; logged out
الرئيسية / التقارب التركي- الخليجي رسالة إلى أمريكا وروسيا برفض النفوذ الإيراني الجديد العاقات الخليجية - التركية عام 2016 أين التقت وأين تباعدت وإلى أين تتجه في المستقبل؟

العدد 114

التقارب التركي- الخليجي رسالة إلى أمريكا وروسيا برفض النفوذ الإيراني الجديد العاقات الخليجية - التركية عام 2016 أين التقت وأين تباعدت وإلى أين تتجه في المستقبل؟

الإثنين، 05 كانون1/ديسمبر 2016

انتهى عام 2015م،في أيامه الأخيرة على تأسيس تركيا والسعودية مجلس تعاون استراتيجي مشترك([1])، عقب زيارة ناجحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض ولقائه الملك سلمان بن عبدالعزيز بعد عام واحد تقريبًا من توليه عرش المملكة، وقد شهد عام 2015 م، تطورات كبيرة في العلاقات التركية الخليجية، بعد عامين من التطورات السلبية في العلاقات السياسية بينهما، وقد جسد إنشاء "مجلس تعاون استراتيجي" بين السعودية وتركيا التقاء رؤية البلدين لكثير من الملفات الساخنة في المنطقة، بعد عام من الصعاب التركية والسعودية في مواجهة التدخل الروسي الخطير في سوريا، والتدخل الإيراني الأخطر في اليمن وسوريا والعراق ولبنان أيضًا، ومنذ إعلان ذلك الاتفاق اعتبر "المجلس" نواة لقوة إقليمية قد تنطلق مقدراتها من التفاهم السياسي أولاً، ثم في مجال الطاقة والاستثمار الاقتصادي المتبادل النجاح للدولتين في المنافع والأرباح، وبهدف صناعة التوازن في القضايا الاستراتيجية على مستوى الإقليم والعالم.

وكانت العلاقات التركية ـ القطرية قد تطورت في السنوات الماضية بمستويات أكبر أيضًا، وكذلك مع باقي دول الخليج، ولكن الثقل الأكبر للعلاقات التركية الخليجية كانت ولا تزال مع المملكة العربية السعودية، وقد قطع البلدان في عام 2016م، شوطًا طويلًا من التنسيق والتعاون في توحيد المواقف على مستوى السياسات الأمنية والدفاعية والتعاون العسكري والاقتصادية والاستراتيجية، إضافة إلى مسائل التنمية والاستثمار المشترك، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية وتركيا نحو ستة (6) مليارات دولار، وهو رقم متواضع بالنظر إلى قدرات الدولتين الكبيرتين، وكلاهما عضو في دول قمة العشرين الاقتصادية، وبالرغم من مرور عام تقريبًا على ذلك الإعلان للتعاون الاستراتيجي إلا أن النتائج دون الطموحات مع السعودية على أقل تقدير، بينما حصل تطور في العلاقات التركية الخليجية الأخرى، وبالأخص العلاقات التركيةالإماراتية.

الإلتقاءالخليجي التركي في مواجه العدوان الإيراني:

في بداية عام 2016م، وجدت السعودية نفسها أقوى من قبل، فبعد أيام من توقيع الاتفاق أقدمت السعودية على قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بسبب حرق السفارة السعودية في العاصمة طهران وقنصليتها في مشهد، كما وجدت تركيا نفسها قوية في مواجهة التهديد الروسي اثرإسقاط الطائرة الروسية المنتهكة للأجواء التركية بتاريخ 24/11/2015م، وما أعقبها من عقوبات اقتصادية روسية على تركيا، سارعت بعض الدول الخليجية تغطيتها بزيادة التعاون الاقتصادي مع تركيا بعدها مباشرة، حيث ساهمت أكثر من (480) شركة استثمارية سعودية بتوسيع نشاطها في قطاع العقارات وغيرها، كما شاركتها شركات قطرية وكويتية وإماراتية في تشجيع السياحة الخليجية إلى تركيا، وتعويض النقص من السياح الروس.

وقد عزز الاتفاق التركي ـ السعودي التمسك بالمواقف السياسية المتفق عليها بين البلدين بخصوص دعم المعارضة السورية، والإصرار على رحيل الأسد، وتنسيق مواقفهما في محادثات جنيف وغيرها، وفي الدعم التركي المتواصل لمواقف السعودية والخليج في معركة إعادة الشرعية في اليمن ضد الانقلاب الحوثي، فالموقف التركي الحاسم والحازم المؤيد للسعودية والخليج في القضية اليمنية كان من أهم عوامل نجاح التحالف التركي السعودي والخليجي.

