٥ر٣%سنويًا لعقود، وإذا تم إدخال معدل نمو السكان في الاعتبار يصبح معدل نمو متوسط دخل الفرد في حدود ١%سنويًا.

ويؤرخ البعض لنهضة الهند الحديثة بأفكار مانموهان سينج في دفع عملية الإصلاح الاقتصادي في البلاد، عام 1964م، حيث طرح مجموعة من الأفكار انتقد فيها السياسات الاقتصادية المتبعة، وطرح آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي المعتمد على الذات، والخروج من إسار القيود والبيروقراطية التي يفرضها نظام التخطيط الاقتصادي المركزي لسنوات طويلة في الهند، والذي كان يركز على الصناعات الثقيلة من خلال قطاع عام مسيطر، لا يعطي للمبادرات الفردية والقطاع الخاص فرصة متكافئة للعمل والإنتاج والمنافسة.

وبعد أزمة التسعينات وظهور عجز حاد في ميزان المدفوعات، لجأت الهند لبيع 67 طنًا من الذهب إلى صندوق النقد الدولي، للحصول على مساعدته، وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وعندها طرح سينج حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، شملت تحرير النشاط الاقتصادي وفتح المجال أمام القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية المباشرة، والحد من أنشطة القطاع العام وتقليص دور الحكومة في النشاط الاقتصادي، وتحقيق إصلاح ضريبي وعلاج العجز المالي.

الهند تنتزع الريادة من الصين من حيث النمو الاقتصادي

شكل العام الماضي 2015م، لحظة تاريخية في الاقتصاد الكلي العالمي، حيث انتزعت الهند الصدارة من الصين، من حيث معدل النمو الاقتصادي غير المسبوق لعقود ثلاثة، وأصبح الاقتصاد الهندي الأسرع نموا على المستوى العالمي، وحقق الاقتصاد الهندي معدل نمو بلغ 7.3% ،أي أعلى بنصف درجة مئوية عن الصين.

وتشير التقديرات والتوقعات للنمو الاقتصادي في البلدين العام الحالي 2016م،إلى أن أكثر التوقعات تفاؤلا لمعدل نمو الاقتصاد الصيني، سيتساوى مع أسوأ الاحتمالات لمعدل نمو الاقتصاد الهندي، عند 7% .ووفقا لمتوسطات المسوحات، فإنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الهندي بمعدل نمو يفوق الاقتصاد الصيني بنحو درجة مئوية،1% ، وإن هذه الفجوة في النمو بين الاقتصادين من المتوقع أن تتزايد مع الزمن.

 Thompson Reuters, January 16, 2016

وكما يشير تقرير صندوق النقد الدولي، تشكل الهند حاليًا واحدة من بين أكبر 32 اقتصادا في العالم شملها التقرير، والتي تمثل مجتمعة 84% من الناتج المحلي العالمي، ويتوقع التقرير استمرار التحول في القوة الاقتصادية العالمية من الاقتصادات المتقدمة الحالية في شمال أمريكا وأوروبا الغربية واليابان حتى عام 2050م، حيث ستبرز قوى اقتصادية جديدة، من أهمها الصين، التي تفوقت على الاقتصاد الأمريكي من حيث الحجم حاليًا بقياس الناتج المحلي وفق تعادل القوة الشرائية، والتي بالإمكان أن تتجاوز الولايات المتحدة بحلول عام 2028 من حيث الناتج مقدرًا بالقيمة المطلقة للدولار(حسب سعر الصرف الرسمي للدولار ) .International Monetary Fund | April 2016

ومن المقدر أن تتبوأ الهند المركز الثاني على المستوى العالمي من حيث حجم الاقتصاد الوطني (الناتج المحلي الإجمالي) مقدرًا بتعادل القوة الشرائية للدولار بحلول عام 2050م ، والثالثة من حيث الناتج بالقيمة المطلقة للدولار، رغم أن ذلك سيحتاج برامج إصلاحية هيكلية ومستمرة، حيث يقدر التقرير أن يصل حجم الاقتصاد الهندي إلى نحو 10 تريليون دولار بحلول عام 2035م، بافتراض تطبيق السياسات الاقتصادية المناسبة. International Monetary Fund | April 2016

