; logged out
الرئيسية / يكسب العرب بمشروعات التنمية والتعاون أكثر من الانعزال والأمن التقليدي مركز الأمن القومي العربي يتجه إلى البحر الأحمر جيواستراتيجيًا

العدد 116

يكسب العرب بمشروعات التنمية والتعاون أكثر من الانعزال والأمن التقليدي مركز الأمن القومي العربي يتجه إلى البحر الأحمر جيواستراتيجيًا

الإثنين، 06 شباط/فبراير 2017

قد يكون من قبيل الاستشراف للمستقبل، القول بأن مركز الأمن القومي العربي يتحرك من الناحية الجيوسياسية ليتجه رويدًا رويدًا نحو البحر الأحمر؛ حيث يزداد تركز المصالح الدولية حول هذا البحر، وتزداد نقاط الارتكاز وبؤر التوتر والصراع، مع الإغراءات والمصالح الاقتصادية والفرص الجديدة في جنوبه وشماله، كما تتكثف مظاهر ومؤشرات الوجود به للقوى الإقليمية والدولية، فضلاً عن خيوط كثيفة من التهديدات والتحديات، علاوة على مجموعة من المؤشرات التي تشير إلى زيادة الاهتمام العربي به إلى الحد الذي يمكن القول معه بأن هناك اتجاهًا لإعادة اكتشاف البحر الأحمر، وإعادة تعريف أهميته للأمن القومي العربي في ضوء هذه المستجدات، وهو البحر الذي طالما اقتصر النظر إليه باعتباره ممرًا مائيًا يربط بين قناة السويس والبحر المتوسط شمالاً وباب المندب وخليج عدن والمحيط الهندي في الجنوب.

وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، إلا أن أهميته الجيو سياسية والجيو اقتصادية والعلمية غير مكتشفة على نحو كامل، وما جرى اكتشافه منها ومن مزاياه الاستراتيجية حتى الآن لا يمثل إلا النذر اليسير مما يمكن أن يفيض به هذا البحر من فرص ومزايا أو ما يضيفه من أرصدة وأصول للأمن القومي العربي، ولكل من السعودية ومصر بالأساس، وللسعودية ومصر والسودان واليمن على نطاق واسع، وللعالم العربي على نطاق أوسع.

أولاً: إعادة اكتشاف البحر الأحمر:

لتقدير الأهمية الاستراتيجية والعالمية للبحر الأحمر يتعين معرفة أبعاده مساحة وطولاً وعرضًا وطول سواحله والدول المطلة عليه. حيث تبلغ مساحة البحر الأحمر 437969 كم2 (ضعف مساحة الخليج العربي تقريبًا)، وتتجاوز مساحته مساحة دول الشام الأربع مجتمعة (سوريا، الأردن، لبنان، فلسطين). ويبلغ طول البحر الأحمر 1900 كم، كما يبلغ أقصى عرض له 204 كم وأقل عرض 19 كم (عند مضيق باب المندب)، أما أقصى عمق فيبلغ 2635 مترًا، ومتوسط عمقه 491 مترًا، ويبلغ طول سواحله 4938 كم (3069 ميل)، وتتميز سواحل البحر الأحمر بكثرة رؤوسه وشرومه وأخواره وجزره التي تبلغ المئات، وكل ذلك يتيح إنشاء منافذ بحرية وموانئ ومنتجعات سياحية متميزة. وتتوزع سواحل الدول المطلة على البحر الأحمر وفق الجدول التالي:

 

الدول المطلة على البحر الأحمر وأطوال السواحل

الدولة

طول الساحل (بالكيلو متر)

النسبة المئوية 100

المملكة العربية السعودية

1811

36.0

مصر

1445

28.8

السودان

498

9.8

اليمن

442

8.8

جيبوتي

40

0.7

الأردن

8

0.1

إريتريا

683

15.6

إسرائيل

11

0.2

المجموع

4938

100

المصدر: موسوعة مقاتل من الصحراء

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/AmnBahrAhm/mol01.doc_cvt.htm

 

