; logged out
الرئيسية / الإعلام العربي المنكفئ غير الموحد في مواجهة سيطرة اللوبي الإسرائيلي جامعة الدول العربية: إعلام محدود التأثير وإخفاق في وضع منهج للإعلام العربي

العدد 117

الإعلام العربي المنكفئ غير الموحد في مواجهة سيطرة اللوبي الإسرائيلي جامعة الدول العربية: إعلام محدود التأثير وإخفاق في وضع منهج للإعلام العربي

الأحد، 05 آذار/مارس 2017

تعد جامعة الدول العربية أقدم منظمة دولية قامت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تأسست قبل منظمة الأمم المتحدة بشهور. وتأسست هذه الجامعة في القاهرة عاصمة مصر في 22 من مارس عام 1945م بعدما مست الحاجة لمظلة توحد البلاد العربية على القضايا العربية والإسلامية، وتسهل التنسيق والتعاون بين الدول العربية. وتضم هذه الجامعة دولاً في آسيا وإفريقيا ويعتبر أعضاؤها دولاً عربية. وتعتبر جامعة الدول العربية المنظمة التي تتحمل نيابة عن الدول العربية مسؤولية الإعلام العربي في العالم، وتعتبر بحكم وضعها المعترف به دوليًا منظمة دولية حكومية وهي أيضًا منظمة قومية بحكم الظروف التي أحاطت بها من ظروف سياسية واقتصادية وثقافية وتاريخية.

وقد كانت الجامعة العربية بمثابة منتدىً لتنسيق المواقف السياسية للدول الأعضاء، وللتداول ومناقشة المسائل التي تثير الهم المشترك، ولتسوية بعض المنازعات العربية والحد من صراعاتها، كما مثلت الجامعة منصةً لصياغة وإبرام العديد من الوثائق التاريخية لتعزيز التكامل الاقتصادي بين بلدان الجامعة. وقد لعبت الجامعةُ العربيةُ دورًا هامًا في صياغة المناهج الدراسية، والنهوض بدور المرأة في المجتمعات العربية، وتعزيز رعاية الطفولة، وتشجيع برامج الشباب والرياضة، والحفاظ على التراث الثقافي العربي، وتعزيز التبادلات الثقافية بين الدول الأعضاء. كما تشجع الجامعة اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الجريمة وتعاطي المخدرات، وللتعامل مع القضايا العمالية، ولا سيما بين القوى العربية العاملة في المهجر.

وعلى الرغم  من ذلك فإن إعلام الجامعة العربية محدود التأثير ، وقد أخفقت في وضع سياسة ثابتة يعتمد عليها البرنامج الإعلامي العربي ،وأكثر من ذلك فإن جامعة الدول العربية ليس فقط تواجه الانتقادات من الدول الأخرى، بل ليس لها شعبية لدى معظم الشعوب العربية بسبب أنها فشلت في حل الكثير من القضايا العربية ولعل أبرزها الصراع العربي الإسرائيلي واحتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية عام 1948م، وعام 1967م، والتدخل الأمريكي بالعراق والصراعات في ليبيا  واليمن ومشكلة الشعب السوري الذي أصبح يعاني اللجوء والتشريد في دول العالم.

ومنذ أن اجتاحت موجة الاحتجاجات عددًا من الدول العربية في عام 2011م، كان لوسائل الإعلام التقليدية والجديدة منها الفضل في توحيد الناس وتنشيط المناخ العام الذي كان عديم الجدوى، فضلاً عن المساهمة في إسقاط الحكومات. والغريب أن الجامعة لم تلعب أي دور يذكر في هذه الثورات أو ما سمي بالربيع العربي. ولم تستطع الجماهير خارج العالم العربي تمييز الأخبار النزيهة عن المنحازة. وعجز نظام الإعلام العربي في المجال الدولي عن القيام بأي دور متميز لشرح القضايا العربية أو استقطاب الآخرين للوقوف مع العرب في أي شأن من شؤونهم بل أن هذا الإعلام عجز عن التعامل مع الأزمات التي مرت بيننا وبين الغرب، وأبرز مثال لهاالحملة المعادية للعرب والمسلمين التي تشنها بعض وسائل الإعلام الخارجية، والسعي الحثيث لنشر صورة مغلوطة عن العرب والمسلمين وإلصاق ظاهرة الإرهاب بالإسلام.