ولعل من أهم هذه المتطلبات هو الاستثمار الفعال والمستمر في عناصر البنية التحتية، وتحسين المؤسسات السياسية والاقتصادية والتشريعية. كما يتطلب الأمر استمرار سياسات تحريرية ومفتوحة على العالم الخارجي، بما يسمح بتدفق التقنيات والأفكار وانتقال العناصر الموهوبة من البشر، والتي تمثل دوافع ومنطلقات لاستمرار النمو، مع ملاحظة أن استمرار الاعتماد على الموارد الطبيعية في النمو الاقتصادي يمكن أن يعرقل النمو في دول مثل نيجيريا، والسعودية وروسيا، ما لم تستطع أن تنوع من هياكلها الاقتصادية .

كما يتوقع التقرير بأن الفجوة بين هذه الاقتصادات العظمى الثلاثة، وهي الصين والهند والولايات المتحدة، وبين بقية دول العالم، سوف تتزايد خلال العقود القليلة القادمة، حيث سيصبح الاقتصاد الهندي (ثالث أكبر اقتصاد وفق تعادل القوة الشرائية)، الأكبر من الاقتصاد الياباني (رابع أكبر اقتصاد في العالم) بنحو 50%، بينما في عام 2050م،  سيصبح ثالث أكبر اقتصاد عالمي  (مقدرة بتعادل القوة الشرائية) أكبر من رابع اقتصادات العالم بنحو 240% عام 2050 وهي اندونيسيا.

التطور في ترتيب دول العالم حسب معدل النمو الاقتصادي الحالي والمتوقع

2014

 

2030

2050

PPP rank

Country

GDP at PPP

(2014 US$bn)

Country

Projected GDP at PPP

(2014 US$bn)

Country

Projected GDP at PPP

(2014 US$bn)

1

China

17,632

China

36,112

China

61,079

2

United States

17,416

United States

25,451

India

42,205

3

India

7,277

India

17,138

United States

41,384

4

Japan

4,788

Japan

6,006

Indonesia

12,210

5

Germany

3,621

Indonesia

5,486

Brazil

9,164

6

Russia

3,559

Brazil

4,996

Mexico

8,014

7

Brazil

3,073

Russia

4,854

Japan

7,914

8

France

2,587

Germany

4,590

Russia

7,575

9

Indonesia

2,554

Mexico

3,985

Nigeria

7,345

10

UKingdom

2,435

UKingdom

3,586

Germany

6,338

11

Mexico

2,143

France

3,418

UKingdom

5,744

12

Italy

2,066

Saudi Arabia

3,212

Saudi Arabia

5,488

13

South Korea

1,790

South Korea

2,818

France

5,207

14

Saudi Arabia

1,652

Turkey

2,714

Turkey

5,102

15

Canada

1,579

Italy

2,591

Pakistan

4,253

16

Spain

1,534

Nigeria

2,566

Egypt

4,239

17

Turkey

1,512

Canada

2,219

South Korea

4,142

18

Iran

1,284

Spain

2,175

Italy

3,617

19

Australia

1,100

Iran

1,914

Canada

3,583

20

Nigeria

1,058

Egypt

1,854

Philippines

3,516

PwC projections for 2050

الهند  تحقق أعلى معدل عائد متوقع على الاستثمارات في العالم

شكل النمو الاقتصادي في الهند عام 2015م، أسرع معدل نمو لأحد الاقتصادات الكبرى على مستوى العالم، ورغم عدم الاستقرار السياسي، فإن ذلك لم يمنع المستثمرين من الاستمرار في تنفيذ استثماراتهم والدفع بمعدلات النمو قدما للأمام، في زمن تتزايد فيه التوقعات وتنخفض فيه معدلات النمو .

وارتبط ذلك بارتفاع معدل العائد على الاستثمار الذي فاق معدل العائد العالمي بكثير، وفي الوقت الذي يعد معدل النمو الذي حققته الهند مؤخرًا والذي بلغ 7,5 %، معدل جاذب بالنظر لمعدلات النمو العالمية المتحققة، سواء في الصين أو غيرها من الاقتصادات الناشئة، فإنه من المتوقع أن تضيف الهند لهذا المعدل درجتين مئويتين، دون أن يتطلب ذلك ضغوطًا على الطاقات الإنتاجية، أو حتى زيادة في معدلات الاستثمار، ويرجع الفضل في هذا إلى السياسات التي تطبقها الحكومة، والاصلاحات الهيكلية، رغم عدم اكتمالها.

