; logged out
الرئيسية / من يقود الاقتصاد يوجه السياسة ويسيطر على الأمن.. والقرن الحالي آسيوي الانتقال لكيان اقتصادي آسيوي واحد يمر عبر 3 مراحل وسياسات واستراتيجيات

العدد 118

من يقود الاقتصاد يوجه السياسة ويسيطر على الأمن.. والقرن الحالي آسيوي الانتقال لكيان اقتصادي آسيوي واحد يمر عبر 3 مراحل وسياسات واستراتيجيات

الخميس، 30 آذار/مارس 2017

لم يعد التكامل الاقتصادي مجرد تكتل يهدف إلى اتباع سياسات تجارية من شأنها تخفيض أو الغاء القيود الجمركية وغير الجمركية بين الدول الأعضاء، بل أصبحت التكتلات الاقتصادية الكبرى أحد آليات حل المشكلات والصراعات بين الدول سواء الاقتصادية أم السياسية، إلا أنه يظل العائد الاقتصادي من التكتلات الاقتصادية والتكامل الاقتصادي هو الأبرز، حيث أن من ثمار التكامل الاقتصادي بين الدول زيادة الإنتاجية التي تؤدي إلى انخفاض الأسعار ما يعود بالنفع على كل من المنتجين والمستهلكين.

أصبح التعاون والاندماج الاقتصادي الإقليمي والدولي أحد سمات التنمية الحديثة، حيث أخذت الدعوة للتكامل تتوسع وتزداد أهميتها انعكاسًا لمتطلبات التنمية في العصر الحديث، فازداد عدد الدول التي أخذت بالتكامل الاقتصادي، وظهرت تكتلات اقتصادية لها أثر كبير على الاقتصاد العالمي مثل الاتحاد الأوروبي، و(النافتا)، إضافة إلى تكتلات أخرى في البلدان النامية، كرابطة دول جنوب شرق آسيا، والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وشهدت قارة آسيا مع بداية الثمانينات اتجاهًا متزايدًا نحو إنشاء التجمعات الإقليمية وشبه الإقليمية وتفعيل القائم منها رغبة من الدول الأسيوية لمواجهة التحديات الجديدة التى تفرضها القوى الاقتصادية الكبرى، وللتخفيف من حدة التداعيات السلبية للعولمة. ورغم تشابه تلك المنظمات في الهدف من إنشاءها إلا أن التأثيرات الإيجابية لها بدأت تظهر في تنمية العلاقات بين دولها، خاصة مع انضمام الدول القوية اقتصاديا مثل دول الخليج، والصين، وروسيا، وإيران، وكوريا الجنوبية، واليابان إليها.

وانطلاقا من أهمية التكتلات الاقتصادية الأسيوية وما قد تلعبه من دور مستقبلي أعددت هذا الكتاب ـ المنشور ملخصه في هذا المقال، لدراسة جميع التكتلات الأسيوية مع وضع رؤية مستقبلية لوحدة اقتصادية أسيوية قد يكون لها دور في قيادة العالم اقتصاديًا.

من هذا المنطلق سوف يتم تسليط الضوء على ما يمكن أن تلعبه التكتلات الاقتصادية الأسيوية من دور في تفعيل وتنمية اقتصاديات الدول الأسيوية المنضمة إليها. كما يتطرق الكتاب إلى مناقشة التكتلات الاقتصادية ودورها في تنمية اقتصاديات الدول الموقعة عليها، وكذلك تحليل أهم التكتلات الاقتصادية الأسيوية لمعرفة أثرها على النمو الاقتصادي لدول آسيا ومساهمتها في زيادة تأثير القوة الاقتصادية للقارة على الاقتصاد العالمي.

وتعتمد الدراسة على المنهج التحليلي الوصفي للتكتلات الاقتصادية محل الدراسة، كما تقوم الدراسة بتقويم تجربة التكتلات الاقتصادية الأسيوية لاستخلاص النتائج وتطبيقها على موضوع الدراسة لمعرفة أثر تلك التكتلات على الاقتصاد العالمي. مع التركيز بشكل أساسي على وضع تصور مستقبلي لتحوّل هذه التكتلات الاقتصادية إلى اتحاد اقتصادي أسيوي على غرار الاتحاد الأوربي، وما قد ينتج عن هذا الاتحاد من قوة اقتصادية كبرى يكون لها التأثير والغلبة في قيادة العالم اقتصاديًا.

