; logged out
الرئيسية / برجماتية روسيا تجمع بن شراكة إيران وتقارب تركي وتعاون خليجي روسيا والصين والهند: التوجه الخليجي للتعاون العسكري والتسليح

العدد 116

برجماتية روسيا تجمع بن شراكة إيران وتقارب تركي وتعاون خليجي روسيا والصين والهند: التوجه الخليجي للتعاون العسكري والتسليح

الإثنين، 06 شباط/فبراير 2017

رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد تقليديًا وبشكل رئيسي على التسلح الأمريكي والغربي، وتعتبر الولايات المتحدة الشريك الاستراتيجي لها خاصة منذ حرب الخليج الثانية، والدور المحوري الذى لعبته واشنطن في قيادة التحالف الدولي لتحرير الكويت، ثم تدشين الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من خلال "مبادرة إسطنبول للتعاون" عام 2004م؛ والتي مثلت نقلة نوعية في طبيعة وأبعاد التعاون متعدد الأطراف بين دول الخليج والغرب، إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي تهيئ الفرصة لدفع التعاون الخليجي مع روسيا والقوى الآسيوية الصاعدة عسكريًا، الصين والهند.

أولها، يتعلق بالعلاقات الخليجية الأمريكية والتي يخيم عليها الشكوك ويبدو مستقبلها أكثر ضبابية من ذي قبل في ضوء الاتفاق النووي مع إيران والاتجاه لتطبيع الوضع الدولي والإقليمي لها، والتخوف من أن ينطوي ذلك على تخلى أمريكا عن التزاماتها فيما يتعلق بأمن الخليج. وقد زادت هذه المخاوف بعد تبني الكونجرس لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب "جاستا" وما حمله من رسائل سلبية حول نوايا واشنطن، وفوز دونالد ترامب وتصريحاته المثيرة للجدل خلال حملته الانتخابية بشأن التعاون مع الحلفاء ومنهم دول الخليج. في هذا الإطار، قد تميل دول الخليج إلى تعزيز توجهها نحو تنويع مصادر التسلح والانفتاح على التقنيات العسكرية الشرقية لدعم قدراتها الدفاعية بأحدث المنظومات العالمية.فضلاً عن تجنب ابتزاز الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة من حيث التحكم في نوعية الأسلحة التي تصدرها لدول الخليج، والحظر النسبي على أنواع معينة نتيجة ضغوطات جماعات الضغط الأمريكية، كما أن الاعتماد على مصدر واحد للتسلح يجعل دول الخليج رهينة هذا المصدر من حيث أنواع السلاح وقطع الغيار وعمليات التحديث والتدريب.

ثانيها، يتعلق بالتغير في موازين القوى العالمية، وتأكيد عودة روسيا لمكانتها، وصعود الصين لمصاف القوى العسكرية الفاعلة وكبار مصدري السلاح في العالم. فروسيا قوة عسكرية كبرى، وتقوم مؤسسات التصنيع العسكري الروسية بتصدير أنظمة التسليح المتنوعة الخفيفة والثقيلة والطائرات والمقاتلات والغواصات وأنظمة الصواريخ لأكثر من 65 دولة في أنحاء العالم. وتحتل روسيا المرتبة الثانية عالميًا، بعد الولايات المتحدة، في مجال تصدير الأسلحة والعتاد العسكري، وذلك وفقًا لتقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي في فبراير 2016م، حيث استحوذت واشنطن على 33% من إجمالي مبيعات السلاح العالمي خلال الفترة (2011-2015)، تلتها موسكو في المركز الثاني بحوالي 25% في ذات الفترة، وبهذا تكون واشنطن وموسكو قد احتكرتا معًا حوالي 60% من صادرات الأسلحة في العالم متقدمتين بفارق شاسع عن بقية منافسيهما. وتضم قائمة المشترين الرئيسين للأسلحة الروسية شركاء استراتيجيين لموسكو في أمريكا اللاتينية كالبرازيل وفنزويلا، وفي جنوب شرق آسيا، وفي المنطقة العربية.