 أسباب ارتفاع معدل العائد على الاستثمار

ويرجع ارتفاع معدل العائد على الاستثمار في الهند إلى عدة عوامل من أهمها، توفر العمالة الماهرة رخيصة الأجر، ووفرة المواهب في مجال تكنولوجيا المعلومات I.T، وتوفر رواد الأعمال، إضافة إلى التحولات الديموغرافية المرغوبة، وتحسن جودة المؤسسات العامة، وأسواق المال الصغيرة ،ومن هنا يتوقع صندوق النقد الدولي معدل عائد على رأس المال بما لا يقل عن 24.7 % سنويا، بين عامي 2016- 2020 .

 وهو معدل يعادل ضعف المعدل العالمي في المتوسط (ويبلغ نحو 12.5%) ، ونحو 1.7 مرة مثل متوسط المعدل السائد في الدول الناشئة مجتمعة (ويبلغ 15%).وهكذا تحقق الهند معدل استثمار يبلغ 30% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، وهو ما يشير إلى توقع معدل نمو سنوي في الدخل الوطني بما لا يقل عن 7.5% سنويًا حتي عام 2020.   IMF, WEO Database, October 2015

معدل العائد على رأس المال في الهند مقارنة مع بعض الدول

الدولة

العائد  على رأس المال % سنويا

اليابان

3.5

البرازيل

5.2

إيطاليا

6

ألمانيا

8

 استراليا

12

اسبانيا

12.3

الولايات المتحدة

13

الصين

15.2

إندونيسيا

15.4

الهند

24.7

 IMF, WEO Database, October 2015. Returns refers to the incremental output-to-capital ratio.

 وبالإضافة إلى أن الاقتصاد الهندي يوفر أعلى معدل عائد متوقع على الاستثمارات المتزايدة، فإن أجندة الإصلاحات متواصلة، كما أن السياسات النقدية الجديدة تستهدف تقليل أخطار الاستثمارات، وتقلل من معدلات التضخم الذي يضر بالثقة في استمرار العائد مرتفعًا، ويعطي ثقة في استقرار قيمة العملة الوطنية، ومن ثم يقل معامل الخطر أمام الاستثمارات.

فرص التكامل الاقتصادي الخليجي الهندي

تشير التطورات الجارية إلى أن عصر الهند قد اقترب، فيما يتعلق بمرحلة الاقتصاد الكلي العالمي، ويجب أن يلتفت المستثمرون إلى ذلك، حيث إن استقرار الأوضاع في الهند سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية يسمحان بالقيام بعمل إسقاطات وتوقعات حول النمو المحتمل والدور المتوقع للهند في الاقتصاد العالمي، ومن ثم بحث فرص التعاون بين دول مجلس التعاون والهند كبلد له روابط تاريخية وجغرافية مع الدول العربية عمومًا ودول الخليج خاصة، ولعل من أهم المتغيرات التي يمكن أن تشكل عناصر أساسية في هذه التوقعات هما البعد الديموغرافي، واستمرار الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها الهند في الثمانينات من العقد الماضي.

رغم أن عدد السكان سيبلغ ٦ر١ مليار نسمة في عام ٢٠٥٠م، فإن وزن الهند النسبي سيستقر على ما يقرب من ١٨% من عدد سكان العالم بسبب دخولها في المرحلة الأخيرة من الانتقال السكاني، حيث ينخفض معدل المواليد، مع انخفاض في معدلات الوفيات ومن ثم يستقر عدد السكان.