وفي الحقيقة، فإنه لا يمكن الإحاطة بمكنون وأسرار هذه المساحة البحرية الهائلة للبحر الأحمر وما تحتويه من ثروات وكنوز، فلم تجر اكتشافات علمية عربية لثروات هذا البحر، وما جرى منها قامت به شركات بريطانية وأمريكية بالأساس في الستينيات، ولا زال البحر الأحمر غير مكتشف فعليًا علميًا واقتصاديًا، كما أن الدولتين صاحبتا أكبر إطلالة بحرية على سواحله، وهي كل من السعودية ومصر، لهما إطلالتين بحريتين أخريين تشغلاهما أو شغلتاهما عن إطلالتهما على البحر الأحمر، وليس مصادفة بأن التعريف الأساسي لكلتا الدولتين (السعودية ومصر) يربطهما بهذه الإطلالة البحرية الأخرى وليس بالبحر الأحمر، وعلى سبيل المثال فإن التعريف الأساسي لمصر هو أنها دولة متوسطية تطل على البحر المتوسط، على الرغم من أن طول السواحل المصرية على البحر المتوسط أقصر من طول سواحلها على البحر الأحمر (طول الساحل المصري على البحر المتوسط 1050 كم)، وبينما يشار إلى البحر المتوسط كممر ومعبر للحضارات والثقافات والتلاقح بين الشرق والغرب، لم ينل البحر الأحمر حظه من التركيز على إسهامه الثقافي والتاريخي الثري بين دوله، وظل التركيز على قيمته وفائدته في العصر الراهن عند نفس المستوى من الحديث عن فائدته التاريخية كممر للانتقال، وليس كمعبر ومحطة تواصل ثقافي وحضاري، على الرغم من وجود تاريخ ثري يمكن البناء عليه والحديث عنه للتواصل والتفاعل البشري والتاريخي بين مصر وبلاد الحرمين الشريفين واليمن وباقي دول الخليج، لا تقل أهمية عن التفاعل عبر البحر المتوسط. وبالمثل أيضًا، يتم الإشارة إلى المملكة العربية السعودية بأنها دولة خليجية، على الرغم من إطلالتها الهائلة على البحر الأحمر التي تتجاوز من ناحية الطول واجهتيها البحريتين على الخليج اللتين يبلغ طولهما 1000 كم فقط.

وإذا كان لكل دولة مركز لعقلها وفكرها السياسي، فإن مركز وثقل التفكير السياسي السعودي والمصري يمكن أن يشهد تحولات أساسية إذا زادت مساحة الانتباه إلى البحر الأحمر، ليبدأ التعامل معه بمنطق التحديات والفرص الجديدة، فعلى مدى العقود الماضية، شغلت الإطلالة الخليجية للمملكة مركز تفكيرها واهتمامها السياسي لأسباب تتعلق بالمخاطر القادمة من الخليج ومن إيران والعراق، وإلى حد كبير كان التركيز السعودي على الخليج على حساب البحر الأحمر وهو ما جعل وجه المملكة يكتسي الصفة الخليجة بالأساس، وهو الأمر نفسه الذي حدث بالنسبة لمصر، حيث شغلتها اعتبارات المتوسطية على تركيزها على إطلالتها العربية على البحر الأحمر، بحد وارى وجهها على البحر الأحمر، وساعد على ذلك معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979م.

وفي الحقيقة، فإن هناك اعتبارات كثيرة تتجه إلى تغيير هذا الواقع، وتدفع المملكة لتركيز الانتباه على واجهتها على البحر الأحمر وإعادة تعريف نفسها كدولة مطلة على هذا البحر، وتدفع لتعزيز ثقلها السياسي وتركيزها الاستراتيجي على البحر الأحمر، وهو الأمر نفسه فيما يتعلق بمصر، ولا تقتصر ملامح ذلك على إشارات محدودة بالنسبة للبلدين تخص ما اتفقا عليه خلال زيارة الملك سلمان لمصر في إبريل 2016م، من اتفاقيات خاصة بترسيم الحدود البحرية أو مشروع جسر الملك سلمان البري الرابط بين المملكة ومصر في شمال البحر الأحمر، وإنما تبرز في ملامح ومؤشرات أخرى، منها على سبيل المثال، إعلان مصر عن إنشاء قيادة الأسطول الجنوبي، بعد إدخال حاملة المروحيات ميسترال (جمال عبد الناصر) إلى الخدمة في منطقة البحر الأحمر، وهو ما يشي بإدراك مصر خطورة التحديات التي يواجهها الأمن المصري والعربي في هذه المنطقة، ثم موافقة مجلس الدفاع الوطنى في مصر في يناير 2017م، متبوعة بموافقة مجلس النواب، على "تمديد مشاركة العناصر اللازمة من القوات المسلحة المصرية فى مهمة قتالية خارج الحدود للدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر وباب المندب"(وفق نص ما أعلن)، وهو ما يؤكد إعادة الاكتشاف المصري لقيمة البوابة الجنوبية لقناة السويس.