إن تأسيس مجلس التعاون التركي السعودي قد ساهم في تقوية العلاقات الخليجية التركية وخلال عام 2016م، لتحقيق أهداف أعلنها المؤتمر الصحفي المشترك لوزيري خارجية الدولتين بقول عادل الجبير: "إن الهدف من تأسيس المجلس، هو تعزيز العلاقات في كل المجالات، وخدمة للبلدين، والشعبين، وللأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما وأن المملكة وتركيا لديهما علاقات تاريخية وقديمة، وهناك شركات تركية عديدة تعمل في المملكة، وتبادل اقتصادي، وتجارة، واستثمارات، وسياحة بين البلدين"، وتابع، "الهدف من المجلس الذي تم التوجيه بإنشائه، هو تعزيز العلاقات القائمة بين البلدين، وجعلها تتم عبر مؤسسات، لكي تكون هناك استمرارية، ويكون هناك تنسيق أقوى وأكثر"، وأضاف "الهدف أيضًا هو تعزيز العلاقات لخدمة البلدين والشعبين، في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة والتحديات التي نواجهها سويا في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، سواء فيما يتعلق بالإرهاب والتطرف، أو بتدخلات إيران السلبية والعدوانية في شؤون المنطقة"([2]).

بدأ عام 2016م، بحرق السفارة السعودية بطهران وقنصليتها في مشهد بتاريخ 3/1/2016م، وبتاريخ 4/1/2016م، أعلنت السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وقد تبعتها في ذلك دول الخليج العربي والسودان وغيرها، وقد أثبتت هذه الحادثة انقسام أجهزة الحكم في إيران بين حكومة سياسية وكيان موازٍ أو دولة عميقة تملك القرار الثوري والسياسية للدولة الإيرانية، وقد استنكرت الحكومة التركية هذا التصرف، وطالبت الحكومة الإيرانية بضرورة الالتزام بـ"المبادئ الأساسية بعدم المساس بالمقار الدبلوماسية والقنصلية والتزام كل دولة بحماية هذه المنشآت من أي ضرر أو اعتداء"([3]).

إن الموقف التركي من السياسة الإيرانية الخاطئة في البلاد العربية قد فتح صفحة جديدة للعلاقات التركية الخليجية، وهي آخذة في زيادة التعاون التركي الخليجي الذي بدأ بالتقارب التركي القطري ثم تبعه السعودي، ولاحقًا الإماراتي والكويتي والبحريني، ومحور هذا التحالف هو أن التحديات واحدة، وأن الحل واحد أيضاً، وهو ثني القيادة الإيرانية عن سياستها الطائفية الخاطئةفي  المنطقة،بالطرق السياسية أولاً، وإلا فإن وضع الخيارات الأمنية والعسكرية ضرورة دفاعية، سواء في اليمن أو في سوريا أو في العراق أو في غيرها، أي أن تركيا وكل دول الخليج تريدتصويب الوضع السياسي في المنطقة كلها، ولا تقوى دولة واحدة منها على مواجهة الاعتداءات الإيرانية في المنطقة، ومن باب أولى أن لا تستطيع علاج الأخطاء الإيرانية وحدها، فمستقبل سوريا يكمن في أيدي الشعب السوري أولاً، ويكمن بأيدي جيرانها من العرب والأتراك، إضافة إلى أن دول الخليج وتركيا تعاني من نتائج السياسة الإيرانية العدوانية داخل دولها وليس في العراق وسوريا واليمن ولبنان فقط.

وإذ تمكنت تركيا ودول الخيج من الاتفاق على موقف مقبول في مستواه السياسي على الأقل من العدوان الإيراني، إلا أنها لم تستطع بلورة موقف مشترك من العدوان الروسي على سوريا، فبدا الموقف من العدوان الروسي نقطة اختلاف بينهما وإن لم تصبح نقطة تباعد بينهما أيضًا، فطوال عام ونصف تقريبا لم يصدر عن تركيا ودول الخليج موقف مشترك برفض القصف الروسي على الشعب السوري، وهذا موقف لم يكن مقبولاً، وبالأخص أن تركيا مرت بلحظات صعبة في العلاقات السياسية والاقتصادية مع روسيا بعد حادثة الطائرة الروسية 24 نوفمبر 2015م، وقد انتقد البعض المواقف الخليجية والسعودية في عدم إبداء موقف سياسي أعلى في الوقوف إلى جانب الموقف التركي.

فلا يجوز ترك الشعب السوري لقمة صائغة لغطرسة بوتين وجيشه الأعمى، الذي قصف المساجد والجوامع والمدارس والمستشفيات والمدارس بحسب تقارير منظمة العفو الدولية أمنستي، وبحسب إفادات لمبعوثين دوليين تابعين للأمم المتحدة أيضًا، وبالأخص بعد ثبوت كذب الدعاوى الروسية بأنها جاءت لمحاربة الإرهاب في سوريا، فالقتلى من القصف الروسي هم من المدنيين بنسبة 93%، والباقي من الإرهابيين بحسب مصادر دولية، ومع ذلك واجهت الحملة الروسية في سوريا مجموعة من الصعاب جعل مهمتها السياسة والعسكرية صعبة جدًا، بل هي أقرب إلى الفشل منها إلى النجاح، وليس أدل على ذلك هو حاجة ضابط الرئيس فلاديمير بوتين إلى تأييد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لتبارك له حملته بوصفها حربًا مقدسة، وهذه من أوصاف الحروب الصليبية البغيضة.