ولا شك في أن من أهم التحديات التي تواجه الإعلام العربي حالة الانقسام في الوطن العربي، وغياب لغة التضامن والتوحد والاتفاق على سياسة توافقية عامة في مواجهة التحديات الخارجية إزاء القضايا العربية والإسلامية، وهو ما انعكس سلبًا على الإعلام العربي بوجه عام، والإعلانات الوطنية والمحلية التي زادت من حدة الانقسام التي تزيد من حجم الدعاية الدولية والإسرائيلية التي تستطيع الوصول إلى جبهتنا القومية والإسلامية عدا عن القطرية بسهولة ويسر وانسياب.

ومن عيوب الإعلام العربي في مجمله أنه يشكو من ضعف مؤسساته ومن قلة العناصر البشرية المتخصصة والمدربة القادرة على العمل في المجال العالمي ويشكو أيضًا من تسلط الرقابة عليه ، ومن التضييق على العاملين فيه ، وإذا كان بعض الحل يكمن في تدريب الإعلاميين ورفع مستوى تأهيلهم المهني والالتزام بالأساليب العلمية في كل ذلك ، فإن البعض الآخر من الحل يكمن - دون شك -  في إتاحة الحرية بالمؤسسة الإعلامية وللعاملين فيها على السواء وهي الحرية المسؤولة التي تنبذ الفوضى وتفسح المجال أمام الحوار الديمقراطي لتنضج الأفكار والرؤى وتضع مصالح الأمة العربية والحفاظ على قيمها وأصالتها في المقام الأول فالإعلام بوسائله المتعددة يؤثر تأثيرًا كبيرًا في توجيه الرأي العام ، وهو وسيط التغيير الذي يخلق وعيًا لدى المجتمع بمقومات التقدم فيه .

إن تفوق وسائل الإعلام الدولية الغربية علينا كعرب يرجع إلى سيطرة اللوبي الإسرائيلي على كثير من هذه الوسائل العالمية إضافة إلى عجز وضعف الإعلام العربي في المجال الدولي عن القيام بدور مؤثر أو مقنع أو عقلاني يمكن أن يواجه به المزاعم والأكاذيب التي عادة مأ نثور لأجلها ثم نهدأ دون تحقيق أهداف أو تحصيل نتائج محددة وعادة ما تكون لغة التخاطب من جانب واحد كمن يتحدث إلى نفسه وبلغته دون الوصول إلى الآخر وإقناعه.

فالخطاب الإعلامي العربي الذي يمكن تسميته تجاوزًا كذلك ليس واحدًا بل متباينًا بتباين الأنظمة العربية مع هذه السياسية أو تلك، وحتى الخطاب الواحد الذي تنتجه الوسيلة العربية الواحدة يشكون من ضعف تجانسه وتكامله أو تناقصه لعدم استناده إلى هدف أو غاية واحدة واضحة ومحددة.

وفى ظل التحديات التي تواجهها المنطقة العربية  فإن جامعة الدول العربية منوطة بوضع خارطة طريق عربية للإعلام لتعزيز دوره وتبني برامج للتوعية الإعلامية وفق سياسة إعلامية عربية متواصلة وحشد الرأي العام العالمي ومناهضة إجراءات وسياسات الاحتلال الإسرائيلي التعسفية ضد الفلسطينيين .والتصدي لظاهرة الإرهاب بهدف تضافر الجهود الإعلامية للدول الأعضاء لمواجهة الإرهاب والذي بات خطرًا يهدد استقرار وأمن المنطقة والعالم ، والإسهام بقوة في تجديد المضامين الإعلامية فيما يخص مواجهة الإرهاب حيث أن الإعلام أصبح سلطة مؤثرة للغاية وهو الفضاء الذي يتم من خلاله تشكيل العقول.