وعلى الجانب الآخر عقد السعودية والسودان في نوفمبر 2016م، فعاليات ورشة الرؤية البيئية بجدة بالمملكة لاستغلال ثروات البحر الأحمر المعدنية بمشاركة أعضاء اللجنة الدائمة السودانية السعودية المشتركة “اطلانتس 2”، والتي نظمتها وزارة المعادن السعودية بالتعاون مع شركة "منافع" العالمية صاحبة الامتياز في رخصة استخراج المعادن من قاع البحر الأحمر، وهو الاجتماع رقم “12” بين البلدين لاستغلال ثروات البحر، فضلاً عن إجراء البلدين (السعودية والسودان) المناورات العسكرية البحرية (الفلك 2) في يناير 2017م، في قاعدة الملك فيصل البحرية للأسطول الغربي بالبحر الأحمر، كامتداد لمناورات "الفلك 1" التي جرت بين الجانبين عام 2013 م، بهدف تعزيز التعاون المشترك في تأمين البحر الأحمر. 

ثانيًا: زيادة الثقل الاستراتيجي للبحر الأحمر:      

  برزت في الأعوام الأخيرة العديد من المؤشرات على أن البحر الأحمر والبحار والمضايق المحيطة به وما تتضمنه من مضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي على موعد مع اهتمام دولي واسع بسبب التحديات والمخاطر التي تركزت على مداخله الأساسية، خصوصًا مدخله الجنوبي، ومع تغير الخريطة الجغرافية والجيواستراتيجية لجماعات الجهاد والإرهاب في المنطقة، وتركز الثقل الدولي في حرب الإرهاب على مقربة من مداخل البحر الأحمر، وانتقالات شبكات الجهاد من أفغانستان إلى الجنوب والشمال من الجزيرة العربية، ومع تعاظم أنشطة القرصنة التي شكلت تحديًا دوليًا بالغًا استدعى تحرك الأساطيل الدولية على سواحل الصومال في خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، كما ازداد نشاط الطائرات الأمريكية بدون طيار(الدرون) في اليمن لتضرب مقرات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

ومنذ ما قبل الأزمة اليمنية وحرب عاصفة الحزم في مارس 2015م، شهدت هذه المنطقة موجة جديدة من الاهتمام الدولي، هذه المرة ليس فقط من منطلق المخاطر والتحديات، ولكن لما تبشر به من فرص واعدة تزيد من قيمتها وأهميتها الدولية، فقد اتجهت العديد من القوى العالمية إلى بناء قواعد عسكرية لها في جيبوتي، هذه الدولة الصغيرة ذات الأهمية الكبيرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، والآن تشهد جيبوتي وإريتريا والصومال تمركزا للعديد من القواعد العسكرية الأجنبية لمختلف الدول، من ذلك القاعدة العسكرية الأمريكية في جيبوتي التي تمثل أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في إفريقيا ويتركز بها 4000 جندي أمريكي، وفرنسا التي توجد قاعدتها العسكرية منذ استعمارها لجيبوتي (2000 جندي)، واليابان التي لها قاعدة بجيبوتي بها فرقة تابعة لقوات الدفاع اليابانية، والصين التي تتجه لبناء أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي في 2017م.

ومن جانبها أعلنت تركيا أنها بصدد إنشاء قاعدة عسكرية تركية في الصومال، وأنها ستتولى تدريب نحو أحد عشر ألف جندي صومالي، وكان الرئيس التركي قد قام بزيارات متعددة لدول إفريقية منها زيارته إلى إثيوبيا وجيبوتي والصومال في عام 2015م، وزيارة لكينيا وأوغندا والصومال في 2016م. ولا يمكن نسيان المساعي الإيرانية للتدخل في المشهد اليمني وتعزيز نفوذها باليمن عبر دعمها للحوثيين، وهو ما كان الدافع الرئيسي وراء قرار حرب عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية، وشهد مدخل البحر الأحمر الجنوبي (باب المندب) تكثيفًا للنشاط والحركة الإيرانية في السنوات الأخيرة. كما لا يمكن نسيان العلاقة الإسرائيلية الخاصة مع إريتريا، والقواعد الإسرائيلية على حدود السودان، والقواعد الجوية الإسرائيلية في جزيرة "حالب" وجزيرة "فاطمة" عند مضيق باب المندب، والقاعدة البحرية التي استأجرتها إسرائيل في جزيرة "دهلك".

