; logged out
الرئيسية / القضية الفلسطينية عام 2016 : تغيير المعادلة على الأرض بأساليب أخرى ضرورة التحرك العربي لإعادة القضية الفلسطينية من النسيان إلى الضوء

العدد 114

القضية الفلسطينية عام 2016 : تغيير المعادلة على الأرض بأساليب أخرى ضرورة التحرك العربي لإعادة القضية الفلسطينية من النسيان إلى الضوء

الإثنين، 05 كانون1/ديسمبر 2016

بداية يجب أن نقر بأن دور مجلس التعاون الخليجي تجاه القضية الفلسطينية يعتبر بصفة عامة دورًا هامًا حيث تميز على مدار العقود السابقة بالدعم الكامل والشامل للقضية التي مثلت إحدى محاور الحركة الخليجية في السياسة الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي في ظل قناعة كافة دول المجلس بأن هذه القضية تمثل قضية أمن قومي لكافة الدول العربية وليس فقط لأطرافها الرئيسيين وإن كان الأمر من الناحية الاستراتيجية لابد أن يدفع بإسرائيل لتكون في قلب دائرة مهددات الأمن القومي العربي.

 ويبدو من الأهمية بمكان أن نشير للمحددات الثلاثة التالية ونحن نتعرض لموضوع الدور الخليجي في القضية الفلسطينية وذلك كما يلي: -

  المحدد الأول: وهو أن دول مجلس التعاون الخليجي من الناحية الجغرافية لا تعتبر من دول المواجهة المباشرة مع إسرائيل ومن المفترض أيضًا أنها لا تمثل لها الأولوية الأولى في نطاق اهتمامات الأمن القومي الخليجي مقارنة بدولة مثل إيران ولكن تظل إسرائيل في ظل عدم إقرار حالة السلام الشامل في المنطقة واحدة من أهم التحديات القائمة.

   المحدد الثاني: ويتمثل في حرص دول مجلس التعاون الخليجي على أن يكون موقفها من القضية الفلسطينية متمشيًا مع الموقف العربي ككل مادام الأمر يصب في النهاية في صالح الشعب الفلسطيني.

   المحدد الثالث: وهو أن المملكة العربية السعودية هي التي طرحت مبادرة سلام متكاملة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي وذلك عندما قام العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز بطرح المبادرة في قمة بيروت 2002م، تلك المبادرة التي أشارت إلى أن السلام الشامل والعادل يمثل الخيار الاستراتيجي للدول العربية ويتحقق في ظل الشرعية الدولية،  وتضمنت كافة المبادئ الرئيسية من أجل إنهاء الصراع العربي / الإسرائيلي وأهمها الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كافة الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك هضبة الجولان السورية إلى حدود ما قبل الخامس من يونيو عام 1967م، وطبقًا لقرار 242 وقرار 338 مع إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

 وتأتى قضية القدس كإحدى القضايا التي تحسب لصالح المواقف الإيجابية لدول مجلس التعاون الخليجي حيث ركزت دول الخليج من بين ما أولته اهتماماتها في هذا الشأن على قضية القدس باعتبارها قضية عربية إسلامية رغم أن أحدًا من هذه الدول لم يترأس ما يسمى بلجنة القدس( هذه اللجنة شكلتها جامعة الدول العربية وتترأسها المملكة المغربية) فقد حرصت دول الخليج على تقديم كل الدعم المادي الممكن للحفاظ على عروبة القدس والتصدي لمحاولات إسرائيل المتواصلة لتهويدها، وقدمت كافة دول الخليج ولاسيما المملكة العربية السعودية والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر مليارات الدولارات لدعم القدس والتصدي للمساعي الإسرائيلية المستمرة للسيطرة على المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، وكانت هذه القضية تعتبر من أهم القضايا التي يتم بحثها في كافة القمم العربية، ولا شك أنه بدون هذا الدعم الخليجي المتواصل حتى الآن لكانت القدس قد تم تهويدهاتمامًا.

