array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 116

الاتحاد الأوروبي في خطر محدق وتيارات اليمن المتشدد تجد قبولاً واسعًا الأزمة الإيطالية ومخاطر تفكيك الاتحاد الأوروبي

الإثنين، 06 شباط/فبراير 2017

لم يكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مجرد حدث عابر في الساحة الدولية، بل نقطة تحول عميقة في مسار بناء الصرح المؤسساتي للاتحاد، بعد أن باتت عدوى التفكك تشكل تهديدًا حقيقيًا قابلاً للانتقال إلى باقي مكونات القارة العجوز، والمثال الأبرز على ذلك هو الأزمة الإيطالية الحالية ومخاطر تكرار السيناريو البريطاني.

ويبدو أنه ليس من المبالغة اليوم دق ناقوس الخطر من تدحرج الاتحاد الأوروبي إلى الهاوية واستمرار عملية التفكك بشكل مشابه لنظرية الدومينو في العلاقات الدولية، حيث أن سقوط قطعة الدومينو الأولى سوف تؤدي إلى سقوط القطعة الثانية وبالتالي انهيار كل القطع، فالأسباب التي دفعت بريطانيا إلى إعلان الطلاق مع المجموعة الأوروبية هي نفس الأسباب التي تدفع إيطاليا إلى أن تأخذ نفس المنحى من خلال المطالب الإيطالية بالتشدد في معالجة ظاهرة الهجرة والمرونة في التعاطي مع الضائقة الاقتصادية.

اليمين المتشدد ومطالب الانسحاب من الاتحاد الأوروبي

بعد أن بلغت المؤسسات الأوروبية مستويات عالية من النضج والتكامل فوق قومي، برزت تيارات قومية محلية تسعى إلى تفكيك أهم التجارب الوحدوية في العالم، بعد تنامي مشاعر العداء للكيان الأوروبي مدفوعة بالمد المتواصل للهجرة القادمة من مناطق التوتر في الشرق الأوسط، بشكل أدى إلى تحريك المشاعر المحلية والرفع من النعرات الوطنية الشعوبية التي باتت تهدد ليس فقط فضاء الاندماج الأوروبي، وإنما أيضًا أسس الديمقراطية العريقة وقيم التعايش المشترك الأوروبية.

ويمكن النظر إلى الأزمة الإيطالية بأنها استمرار للامتداد المتواصل للأحزاب اليمينية الشعوبية، فمن إيطاليا إلى ألمانيا إلى إسبانيا واليونان استفادت الحساسيات اليمينية المتشددة من تنامي مشاعر الشك والريبة تجاه المنظومة الوحدوية الأوروبية في ظل تنامي مخاطر الإرهاب والأزمات الاقتصادية الخانقة، وتفشي الإشكاليات المرتبطة بالهجرة والبطالة والتراجع التدريجي لنموذج دولة الرفاه الذي ساد خلال العقود الماضية.

فبعد رفض التعديلات الدستورية المقترحة من طرف رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي والتي كانت تستهدف التقليص من صلاحيات مجلس الشيوخ الإيطالي والأقاليم لصالح الحكومة، فقدت المؤسسات المركزية الأوروبية التقليدية أرضًا أخرى، حيث حقق اليمين المتشدد والحركات الشعبوية وعلى رأسها حركة 5 ستار الإيطالية انتصارًا كبيرًا بعد رفض هذه الإصلاحات من طرف 60 في المائة من الإيطاليين، وهو ما دفع رئيس الوزراء إلى تقديم الاستقالة كرد فعل على الرفض الشعبي للتعديلات الدستورية.

ويمكن أن تشكل نتيجة الاستفتاء حافزًا قويًا لحركة 5 ستار بزعامة بيبي جيللو من أجل الوصول إلى السطلة في حالة ما إذا دعا الرئيس الإيطالي إلى انتخابات عامة، وحشد الدعم إلى مخططه الرامي إلى خروج إيطاليا من منطقة اليورو والعمل بعملتها الوطنية المحلية، على غرار تلك الخطوة التي اتخذتها بريطانيا وفازت فيها الأحزاب القومية حيث تحقق بالفعل انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. 