ولقد واجه الباحث صعوبات عديدة في إعداد هذا الكتاب أبرزها التغير السريع على الساحة الأسيوية مما يؤثر على وضع رؤية مستقبلية مقترحة للتعاون، واختلاف الأدوار التي أنشئت من أجلها التكتلات الاقتصادية الأسيوية، فبجانب دورها الاقتصادي الأصيل اضطرت أن تلعب أدوارًا سياسية فرضتها عليها الظروف الدولية والإقليمية. من ناحية أخرى، فإن الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة بعد ثورات الربيع العربي وحرب اليمن وحروب الإرهاب في العراق والشام، مما حدا بجميع هذه التكتلات وإن كانت اقتصادية الهدف والمنشأ، إلى لعب أدوار سياسية أيضا.

وقد رأيت أن أستعرض بعضًا من التكتلات الاقتصادية على المستوى الدولي ثم استعراض التكتلات الموجودة في آسيا وفقا لتاريخ النشأة والتكوين، واستخلاص الدروس المستفادة من هذه التكتلات مجتمعة خلصنا لرؤية مستقبلية حول هدف الدراسة وهو الوصول لكيان مؤسسي موحد يجمع التكتلات الأسوية في كيان واحد يستطيع قيادة العالم اقتصاديًا ومن ثم سياسيًا وأمنيًا، وليس خفيًا على أحد أن من يقود الاقتصاد يستطيع توجيه السياسة ويسيطر على المشكلات الأمنية، لذلك أصبح من الضروري والملح على قادة آسيا الاسراع من وتيره اندماج التكتلات الأسيوية في كيان واحد مستفيدين من تجربة الاتحاد الأوروبي الرائدة في هذا الصدد، وذلك لمواجهة الأخطار العالمية الراهنة سواء الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية.

التكتلات الاقتصادية الأسيوية:

تمتاز آسيا بتنوع وتعدد التكتلات الاقتصادية، وسكانها الأكثر عددا مقارنة بباقي القارات، ومع بروز قوى اقتصادية كبرى بها مثل اليابان والصين والهند وأندونيسيا أصبحت تسيطر على حصة لا بأس بها من الناتج الإجمالي العالمي وأصبحت دول القارة تحتل المراكز الأولى في معدلات النمو والانتاج، كما تعد الصين من كبريات دول العالم مساهمة في حركة التجارة العالمية، وقد ظهرت في آسيا العديد من التكتلات الاقتصادية ومن أبرز هذه التكتلات ما يلي:

                  ‌أ-        رابطة بلدان جنوب شرق آسيا**ASEAN: تأسست عام 1967م، وتضم 10 دول من جنوب شرق آسيا وتهدف إلى تحقيق التعاون بين الأعضاء في مختلف المجالات. إضافة إلى تحقيق السلم والاستقرار والرخاء لشعوب المنطقة وتقدم وازدهار بلدانها، وتأسست الأسيان (ASEAN) بين دول أندونيسيا، ماليزيا، سنغافورة، تايلاند، الفلبين"، ثم انضمام " بروناي " سنة 1984م، وفيتنام 1985م، ثم ميانمار ولاوس 1997م، وكمبوديا 1999م.

               ‌ب-      مجلس التعاون الخليجي **(GCC): وهو منظمة سياسية واقتصادية واجتماعية إقليمية، وهو تنظيم تعاون إقليمي بين دول الخليج في مواجهة التحديات التي فرضتها الظروف المحيطة بالمنطقة.

                ‌ج-      ثالثاً: منظمة شنغهاي **(SCO): وهي منظمة سياسية اقتصادية عسكرية أوراسية، تضم مجموعة من الدول الآسيوية، بهدف تعزيز التعاون بين الأعضاء، وتضم ست دول (الصين -روسيا -كازاخستان– قيرغيرستان–أوزبكستان -طاجيكستان).

