; logged out
الرئيسية / تسلل إيراني إلى جنوب شرق آسيا للتأثير على التوازنات في منطقة الخليج المتغير الإيراني ومستقبل العلاقات الخليجية – الآسيوية

العدد 112

تسلل إيراني إلى جنوب شرق آسيا للتأثير على التوازنات في منطقة الخليج المتغير الإيراني ومستقبل العلاقات الخليجية – الآسيوية

الثلاثاء، 04 تشرين1/أكتوير 2016

تحظى العلاقات الآسيوية - الخليجية بأهمية استراتيجية تنامت خلال السنوات الأخيرة، في ظل الدور المتزايد الذي يضطلع به كلا الطرفين على الساحتين الإقليمية والدولية، فمنطقة الخليج تظل ذات أهمية جيوسياسية واقتصادية كبيرة للقوى الدولية. أما القوى الصاعدة أو الناشئة في جنوب شرق آسيا ، فقد  فرضت تأثيرها على نحو متسارع في المسرح العالمي، وإذا أخذنا الهند نموذجًا إضافة إلى اليابان والصين فإن نيودلهي طورت خلال السنوات الماضية قدراتها العسكرية بوتيرة متسارعة، مما حتم عليها التحرك لاستغلال قدراتها الاقتصادية والأمنية، في صورة نفوذ إقليمي آخذ في الاتساع، وقد بات هذا النفوذ يُنافس الصين في المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا، كما مدت الهند ذراعها إلى آسيا الوسطى وأفريقيا، مُنافسة القوى الدولية الأخرى.

لذلك يحظى تطوير العلاقات الهندية - الخليجية بمكانة متميزة لدى الطرفين كونه يفتح المجال أمام مستقبل واعد يعود بالنفع عليهما، ولعل الجهود التي تبذلها الهند على مدى السنوات الأخيرة، من أجل تعديل سياساتها في ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط والتي تبذل في سياق وعيها بضرورة العمل على إنشاء شراكة استراتيجية متقدمة مع جيرانها الخليجيين.

وقد جعلت الهند في هذا الإطار من مبدأ التقرب من الجيران نقطة مبدئية في سياق سياسات تحسين علاقاتها الدولية، مما أسهم في تطوير علاقاتها مع دول الخليج، التي تحتاج اليوم إلى رؤية استراتيجية تضبط زمنها ومكانها، خاصة أن تلك العلاقات الوطيدة بين دول الخليج والهند تتقاطع مع عدد من القضايا الهامة في منطقة الخليج، والتي تأتي على رأسها العلاقات الهندية – الإيرانية، خاصة لجهة انتهاج الحيادية وعدم اتخاذ مواقف داعمة لأي من الأطراف الإقليمية في أية أزمة محتملة.

لذلك نجد أن الزيارات المتعددة التي قام بها رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى بعض دول المنطقة في الفترة الأخيرة، تشير إلى أن الهند تتجه تدريجيًا نحو إبداء مزيد من الاهتمام بالأزمات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بعد أن باتت الارتدادات الإقليمية لتلك الأزمات قريبة من حدودها.

الهند والخليج: والمتغير الإيراني

تتميز العلاقات الخليجية - الهندية بأهمية بالغة لدى الطرفين، خاصة في ظل ارتفاع النمو الاقتصادي الهندي في السنوات العشر الأخيرة عزّز من هذه العلاقات الاقتصادية المتبادلة مع دول الخليج العربي إلى حد كبير، ولتوطيد هذه العلاقة الاستراتيجية وقعت دول الخليج العربي في أغسطس 2004م، اتفاقية إطار لتعاون اقتصادي يطمح إلى تأسيس منطقة حرة مع الهند، حيث تقود الإمارات العربية المتحدة قاطرة الشراكة الاقتصادية التي وصلت إلى 67 مليار دولار عام 2011م، وهي تمثل الشريك التجاري الثالث للهند بعد الصين والولايات المتحدة الأميركية اللّتين تحتكران لوحدهما 10% من حجم المبادلات الهندية الخارجية، فيما تعد المملكة العربية السعودية المزود الأول للهند من النفط الخام.