ولكن وبعد عام كامل أدركت روسيا وأيقنت أنها وصلت نهاية أهدافها من العمل العسكري، وأنها أمام تخبط عسكري، وأنها أيضًا أمام تخبط سياسي، ولكنها لا تستطيع التراجع عسكريًا الا بتحقيق نجاح سياسي، ولكنها فشلت سياسيًا أيضًا في مؤتمرات فيينا ثم جنيف ثم إعلان وقف الأعمال العدائية في سوريا، في اتفاق بين روسيا وأمريكا الذي أعلن عنه يوم 22/2/2016 م، وفرض وقف إطلاق النار بتاريخ 27/2/2016م، والذي تم انتهاكه في اليوم الأول بعمليات إرهابية قام بها جيش الأسد وحده، بينما امتنع الطيران الروسي عن القيام بأية غارة عدوانية في اليوم الأول، وكذلك امتنعت فصائل الثورة السورية عن القيام بأية أعمال عسكرية في اليوم الأول أيضًا، وقد أيدت تركيا ودول الخليج ذلك الاتفاق، والذي بعده في شهر تشرين أول/ اكتوبر من نفس العام، ولكن دون الالتزام بها، لأن أمريكا كانت تستهدف استنزاف روسيا وإيران ولا مصلحة لها بوقف القتال، وأصبحت روسيا أكثر حاجة للموقف التركي السياسي لإخراج نفسها من الفشل العسكري والسياسي في سوريا، وهو ما رحبت به تركيا، وبقيت نقاط الالتقاء الخليجي التركي على مدى عام 2016م، في مواجه العدوان الإيراني.

الالتقاء على تعاون عسكري تركي ــ خليجي:

لم يتوقف الحديث عن تعاون عسكري تركي مع دول الخليج ولو بصورة منفردة طوال عام 2016م، وقد جرى الحديث عن تبادل بناء قواعد عسكرية بين تركيا وقطر، وكذلك تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة في السعودية وتركيا، فبعد توقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي بين تركيا والسعودية ذكرت تقارير مختصة عن شراء السعودية أسلحة ومعدات عسكرية تركية بقيمة عشرة مليارات دولار، كما قامت دولة قطر بتاريخ 5/4/2016م، بشراء 6 زوارق بحرية بقيمة 41 مليون يورو من تركيا، من طراز (MRTP 20) عاليةالسرعةومتخصصةبإجراء دوريات بحرية،التي تنتجها شركة "يونجاأونوك" التركية.

وفي منتصف مايو / أيار من هذا العام تواصلت عمليات التدريب والمناورات العسكرية المشتركة بين تركيا وعدد من الدول الخليجية وفي مقدمتها قطر والسعودية، كما استضافت ولاية إزمير غرب تركيا، تدريبات عسكرية مشتركة لقوات خاصة من عدة بلدان، بينها القوات الخاصة السعودية والقطرية، وشارك فيها أحدى عشرة دولة، منها الولايات المتحدة وأذربيجان وألمانيا وتركيا وقطر والسعودية، وشملت التدريبات مشاركة قطع عسكرية بحرية ومجموعات برية وتدريبات لسلاح الجو، وهذه المناورات والتدريبات كانت فرصة لتركيا ودول الخليج للتعرف على الصناعات العسكرية التركية المتقدمة ومنها البندقية التركية "إم بي تي - 76" القتالية الخاصة بها، والتي تم تأسيس خط إنتاج شامل لها هذا العام، لصناعتها في الولاية التركية "قريق قلعة"، بعد أن انتهى المهندسون الأتراك من تصميمها وتجربتها، كما تنتج تركيا العديد من أسلحتها الدفاعية الخاصة، مثل الطائرات بدون طيار وصواريخ الدفاع الجوي المشابهة للباتريوت والسفن والغواصات الحربية، وهذا دليل على توجه تركيا لجعل الأسلحة الدفاعية من أهم مصادر دخلها الاقتصادي في المستقبل القريب، وهذا يتطلب دعمًا ماليًا من التمويل العربي، والأفضل أن يكون شراكة عربية تركية في هذه الشركات الكبرى لصناعة وبيع الأسلحة الدفاعية.

الالتقاء على معالجة قضايا العالم الإسلامي:

وكان شهر أبريل / نيسان من عام 2016م، موعد انطلاق مؤتمر قمة "منظمة التعاون الإسلامي" في اسطنبول في دورتها الثالثة عشرة 14و15/ نيسان/إبريل 2016م، وقد استثمرت دول الخليج وتركيا المؤتمر بتوجيه رسالة هامة لإيران، بأن تبنى بيان مؤتمر القمة التنديد بالسياسة الطائفية لإيران أولاًـ وتحميلها مسؤولية حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، وقد دعت القمة الـ(13) لمنظمة “التعاون الإسلامي” التي اختتمت أعمالها يوم الجمعة 15 نيسان/إبريل 2016م، في مدينة إسطنبول التركية إيران إلى ما يلي:

1 ـ دعت إيران إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.