ويتوقع أن يتجاوز عدد سكان الهند، عدد سكان الصين في عام ٢٠٣٠م، ليصل إلى حوالي ٦ر١ مليار نسمة في عام ٢٠٥٠م، وسيصاحب ذلك تحولات كبرى في  زيادة عدد سكان الحضر ليصلوا إلى ٧٠٠ مليون نسمة في عام ٢٠٥٠م، إضافة لزيادة نسبة السكان النشطين اقتصاديا، ومن ثم قوة العمل، وهو ما يوفر مدخلاً أساسيًا في التنمية وارتفاع عوائد الاستثمار، خاصة مع ما يشهده التعليم من تطور ومن ثم تخريج عمالة مزودة بالمعارف الحديثة أو ما تعرف بالعمالة المعرفية ، عالية الإنتاجية ومنخفضة الأجر في آن واحد.

ورغم أن عرض العمالة المعرفية، لا يتزايد إلا بنسبة ١% سنوياً في البلدان الصناعية مقابل ٥% سنوياً في البلدان الأخرى، إلا أن الهند على وجه الخصوص تتبع إستراتيجية هجومية في هذا المجال. ففي عام ٢٠١٥، كان لدى الهند ما بين 15- 18   مليون طالب، وستنتج عندئذ ٤ر١ مليون مهندس سنويًا، أو ٥٠ ألف طالب دكتوراه (Ph D) مقابل ١٩ ألف في عام ٢٠٠٥م.

وهذه واحدة مما سيميز الهند في الحقبة القادمة عن الوضع في الصين حاليًا، حيث تتلاشى هذه الميزة في الصين تدريجيًا مع بداية تزايد الإنتاجية وارتفاع مستويات الأجور، وتزايد الطلب على وقت الفراغ، وهو ما يعطي الاقتصاد الهندي قدرة نمو محتملة من ٦% إلى ٨% من الآن حتى ٢٠٢٥م، وفقًا لنظريات النمو الداخلية التي تعتمد في المقام الأول على التطور التقني كمدخل أساسي في العمليات الإنتاجية وتحكم دالة الإنتاج، إضافة لعوامل أخرى داخلية مثل معدل الاستثمار، تزايد السكان ومستوى تعليمهم، أو أيضًا نوعية المؤسسات.

أولويات العمل العربي المستقبلي في ضوء التجربة الهندية

تبرز المصاعب الاقتصادية الناتجة عن الأحداث في المنطقة العربية بشكل رئيسي في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، وفي بلدان أخرى مثل مصر التي تكافح الإرهاب، وتتعرض لمزيج من التطورات تتراوح بين الفساد، وتأخر الإصلاح، وانخفاض تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، crony capitalism، وندرة الموارد.

من ناحية أخرى تكافح الدول البترولية في سبيل النمو والتنمية، نتيجة عدم الاستقرار في المنطقة، فبينما انخفض إنتاج النفط في كل من العراق وليبيا واليمن، فإن السعودية والإمارات وقطر زادت من نفقاتها الاجتماعية بشكل كبير، فضلًا عن توقعات انحسار أسعار النفط في السوق العالمي بسبب زيادة الإنتاج الأمريكي وتراجع معدلات النمو العالمي، .يضاف إلى ذلك ما تولد عن أحداث الربيع العربي من ارتفاع سقف الطموحات لدى غالبية السكان، وصعوبة الاستجابة إليها.

وبالتالي فإن الموقف الاقتصادي في الدول النفطية لا يقل صعوبة عن غيرها من الدول العربية، حيث كشف انخفاض عائداتها النفطية، مع تراجع أسعار النفط بشكل كبير أوائل العام 2016، عن ضعف البنيان الاقتصادي، واستمرار اعتماد الإيرادات العامة على عوائد النفط، وسيطرة قطاع النفط على هيكل الاقتصاد الوطني، رغم طول استهداف تنويع هيكل الاقتصادات الوطنية.

وقد دفع هذا الموقف بعضها لتخفيض برامج الدعم الاجتماعي، لتخفيف العبء على الحكومة، وزيادة وتيرة التخصيصية، حتى في قطاعات الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم، الأمر الذي ظهر جليًا في رؤية المملكة العربية السعودية2030م.

كذلك ستواجه دول الخليج العربية مصاعب أمام التحولات المناخية، خاصة في مجالات شح المياه، والتصحر، وندرة الموارد، كما ستظل الدول النفطية تعتمد لسنوات طويلة على قطاع الهيدروكربون، مع استمرار تزايد الطلب العالمي على النفط أو الغاز، على الأقل في الزمن المنظور حتى عام 2035م، خاصة وأنها تملك نسبة عالية من الاحتياطات الدولية للنفط (43%) ومن الغاز (25%).