وعلى الرغم من هذه الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين الطرفين، إلّا أنّ التوجه الهندي نحو دول الخليج العربي، تصاحبه محاولات إيرانية للالتفاف على الهند في محاول للتأثير عليها في ما يتعلق بالتوازنات في الشرق الأوسط، خاصة منطقة الخليج العربي والمشرق العربي، ولذلك أصبح على صانع القرار الهندي أن يبادر إلى توضيح أسس سياسة بلاده الخارجية في منطقة شديدة الحساسية، حيث يتضح أنّ الهند لا تملك حاليًا سياسة واضحة تتعلق بقضايا الشرق الأوسط، وليس لها على ما يبدو استراتيجية كاملة تحدد علاقتها مع الفرقاء في المنطقة، كما أنها تتبع سياسات متعددة بتعدد المحاورين والفرقاء والشركاء، وهو ما يمكن أن يؤثر على تطلعها إلى حيازة مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وعلى توتر العلاقات مع شركائها في منطقة الخليج العربي.

وأبرز القضايا التي يمكن أن تشكل حاجزًا أمام هذه المساعي الهندية، تتعلق بعدم تبني الهند لمصطلح الشرق الأوسط الموروث عن الاستعمار الفرنسي والبريطاني، حيث ما زال خبراء الهند يفضلون الحديث عن "آسيا الغربية" حتى الآن، وهو ما يوحي بغياب تصور جيوسياسي هندي دقيق للمنطقة، وهذا القصور مردّه ضبابية الرؤية الهندية، حيث أنّها تُقيم سياسات مُنفصلة وموازية مع كل من إيران وبلدان الخليج العربي، وتقيم تعاونًا عسكريًا حساسًا للغاية مع إسرائيل على حساب العرب والفلسطينيين، ولذلك فإنّ المطلوب منها اليوم هو الانخراط في رؤية سياسية واقعية تنسجمُ مع حجم مصالحها الاقتصادية في دول الخليج العربي.

كما يأتي إجراء إيران لمناورات بحرية مشتركة مع نظيرتها الهندية في مياه الخليج العربي خلال مايو 2016م، كاشفًا عن طبيعة العلاقات بين كل من إيران والهند من جانب، وبين الهند والخليج من جانب ثان، وبين إيران والخليج من جانب ثالث خلال المرحلة المقبلة، كما جاءت تصريحات قائد المنطقة الأولى للقوة البحرية للجيش الإيراني، الأدميرال حسين آزاد، مؤكدة طبيعة وقوة تلك العلاقة إذ قال إن "تاريخ العلاقات الإيرانية الهندية يشير إلى دورهما الفاعل في ضمان وتوفير أمن المنطقة وازدهارها الاقتصادي"، موضحا أن "تحسين الظروف الاقتصادية في المنطقة بحاجة إلى التعاطي بين دولها، وأن إيفاد المدمرتين الهنديتين F39 وF37 إلى إيران جاء في هذا الإطار".

كما يمكن القول، بتطور العلاقات الإيرانية - الهندية على نحو حقق انقلابًا للموازين حتى غدا بإمكان الهند الوصول للقواعد العسكرية الإيرانية في حالة الحرب مع باكستان مجددًا، والتي تدق طبولها بين حين وآخر، ناهيك عن الإثارة المستمرة بينهما.

إيران والهند: مصالح متبادلة ومشتركة

تحتاج الهند إلى إيران لتحقيق مجموعة من الأهداف المتنوعة في آسيا الوسطى، ومن جانبها ترى إيران أهمية كبيرة في التكامل مع الهند، فكل من إيران والهند تسعيان إلى تقويض الأحادية القطبية من جانب الولايات المتحدة، وكلتا الدولتين لا تشعران بالارتياح تجاه الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك رغم أن كلتيهما ترتبطان بعلاقات مختلفة ومتنوعة مع الولايات المتحدة.

وكل من إيران والهند يتشاطران القلق إزاء الحالة الأمنية الداخلية في دول آسيا الوسطى، وذلك نتيجة لخوفهما المشترك من تجدد نفوذ الإسلاميين السنة في أفغانستان ومناطق أخرى ولهذا ترى الدولتان أن هناك خطرًا قد يحدث في حالة تزايد النفوذ الباكستاني في المنطقة، ورغم ذلك تسعى الدولتان إلى استثمار المنافع التجارية للأسواق في آسيا الصغرى.