غير أن سيناريو انسحاب إيطاليا من الاتحاد الأوروبي يصطدم بصعوبات غير يسيرة، متمثلة في ضرورة إجراء استفتاءين، الأول على تعديل الدستور لأن الدستور الحالي لا يسمح للحكومة بالانسحاب من المعاهدات الدولية عن طريق التصويت الشعبي، والثاني على عضوية إيطاليا في اليورو، مع العلم أن المحكمة الدستورية يمكنها رفض الاستفتاء الأول.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي اليوم في خطر محدق، خاصة وأن البرنامج العام لمختلف تيارات اليمين المتشدد بات يلاقي قبولاً واسعًا في أرجاء واسعة من القارة العجوز، حيث أن خطابه الشعبوي يعزف على وتر المشاكل البنيوية التي تعيشها أوروبا اليوم، وهو خطاب رافض لأوروبا مفضل للمصالح الوطنية، من خلال الدعوة إلى الانسحاب من مؤسسات الاتحاد الأوروبي وإلغاء اليورو وإعادة العمل بالعملات الوطنية.

كما يعتبر اليمين المتشدد أن الهجرة هي المسؤول الأول عن المشاكل التي تتخبط فيها المجتمعات الأوروبية، وبالتالي تطالب وتسعى لوقفها تمامًا بل وتدعو إلى ترحيل الأجانب من أصل غير أوروبي، وتنادي باسترجاع السيادة الوطنية ونهج سياسة حمائية نقدية واقتصادية وقانونية، وترى أن الهوية الوطنية في خطر وأنه من الواجب حمايتها من الغزو الأجنبي المتمثل في المهاجرين، كما ترفض المجتمع المنفتح والمتعدد الثقافات والعولمة إلى جانب نظرتها للإسلام باعتباره يتنافى مع القيم الثقافية الأوروبية.

الأزمة الاقتصادية وارتفاع مشاعر العداء تجاه الوحدة الأوروبية

شكلت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بأوروبا بداية من 2008م، التربة الخصبة لنمو أفكار الانفصال عن المؤسسات الأوروبية، حيث ازداد زخم الدعوات الانفصالية وعلا صوت المطالبين بالاستقلال عن القارة العجوز، خاصة مع سياسات التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الدول الأكثر تأثرًا بالأزمة المالية.

وبالرغم من أن مثل هذه الدعوات لا يعتبر جديدًا في الساحة الأوروبية إلا أن الأزمات الاقتصادية المتعاقبة قد غذت مطالب الانفصال، وحولتها من مجرد أصوات متفرقة إلى توجه عام داخل البلدان الأوروبية وإلى برنامج طموح له أفق سياسي واضح، يتمثل في الدفع بكل قوة نحو تفكيك الاتحاد الأوروبي وإرجاع مراكز صنع القرار في السياسة والاقتصاد والمجتمع إلى العواصم المحلية وإعادة إحياء السيادة الوطنية.

وفي الوقت الذي لم تصحو فيه أوروبا من صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتداعياتها الخطيرة على تقويض الأسس التي يقوم عليها الاتحاد، حتى استيقظت على كارثة أكبر تتعلق باحتمال انزلاق أوروبا نحو أكبر أزمة مصرفية قد تشهدها منطقة اليورو، بل والعالم من خلال التهديد المحدق بإفلاس بنوك ومصارف أوروبية كبرى وعلى رأسها البنوك والمصارف الإيطالية.

فالقطاع المصرفي الإيطالي الذي يدير أموال المجتمع ويوفر السيولة للمستثمرين وأسواق المال، يعتبر هو النقطة الأضعف في الاقتصاد الإيطالي إذ تعاني البنوك الإيطالية من قروض متعثرة تصل قيمتها إلى 360 مليار يورو (400 مليار دولار) أي ما يعادل خمس الاقتصاد الإيطالي أو 20% من الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا.

كما أدت هذه الأزمة إلى ارتفاع الدين العام إلى 135% نسبة للناتج المحلي الإجمالي وانخفاض مستويات التشغيل وانحدار حاد في أسهم البنوك الإيطالية إلى جانب معاناة البلاد من حالة ركود عام منذ الثلاث سنوات الماضية وضعف الإنتاجية وانكماش الأسعار وارتفاع معدلات التضخم، قد زاد من مظاهر الضائقة المالية الإيطالية وعجل بضرورة التسريع في وضع خطة إنقاذ تعيد من خلال سعي الحكومة الإيطالية إلى ضخ سيولة مالية في رؤوس أموال هذه البنوك إلا أن قواعد وضابط السوق الأوروبية المشتركة تمنع مثل هذه المساعدات.