2 ـ أدان البيان تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء، منها البحرين واليمن وسوريا والصومال، واستمرار دعمها للإرهاب.

3 ـ أدان مؤتمر القمة الإسلامي "حزب الله" اللبناني، لقيامه بأعمال إرهابية في سوريا والبحرين والكويت واليمن.

4 ـ أدان مؤتمر القمة الإسلامي حزب الله اللبناني لدعمه حركات وجماعات إرهابية تزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في المنظمة.

5 ـ أكد بيان القمة الإسلامي 13 على أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول الإسلامية وإيران قائمة على مبادئ: حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها.

6 ـ أكد بيان القمة الإسلامي 13 على أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول الإسلامية وإيران قائمة على مبادئ حل الخلافات بالطرق السلمية، وفقًا لميثاق منظمة التعاون الإسلامي وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها.

7 ـ أدان بيان القمة 13 الاعتداءات التي تعرضت لها بعثات المملكة العربية السعودية في مدينتي طهران ومشهد في إيران (في يناير/كانون الثاني الماضي)، والتي تشكل خرقًا واضحًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية والقانون الدولي الذي يحمي حرمة البعثات الديبلوماسية.

8 ـ رفض البيان الختامي “التصريحات الإيرانية التحريضية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة العربية السعودية”، معتبرًا ذلك “تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية للسعودية مما يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي وجميع المواثيق الدولية.

9 ـ أكد البيان الختامي المشترك الذي أصدرته القمة الإسلامية 13 على مركزية قضية فلسطين والقدس، وإدانة سياسات الاحتلال الإسرائيلي الرافضة للإمتثـال لقـرار مجلس الأمن رقم 497 بشأن الجولان السوري المحتل، كما أكد البيان الختامي للقمة الإسلامية على ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام في وقت مبكر لوضع آلياتٍ لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وبتاريخ 21/4/2016م،شهدت العاصمة السعودية الرياض القمة الخليجية ــ الأمريكية الثانية، والتي يحضرها ملوك وأمراء ست دول خليجية يشملها مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وقد سبق هذه القمة قمة خاصة بين السعودية وأمريكا، حضرها الملك سلمان بن عبدالعزيز مع الرئيس الأمريكي أوباما، وما يميز هذه القمم أنها ولأول مرة تصرح بالمخاوف الأمنية من التهديدات الإيرانية، وأن أمريكا تشارك دول مجلس التعاون الخليجي هذه المخاوف، وتشاركها الرأي بأن السلوك الإيراني في المنطقة قد أحدث حالة من عدم الاستقرار في المرحلة السابقة.

التقاء تركيا والخليج في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية:

لقد كان الاختلاف الإماراتي ـــ التركي كبيرًا بسبب مواقف خارج العلاقات البينية الثنائية بينهما، مثل الموقف من الانقلاب العسكري في مصر ، وكان أثر هذا الاختلاف كبيرًا حتى اعتبرت بعض السلوكيات الثنائية عدائية دون وجود أسباب حقيقية، حتى استطاعت النتائج في مصر أن تغير من حدة هذه الاختلافات، إضافة إلى نجاح المملكة العربية السعودية بقيادة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بتحييد الاختلاف حول ما طرأ من تغييرات في مصر على العلاقات الثنائية بين تركيا والسعودية، فسياسة التحييد نجحت في إيجاد تقارب تركي ــ سعودي حقيقي، تحتاجه كلا الدولتين السعودية وتركيا في ظل تحديات إقليمية كبيرة، إضافة إلى أن الموقف التركي من الحدث المصري أصبح أكثر تفهمًا، بأنه ليس دعمًا لتيار سياسي بعينه، فالمخاوف الخليجية بخاصة والعربية بعامة من وجود أطماع تركية في البلاد العربية قد زالت وانتفت، وثبت ما هو عكسها، بتقديم تركيا الحق العربي ودعمه بكل جرأة وشجاعة، بغض النظر عن التيار الفكري والسياسي الذي يحمل هذا الحق، حتى لو كلف ذلك تركيا بعض الخسائر الاقتصادية والسياسية إقليميًا ودوليًا، فوقوف تركيا إلى جانب الحق العربي الفلسطيني قويًا وواضحًا، حتى لو أدى إلى تضرر العلاقات التركية ــ الإسرائيلية، كما أن وقوف تركيا إلى جانب الحق العربي في اليمن ضد السياسات الإيرانية الطائفية كان نقطة أساسية في تغيير موقف السعودية من تركيا، بل أثبتت تركيا أنها دولة صديقة ووفية للدول العربية في مواجهة التحديات التي تواجهها الدول العربية والخليجية في المنطقة، وفي المحافل الدولية، وموقفها في دعم الإمارات في حقها بجزرها الثلاث في مياهها الإقليمية في الخليج العربي معروف أيضًا.  