وتحتل الصين المرتبة الثالثة بين مصدري السلاح في العالم بحوالي 5.9% من إجمالي المبيعات، حيث زادت صادراتها بنسبة 143%، لتتقدم بذلك على كبار المصدرين الغربيين مثل فرنسا وألمانيا. ويذهب ثلثا صادرات الصين من الأسلحة، إلى ثلاث دول آسيوية هي باكستان (41%) وبنغلادش وبورما، وهناك أيضا 18 دولة إفريقية استوردت أسلحة صينية خلال السنوات الخمس المذكورة. وقد انعكس الصعود الاقتصادي الصيني وكونها ثاني أكبر اقتصاد عالمي على قدرتها وعقيدتها العسكرية التي تم تعديلها لتتجاوز مفهوم القوة الإقليمية الذي طالما حكم السياسة الصينية، على النحو الذي يتواءم مع وضعها كقوة كبرى فاعلة.

وتعتبر الهند إحدى القوى الصاعدة بقوة في النظام الدولي ومرشحة لتكون إحدى القوى الفاعلة عالميًا خلال العقود القادمة، وذلك بالنظر لما تمتلكه من مقومات، وما حققته من قفزات اقتصادية وعسكرية خلال العقدين الماضيين. فالهند سابع أكبر اقتصاد عالمي، وتحقق نسبة نمو بلغت 7% منذ مطلع الألفية الثالثة، وهي سابع أكبر دول العالم من حيث المساحة، والثانية من حيث عدد السكان، وهي قوة عسكرية نووية.

وتعد الصين والهند من أكبر مستوردي السلاح الروسي، حيث تستأثر الهند وحدها بحوالي 39% من إجمالي مبيعات الأسلحة الروسية، مما يجعلها الشريك الاستراتيجي الأكبر لموسكو في مجال التعاون العسكري التقني. ورغم أن واردات الصين من السلاح بصفة عامة تراجعت بنسبة 25% خلال الفترة  (2011-2015م) مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، مما يشير إلى تزايد الثقة في الأسلحة المحلية صينية الصنع وقدرتها على إشباع طلب الصين المتزايد على الأسلحة، فإنها مازالت من كبرى مستوردي السلاح الروسي، وتحصل على 11% من صادرات الأسلحة الروسية، وتعد من أقوي الشركاء لروسيا في مجال التعاون العسكري التقني، وحصلت على منظومة "إس- 400" التي لم تحصل عليها أي دولة أخرى، باستثناء نشرها في سوريا والتعاقد الذى تم بين دلهي وموسكو بشأنها مؤخرًا، بالإضافة إلى حصولها من قبل على منظومة "إس- 300"، الأمر الذى يعكس قوة العلاقات الاستراتيجية بين موسكو وبكين.

في ضوء ما تقدم تعتبر الدول الثلاث، روسيا والصين والهند، منظومة عسكرية متناغمة أكثر منها متنافسة خاصة في ضوء الأطر الأمنية والاقتصادية التي تجمعها معًا، ممثلة في شنغهاي وبريكس. كما يجعل هذا أيضًا من روسيا الشريك الأهم باعتبارها التي تمتلك المنظومات الأكثر تطورًا وفاعلية والقادرة على إمداد الشركاء عامة بها، والتعاون التقني لتطوير الصناعات العسكرية المحلية كما يحدث في الحالة الهندية. ولا يمنع هذا من الاستفادة بقدرات الصين والهند، وما حققه الدولتان من قفزات في تطوير الصناعات العسكرية بها والدخول إلى سوق السلاح كمصدرين وليس فقط مستوردين.