 

تكاليف ومزايا الاندماج الاقتصادي في آسيا:

 

مما سبق، الاقتصادات الأسيوية استفادت من الأزمة المالية الأسيوية في أواخر التسعينات وأسرعت من وتيرة التكامل والاندماج الاقتصادي، وخاصة مع ظهور الصين كقوة اقتصادية كبرى، إلا أن ظهور الأزمة المالية العالمية في 2008م، جعل بنك التنمية الأسيوي (ADB) يطرح تساؤلا هاما: "ما هي تكاليف وفوائد التكامل الاقتصادي الإقليمي في آسيا؟ ويجب ألا نغفل أن التكامل الاقتصادي باشكاله المختلفة كان يحمل أسبابا أخرى منها السياسية والأمنية وأن الكثير من التكتلات الاقتصادية نشأ بدوافع سياسية وأمنية، وسوف يحاول المبحث الثاني الاجابة على هذا التساؤل من خلال استعراض أهم الصعوبات والتحديات التي تواجه التكامل الاقتصادي الأسيوي مع ذكر أهم مزايا هذا التكامل.

يرى المفكرون الاقتصاديين تنوع التعاون الإقليمي وأبعاده المختلفة، فإذا ما تجاوزنا الإقترابات للنظر في التعاون الإقليمي وحاولنا التعرف على العناصر اللازم توافرها لقيام مثل هذا التعاون، نجد مرة ثانية تباين في الآراء فيما يتصل بهذه العناصر ودورها، فعلى صعيد التحديات الخارجية يرى البعض أن التهديدات الخارجية يعد كافيا للدفع نحو التكتل والتضامن، وفيما يتعلق بالمدخل الاقتصادي نجد جدلًا مماثلًا بين من يدعو إلى إتباع المدخل الاقتصادي لتحقيق الاندماج والتكامل وبين من يدعو إلى المدخل السياسي لتحقيق ذات الهدف. على أنه تجدر الإشارة إلى أن التيار الغالب يذهب إلى ضرورة توافر قدر من المصلحة المشتركة بين الدول الساعية لإقامة تنظيم إقليمي سواء تمثلت هذه المصلحة في درء مخاطر أو جلب منافع لمختلف الأطراف. كما أن النظريات المختلفة للاندماج والتكامل المعروفة لم تستبعد مجال العامل السياسي، كما أن النظريات السياسية لم تهمل الأبعاد الاقتصادية في تناولها. والواقع أن عملية التعاون الإقليمي تثير العديد من القضايا التي تتصل بطبيعة التنظيم، وأطرافه والعلاقة بينهم، وكذلك الهيكل التنظيمي. والتكتلات الاقتصادية الأسيوية ينطبق عليها كل هذه النظريات فنجد أن نشأة وتطور جميع التكتلات الأسيوية كانت لأسباب أمنية أو سياسية بالإضافة لمصالح اقتصادية مشتركة وجميعها قامت بين دولا متقاربة جغرافيا ومكانيا، كما أن وجود تحدي أو تهديد خارجي كان الحافز والدافع للتكامل والاتحاد، وظهر ذلك جليا في أشهر التكتلات الأسيوية مثل الأسيان أو منظمة شنغهاي أو مجلس التعاون الخليجى.

مقومات التكامل الاقتصادي الآسيوي.

تمتاز الأسواق الآسيوية بالعديد من المزايا والمقومات التي تساعد على الاندماج والتكامل الاقتصادي ومن هذه المقومات ما يلي:

‌أ.       معدلات نمو مرتفعة: تمتاز الدول الأسيوية عامة وجنوب شرق آسيا خاصة بتحقيق معدلات نمو مرتفعة قد تكون الأعلى عالميًا، فقد نشر صندوق النقد الدولي أحدث تقديراته لمعدلات النمو العالمية، وقدر متوسط معدل النمو العالمي 3.2% خلال عام 2016م، فيما أشارت تقديراته إلى حصول مينمار على أعلى معدل نمو بمقدار 8.6%، والهند 7.5%، وبنجلاديش 6.6%، والصين حققت معدل نمو بمقدار 6.7%، فيما حصلت أندونسيا على 4.9%، وهذه المعدلات تعد الأعلى عالميًا، كما استطاعت الكثير من دول جنوب شرق آسيا المحافظة على هذه المعدلات المرتفعة لسنوات عديدة باستثناء عام 2008م، والمتعلق بالأزمة المالية العالمية.