ولا شك أن توقيع تركيا لاتفاقيات تعاون استراتيجي مع الحكومة القطرية في أواخر عام 2015م،  أولاً، وتوقيع اتفاقية مجلس تعاون استراتيجي بين تركيا والمملكة العربية السعودية في الأيام الأخيرة لعام 2015 م، كما سبق بيانه ثانيًا، وتحسن العلاقات التركية ــ الكويتية، والبحرينية ثالثًا، من العوامل التي تدفع كلا الحكومتين الإماراتية والتركية إلى تجديد التواصل بينهما، ومحاولة نزع أسباب الاختلاف بينهما، وبناء علاقات سياسية واقتصادية متينة أيضًا، بغض النظر عن نقاط الاختلاف الأخرى، أو بتحيدها، كما تم الاستفادة من مؤتمر قمة التعاون الإسلامي،فتركيا سبق وأن عملت على فكرة مبدأ تعاون تركي ــ خليجي منذ سنوات، وتقويته مع بعض الدول الخليجية ليس بالضرورة أن يكون على حساب دول خليجية أخرى، بل أن يزيد من التعاون والتكامل بينهما، ولا شك أيضًا أن نجاح مؤتمر القمة الإسلامي في اسطنبول بالاتفاق على تشخيص المشاكل في العالم الإسلامي، بما فيها تحميل الحكومة الإيرانية الكثير من المسؤولية عن حالة عدم الاستقرار في المنطقة، والتنديد بالسياسة الإيرانية الطائفية، والتنديد بالسياسة الإيرانية التي تتدخل في الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، كل ذلك ساهم بدعم مزيد من التواصل والتلاقي الإماراتي التركي في عدد كبير من المشاكل والأزمات التي تعصف بالمنطقة.

وفي الجانب الاقتصادي فإن حجم الاستثمارات الاقتصادية الإماراتية في تركيا أخذ في تزايد كبير، وكذلك فإن العديد من الشركات التركية قد كسبت العديد من التعهدات الكبرى في دولة الإمارات العربية في السنوات القليلة الماضية، تعطل بعضها بسبب سوء العلاقات بين البلدين، كل ذلك يفرض على حكومات الدولتين مواكبة الازدهار في العلاقات الاقتصادية بتواكب مع ازدهار في العلاقات السياسية، فالاستقرار السياسي الناجح في كلا الدولتين سيؤول لمزيد من التعاون الاقتصادي أيضًا، وقد تكون تراجع العلاقات الاقتصادية التركية الروسية بسبب العدوان الروسي على الأراضي التركية، ومحاولة روسيا فرض أجندتها السياسية والاقتصادية على المنطقة أحد أسباب التقارب التركي الخليجي عمومًا، والإماراتي بدرجة ما، وبالأخص أن سياسة التفاهمات الروسية ــ الأمريكية تبدو أنها على حساب مصالح الدول العربية والخليجية وتركيا أيضًا، وأنها لصالح أطراف إقليمية أخرى، وهو ما تنبهت له القيادة السعودية من قبل، ويفرض على دول الخليج بعامة بما فيها دولة الإمارات أن تبحث عن توسيع مدى صداقاتها مع الدول الصديقة والقوية مثل تركيا، وقد تم تتويج ذلك بزيارات متبادلة لوزراء الخارجية التركي والإماراتي في الثلث الأخير من عام 2016م، فكان ذلك دليلًا على طي صفحة من الاختلاف بين الأخوة.

لم يصدر أي تصريحات إماراتية أو تركية حول القضايا التي يتم بحثها بين الوزيرين،ولكن الحفاوة والاهتمام الرسمي المتبادل يعتبر مؤشرًا على ارتفاع درجة التقارب التركي الإماراتي، والأرجح أن التعاون الثنائي والإقليمي هو الدافع إلى هذا التقارب الطبيعي، ولكن قد لا يعني هذا التقارب على أن كل نقاط الخلاف التركي الإماراتي سوف تنتهي سريعًا، وبالأخص فيما يدور من اهتمام حول الموقف من الأوضاع السياسية في مصر، لأن الموقف التركي موقف يحترم المبادئ الديمقراطية والقانونية وحقوق الإنسان المصري والعربي والمسلم، بغض النظر عن ازدواجية المعايير لدى الغرب إذا ما تعلقت حقوق الإنسان بالعرب والأتراك والمسلمين خصوصًا.

وقد تم تفهم مطلب الحكومة الإماراتية بخصوص تواجد عدد قليل من المعارضة الإماراتية مقيمين في تركيا بطريقة ترضي جميع الأطراف، وأما التعاون العسكري التركي الإماراتي فهو في توسع بحكم التعاون الدولي بمكافحة الإرهاب، وقد وصلت بضع طائرات إماراتية حربية إلى قادة انجيرليك التركيةلاجراء تدريبات مشتركة.

وبتاريخ 5/5/2016م،جاء إعلان رئيس حزب العدالة والتنمية الدكتور أحمد داود أغلو بأن الحزب سيعقد مؤتمرًا استثنائيًا يوم 22/5/2016م،لانتخاب رئيس جديد، وأنه لن يترشح إلى رئاسة الحزب، وقدعقد مؤتمر الحزب بتاريخه المقرر وتم انتخاب السيد علي بن يلدرم رئيسًا للحزب، وتم تكليفه من رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان بتشكيل الحكومة التركية.