وكل ذلك وغيره دفع الدول العربية إلى الدخول إلى ساحة المنافسة؛ حيث دارت مباحثات سعودية جيبوتية لإنشاء قاعدة سعودية في جيبوتي، واستقبلت جيبوتي وفدًا عسكريًا سعوديًا رفيع المستوي تفقد العديد من المناطق الجيبوتية، تمهيدًا لاستضافة جنود سعوديين وإنشاء القاعدة السعودية، وكانت قطر قد سعت لإيجاد موطئ قدم في منطقة ساحل البحر الأحمر بعد أن لعبت دور الوساطة في النزاع الحدودي بين إريتريا وجيبوتي، وتمكنت من توقيع اتفاقية سلام بينهما في الدوحة عام 2010م، وهو ما أعقبه وضع جنود قطريين على الحدود بين الدولتين.

وإلى حد كبير، يلاحظ في السنوات الأخيرة زيادة مساحات التداخل بين البحر الأحمر وكثير من الفضاءات الاستراتيجية الدولية الأخرى، كالفضاء الاستراتيجي الخليجي، وهناك تداخل ملحوظ بين أمن الخليج وأمن البحر الأحمر، تعكسه وتزيده حرب عاصفة الحزم التي شاركت فيها خمس من دول مجلس التعاون الخليجي، وما ترتب عليها من تداخل في خريطة وشبكات الجهاد والتنظيمات الإرهابية، وفيما تؤدي إليه من التزامات خليجية مستدامة نحو اليمن ومضيق باب المندب، فضلاً عن بعض المشروعات الاقتصادية العملاقة التي يجري أحيانًا طرحها، ولا تزال طي التفكير، والتي منها على سبيل المثال، إنشاء خطوط أنابيب أو قناة عملاقة تصل دول الخليج وتشق الأراضي اليمنية لتنقل البترول الخليجي دون حاجة للمرور بمضيق هرمز لتجاوز التهديد الإيراني بإغلاقه. فضلاً عن ذلك هناك تداخل بين الفضاء الاستراتيجي للبحر الأحمر والفضاء الاستراتيجي الخاص بالشرق الأوسط مع الأفكار بشأن المشروعات الاقتصادية العملاقة التي يجري التفكير فيها في شمال البحر، علاوة على ذلك ما يلاحظ من تداخل في الفضاء الاستراتيجي الآسيوي مع الفضاء الاستراتيجي الإفريقي، وهو أمر لا تعكسه فقط القواعد العسكرية لليابان والصين في جيبوتي وإنما أيضًا الأفكار الصينية الجديدة الخاصة بمبادرة طريق الحرير والتي تزيد من الأهمية الاستراتيجية للعديد من الدول العربية وتزيد الربط الاستراتيجي بين الخليج العربي والبحر الأحمر، وتجعل البحر الأحمر مركزًا لنشاط واهتمام القطب العالمي الجديد(الصين) وحاجته للتجارة العالمية.