 

‌ب.معدلات انتاج مرتفعة: وفقًا لتقارير البنك الدولي فإن أمريكا لا تزال تحافظ على صدارتها للاقتصاد العالمي، بناتج محلي 17.9 تريليون دولار، والصين في المرتبة الثانية بناتج 11.385 تريليون دولار، واليابان 4.116 تريليون دولار، والسعودية بـنحو 632 مليار دولار، وهنا نجد محافظة العديد من الدول الأسيوية على معدلات ناتج مرتفعة، وبدراسة تطور حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة العشرين الأوائل خلال الأعوام 2013، 2014، 2015،م نلاحظ تراجع في حجم الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام لمعظم دول العالم، عدا أمريكا، والصين، والهند، وكوريا الجنوبية.

‌ج.   السيطرة على التجارة العالمية: تستحوذ الصين فقط على 12% من التجارة العالمية، وثاني أعلى احتياطي نقدي في العالم بعد أمريكا بمقدار 3.2 تريليون دولار واليابان في المركز الثالث بـ 3 ترليون دولار، وتستحوذ الصين على 10% من إجمالى الواردات العالمية وتمتلك الصين أيضا 66% من وارادت السلع الوسيطة فى آسيا، إضافة إلى 25% من السلع المصدرة إلى كوريا واليابان.

‌د.     المصالح والتهديدات المشتركة: ظهرت أغلب التكتلات الأسيوية في بيئة صراعية إذ اتسمت المنطقة قبل ظهورها بكثرة الصراعات العرقية الحدودية، عمقتها خلافات تجاه الأمن الإقليمي والموقف من القوى الإقليمية الأخرى، والقوى الدولية، ونجحت التكتلات في استثمار اللحظة التاريخية المواتية مثل التهديدات السوفيتية والاحساس بالخطر المشترك في التقارب فيما بينها وتحقيق التكامل الاقتصادي ووضع أسس بناء إقليمي لتحقيق الأمن والرفاه الاقتصادي.

 

التحديات التي تواجه التكامل الاقتصادي الأسيوي.

‌أ.      التحديات السياسية والأمنية: تعتبر التحديات والتهديدات الأمنية والسياسية من أخطر التحديات التي تواجه التكامل الاقتصادي ويرى البعض أن التهديدات الأمنية والسياسية أخطر على التكامل الاقتصادي من الأزمات المالية وتعاني منطقة الشرق وآسيا من العديد من المخاطر الأمنية ومن أبرزها تهديد الارهاب المتمثل في داعش، إضافة إلى تهديدات كوريا الشمالية.

‌ب.التحدي الديمجرافي والسكانية: سجلت معظم الدول الأسيوية معدلات نمو سكانية عالية مقارنة بدول العالم، حيث تشغل آسيا 59.9% من سكان العالم بتعداد 4 مليارات و342 مليون نسمة، وتشكل الصينوالهند 36.21% من سكان العالم.

‌ج.  التحديات الاقتصادية: عانت الدول الأسيوية من العديد من الأزمات الاقتصادي بداية من أزمة النمور الأسيوية عام 1997م، ومرورا بالأزمة المالية المالية العالمية 2008م، ومؤخرا تعاني دول العالم بشكل عام والدول الأسيوية بشكل خاص من حالة انكماش في الانتاج وبالتالي في التجارة الدولية.

 

مستقبل التكتلات الاقتصادية الآسيوية:

ظهرت العديد من الاقتراحات مؤخرًا نادت بتعميق الاندماج الاقتصادي بين دول التكتلات الاقتصادية الأسيوية. وأن كل المعوقات يمكن التغلب عليها من خلال جدول زمني للتفاوض وتذليل العقبات، ومن أهم هذه العقبات وجود مستويات مختلفة من التنمية الاقتصادية بين مختلف التكتلات الأسيوية وكذلك ضعف مؤسسات التكتلات الأسيوية.

ولذلك سوف يتم تناول الفصل الثالث من خلال مبحثين:

أوجه الشبه والاختلاف بين التكتلات الآسيوية والاتحاد الأوروبي:

نشأ الاتحاد الأوربي بعد فترة طويلة من الصراعات والحروب، كما نشأ بين دول تتكلم لغات مختلفة، لذلك هناك أوجه شبه بين الاتحاد الأوروبي والدول الأسيوية، حيث أن الخلفيات التاريخية لكثير من الدول الأسيوية تحمل العديد من الحروب والنزاعات، كما تتعدد اللغات في القارة الأسيوية.