وبتاريخ 11/7/2016 م، خطب الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله خطابًا عدائيًا هاجم فيه تركيا والسعودية والبحرين خاصة ودول الخليج عامة، وميزة هذا الخطاب أنه الخطاب الثاني الذي يهاجم فيه "نصرالله" تركيا كثيرًا، والملفت للنظر أنه جاء قبل الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا بأربعة أيام فقط، وفي ذلك دلالة على مشاركة إعلامية لحسن نصرالله ضد تركيا في تلك المرحلة، أما فشل الانقلاب نفسه فقد كشف عن تضامن كبير من الشعب العربي والخليجي مع الشعب التركي أولاً، وكشف عن دعم كل الدول الخليجية للحكومة التركية ضد الانقلاب ثانيًا، وكذلك في معالجة تداعياته السياسية والاقتصادية ثالثًا، فكان الانقلاب منحة ربانية لتوحيد الشعب التركي داخليًا، ولتوثيق علاقاته مع أصدقائه المخلصين في مقدمتها دول الخليج، وثبت أن هناك دولاً أخرى كانت تدعي صداقة تركيا، ولكنها كانت منزعجة من فشل الانقلاب، ولعل أمريكا والدول الأوروبية في مقدمتها.

وبتاريخ 24/8/2016م، أقدمت تركيا على عملية عسكرية جريئة في الأراضي السورية بدعم الفصائل السورية المسلحة وعلى رأسها الجيش السوري الحر للسيطرة على أراضيها واستردادها من الأحزاب الإرهابية، سواء كانت تنظيم داعش أو حزب العمال الكردستاني وقواته المسلحة في سوريا باسم حزب الاتحاد الديمقراطي أو قوات سوريا الديمقراطية أو قوات حماية الشعب أو حزب الاتحاد الديمقراطي، فالأسماء السياسية كثيرة، ولكنها متشابهة ولها رأس واحد موجود في جبال قنديل العراقية الخاضعة للحرس الثوري الايراني هو جميل بايك، وهو الرئيس الحالي لحزب العمال الكردستاني، ليس لأن عبدالله أوجلان الرئيس الأصلي في السجن فقط، وإنما لأنه يخالف رؤى وسياسة أوجلان في معالجة القضايا في تركيا والمنطقة، وقد أيدت دول الخليج سياسة الحكومة التركية في مواجهة الأحزاب الإرهابية التي تستهدف الأمن الداخلي التركي.

وبتاريخ 25/8/2016م، قام ملك البحرين بزيارة رسمية إلى تركيا، ووقع اتفاقيات سياسية وأمنية واقتصادية مع الحكومة التركية، نظرًا للأخطار الأمنية التي تواجه مملكة البحرين، والتي أدت بها إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع ايران، وقد عبر عن ذلك في تلك الزيارة وزير الإعلام البحريني معربًا عن:"اعتـزازه بوقوف تركيا الدائم إلى جانب أمن واستقرار مملكة البحرين والخليج العربي، ودعمها لمسيرة الإصلاح والديمقراطية في المملكة، ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية وتأييدها للإجراءات البحرينية المتخذة لمحاربة التطرف والإرهاب وتطبيق سيادة القانون"، وأشار إلى "المواقف البحرينية والخليجية الداعمة لأمن واستقرار تركيا وتقدمها بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، في إطار الشرعية الدستورية"، وأضاف أن "تركيا من أهم الوجهات السياحية المفضلة للمواطنين البحرينيين الذين ارتفعت أعدادهم من 491 سائحًا إلى تركيا عام 2000م, إلى أكثـر من 32.4 آلاف سائح بحريني عام 2015".

وتوقع وزير الإعلام البحريني "انتعاش السياحة البحرينية إلى تركيا مع منح المزيد من التسهيلات في التأشيرات السياحية"، مؤكدًا على صعيد آخر اعتـزاز مملكة البحرين بإسهامات الجالية التركية في مسيرة التنمية الاقتصادية في بلاده.

وحسب آخر الإحصائيات الرسمية، التي نقلتها وكالة الأنباء البحرينية، يصل حجم التبادل التجاري بين المنامة وأنقرة إلى حوالي 400 مليون دولار، وتتركز صادرات البحرين إلى تركيا في الصناعات التحويلية والألمنيوم الخام، فيما تتركز واردات المملكة من تركيا على المنتجات الاستهلاكية كالأغذية والمشروبات والسجائر والألبسة والمنسوجات والإكسسوارات وغيرها.