ويضيف إلى أهمية البحر الأحمر ما يجري التخطيط له على الجانبين السعودي والمصري من عمليات إعادة الانتشار الديمغرافي المتوقعة على سواحله مع انطلاق أفكار كثيرة على الجانبين السعودي والمصري نحو التنمية والتخطيط القومي تتركز حول بناء مشروعات تنمية ومدن جديدة تنموية وسياحية، مع كتل من التجمعات السكنية التي تتركز على سواحل البحر الشرقية(الساحل السعودي) والغربية (الساحل المصري)، فضلاً عن مشروعات التنمية والأفكار الجديدة بشأن خليج السويس وإقليم قناة السويس وجسر الملك سلمان كبوتقات جديدة للتجارة الدولية، وهناك إدراك لتداخل أمن الخليج مع أمن مصر وأمن السعودية والسودان، وهي أمور تعكسها الكثير من خطوات التعاون العسكري وغير العسكري الأخيرة. ويشير كل ذلك إلى اتجاه رؤوس ونقاط ارتكاز أساسية للأمن القومي العربي ناحية البحر الأحمر من الشمال للجنوب، وليصبح هذا البحر حلقة ربط أساسية بين ضفتي العالم العربي. وإلى حد كبير يتنامى التعامل مع البحر الأحمر في الاستراتيجية الدولية بشكل ينقله من مجرد ممر مائي إلى مركز للتجارة والأنشطة والحركة الاقتصادية الدولية، ومن مركز للأخطار والتهديدات إلى مرتكز للفرص والتشابكات الاستراتيجية، وهو أهم وعد وفرصة يقف هذا البحر على موعد معها، وهو ما يمثل إعادة اكتشاف فعلية للبحر الأحمر في الاستراتيجيات الدولية.

الخلاصة:

يتجه البحر الأحمر لأن يكون أكثر من ممر مائي أو بحيرة عربية، وتزداد قيمته الاستراتيحية بشكل كبير، كما يتجاوز الاهتمام به من مجرد حصره في نطاق أهميته للأمن العربي إلى أن يصبح مستقرًا للنفوذ الدولي ولتجمع شبكات المصالح والتجارة الدولية تنتهي به إلى أن يصبح محطة مفصلية لمستقبل الأمن العالمي، مع بروز الصين كقطب عالمي جديد. وعلى الرغم من أن هذا يجلب مخاطر على الأمن القومي بمنظور النظرية التقليدية للأمن العربي التي ترى في كل وجود أجنبي خطرًا وتهديدًا، فإنه يمكن أن يشكل أعظم الفرص إذا جرى إدراك قيمة الانخراط العالمي في عالم لم يعد يعرف حدودًا، وتتحدد قيمة الدول فيه بقدر ما تطرح نفسها كمحطات ومفاصل للوصل لا كمحطات فصل وصراع، وكمحطات استقرار وتنمية ومشروعات وتجارة لا كمحطات صراع وفشل. في ضوء ذلك يمكن أن يشكل البحر الأحمر أعظم فرصة للمستقبل العربي وللتقدم الاقتصادي العربي.  

وفي الحقيقة، هناك إرهاصات على تنامي الإدراك العربي بأهمية البحر الأحمر بشكل يتجاوز التعامل معه كمجرد ممر مائي، وهناك تركز كبير للأفكار والمشروعات المستقبلية في خليجيه الشماليين (السويس والعقبة) وعلى سواحله الطويلة بالدول العربية، وفي جزره التي تقدر بالمئات، وفي ثرواته الهائلة التي لم تكتشف على نحو كامل والتي لا تقل أهمية عن اكتشافات المجرات والنجوم والكواكب، ولا تزال مشروعات التعاون بشأنها في بواكيرها. وكل ذلك يدفع الدول المتشاطئة عليه إلى التركيز على وجهها ناحيته، وإعادة تعريف ذاتها من خلاله.

في ضوء ذلك، من المهم أن يتجاوز المفهوم العربي للبحر الأحمر إلى ما هو أبعد من اهتمامات الأمن القومي، وألا تسيطر مدرسة الأمن القومي التقليدية على المفاهيم العربية الخاصة به، والتي تعلي من شأن المخاطر والصراعات على الفرص والوعود الاقتصادية، فبالمنظور الأشمل للأمن القومي والتي يقف الاقتصاد والرخاء الاقتصادي في قلبها، يكسب العرب بمشروعات التنمية والتعاون أكثر بكثير من أفكار الفصل والانعزال ونظريات الأمن التقليدية. وربما يكون طرح فكرة إنشاء مركز دراسات أو مشروع علمي عربي مشترك بشأن البحر الأحمر وإعادة اكتشافه، في ضوء زيادة الاهتمام العالمي به، فكرة مناسبة، ويكون من شأن هذا المركز تقديم مسح شامل بقيمة البحر الأحمر الاقتصادية والجيوسياسية والعلمية، والأهم من ذلك مستقبله في الاستراتيجيات الدولية، وذلك يستبق ما يتوقع من طروحات وأفكار دولية حوله بأفكار عربية تتفيأ الصالح العربي.  

مجلة آراء حول الخليج