وعلى الرغم من تكون العديد من التكتلات الاقتصادية الآسيوية خلال القرن العشرين وانتهاء فترة النزاعات والصراعات فيما بينها، إلا أنها لم تصل لدرجة عالية من النضج والتكامل مثل الاتحاد الأوروبي. فما هي الأسباب التي جعلت التكتلات الأسيوية لم تصل لمستوى الاتحاد الأوروبي؟

اعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي في تكوينة على مؤسسات لها صلاحيات وسياسات تلتزم بها الدول الأعضاء، وأصبحت لهذه المؤسسات قوة وسلطة على الدول الأعضاء، إلا أن التكتلات الآسيوية لم تتخذ نفس المنهج والتزمت بوضع حد بين سيادة الدول الأعضاء ودور مؤسسات التكتلات الاقتصادية، حيث كانت هناك مخاوف من قدرة هذه المؤسسات أن تجبر الحكومات على التخلي عن السيادة في مجالات السياسات الرئيسية (الدفاع والأمن والسياسة الخارجية).

فمن المنظور الأسيوي لابد أن يكون هناك فرق واضح بين سيادة الدول الأعضاء وبين صلاحيات مؤسسات التكتلات الاقتصادية. ولكي تقوي التكتلات الأسيوية لابد أن يكون هناك أولويات واضحة لدور الدولة ودور مؤسسات التكامل الاقتصادي، بحيث لا تتعارض مطالب الدول بالنمو والاستراتيجايات الاقتصادية المختلفة مع ما تفرضة مؤسسات التكامل الاقتصادي من قيود على الدول الأعضاء.

وليس بالضرورة عدم وجود التكامل المؤسسي على غرار الاتحاد الأوروبي السياسي والاقتصادي ينم عن ضعف بل قوة للدول الآسيوية لأنها تحافظ على التكامل بالمرونة وتحافظ على المركز القانوني غير الملزم.

إن إحجام الدول الآسيوية عن الجهود الرامية إلى إضفاء الطابع المؤسسي على علاقاتها يمكن أيضا تفسيره من منطلق الشعور المشترك بأن الهياكل البيروقراطية الإقليمية سوف تصبح مستقلة عن قائمة الدول الراعية لها.

ويؤكد بعض الكتاب الغربيين أن عدم وجود هياكل ديمقراطية ومؤسسات ديمقراطية على النمط الغربي في العديد من الدول الآسيوية يعتبر عقبة أمام الاندماج نظراً لوجود ما يسمى بـ "ديمقراطيات الحزب الواحد" وهذه عقبة أمام أي جهة سياسية ذات مغزى، لذلك يقول البعض إن بكين لا ينبغي أن يسند لها دورا قياديًا نظرًا لعدم وجود هياكل سياسية ديمقراطية، وعلى وجه الخصوص ينادي صناع السياسة اليابانية إن بلد غير ديمقراطي لن يؤدي إلي التكامل السياسي ولا إلي المزيد من الديمقراطية في آسيا، وهذا يتماشى بالفعل مع افتراض الاتحاد الأوروبي أن الهياكل الديمقراطية هي شرط مسبق لعملية التكامل وذات مغزى لا يمكن إغفاله.

رؤية مستقبلية للتكتلات الاقتصادية الآسيوية:

كثير من الأدبيات السياسية والاقتصادية تعتبر القرن التاسع عشر هو القرن الأوربي لهيمنة الكيانات الأوروبية الاستعمارية الكبرى على العالم وبخاصة المملكة المتحدة وفرنسا، وامتدت هذه الهيمنة إلى بدايات القرن العشرين وشهد القرن العشرين هيمنة أمريكية واضحة وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد أمريكا بقيادة العالم، ومع الاتجاهات لتعدد الأقطاب وعدم وجود دولة كبرى تهيمن على كل مقدرات العالم الاقتصادية والسياسية يرى البعض أن القرن الحالي هو قرن آسيوي وهناك العديد من المؤشرات على ذلك، ومن أبرز هذه المؤشرات وجود أكثر من دولة أسيوية تؤثر في حجم التجارة العالمية بداية من اليايان والصين ومرورا بالهند وكوريا الجنوبية وأندونيسيا وغيرهم من الدول التي أصبح لها تأثيرًا قويًا في السياسة الاقتصادية العالمية، ويرى آخرون أن منظمة شنغهاي وإمكانية توسعها قد يشكل نواه لشكل الهيمنة الاقتصادية والسياسية في المستقبل، كما أن الدور المتنامي لروسيا في مقابل أمريكا في القضايا الدولية المتعلقة بالإرهاب وخاصة في منطقة الشرق الأوسط قد يعجل بانحسار الدور الأمريكي وبداية ظهور قوى كبرى بقيادة كل من روسيا والصين.