وبتاريخ 29/9/2016م، قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بزيارة إلى تركيا وقد تم توقيع مذكرات تعاون في مجال العمل والموارد البشرية والتدريب، وتبادل المعلومات والوثائق، كما شهد مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، بتاريخ 13/10/2016 م، انعقاد الاجتماع الوزاري الخليجي - التركي المشترك الخامس، بمشاركة وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزير الخارجية التركي جاويش أوغلو وبرئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، حيث تم خلاله بحث سُبل تعزيز التعاون المشترك في المجالات المختلفة بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وتطورات الأوضاع الأمنية والسياسية بمنطقة الشرق الأوسط وجهود مكافحة الإرهاب، وما يميز هذا الاجتماع أنه جاء بعد توقف دام أربع سنوات، حيث كان آخر هذه الاجتماعات في يناير 2012م.

ومن دلالات الاجتماع الخليجي ــ التركي اهتمامه في بيانه الختامي بالتأكيد على المواقف المتفق عليها بين تركيا ودول الخليج العربي، وفي مقدمتها القضية السورية، والتأكيد على وحدتها واستقرارها وسلامتها الإقليمية، وأهمية التوصل إلى حل سلمي للأزمة، ومواجهة تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة الأخرى، والالتزام بالحفاظ على وحدة واستقرار العراق، ودعوة إيران إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وإدانة الاعتداء على السفينة الإماراتية سويفت بالبحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب، ورفض إقرار الكونجرس الأمريكي قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب "جاستا".

ومن النقاط المهمة الاتفاق على تمديد خطة العمل المشتركة الحالية بين مجلس التعاون الخليجي وتركيا لنهاية عام 2018م، وتطويرها بما يتلاءم مع تطورات التعاون الاستراتيجي بين دول المجلس وتركيا، فضلاً عن الاتفاق على عقد الاجتماع الثالث لفريق عمل التجارة والاستثمار خلال عام 2017م، في تركيا، والتأكيد على هدف إنشاء منطقة تجارة حرة بين مجلس التعاون الخليجي وتركيا في أقرب وقت ممكن من خلال استئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة.

كما تناول البيان الختامي إدانة المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، وتأييد الإجراءات التركية ضد حركة "جولن"، وكذلك الموقف من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية، وذلك بتأكيد البيان على تأييد كافة العمليات ضد جميع المنظمات الإرهابية، وهذا البيان يؤكد رغبة دول الخليج في تحالف استراتيجي مع تركيا لمواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة، فتركيا تقاتل في شمال سوريا إيران بطريقة غير مباشرة، وكذلك تقاتل دول الخليج النفوذ الإيراني في اليمن بطريقة غير مباشرة أيضًا، وقد تكلل كلا العملين بالنجاح، وهم بحاجة إلى نجاح مماثل في الموصل أيضًا، فالمواقف التركية والخليجية والسعودية بصفة خاصة متوافقة في قضية الموصل، وهو ما مكن تركيا أن تتخذ مواقف صارمة من التهديدات التي تطلقها إيران ضد تركيا على لسان رئيس الوزراء العراقي العبادي، وإصرار تركيا على بقاء وجودها العسكري في شمال العراق بمعسكر بعشيقة، واستمرار عملها بتدريب قوات الحشد الوطني المكون من العشائر السنية العربية للمشاركة في تحرير الموصل من "داعش".

مستقبل العلاقات الخليجية ـ التركية:

من المؤكد أن نقاط الالتقاء الخليجي التركي كانت كبيرة في عام 2016م، وأن المستقبل واعد أكثر، نظرًا لحالة الاستقرار السياسي والأمني الذي تتمتع به دول الخليج وتركيا، وأنهم سيواصلون جهودهم في الدفاع عن حقوق الشعب السوري، ورد العدوان الإيراني الطائفي عن المنطقة، فإيران في لحظة فارقة ومرحلة حرجة، ولو وثقت دول الخليج تعاونها مع تركيا بصورة أكبر في مقاومة العدوان الإيراني فسوف تتحول إيران إلى حالة الدفاع، ولعل إفشال جهود إيران في السيطرة على شمال العراق ولو بأيدي من الحشد الشعبي الشيعي أو بأيد حزب العمال الكردستاني، فإن ذلك سوف يحبط مشاريع إيران في المنطقة، وسوف يردعها إلى حدودها الجغرافية والسياسية، ولعل خطوة منظمة المؤتمر الإسلامي بتاريخ 17 تشرين ثاني/ نوفمبر 2016م، للتنديد باطلاق الحوثيين إطلاق صاروخ باليستي على مكة المكرمة خطوة مهمة جدًا في إحراج الحكومة الإيرانية أمام شعبها وأمام العالم الإسلامي أجمع، ولعل مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يكون عاملاً مساعدًا لكبح جماح إيران العدوانية على الدول العربية.