إيران من جانبها تحتاج إلى شريك مثل الهند له علاقات متطورة في النظام الدولي، وهو الأمر الذي قد يفيد إيران على الأقل بسبب العزلة التي فرضت عليها منذ انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عام 2005م، وموقفه المتشدد بشأن البرنامج النووي الإيراني، وعندما توترت العلاقات الهندية - الإيرانية بسبب تصويت الهند في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبتمبر 2005م، وفبراير 2006 م، ضد إيران، أظهرت نيودلهي في النهاية قدرة كبيرة على تحقيق التوازن بين الحاجة إلى طهران مع الاهتمام بتأمين العلاقات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

ومنذ مجيء الرئيس حسن روحاني لسدة الحكم في إيران، بدأت مرحلة من الانفتاح تجاه الهند، فخلال مشاركته في قمة منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس في روسيا، وصف روحاني - خلال لقائه رئيس الوزراء الهندي - العلاقات الإيرانية - الهندية بأنها ودية وتاريخية، معربًا عن أمله في أن يشكل هذا اللقاء الأساس لحركة سريعة تدفع العلاقات الثنائية بين إيران والهند نحو الأمام، مشيرًا إلى طلب الهند لتنمية ميناء شابهار الإيراني على بحر عمان وكذلك انضمام الهند للكريدور الذي يوصل الشمال بالجنوب وقال: إن الحكومة الإيرانية ليس لديها أي مانع أمام تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع الهند.

علاقات الأضداد

من اللافت أن الهند جمعت في علاقاتها بين الأضداد، وأقامت توازنًا غريبًا قلّ مثيله في المشهد الدولي، بجمعها بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في آن، لكن الهند تسعى لتوطيد علاقاتها مع القوى العظمى في العالم نحو أمريكا وإيران وإسرائيل إلى جانب الصين والاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي والدول الآسيوية، من أجل تحقيق أهداف كامنة في الضمير الهندي لعل أحدها الوصول لمنطقة الخليج العربي عبر بوابة خارجية هي إيران.

تقوم العلاقات الإيرانية - الهندية على تطلعات مستقبلية من قبل كلاً منهما، حيث ترنو إيران للاستفادة من الخبرات الهندية في مجال الإلكترونيات والاتصالات وتطوير السلاح، فيما تطمح الهند لمزيد من الاستفادة في مجال الطاقة، ورغم الموارد النفطية الهندية إلا أن تنامي الاستهلاك النفطي في الهند يجعلها تبحث عن تأمين لتلك الاحتياجات، ولعل أفضل من يفي بالغرض حاليًا هو إيران.

والواقع أن وصول ناريندا مودي إلى الحكم والاتهامات المتكررة التي وجهت لحكومته بالتمييز العنصري ضد المسلمين في الهند، دفع هذا الأخير للتقرب من دول الخليج العربي للتخفيف من هذه الصورة السّلبية، من أجل فسح المجال أمام تقوية العلاقات الاقتصادية والاستفادة من الاستثمارات الخليجية، حيث يحاول ناريندا جاهدًا منذ وصوله إلى الحكم في مايو 2014م، إضفاء الوضوح اللازم على العلاقات الدبلوماسية الهندية على قاعدة اقتصادية متينة بعد أفول نهج عدم الانحياز.

وعلى الرغم من هذا الانفتاح الذي قد تعتريه توجهات متباينة، إلاّ أنّ سياسة ناريندا يشوبها الكثير من الحذر والتأني، لأنّ الدبلوماسية الهندية تعودت كثيرًا على عدم الانزلاق في اتخاذ مواقف منحازة لهذا الطرف أو ذاك، ولذلك تندرج سياسته في مقاربة براغماتية تجعل أولويتها تنحسر في دعم التنمية الاقتصادية بالحصول على المواد الأولية وموارد الطاقة أينما توفرت، فيما تشجيع الشركات الهندية على الحصول على حصص في الأسواق الدولية، وهو ما تمت معاينته من الدبلوماسية الهندية بين عامي 2011 و2012م، عندما شغلت الهند منصب عضو غير دائم في مجلس الأمن، وقامت باتخاذ مواقف محايدة فيما جرى في كل من تونس وليبيا ومصر، معللة ذلك بموقفها التقليدي، "عدم الانحياز".