وقد ساهم انتقال هذا النقاش إلى الرأي العام الإيطالي في انتشار مشاعر الغضب الشعبي اتجاه المؤسسات الأوروبية، خاصة وأن الحكومة الإيطالية حاولت ضخ الأموال أكثر من مرة بهدف إنعاش الاقتصاد عن طريق دعم البنوك، لكن الاتحاد الأوروبي تحت الضغوط التي تمارسها ألمانيا شدد قوانين عجز الموازنة، ما أجبر البنوك الإيطالية على الحد من إقراضها، واتباع سياسة تقشفية زادت من عراقيل انتعاش الاقتصاد.

تداعيات الأزمة الإيطالية في الخارج الأوروبي

إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتفاقم حدة الأزمة المالية في إيطاليا وإمكانية انتقالها إلى بلدان الجوار، قد أعاد إلى الواجهة الدولية النقاش حول كلفة الاندماج القاري في المرحلة الاتحادية الراهنة وحدود مبدأ التضامن وإمكانيات الاتحاد في تحقيق السلام والرخاء الاقتصادي لكل المجتمعات الأوروبية.

وبالرغم من أنه لا يمكن التنبؤ بمستقبل الاتحاد الأوروبي على ضوء أزمة الاقتصاد الإيطالي، إلا أن الأكيد أن هذه الهزة ستمس كل الاقتصاد الأوروبي ولن يتوقف تأثيرها فقط على دول أوروبا ولكن ستمتد إلى الاقتصاد العالمي ومن ضمنها اقتصاديات الخليج العربي، لأن أموالها وودائعها ومعاملاتها التجارية واستثماراتها تتم باليورو، ولذلك فإن انهيار المصارف الإيطالية والفوضى في الأسواق الأوروبية ستؤدي إلى انخفاض حاد لسعر اليورو وبالتالي فقدان جزء كبير من قيمة تلك الودائع والاستثمارات.

غير أن اللافت للانتباه اليوم، أنه مقابل اتساع دائرة النظرة بالغة السلبية لأوروبا والتشكيك القوي في جدوى الاتحاد ومستقبل مسار الاندماج القاري، والتراجع المستمر الطارئ على الفكرة الأوروبية، يلاحظ تنامي مشاعر الاندماج والوحدة في نموذج آخر للوحدة بين الدول، وهو منظمة مجلس التعاون الخليجي.

هذا النموذج الوحدوي قد عبر عن مناعة قوية اتجاه التحديات التي عصفت وتعصف بالمنطقة، فبالرغم من حدة الأزمات والهزات والحروب الأهلية والطائفية بالجوار الخليجي، إلا أنها لم تساهم إلا في رص صفوف البيت الخليجي، وتأكيد الفكرة الوحدوية واعتبارها ضرورة تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية لضمان أمن وتنمية وحرية الإنسان الخليجي.

كما أن الظرفية الراهنة تقتضي أكثر من أي وقت مضى استيعاب تطورات الأزمة الأوروبية لاستخلاص العبر والدروس تفاديًا لتكرار الأخطاء نفسها، خاصة وأن المشروع التكاملي الأوروبي شكل دائما وعاءً وقالبًا لمختلف التجارب الوحدوية الإقليمية في العالم بما فيها منظمة مجلس التعاون الخليجي.

ويبقى الرهان الأساسي في دول الخليج العربي هو استثمار مقومات الوحدة التي لا تتوفر في غيرها من التجارب الوحدوية بما فيها الاتحاد الأوروبي، ويتعلق الأمر بالتجانس الحضاري والثقافي واللغوي، والإرث التاريخي المشترك والعلاقات القبلية البينية، وهي المقومات التي جعلت التجربة الوحدوية الخليجية عصية على النعرات الشعبوية المحلية الانفصالية، وأساسًا صلبًا لتعزيز المشروع الوحدوي الاندماجي بين شعوب الخليج العربي، وحصنًا منيعًا للتوجهات السلبية المشككة في مسار الوحدة الخليجي.

مجلة آراء حول الخليج