 وفيما يتعلق بوضعية القضية الفلسطينية خلال العام الحالي فلا شك أن القضية شهدت تراجعًا واضحًا خلال العام الحالي 2016م، في ضوء مجموعة من الأسباب نوجز أهمها فيما يلي:

      إن المنطقة العربية أصبحت متخمة بالعديد من المشكلات والأحداث والتطورات التي أصبحت لها الأولوية الأولى في الاهتمامات الإقليمية والدولية عن القضية الفلسطينية (الأوضاع في كل من سوريا وليبيا واليمن والعراق ...) وبالتالي لم تعد القضية هي التي تحتل الأهمية التي كانت تحتلها في مراحل زمنية سابقة.

    تصاعد مشكلة الإرهاب بصورة غير مسبوقة وتركيز المجتمع الدولي على كيفية مواجهتها والحد من تأثيراتها وبالتالي لم يعر العالم القضية الفلسطينية الاهتمام المطلوب الذي تستحقه.

    توقف الجهود الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية للعام الثالث على التوالي بعد فشل جهود وزير الخارجية جون كيري في أن تسفر التحركات التي قام بها مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لفترات طويلة عن التوصل إلى أي أسس يمكن البناء عليها لإحداث تقدم ملموس في المفاوضات.

    استمرار الانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني الذي قارب عامه العاشر وهو ما يؤثر بالقطع على تقدم العملية السياسية ويمنح الحجج والمبررات لإسرائيل لعدم التعاطي الإيجابي مع جهود الحل السلمي.

    وجود نوع من التراجع في الدعم المادي العربي للسلطة الفلسطينية وذلك من جانب بعض الدول العربية وهو الأمر الذي يمكن إرجاعه لأسباب مرتبطة في معظمها بالأوضاع الاقتصادية في الدول التي توقف دعمها لفترة مؤقتة.

 وبالرغم من هذا التراجع الواضح في وضعية القضية الفلسطينية عام 2016م، إلا أن هناك بعض المحطات الهامة التي شهدتها القضية خلال نفس العام حيث حظيت بمواقف خليجية مشرفة ومؤيدة للحق الفلسطيني نذكر منها هذه الأمثلة:

   عقد لجنة متابعة مبادرة السلام العربية التابعة لجامعة الدول العربية اجتماعًا هامًا في القاهرة يوم 28 مايو 2016م، شارك فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس حيث تم التركيز خلاله على القضية الفلسطينية (وقضايا عربية أخرى) وقد أشارت المواقف التي عبر عنها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي إلى دعمهم المتواصل والكامل للموقف الفلسطيني وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

    تأييد دول مجلس التعاون الخليجي للمبادرة الفرنسية المطروحة لتسوية القضية الفلسطينية مع مطالبتهم بضرورة أن يتم بلورتها في إطار جدول زمني حتى يكون هناك إلزامًا على إسرائيل ومنعًا لقيامها بإضاعة الوقت والمماطلة التي تتميز بها وتجيدها بشكل واضح، بالإضافة وجود مشاركة خليجية واضحة في المؤتمر الوزاري التمهيدي الذي عقد في باريس في الثالث من يونيو 2016م، بشأن دعم المبادرة الفرنسية.

    تأييد كافة القرارات التي تم طرحها في الأمم المتحدة لصالح القضية الفلسطينية وهي في مجموعها أكثر من ثمانية قرارات متعلقة بإدانة الإجراءات الإسرائيلية في المناطق المحتلة ولاسيما سياسة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكذا دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

 وفى تقديرنا أن عام 2017م، لا يزال يحمل العديد من المخاطر والتحديات أمام هذه القضية العربية المحورية وهو ما يمكن إيضاحه على النحو التالي:

    عدم وجود أفق واضح أمام إمكانية التوصل إلى مصالحة فلسطينية داخلية تنهى حالة الانقسام الحالي بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتوفر عنصر قوة للموقف الفلسطيني ككل.

    استمرار الأوضاع المتردية في بعض الدول العربية مثل سوريا وليبيا دون وجود دلائل على إمكانية حلها وهو ما سيؤثر بالقطع على الاهتمام الإقليمي والدولي بالقضية الفلسطينية التي سوف تتراجع أولويتها مادامت هذه المشاكل قائمة.

    عدم قدرة الدول العربية حتى الآن على بلورة موقف قوي موحد حاسم تجاه حل القضية رغم امتلاكهم مبادرة السلام العربية التي لم ينجحوا حتى الآن في تسويقها دوليًا بالشكل المناسب والمقبول أو بلورة آلياتها بصورة عملية رغم أنها تستند على رؤية واقعية مفادها الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة مقابل السلام الكامل مع إسرائيل.