إن القضايا العالقة في المنطقة وتحتاج إلى معالجة سريعة وقوية وجريئة هي القضية السورية والعراقية واليمنية، والقضايا الثلاث يمثل الاختراق الإيراني فيها الخطر الأكبر، فلولا العبث الإيراني وتشجيعه أمريكيًا لما بقيت هذه الأزمات دون حل حتى الآن، وإيران لها أهداف توسعية قي الجغرافيا العربية وإلا لما أرسلت عشرات الألوف من جيشها النظامي إلى سوريا والعراق، ولما أرسلت عشرات الألوف من حرسها الثوري إلى العراق وسوريا، ولما أرسلت عشرات الألوف من المتطوعين للقتال في مشروعها التوسعي من العراقيين والأفغان واللبنانيين وغيرهم، ولما أقدمت على بناء مصانع صواريخ باليستية لها في المدن العربية الواقعة تحت الاحتلال الإيراني المباشر، فهذه التصرفات تؤكد أن إيران تهدف إلى تواجد عسكري كبير ودائم في هذه الدول، إن لم تكن بهدف ضمها للامبراطورية الفارسية الطامعة بالأراضي العربية، وبالأخص التي يتواجد فيها أقليات شيعية تابعه للمرجعية الإيرانية مذهبيًا وسياسيًا وعسكريًا.

لقد كان انعقاد الاجتماع الوزاري لمجلس التعاون الخليجي مع تركيا في شهر تشرين أول/ أكتوبر 2016م، دليلاً واضحًا على مصداقة التقارب في وجهات النظر بينهما فيما يتعلق بأهم القضايا الإقليمية السياسية والأمنية والعسكرية، وكذلك تشكيلهما معًا ما يمكن اعتباره بأنه دائرة تعاون جديدة تمتد إلى النواحي الاقتصادية، فقد تم الاتفاق على بحث إنشاء منطقة تجارة حرة بين الجانبين، في ظل اتفاق في وجهات النظر على أهم التهديدات التي تواجه المنطقة، وكذلك عقد منتدى الأعمال والاستثمار الخليجي التركي في الثاني من تشرين ثاني/ نوفمبر القادم في مملكة البحرين، وذلك في إطار الحوار الاستراتيجي القائم بين مجلس التعاون الخليجي وتركيا، وقد وصلت قيمة الاستثمارات الخليجية عشرات المليارات في العقد الأخير ، حيث تستثمر قطر 20 مليار دولار ، وتستثمر السعودية إلى 6 مليارات دولار ، وأصبح في تركيا آلاف الشركات الخليجية التي تستثمر في مجالات العقارات والسياحة وغيرها، وعدد السياح الخليجيين في تركيا قارب المليون سائح سنويًا.

لا شك أن التقارب التركي الخليجي يقلق إيران، لأن السياسة الإيرانية تأمل أن لا يقف أحد من الدول العربية أو تركيا في طريق توسيع نفوذها الطائفي والسياسي خارج إيران، فقد أخذت الضوء الأخضر الأمريكي للتوغل في البلاد العربية، وبالأخص التي فيها أقليات شيعية تعتبرها إيران تحمل التابعية الإيرانية الخامنئية، وتشجعها أمريكا على ذلك أيضًا، لأن الرؤية الأمريكية الجديدة أن لإيران حقًا معنويًا في الرعاية المذهبية الكنسية لأتباعها في البلاد العربية، وهذا بلا شك يخدم الاستراتيجية الأمريكية لإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وهذا أمر يضر بالأمن القومي العربي والتركي معًا،ولابد  أن الدولة الإسرائيلية أخذت ضمانات أمنية من أمريكا لحمايتها من إيران، أو أن الرؤية الأمريكية للتوسع الإيراني هي مرحلية فقط، ولكن وبعد أن فشلت إيران في محاولة فرض سيطرتها على المنطقة، وجاءت روسيا لتساعدها لا لتنتحر من أجلها، أصبح التقارب التركي ــ الخليجي رسالة إلى أمريكا وإلى روسيا بأن الأتراك والعرب لا يوافقون على النفوذ الإيراني الخطير، وأنهم مضطرون لإعادة موازنة علاقاتهم البينية أولاً، ومع أمريكا وروسيا ثانياً، سواء في المجالات السياسية والإقتصادية وحتى العسكرية.

واليوم تتبنى دولة قطر تشجيع العلاقات الخليجية مع تركيا، وليس العلاقات القطرية التركية فقط، وفي ذلك قال وزير الاقتصاد والتجارة القطري، الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني:" نسعى إلى عقد إجتماعات ولقاءات في الدوحة لتعزيز علاقات تركيا مع دول مجلس التعاون الخليجي"، وقد جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال مشاركته في فعاليات منتدى الأعمال الدولي الـ 20، الذي انطلق بتاريخ 9 تشرين ثاني/ نوفمبر 2016م، تحت رعاية جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين التركية (موسياد)، وجاءت تصريحات الرئيس التركي أردوغان بهذا الصدد لتؤكد على أن تعزيز التعاون التركي الخليجي في المستقبل سيكون رابحًا للجميع، وقال إن المنطقة ستنمو وتزدهر .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وباحث تركي

 

([1]) انظر: http://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2015/12/31/-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8.

 

([2]) انظر: http://www.dailysabah.com/arabic/politics/2015/12/30/.

 

([3]) انظر: 5/1/2016، http://www.turkpress.co/node/17153.

 

مجلة آراء حول الخليج