وتتميز آسيا بثروات هائلة ومساحة جغرافية شاسعة وكثافة سكانية، وهي قادرة على أن تتصدر العالم باستغلال الثروات والاستخدام الأمثل للقوى البشرية والتكنولوجيا الحديثة.

ولضمان التواصل المستمر والتعاون الوثيق بين المنظمات الإقليمية لدول القارة فيما بينها واللقاءات والاستشارات المتعددة التي تعزز من أهداف حوار التعاون الآسيوي، لابد من وجود علاقات تحت مظلة إقليمية من خلالها يمكن الشراكة مع المنظمات والمنتديات الإقليمية الأخرى وللمساعدة في إرساء وترسيخ السلام.

فكل ما سبق يشكل مجموعة منصات انطلاق لتحقيق طموحات تعاونية واقتصادية يفرضها النظام العالمي الجديد من جهة، والرغبة الجماعية في تعظيم قدرات دول آسيا في مقابل التكتلات الدولية وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي و(النافتا)من جهة أخرى.

لكن الدول الآسيوية تواجهه مشكلة تواضع قدرتها التفاوضية مع المؤسسات العالمية نتيجة عدم التنسيق المؤسسي فيما بينها والتي من شأنها أن تضعف مساهماتها في رسم وتوجيه السياسيات الاقتصادية العالمية. ففي منظمة التجارة العالمية تدخل التكتلات المشار لها بتوافق واضح على المصلحة المشتركة، بينما تدخل معظم دول آسيا منفردة أو من خلال تنظيمات هشة لا تقوم على دعائم واضحة. كما أن هذه الحالة تتكرر في العديد من المؤسسات الهامة التابعة للأمم المتحدة وكذلك المؤسسات المالية الكبرى ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لذلك فإن الكثير من السياسيات التي تنتهجها المؤسسات العالمية تلاقي الاحتجاج والمعارضة من قبل الدول الآسيوية التي ترى فيها تعارض مع سياساتها ومصالحها الاقتصادية والتجارية. ولأن المؤسسات العالمية تسير في طريق تكريس نظام أو مجموعة قوانين تجارية واقتصادية ليست بالضرورة متوافقة مع رؤى دول آسيا فإن الضرورة تلح عليها في التفكير الجدي لتنظيم مواقفها لتكون أكثر صرامة وفعالية من خلال تعظيم قدرتها التفاوضية وهذا لن يحدث إلا من خلال مظلة مؤسسية واحدة.

الأهداف المستقبلية لتحويل التكتلات الآسيوية لمنظمة ذات كيان مؤسسي واحد:

إن فكرة تحويل التكتلات الآسيوية لمنظمة دولية جديدة تكتنز الكثير من المنافع التي تنعكس بصور إيجابية متعددة على الدول الأعضاء والمجتمع الدولي بأسره، منها:

‌أ.       يكون الكيان الجديد مؤسسة للتكامل والتضامن والتعاون السياسي والاجتماعي والاقتصادي بين البلدان والشعوب الآسيوية.

‌ب.توحيد آراء ومواقف دول القارة حيال المواضيع التي تهم الدول الأعضاء أو حيال الموضوعات الدولية التي تدرج على جدول أعمال المنتديات والمنظمات الدولية مما يضاعف قدرتها التفاوضية وتعظيم دورها، كما يمكن للمنظمة أن تساهم في العمل على زيادة فاعلية التمثيل الآسيوي في منظمة للأمم المتحدة ووكالاتها المختصة ضمن ما يطلق عليه تحديث وتطوير الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن تحديدا، بالاضافة لتعزيز دور الدول في مجال التجارة الحرة وتعظيم قدرتها التفاوضية في منظمة التجارة العالمية.

‌ج.   تعزيز القدرات والمميزات التنافسية للدول عبر التنسيق والتعاون في مجالات الصناعة والتجارة ومراكز المال والأعمال.

‌د.     التنسيق والمواءمة بين السياسات في المجموعات الإقليمية القائمة والمستقبلية من أجل التحقيق التدريجي لأهداف المنظمة.