لكن قوة العلاقات الإنسانية والاقتصادية وخاصة في مجال الطاقة، تجعل العالم العربي بصفة عامّة ودول الخليج بصفة خاصة، يمتلكان أوراقًا مهمة في التأثير على توجهات السياسة الخارجية الهندية، فهذا العملاق الآسيوي القادم يعتبر الخليج العربي، منطقة تدخل في إطار “الجوار الكبير” ويضعها خبراؤه على نفس المستوى مع جنوب شرق آسيا الجيوسياسي من حيث الأهمية، حيث يعتبر بحر العرب من بين الممرات الاستراتيجية في مسار تجارته الدولية، علاوة على سرعة انتقال البضائع الهندية عبر المطارات الخليجية وحركة المسافرين القوية، التي تجعل من الخليج العربي قبلة جذابة تتمتع بأهمية كبرى لدى نيودلهي.

وفي حين يبقى الرهان الأساسي للهند متعلقا بإشباع حاجياته من الطاقة والموارد الأولية، وهو يعول في ذلك كثيرًا على الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج العربي، يمكن لهذه الأخيرة أن تستلهم من نجاح الهند الاقتصادي، الذي يرجع في كثير من جوانبه إلى القفزة النوعية التي حققتها الهند في مجال الاستثمار في مواردها البشرية في قطاعي التعليم والبحث العلمي، بالإضافة إلى دينامية مقاولات وطنية منتجة نجحت نسبيًا في التحرر من القبضة البيروقراطية الإدارية، ثم ما أعقبه من استفادة كبيرة عبر الانفتاح على السوق العالمية وتطبيق نظم التدبير الحديثة، مما دفع في إذكاء المنافسة بعد التقليل من الإجراءات الحمائية.

الترتيبات السياسية والأمنية الجديدة في المنطقة

إن الترتيبات السياسية والأمنية الجديدة التي يمكن لدول الخليج العربي الاستفادة منها، خاصة في ظل التحولات الكبيرة التي تجري في منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا ما يتعلق منها بأحداث "الربيع العربي"، وسياسات بعض الدول الإقليمية مثل إيران، وسياسات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قد تؤثر بشكل كبير على أمن منطقة الخليج، أصبحت دول الخليج العربي مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بأن تسعى إلى بناء تحالفات إقليمية ودولية متعددة، وشراكات استراتيجية، خصوصًا مع الدول المؤثرة التي يهمها أمن منطقة الخليج واستقرارها.

والهند يمكن أن تلعب دورًا إيجابيًا في عدد من القضايا التي تهم دول الخليج العربي، لذا فلدى دول الخليج دوافع قوية تدفعها إلى تعزيز علاقتها مع الهند، بالإضافة إلى تفعيل ما هو قائم فعليًا من أشكال التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي مع الهند، فلابد لدول الخليج من السعي للتواصل الاستراتيجي والسياسي مع الهند، بطريقة تتمكن منها دول الخليج معها من تسخير مصالح الهند المتنامية في المنطقة لخدمة القضايا السياسية التي تهم دول الخليج، والتحديات الأمنية التي تواجهها خصوصًا وأن الهند يمكن أن تلعب دورًا إيجابيًا في عدد من القضايا التي تهم دول الخليج، منها على سبيل المثال:

القضية الإيرانية: فالهند تحتفظ بروابط طويلة مع إيران، حيث بلغت واردات الهند من النفط الإيراني أكثر من 20% خلال يوليو 2016م، وقد بلغ مجموع ما استوردته الهند من إيران نحو 461 ألف برميل يوميًا خلال يوليو 2016م، وتتجه واردات الهند من النفط الإيراني في السنة المالية التي بدأت في أبريل إلى الصعود لأعلى مستوى لها في سبع سنوات مع شراء شركات التكرير الحكومية والخاصة في البلاد ما لا يقل عن 400 ألف برميل يوميًا، كما يذكر أنه في الأشهر السبعة الأولى من عام 2016م، استوردت الهند نحو 359 ألف برميل يوميًا من النفط الإيراني بزيادة نسبتها 67% على أساس سنوي، وفي الأشهر الأربعة الأولى من السنة المالية الحالية، من أبريل  إلى يوليو، ارتفعت مشتريات الهند من الخام الإيراني إلى نحو 43% 404 آلاف برميل يوميًا مقارنة مع حوالي 283 ألف برميل يوميًا في الفترة المقابلة من العام الماضي.