    فوز الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتولي الرئيس دونالد ترامب السلطة (ابتداء من العشرين من يناير 2017م) ووضوح مدى التحيز الكامل من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة لإسرائيل وتبني مبدأ استحالة فرض أي حلول من الخارج على إسرائيل الأمر الذي سوف يؤثر سلبًا على مبدأ حل الدولتين.

    استمرار الاجراءات الإسرائيلية في المناطق المحتلة سواء بالنسبة لسياسة الاستيطان أو تهويد القدس وهي كلها خطوات من جانب الحكومة الإسرائيلية الحالية تهدف لإقرار سياسة الأمر الواقع.

    قيام بعض الدول العربية بعدم تقديم الدعم المادي المطلوب للسلطة الفلسطينية رغم أنها بالقطع في حاجة إليه نظرًا لسوء الوضع الاقتصادي في المناطق المحتلة.

    احتمالات تفجر الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية والقدس إذا ما واصلت إسرائيل سياساتها المتطرفة تجاه المسجد الأقصى.

 ولا شك أن هناك خطوة عربية هامة يجب اتخاذها وعدم التهاون فيها من أجل دعم القضية الفلسطينية وتتمثل في ضرورة إعادة الزخم لهذه القضية رغم الأوضاع الإقليمية الراهنة بمعنى ضرورة التحرك والعمل على انتشال القضية من دائرة النسيان والعمل على إعادتها إلى دائرة الضوء، وهذا الأمر لن يأتي إلا من خلال التعامل مع القضية باعتبارها قضية أمن قومي عربي وليس أقل من ذلك.

 وبالرغم من الموقف الأمريكي المتوقع تجاه القضية الفلسطينية بعد تولى إدارة الرئيس دونالد ترامب يجب ألا نسقط بعض الكروت التي نملكها من الحسابات العربية وعلى سبيل المثال المبادرة الفرنسية بل يجب أن تكون هذه المبادرة أحد البدائل التي على  الجانب العربي التلويح بها على الأقل رغم عدم إمكانية نجاحها في أن ترى النور بالشكل المؤثر لاسيما مع الرفض الإسرائيلي القاطع لها، كما يجب أن تكون مبادرة السلام العربية أيضًا أحد البدائل التي من الضروري أن تكون حاضرة وقائمة ولا يجب أن تغيب أبدًا عن الأجندة العربية خاصة وأنها تحظى بإجماع عربي وترحيب دولي بغض النظر عن موقف إسرائيل الذى لا يزال يرفض كافة الحلول السلمية التي لا تتمشى مع رؤيتها .

 وترتيبًا على كل ما تقدم فإنه لابد على كافة الأطراف أن تتحرك خلال المرحلة القادمة من خلال المحاور التالية:

    ضرورة قيام السلطة الفلسطينية ببذل كل الجهود المطلوبة من أجل إنهاء الانقسام الفلسطيني / الفلسطيني بالإضافة إلى الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني باعتبارها العامل الرئيسي لقوة وصلابة الموقف الفلسطيني في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية.

    استمرار الدعم الخليجي للقضية الفلسطينية من الناحيتين السياسية والمادية بما في ذلك مواصلة دعم صمود مدينة القدس في مواجهة المخططات اليهودية مع أهمية إعادة النظر في استئناف أية مساعدات مادية متوقفة، ولا يمكن أن ننسى في هذا المجال أهمية الدعم المادي المتواصل الذي تقدمه دول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى للسلطة الوطنية الفلسطينية تنفيذًا لمقررات الجامعة العربية والذي تعتمد عليه السلطة الفلسطينية في دعم الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.

 التحرك العربي منذ الآن مع الإدارة الأمريكية الجديدة وعدم الانتظار حتى تتولى مقاليد الحكم وذلك لشرح الموقف العربي من سياسية الاستيطان الإسرائيلية والتمهيد من أجل استئناف المفاوضات الفلسطينية / الإسرائيلية على أسس واضحة أهمها تحديد مرجعيات التفاوض والسقف الزمنى لنهاية هذه المفاوضات.