ثالثها، إن هناك رصيد هام من التعاون العسكري ومن الأطر التعاونية الأخرى بين دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والدول الثلاث يسمح بتطوير التعاون العسكري التقني بين الجانبين والدفع به لمستويات أرحب وأوسع نطاقاً. فقد وقعت المملكة العربية السعودية مع روسيا اتفاقية للتعاون العسكري التقني بين البلدين، خلال زيارة الأمير بندر بن سلطان لموسكو في يوليو 2008م، وفى عام 2012م، تم الاتفاق على شراء المملكة 150 مروحية عسكرية من إنتاج روسي، من بينها مروحيات هجومية من طراز (Mi-35)، ومروحيات نقل عسكري من نوع  (Mi-17، وأكثر من 150 دبابة (T-90S) ، و250 آلية مشاة مدرعة من طراز (BMP-3).

وخلال زيارة ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى روسيا في يونيو 2015م، تم الاتفاق بين الرياض وموسكو، على تفعيل اللجنة المشتركة للتعاون العسكري والتقني، وتم التوقيع على اتفاقية عسكرية بين البلدين من جانب كل من رئيس هيأة الأركان العامة الفريق أول عبدالرحمن البنيان ومدير الهيأة الفيدرالية في حكومة روسيا الاتحادية الكسندر فامين، وتنص على تفعيل التعاون المشترك في مختلف المجالات العسكرية بين البلدين، وهى الاتفاقية التي كان من المفترض أن تحدث نقلة نوعية في طبيعة العلاقات العسكرية السعودية الروسية، خاصة وأن المملكة أبدت اهتمامًا بالحصول على منظومة إسكندر الصاروخية الروسية خلال معرض "آراميا-2015"، وأبدت روسيا استعدادها لتزويد السعودية بما تريد من منظومات دفاعية لتعزيز وضمان أمنها وسلامة أراضيها. إلا أن هذا التطور لم يخرج عن حيزه الورقي ولم يتوج بإجراءات متممة ومكملة نتيجة التطورات اللاحقة في الملف السوري والتي عكست استمرار التناقض في مواقف البلدين تجاه الأزمة السورية خاصة بعد التدخل الروسي في سوريا والذي رأت فيه دول الخليج دعمًا مباشرًا لبشار الأسد الذي كانت تطالب برحيله الفوري عن السلطة.

ويبدو التعاون العسكري بين الإمارات وروسيا أكثر عمقًا واستقرارًا، حيث تجاوزت قيمة واردات الأسلحة الروسية إلى الإمارات خلال السنوات العشر الماضية مليار دولار. وقد بدأ التعاون العسكري بين البلدين مبكرًا عنه في الحالة السعودية، ومنذ عام 2000م، تتوالى الصفقات بين الجانبين وتمتد لتشمل مدى واسع من المنظومات المختلفة، ومنها على سبيل المثال، توريد 20 مروحية من طراز "مي – 171" إلى إمارة الشارقة عام 2010م، وتوريد راجمات الصواريخ من طراز "بانتسير" عام 2014م، وهو سلاح غير مسبوق للدفاع الجوي القريب المدى يشتمل على راجمة صواريخ وقذائف، ومهمتها حماية المنشآت المدنية والعسكرية أو حماية منظومات الدفاع الجوي الصاروخية البعيدة المدى مثل "أس-300" و"أس-400". وفى مارس 2016م، أكدت شركة "روس تيخ"، الحكومية الروسية العاملة في مجال القطاعات الابتكارية بالصناعات الحربية والمدنية، أنها تجري مفاوضات مع صندوق "مبادلة" الإماراتي للاستثمار حول بيع حصة 49% من أسهم شركة "مروحيات روسيا" للجانب الإماراتي.