وقد وقع الطرفان عقدًا بمبلغ 22 مليار دولار تحصل الهند بموجبه على 22 مليون طن من الغاز الإيراني، وقد تكون زادت الكمية بمقدار 7.5 مليون طن، كما للهند مشاريع طموحة مع إيران لعل أضخمها مشروع استراتيجي يمد خط أنابيب لنقل الغاز الإيراني إلى الهند عبر أفغانستان، أما فيما يتعلق بموقف الهند من البرنامج النووي الإيراني فموقف الهند كان متسقًا مع مواقف دول البريكس المعروفة في هذا الشأن، ودول عدم الانحياز بصورة عامة، وترى الهند أن حصول إيران على أسلحة نووية ليس في صالح الهند، التي لا تريد أن ترى قوة نووية أخرى في منطقة جنوب غرب آسيا، كما تبدل نمط تصويت الهند تجاه القضية النووية، حيث صوتت عدة مرات في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يتسق مع المواقف الغربية والأمريكية عمومًا، ومن ضمن تلك القرارات إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن.

ولا شك في أن الضغوط والعقوبات الأمريكية والأوروبية كانت فعالة في تغير الموقف الهندي، فقد تناقصت واردات الهند البترولية من إيران بدرجة كبيرة وصلت في أوائل عام 2012م، إلى 22% من مستوياتها السابقة، علاوة على ذلك، توقفت إحدى أكبر مصافي التكرير الهندية عن استيراد النفط الخام الإيراني في عام 2012م، بسبب عدم توافر غطاء تأمين من الشركات العالمية المتخصصة، مما أدى إلى مزيد من تناقص الواردات الهندية البترولية من إيران، وبالتالي يمكن لعلاقات الهند المنسجمة مع إيران ودول الخليج القيام بلعب دور الوسيط للتقريب بين إيران ودول الخليج وكذلك الضغط على إيران فيما يتعلق بطموحاتها النووية.

القضية الأفغانية: إعلان انسحاب القوات الأمريكية وتحويل قيادة العمليات العسكرية إلى القوات الأمنية الأفغانية سيؤدي بلا شك إلى فراغ أمني وسياسي، ويمكن أن يكرر سيناريو الانسحاب السوفيتي عام 1989م، مما أدى إلى تفجر الوضع وإدخال البلاد في حرب أهلية استمرت أكثر من عشر سنوات، وقد أكد هذا الطرح الجنرال ستانلي ماكريستال القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلنطي في أفغانستان بين منتصف عام 2009م، إلى منتصف عام 2010م، من أن أكبر خطر يواجه أفغانستان بعد انسحاب القوات الدولية، هي الحرب الأهلية والتي تكمن في الحروب والمعارك التي ستدور بين الجماعات الأفغانية المختلفة.

وعليه فتعاون دول الخليج مع كل من الهند وباكستان مطلوب في استقرار أفغانستان حتى لا تنزلق نحو حرب أهلية والتي لن تؤثر على أفغانستان وحدها وإنما على المنطقة بأكملها، كما أن التعاون الخليجي مع الهند مطلوب أيضًا في مقابل النفوذ الإيراني في أفغانستان والذي أصبح واقعًا ملموسًا، حيث نجحت طهران في فرض نفسها كلاعب رئيس في أفغانستان، وعليه يمكن لهذا التعاون أن يعمل على ترسيخ محور جديد مع الهند ليكون محورًا بين دول الخليج والهند في مقابل الأطماع الإيرانية في أفغانستان.