    مواصلة التأييد – العلني على الأقل -للمبادرة الفرنسية للسلام المطروحة حاليًا ومحاولة العمل على توفير الفرص لإنجاحها مع الأخذ في الاعتبار ضرورة امتلاك بدائل أخرى للتحرك حيث أن إسرائيل رغم أنها قد رفضتها رسمياً إلا أنها ستواصل جهودها لإفشالها تماماً وإفشال أية جهود دولية أخرى.

    إعادة الاعتبار والثقل لمبادرة السلام العربية والتمهيد منذ الآن لإعادة طرحها على المجتمع الدولي في الوقت المناسب، مع وضع آليات واقعية لتسويقها ليس في فقط مع القوى الدولية المؤثرة ولكن داخل إسرائيل أيضًا باعتبار أن التأثير على الرأي العام الإسرائيلي يعد مدخلًا رئيسيًا لتغيير الموقف الرسمي للحكومة أيًا كانت طبيعتها.

    تنشيط المقاومة الفلسطينية السلمية في كافة المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة من خلال تنظيم فعاليات ومظاهرات سلمية توجه رسالة للعالم بأنه لا يزال هناك شعب محتل يرنو إلى أن يعيش في دولة مستقلة ذات سيادة مثله مثل كافة شعوب العالم الحر، مع الحرص على ألا تخرج هذه الفاعليات عن الإطار السلمي حتى تضمن تأييد وتعاطف المجتمع الدولي معها.

    عدم التخلي عن فكرة التوجه إلى مجلس الأمن الدولي (في الوقت الملائم) لطرح مشروع قرار يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة (الضفة الغربية – القدس – الجولان) ومحاولة تجميع أكبر قدر من التأييد لهذا القرار بغض النظر عن الموقف الأمريكي الذي سيتجه إلى استخدام حق الفيتو إذا ما تعارض المشروع مع مواقفه أو بشكل أكثر تحديداً مع الموقف الإسرائيلي.

 وبالتالي فإن الأمر يستوجب أن تقوم الدول العربية بتغيير التكتيك الذى تتبعه، وعليها التحول من سياسة الترقب والإدانة إلى سياسة النفس الطويل وتبنى مبدأ هجوم السلام على إسرائيل، ولا يجب أن نخضع لمقولة أن الوقت غير ملائم للتحرك العربي أو أن العالم منشغل بمكافحة الإرهاب أو أنه لا مكان لتسوية القضية الفلسطينية في الوقت الحالي وفى ظل المشكلات التي تعج بها المنطقة العربية، فعلينا أن نعلم أن إسرائيل لا تعرف سياسة الانتظار فهي تنفذ مخططاتها الاستيطانية بكل دقة وحرفية دون اكتراث بأي مواقف عربية أو دولية، ومن المهم أن أشير إلى أن قدرتنا على الربط بين حل القضية الفلسطينية وبين الحد من مخاطر الإرهاب في المنطقة يمثل تحديًا هامًا، وليس أمامنا إلا أن ننجح في صياغته وتسويقه وإعادة الاعتبار المطلوب والطبيعي للموقف العربي ككل.

 وفى ضوء ما تم استعراضه من مواقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه القضية الفلسطينية وأهم المحطات التي شهدتها القضية خلال عام 2016م، وتوقعاتنا لما يمكن أن يحمله العام المقبل 2017م، من تحديات ومخاطر أو نجاحات في ضوء الظروف الإقليمية والدولية، فلا شك أن القضية الفلسطينية لازالت تمر بمرحلة شديدة الحساسية نظرًا لعدم وجود أية مؤشرات في الأفق على إمكانية التوصل إلى حل سياسي لها في المدى المنظور ، الأمر الذى يتطلب تضافر الجهود العربية والفلسطينية للتوافق على رؤية موحدة للحل يتم التحرك على أساسها مع كافة الأطراف والقوى الإقليمية فهذه هي القضية العربية المحورية، وإذا لم يكن هناك تحرك عربي جماعي ( أو شبه جماعي ) فلن يكتب لهذه القضية أي نجاح بل يمكن أن تكون هذه القضية أحد الأسباب لعدم الاستقرار الأمني في المنطقة إذا ما وصل الشعب الفلسطيني وقيادته إلى أن الباب أصبح موصدًا أمام أي حل سياسي ولا مجال أمامهم سوى تغيير المعادلة الحالية على الأرض بأساليب أخرى.

مجلة آراء حول الخليج