‌ه.  تطوير التعاون في المجالات العلمية والأكاديمية وخاصة مجالي التكنولوجيا والاتصالات والمواصلات.

‌و.    تطوير الاهتمام بقضايا الفرد والأسرة والشباب والطفل وقضايا المرأة.

‌ز.    إنشاء قوة أسيوية موحدة، وخلق آلية لفض المنازعات الأسيوية من خلال المنظمة الجديدة.

تصور مقترح حول البدء في الانتقال التدريجي لكيان آسيوي واحد:

إن إستشراف المستقبل يستند إلى رؤية متدرجة من عدة مراحل للوصول إلى تكوين المنظمة الآسيوية ويقترح أن تتم عملية الانتقال عبر ثلاث مراحل مترابطة عضويًا تسبقها دراسات ولقاءات فنية مكثفة لوضع الاستراتيجيات والخطط والسياسات، ولكي ترى هذه الخطط والسياسات النور ويصبح لدينا كيان آسيوي موحد تجتمع فيه جميع التكتلات الاقتصادية المختلفة، ويصبح معبرًا عن جميع الدول الآسيوية، يقترح أن يمر بالمراحل التالية:

المرحلة الأولى: التركيز على التكامل في كافة المجالات.

هي مرحلةٌ لا تركز على التكامل السياسي بقدر تركيزها على تحقيق التعاون والتكامل الاقليمي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ويكون المحرك الرئيس لها هو المؤسسات الوظيفية (Functional Agencies)، حيث تسعى الحكومات في هذه المرحلة لدعم بعضها من خلال التعاون الدولي، مما يساعدها على تحقيق الأهداف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ولعل أهم المحاور المقترحة لأوجه التعاون بين دول آسيا في مجالات: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والسياحة، والبيئة، والتجارة الدولية، والتنمية البشرية.

المرحلة الثانية: العناية بالقضايا ذات الأهمية المتوسطة:

وتهتم هذه المرحلة بالأخص بالقضايا ذات الاهتمام المتوسط مثل:

‌أ.      بناء المنظومة الشاملة للأمن البيئي المعلوماتي.

‌ب.الشراكة التجارية.

‌ج.  - السوق الآسيوية المشتركة وما يترتب على ذلك من اجراءات.

‌د.     - استكمال حلقات الربط القاري.

ويمكن تقييم هذه المرحلة بعد انقضاء فترة زمنية يتفق عليه.

المرحلة الثالثة: التكامل السياسي:

مرحلة التكامل السياسي كما بين دول الاتحاد الأوروبي، وبالإمكان وضع تصور لمحاور التعاون على النحو التالي:

‌أ.       البرلمان الأسيوي لاقرار سياسات بناء على رؤية مشتركة للموضوعات التي تهم دول القارة أو العلاقات الدولية.

‌ب.اتفاقات الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء.

‌ج.   موضوعات الأمن والسياسة الخارجية ويتم الاتفاق عليها بين الدول الاعضاء.

مراحل التكامل الاقليمى:

  • المرحلة الاولى:

تعزيز الإطار المؤسسى للمجموعات الاقتصادية القائمة، وإنشاء مجموعات اقتصادية جديدة حيث لا توجد، وتمتد هذه المرحلة لمدة أربع سنوات وتنتهي عام 2021م.

  • المرحلة الثانية:

يتم خلالها تثبيت الحواجز الجمركية وغير الجمركية على مستوى كل مجموعة اقتصادية، وتعزيز التكامل القطاعى على المستويين الإقليمى والقارى وتنسيق ومواءمة الانشطة التكاملية بين التجمعات الاقتصادية الإقليمية. ومدة هذه المرحلة 9 سنوات تنتهي فى عام 2030م.

  • المرحلة الثالثة:

    يتم على مستوى كل مجموعة اقتصادية إقليمية وخلال فترة اقصاها 10 سنوات، إنشاء منطقة تجارة حرة عن طريق تطبيق الجدول الزمنى لإزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية للتجارة، وانشاء اتحاد جمركى باعتماد تعريفة خارجية موحدة، وتنتهي هذه المرحلة فى عام 2038.

  • المرحلة الرابعة:

   تتضمن إنشاء اتحاد جمركي على المستوى القارى باعتماد تعريفة خارجية موحدة، وتنتهي هذه المرحلة عام 2040م.