إضافة إلى ذلك فإن الوضع الاستراتيجي لدول المنطقة بدأ في التراجع، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة، التي قللت من وارداتها من النفط منذ بداية الأزمة في السبعينات، إضافة إلى تزايد اعتمادها على الغاز الصخري، ويضعف من موقف الدول العربية الاعتماد الكبير على الخارج في الحصول على احتياجاتها من الغذاء، وتذبذب أسعاره مع أسعار الطاقة، وارتفاع فاتورة دعم الغذاء.

لذلك فإن أهم السيناريوهات المحتملة أمام دول الخليج العربية، في ضوء الواقع الحالي، والتطورات والتهديدات المستقبلية، وفي ضوء التجربة الحية للهند، يتمثل فيما يلي:

1-   رفع معدل النمو الاقتصادي 

ويأتي على رأس أولويات العمل العربي المستقبلي، الاهتمام بالجانب الاقتصادي، ضرورة تهيئة المناخ المناسب لرفع معدل العائد على الاستثمارات، بما يجذب قدرًا كافيًا من رؤوس الأموال ويشجع على مزيد من الاستثمارات، التي تمثل وقود التنمية. والسعي لرفع معدلات التنمية الاقتصادية، حيث تحقق الدول العربية حاليًا معدلات نمو منخفضة مقارنة بنظيرتها من الدول النامية، ومتطلبات التنمية بها، والذي لا يتجاوز حاليًا في المتوسط معدل 5% سنويًا.

يرتبط الارتقاء بمعدل النمو الاقتصادي، بعدد من المدخلات الأساسية، أهمها تطوير رأس المال البشري، وهو رهن بمستوى التعليم والتدريب، إضافة للابتكارات والتقنية الناجمة عن البحث والتطوير في الجامعات والمراكز البحثية، خاصة مع ضعف قدرات شركات القطاع الخاص على الإنفاق على البحث والتطوير.

وتقل مخصصات البحث والتطوير في الدول العربية عن المعدلات الدولية بشكل كبير حيث لم تصل في بعض البلدان إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي.

2- مواجهة مشاكل البطالة

حيث يجب أن تحظى مجابهة مشكلة البطالة وزيادة معدلات التشغيل في اقتصادات دول الخليج العربية بأهمية قصوى، باعتبارها قضية متعددة الجوانب، فهي اقتصادية في أساسها، واجتماعية في نتائجها، وأمنية في مردودها. وترتبط مستويات التشغيل ومعدلات البطالة بانخفاض معدل النمو الاقتصادي، حيث أسفر عن ارتفاع معدلات البطالة في معظم دول المنطقة والتي تتراوح حول 10% من قوة العمل الوطنية، وتعد من أعلى معدلات البطالة في العالم، ومما يفاقم من تلك المشكلة، الارتفاع في معدلات البطالة بين الشباب، والتي قد تصل إلى 30%، وترتفع عن هذه النسبة بين الإناث.

3- تحقيق الأمن الغذائي

على الرغم من وجود ارتباط سببي بين أسعار النفط والطاقة عمومًا، وبين أسعار الغذاء، نظرًا لأهمية الطاقة كمدخل في إنتاج وصناعة ونقل الغذاء، إلا أن عدم اتخاذ إجراءات وسياسات تجاه تقلب أسعار الغذاء سوف يضع الدول العربية في مأزق.
لذلك يجب أن تحظى قضايا الغذاء باهتمام العمل العربي المشترك، ويمكن للتكتل الإقليمي العربي أن يسهم في مواجهة هذا التحدي، من خلال تطويره باتجاه السوق العربية المشتركة، ودول الجوار خاصة في بلد مثل الهند الذي يتمتع بوفرة في منتجاته الغذائية، رغم التوجه الصناعي الحديث، وتوسيع نطاقه ليشمل بالإضافة للتبادل السلعي، تبادل الخدمات وانتقال رؤوس الأموال والعمالة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مجلة آراء حول الخليج