القضية الفلسطينية: أيضًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فالهند تحاول أن تلعب دورًا محايدًا وخلق توازن بين علاقتها مع إسرائيل وفلسطين، فالهند ما زالت تحافظ على علاقات متينة مع إسرائيل خاصة في مجالات الدفاع والتجارة والزراعة والسياحة، إلا أنها في نفس الوقت لم تتخل عن الفلسطينيين بل تحافظ على علاقاتها مع الفلسطينيين وتأييدها للشعب، فلعل إعطاء العلاقات الخليجية - الهندية بعدًا استراتيجيًا يساهم في إعادة التوازن للقضية الفلسطينية والضغط على إسرائيل لتلتزم بقرارات الشرعية الدولية، ليسترد الشعب الفلسطيني حريته ويسترد حقوقه المشروعة في إقامة أرضه، كما يمكن للعلاقة الايجابية بين البلدين أن تعمل على منع إسرائيل من التأثير على الطرف الهندي في علاقاته مع دول الخليج العربي.

مستقبل العلاقات الخليجية - الهندية

تحتاج الهند إلى تطوير الآليات السياسة والعسكرية والأمنية مع دول الخليج العربي، وهناك عدد من الخيارات المتاحة أمام الهند في سبيل تعزيز شراكاتها الأمنية – سواء الثنائية أو متعددة الأطراف، وتتمثل في الآتي:ـ

1- دور أكثر فعالية للأذرع الدفاعية، فإلى جانب دعم دور السفارات الهندية والملحقين العسكريين في منطقة الخليج، تحتاج الهند إلى تعزيز نظم الدفاع العسكري وتوسيع نطاقها مع البلدان العربية التي ترغب الهند في القيام بشراكة أمنية معها.

2- الاتفاقيات الأمنية البحرية: فثمة اتفاقية بين الهند وقطر في مجال الأمن البحري تتيح للبلدين التعاون معًا في مجال مكافحة مجموعة متنوعة من التهديدات الإرهابية البحرية، فضلاً عن تأمين المنشآت النفطية البحرية، وفي هذا الشأن تحتاج نيودلهي إلى إبرام اتفاقيات مماثلة مع بلدان أخرى في المنطقة.

3- التعاون في مكافحة القرصنة: فهناك نسبة كبيرة من التجارة الهندية - بما في ذلك النفط والأسمدة - تمر عبر خليج عدن، ووفقًا لإحصائيات الحكومة الهندية، فإن الواردات والصادرات الهندية عبر خليج عدن تقدر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات، وإذا كان للهند دور في الأمن البحري بالمنطقة من خلال قوة المهام المشتركة (CTF -150)، فإنه يتعين عليها أيضًا أن تتخذ إجراءات أكثر فاعلية في مواجهة القرصنة عبر المياه الإقليمية.

4- اتفاقيات مشتركة لمكافحة الإرهاب: فالهند لديها اتفاقيات أمنية بالفعل مع عدد من دول المنطقة، حيث تمثل مكافحة الإرهاب جزءًا أساسيًا من بنودها، وتحتاج نيودلهي إلى توسيع مثل هذه البروتوكولات مع كافة بلدان المنطقة، على أن تشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية وتسليم العناصر الإجرامية. وإضافة لذلك يمكن للهند أن تقوم بتدريب قوات خليجية على عمليات مكافحة الإرهاب، أو تدشين مؤسسة إقليمية لمكافحة الإرهاب تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي.

5- التعاون العسكري الإقليمي: إذا كانت الهند تسعى للظهور كـضامن أمني لدول الخليج، فعليها أن تُظهر قدراتها العسكرية في المنطقة، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق الدخول في تدريبات عسكرية مشتركة مع الجيوش الإقليمية، على نحو يساهم في تعزيز الثقة المتبادلة، فعلى سبيل المثال من الممكن إجراء تدريبات سنوية مع "قوات درع الجزيرة" لمواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية.

6- توفير المعدات العسكرية: بالرغم من أن الدول الخليجية لديها مثل هذه المعدات من الولايات المتحدة والغرب، إلا أنها  تسعى إلى الحصول على معدات عسكرية إضافية يمكن أن توفرها الهند، مما يتيح للأخيرة ليس فقط الحصول على إيرادات إضافية بل أيضًا تعزيز الروابط الدفاعية مع دول المنطقة، ويستدعي هذا الأمر من نيودلهي تطوير نظمها الدفاعية حتى يتسنى لها المنافسة مع القوى الأخرى المصدرة للأسلحة لدول المنطقة.