وهناك تعاون عسكري أيضًا بين موسكو وكل من الكويت والبحرين، ويوجد في الكويت مكتب روسي لإحدى الشركات الحكومية المتخصصة في تسويق الأسلحة منذ حوالي 20 عاماً، وفى عام 2013م، بدأت روسيا تنفيذ الصفقات العسكرية التي أبرمتها مع الكويت، والتي تضمنت "مدرعات بي ام بي 2" و"مدرعات بي ام بي 3". كما حضر ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، حفل افتتاح المنتدى العسكري الدولي "الجيش-2016" في ضواحي العاصمة الروسية موسكو في سبتمبر من العام الماضي، ووقع البلدان خلال الزيارة اتفاقية للتعاون العسكري. وسبق وأن أعلن أناتولي إيسايكين، المدير العام لشركة تصدير الأسلحة الروسية "روس أوبورون أكسبورت" التي تدير 80% من الصادرات الروسية من الأسلحة، في أغسطس 2014م، أن البحرين هي أول دولة أجنبية تعاقدت على شراء صواريخ "كورنيت أ أم" الروسية المضادة للدبابات، وهي منظومة صاروخية مشتقّة من سلاح الدبابات "ريفليكس" مخصصة لغرض تدمير الدبابات والمدرعات الأخرى، وذلك ضمن صفقات أخرى وقعتها مملكة البحرين مع روسيا.

وفيما يتعلق بالتعاون العسكري الخليجي مع الصين، فإنه على الرغم من أن العلاقات العسكرية السعودية الصينية حديثة نسبيًّا، فإنها تحظى باهتمام واضح من الجانبين، حيث تعود بداية هذه العلاقات إلى عام 1985م، والاتفاق المبرم بين الرياض وبكين لحصول السعودية على صواريخ "CSS2". وخلال زيارة تشي هاو تيان وزير الدفاع الصيني للمملكة عام 1996م، تم بحث التعاون العسكري بين البلدين، وتوالت الصفقات بينهما، ومنها صفقة تزويد المملكة العربية السعودية بمدافع هاوتزر ذاتيه الدفعPLZ-45  عام 2011م. وكانت الصين قد سبق وأن صدرت 54 من المدافع ذاتية الدفع إلى الكويت عام 2000م، وهي قادره على إطلاق جميع أنواع الذخيرة، ولها القدرة على إطلاق أربع أو خمس طلقات في الدقيقة الواحدة.

كذلك، تم تأسيس شراكة استراتيجية شاملة بين الهند والإمارات، وتعزيز العلاقات العسكرية الدفاعية بينهما عقب زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى الإمارات، عام 2015م. وقام أسطول من السفن الحربية الهندية في مايو 2015م، بجولة في منطقة الخليج شملت كلا من الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وعُمان. وخلال زيارة وزير الدفاع الهندي للرياض في فبراير 2012م، تم بحث تعزيز علاقات التعاون العسكري بين الرياض ونيودلهي بما في ذلك بحث تزويد القوات المسلحة السعودية بمعدات وأسلحة هندية الصنع منها صواريخ "البراهموس" الهندية.

رابعها، أن الدول الثلاث تضع ضمن أولويات سياستها في منطقة الشرق الأوسط، تطوير التعاون العسكري مع دول الخليج. فهناك رغبة حقيقة لدى روسيا في إحياء هذا التعاون ودفعه قدمًا، وتبدي موسكو استعدادًا لتصدير أسلحة دفاعية متقدمة تكنولوجيًا قد لا تقدم الولايات المتحدة على تزويد الدول العربية بها لاعتبارات خاصة بالرؤية الأمريكية لتوازنات القوى في المنطقة، وما يجب أن تكون عليه. ولعل تأكيد الرئيس الروسي بوتين على أهمية تنشيط تجارة السلاح الروسي وسعيه الدؤوب لذلك، واعتبار تجارة الأسلحة جزءًا من سياسة الدولة في المجال العسكري قد هيأ المناخ لتطوير التعاون العسكري بين روسيا والعديد من دول العالم ومنها دول الخليج، خاصة وأن روسيا تعتبر شريك يمكن التعويل عليه والوثوق به، وعلى سبيل المثال، بعد أن حظرت كل من بريطانيا وفرنسا تصدير المعدات الأمنية للبحرين عام 2011م، قامت روسيا وللمرة الأولى ببيع نظير لها إلى البحرين، كما أن الأسلحة الروسية تظل أرخص سعرًا من مثيلاتها الغربية، وأكثر مواءمة للعمل في البيئة الصحراوية في كثير من الأحيان.