وقد كانت خطوة موفقة من الجامعة إعادة عمل اللجنة الدائمة للإعلام العربي بعد أن تم الغاؤها عام 2011م -وهي لجنة فنية أنشئت في عام 1959م، من قبل مجلس جامعة الدول العربية على غرار اللجان الدائمة المنصوص عليها في النظام الداخلي، وتتشكل من رؤساء أجهزة الإعلام من كبار رجال الاختصاص في هذا الشأن في حكومات الدول الأعضاء أو من ينوب عنهم. وتختص اللجنة الدائمة للإعلام العربي بوضع الخطط والاستراتيجيات العامة لسياسة الإعلام العربي، ودراسة الخطط والبرامج والدراسات ومشاريع العمل العربي المشترك في مجال الإعلام والمحالة إليها من قبل المجلس، ومناقشة المشاريع والبرامج المقدمة من قبل الأمانة الفنية للمجلس ورفع التوصيات بها إلى المكتب التنفيذي- وينتظر من اللجنة أن تكون آلية فعالة  لمتابعة ووضع خطط جديدة للتحرك الإعلامي العربي في الخارج بهدف التصدي للحملة المعادية للعرب والمسلمين التي تشنها بعض وسائل الإعلام الخارجية، والسعي لتصحيح الصورة المغلوطة وإبعاد ظاهرة الإرهاب عن الإسلام. كما ينتظر من اللجنة أن تسهم في صياغة استراتيجية إعلامية عربية بهدف إعادة بلورة رؤية شاملة تتماشى ومتطلبات تطوير أداء الإعلام العربي لتمكينه من خدمة قضايا أمته الجوهرية ومواجهة التحديات التي تهدد المنطقة العربية في الوقت الراهن.

إن الإعلام أمانة ومسؤولية، والمؤسسة الإعلامية كالمؤسسة التربوية من حيث أثرها في تشكيل بنية المجتمعات ورسم ملامحها، وقد يتفوق أثر المؤسسة الإعلامية على التربوية نتيجة عوامل مختلفة، منها طبيعة المادة التي تقدمها كل منهما ومدى مناسبتها لأهواء المتلقين.

وإذا كانت الجامعة قد عجزت خلال السنوات الماضية في مواجهة عدد من القضايا والمشكلات التي واجهت الأمة العربية سواء داخليًا أو خارجيًا فهي لأنها تمثل حكومات عربية لها توجهات مختلفة ولا يحكمها مبدأ وحدة الصف كما أن هناك قوى خارجية تحاول إضعاف دور الجامعة العربية حتى تظل ضعيفة لا يمكن أن تتخذ قرارًا يجمع عليه العرب، وإن هذه القوى لها مصلحة في استمرار وضع الجامعة العربية ضعيفًا لا حول له ولا قوة. ليس عيبًا الاعتراف بأن الجامعة العربية بوضعها الراهن لا تستطيع القيام بدور فاعل لأنها مقيدة بتوجهات وإرادتها متفرقة بين مجموعة إرادات كل منها يجذبها إلى ناحية أخرى بسبب غياب استراتيجية عربية موحدة وعدم وجود رؤية مشتركة للقضايا والموضوعات التي تهم الأمة العربية والتي تمس مصالحها القومية العليا. وبالتالي فإن الأمة في حاجة اليوم إلى إعادة صياغة استراتيجية قومية مشتركة يتفق عليها الجميع هدفها الحفاظ على المصالح العربية العليا ودعم وحدة الصف وقبل ذلك تحقيق مصالحة عربية ـ عربية تقوي الجامعة العربية وتقوي مؤسساتها في مواجهة الأخطار والدفاع عن المصالح العربية العليا. وتحويل الإعلام العربي من إعلام متخصص إلى إعلام مشارك تنموي يهدف إلى التسويق الاجتماعي لقضايا التنمية العربية.ويحافظ على الهوية الثقافية والحضارية للأمة العربية في عصر العولمة وإنماء شخصية المواطن العربي في إطار متوازن من الأصالة والمعاصرة. ويسعى إلى الاهتمام باللغة العربية الفصحى باعتبارها من أبرز مقومات الأمة العربية لتحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة، ووسيلة التعبير الأساسية للإبداع العربي في كل الميادين.

وأخيرًا، فإن من أهم مسارات إعادة بناء النظام الإعلامي العربي في ضوء التحديات التي تشهدها أمتنا العربية، هو أولاً: المسار التشريعي، وهو يتعلق بتغيير جذري ديمقراطي وجوهري لمجمل القوانين المرتبطة بحرية الصحافة والتعبير عمومًا، والمرتبطة بالإعلام المرئي والمسموع على وجه الخصوص. ثم ثانيًا: إعادة بناء النظام الإعلامي القومي والحكومي على أساس تحويله من نظام الإعلام الموجه التابع تبعية مطلقة للدولة إلى نظام إعلامي محصن من التدخل السياسي الحكومي في سياساته التحريرية والبرامجية، أيًا كان نوع الحزب الحاكم أو الحكومة القائمة، وتوفير منبر حرّ لكل وجهات النظر السياسية والثقافية ولأطراف الحياة العامة، وهم الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وباحث اقتصادي

 

مجلة آراء حول الخليج