7- دور محدد في الأمن الإقليمي: لعل أهم دور يمكن للهند أن تقوم به في المنطقة هو أن تقوم بإجراء محادثات وحوارات أمنية مع دول الخليج لتسوية العديد من القضايا الإقليمية، والتغلب على حالة العداء وانعدام الثقة السائدة حاليًا بين المعسكرين المؤيد والمناهض لإيران، وتقترح الدراسة لتعزيز هذا الدور أن تصبح الهند "عضوًا مراقبًا" في مجلس التعاون الخليجي.

 

خاتمة:

وفق إطار الطبيعة الجغرافية السياسية المعقدة لمنطقة الخليج، ومع رغبة الهند في تحقيق طموحاتها، فحاجة الهند إلى تعزيز التفاهم السياسي مع دول الخليج، واعتماد تدابير في هذا الصدد لنيل ثقة القيادات الخليجية، تبدو ملحة، وكذلك انتهاج الحيادية وعدم اتخاذ مواقف داعمة لأي من الأطراف الإقليمية في أية أزمة محتملة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج.

إن أهمية الخليج بالنسبة للهند في العالم الإسلامي تدفعها إلى بناء علاقات استراتيجية مع دول الخليج مما يسهم في تعزيز مصالح الهند مع العالم الإسلامي، خاصةً بعد أن ساهم اقتصاد الهند المتنامي وصعودها كدولة ديموقراطية في تشكيل صورة إيجابية عنها في البلدان الإسلامية، كما أن دول الخليج تلعب دورًا نشطًا في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.

وبالتالي من الأهمية بمكان للهند الاستفادة من هذه الآليات في دعم علاقاتها بالعالم الإسلامي عبر دول الخليج، كما أن إقامة علاقات هندية متوازنة مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، ينطلق من منظور أن انقسام المنطقة على أسس سياسية وعرقية يبقى تحديًا أمام الهند، ولذا ثمة ضرورة قصوى لإقامة علاقات متوازنة مع جميع البلدان، خاصةً دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية على الوجه الأخص، وإيران باعتبارهما من أهم الدول الفاعلة في المنطقة، إذاً، يجب على الهند عند تعزيز روابطها مع دول الخليج، الالتفات إلى عدد من النقاط الأساسية، وهي:

أولا: التعاون الأمني والعسكري المشترك: تحاول الهند تعزيز الروابط الأمنية مع دول الخليج، فوقعت خلال الأعوام الأخيرة اتفاقيات للتعاون الدفاعي مع الإمارات وقطر وعمان، كما تتطلع نيودلهي إلى توقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي مع السعودية، وتهدف الهند من خلال هذه الشراكة إلى التصدي للقرصنة وتأمين إمدادات الطاقة وضمان سلامة خطوط الاتصالات البحرية، وتأمين مصالحها في الجزء الغربي من بحر العرب والمحيط الهندي.

ثانيًا: تعزيز التفاهم السياسي والشراكة الاستراتيجية: في إطار الطبيعة الجغرافية السياسية المعقدة لمنطقة الخليج، ومع رغبة الهند في تحقيق طموحاتها، ثمة حاجة نيودلهي إلى تعزيز التفاهم السياسي مع دول الخليج، واعتماد تدابير في هذا الصدد لنيل ثقة القيادات الخليجية، مثل الزيارات السياسية رفيعة المستوى التي لا تزال محدودة، والحيادية وعدم اتخاذ مواقف داعمة لأي من الأطراف الإقليمية في أية أزمة محتملة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج.

ثالثًا: أهمية الخليج بالنسبة للهند في العالم الإسلامي: إذ أن بناء علاقات استراتيجية مع دول الخليج سوف يساعد في تعزيز مصالح الهند مع العالم الإسلامي، خاصةً بعد أن ساهم اقتصاد الهند المتنامي وصعودها كدولة ديمقراطية في تشكيل صورة إيجابية عنها في البلدان الإسلامية، كما أن دول الخليج تلعب دورًا نشطًا في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية؛ وبالتالي من الأهمية بمكان للهند الاستفادة من هذه الآليات في دعم علاقاتها بالعالم الإسلامي عبر دول الخليج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحث في الشؤون العربية

مجلة آراء حول الخليج