كذلك لا يخضع تصدير الأسلحة الصينية لشروط وقيود سياسية كما هو الحال بالنسبة للدول الغربية، فالصين ليست كالدول الغربية من حيث حظر نقل التقنية المتطورة لدول العالم الثالث، سواء تقنية الأسلحة أو غيرها من التقنيات الأخرى. وفى 13 يناير 2016م، أصدرت بكين وثيقة رسمية تعتبر الأولى من نوعها حول سياسة الصين تجاه الدول العربية، تضمنت التأكيد على عمق التعاون بين الجانبين والآفاق الرحبة التي تتطلع لها الصين في تعاونها مع العالم العربي، ويكتسب التعاون العسكري الصيني العربي أهمية خاصة لبكين في ضوء سعى الأخيرة إلى تنشيط صادراتها من الأسلحة، وقد تم التأكيد على هذه التوجهات العامة لسياسة الصين خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج للمملكة العربية السعودية في يناير من العام الماضي.

ولا تقل الهند حرصًا على التعاون مع دول الخليج، التي تعطيها أولوية واضحة في الاستراتيجية الهندية بالنظر إلى مصالحها الحيوية في هذه الدول، ومتطلبات أمن الطاقة الهندي. فالهند رابع أكبر مستهلك للنفط في العالم، ويزداد استهلاكها على نحو مضطرد، وتعتمد الهند على دول الخليج في توفير أكثر من ثلث احتياجاتها من النفط، وثلثي احتياجاتها من الغاز. يضاف إلى ذلك تحويلات العمالة الهندية في دول الخليج حيث يعمل بالأخيرة أكثر من 6 مليون عامل تتجاوز تحويلاتهم 35 مليار دولار تمثل أكثر من 47% من إجمالي تحويلات العمالة الهندية في الخارج وفق تقديرات البنك الدولي. هذا فضلاً عن أهمية التبادل التجاري بين الطرفين والذي بلغ حوالي 160 مليار دولار عام 2014م. ويفسر هذا زيارة رئيس الوزراء الهندي نياندرا مودي للإمارات عام 2015م، والتي تعد الزيارة الأولى من نوعها من قبل رئيس وزراء هندي خلال 34 عامًا، والأولى لمنطقة الشرق الأوسط، ثم زيارته للسعودية في أبريل 2016م، فزيارته لقطر في يونيو من نفس العام، مما يعكس رغبة قوية لدى الهند في توطيد العلاقة مع دول الخليج خلال المرحلة المقبلة. وفى هذا الإطار يبرز اهتمام دلهي بتطوير التعاون العسكري مع دول المنطقة، وقام وزير الدفاع الهندي مانوهار باريكار بزيارة سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من 20-23 من مايو 2016م؛ ما يجعله أول وزير دفاع هندي يزور الإمارات العربية، وتزامنت الزيارة مع إقامة تدريبات عسكرية جوية مشتركة بين البلدين، حيث توقفت الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو الهندي في الإمارات، وذلك في طريق عودتها من مناورات "العلم الأحمر" التي تُقام في الولايات المتحدة.

ولعل السؤال المطروح هو: هل ستمثل القضايا الخلافية بين دول الخليج وروسيا، والتي تتمحور حول الأزمة السورية من ناحية، والتعاون العسكري والاستراتيجي الروسي الإيراني الذي يزداد عمقًا وأهمية من ناحية أخرى، عائقًا أمام تطوير التعاون العسكري الخليجي الروسي؟

من الواضح أن روسيا تؤسس لتواجد دائم في سوريا وليس من المتوقع أن تغير من سياستها تجاه الأزمة السورية، خاصة بعد تحويل طرطوس من محطة لتموين السفن الروسية إلى قاعدة عسكرية بحرية روسية، إلى جانب القاعدة الجوية الروسية في حميميم، وفى ضوء التفاهمات الروسية ـ التركية الأخيرة التي جذبت أنقرة لنقطة أقرب لموسكو من حلفائها الآخرين في المنطقة. كما أنه لا نية لروسيا في التراجع عن شراكتها الاستراتيجية مع طهران، وهناك اتجاه لدى البلدين لتعميق تعاونهما الاستراتيجي، وخلال زيارة الرئيس بوتين لطهران في نوفمبر 2015م، تم التأكيد على استمرار التعاون بين البلدين في المجال النووي وإنشاء محطات نووية جديدة في إيران، وتم توقيع سبع اتفاقيات ومذكرات تفاهم للتعاون الثنائي في مجال الطاقة وغيره من المجالات. وفى يونيو 2016 عُقد اجتماع ثلاثي بين وزراء دفاع إيران وروسيا وسوريا في طهران للتنسيق لمواجهة الإرهاب والتحرك العملياتي في سوريا. وفى أغسطس أقلعت القاذفات الاستراتيجية الروسية من طراز (تي يو-22 أم) و(أس يو-34) من قاعدة "نوجه" في همدان غرب إيران وقصفت أهدافا لتنظيم داعش وجبهة النصرة في مناطق حلب ودير الزور وإدلب، وهو ما عد تطور بالغ الدلالة خاصة وإنها المرة الأولى التي تستخدم فيها روسيا بلدًا ثالثًا لشن غارات في سوريا. وعكس اللقاء الثلاثي المزدوج بين وزراء خارجية ووزراء دفاع كل من روسيا وإيران وتركيا في موسكو يوم 20 ديسمبر، نقلة نوعية أخرى في مستوى العلاقات الروسية الإيرانية واستقرار هذه العلاقات، وكونها أصبحت قلب تغيرات عدة في خريطة التحالفات والتفاهمات في المنطقة.

إلا إن هذا لا يؤثر على الفرص المتاحة لدفع التعاون الروسي الخليجي، وتبدي روسيا استعدادًا لتعاون غير مشروط في المجال العسكري مع دول الخليج، ويتضمن ذلك التزويد بالمنظومات الدفاعية المختلفة، وإمكانية توطين بعض الصناعات العسكرية في دول الخليج ونقل التقنيات العسكرية اللازمة في هذا الخصوص، إذا أرادت دول الخليج ذلك. ولا تربط موسكو تعاونها مع دول الخليج بأي قضية أو علاقة مع دولة أخرى داخل المنطقة أو خارجها. وأكدت موسكو مرارًا أن تعاونها مع إيران لم ولن يكون على حساب علاقاتها بالدول العربية عامة والخليجية خاصة، وأنها حريصة على علاقاتها بدول الخليج العربية بقدر حرصها على العلاقة مع إيران، وطرحت موسكو العديد من المشروعات بهدف تطوير التعاون الروسي الخليجي في مختلف المجالات بما فيها العسكري والنووي السلمي، وتبدي استعدادًا كاملاً للمضي قدمًا في هذا التعاون. ولعل تطور التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإسرائيل، التي تناصب إيران وحليفها حزب الله العداء، نموذج لسياسة المتوازيات التي تتبعها روسيا حيث تطور الأخيرة علاقاتها مع الخصمين، إيران وإسرائيل، دون تدخل في العلاقة أو اشتراط تحقيق تفاهمات بينهما.

ويظل الأمر رهنًا بمدى قبول دول الخليج بالشراكة مع روسيا دون اشتراط تخلي الأخيرة عن إيران والذي أصبح أمرًا غير ممكن مع التطور الكبير في العلاقة بين الجانبين، وكون روسيا أصبحت غير مبالية بالضغوطات الخارجية أيًا كان مصدرها. وربما يكون من المفيد أن تتعامل دول الخليج مع روسيا من منظور برجماتي، يتضمن تحدد أولوياتها واحتياجاتها من موسكو على النحو الذي يخدم مصالحها ويعزز من دفاعاتها.

مجلة آراء حول الخليج