  • المرحلة الخامسة:

   تتضمن هذه المرحلة اقامة سوق آسيوية مشتركة خلال فترة أقصاها 5سنوات تنتهي عام 2045م.

  • المرحلة السادسة:

    يتم خلال فترة أقصاها خمس سنوات ترسيخ وتعزيز بنية السوق الآسيوية المشتركة عن طريق كفالة حرية حركة عوامل الانتاج وانشاء بنك آسيوى مركزي وإصدار عملة آسيوية موحدة، وانجاز إقامة البرلمان الآسيوى، وتنتهي هذه المرحلة عام 2050م.

 

 

الخاتمة

لقد بات واضحا بأن دول آسيا بمفردها لن تستطيع مواجهة الموجات المتعاقبة من تسونامي التغيرات التي سيشهدها النظام الدولي خلال العقدين القادمين، لذلك فإن تنظيم الأمور بشكل مؤسسي لن يحقق المنافع لدول آسيا فحسب بل سيدرأ الكثير من المخاطر التي ستواجهها على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والتنموية والبيئية والتكنولوجية وسواها. وأخيرًا، فإن من أهم الدروس المستفادة من خبرة التحولات التاريخية على المستوى الدولي هو أن الدول التي لا تستطيع مواكبة التغيير فإنها قد تواجه معضلة التغيَّر، لذا فإن الأوان قد حان من أجل الاستعداد لمواجهة موجة التحولات القادمة بجرأة وتفاؤل ومن خلال تطويع الأدوات السياسية اللازمة من أجل مواكبة التغيير.

ولقد تزايدت فكرة الانضمام لتكتلات اقتصادية إقليمية ودولية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وازدادت وتيرة تشكيل التكتلات الاقتصادية عقب الحرب الباردة، واستطاعت العديد من هذه التكتلات تحقيق مكاسب ونجاحات على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن أبرز هذه التكتلات الاتحاد الأوروبي بمؤسساته الأشهر عالميا والذي أصبح شريك ولاعب رئيس في الأحداث العالمية الكبرى سواء كانت سياسية أو اقتصادية.

وعلى الرغم من أن تكوين التكتلات والتحالفات يكون للتنمية الاقتصادية والنهوض بالدول الأعضاء اقتصاديًا إلا أن أغلب التكتلات تتحول لأغراض أمنية وسياسية، وأبرز هذه التداخلات هو قيام الاتحاد الأوروبي بدور بارز في حل مشكلات البوسنة والهرسك وصربيا، كما تتدخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا (الايكواس) بدور فعال في حل مشكلات الدول الأعضاء الأمنية والسياسية مثلما حدث في مشكلة مالي مع الجماعات المتمردة ومؤخرًا تمكين الرئيس الجامبي المتخب من ممارسة مهامة من خلال التدخل العسكري بقوات تابعة للايكواس.

هل يكون لقارة آسيا دورًا بارزًا على الصعيدي السياسي والاقتصادي العالمي من خلال توحيد جميع تكتلاتها في تنظيم مؤسسي قوي وفعال أسوة بالاتحاد الأوروبي؟ وهل سيسمح الفاعلين الدوليين الحاليين (أوروبا – أمريكا) بدور بارز لآسيا خلال الأعوام القادمة؟ مع الأخذ في الاعتبار الأحداث العالمية الحالية مثل الحرب على الإرهاب، تولي ترامب رئاسة أمريكا والغموض الذي ينتاب سياساته الاقتصادية وتعاملاته الخارجية، أيضا يجب ألا نغفل دور روسيا المتنامي في منطقة الشرق الأوسط والتدخل لحل مشكلة التنظميات الإرهابية في سوريا والعراق.

لو استطاعت الدول الأسيوية من خلال تكتلاتها الاقتصادية الحالية على الانصهار في بوتقة واحدة وتنظيم مؤسسي قوي واحد – وهي تملك مقومات ذلك من خلال معدلات نمو وانتاج وأسواق ضخمة – أسوة بالاتحاد الأوروبي نستطيع القول إن القرن الجديد هو القرن الأسيوي وأن التكتل الأسيوي يقود العالم وتصبح آسيا هي القوة العظمي التي تتحكم في سياسات العالم سواء الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية.

 

**Association of Southeast Asian Nations(ASEAN)

 

**Gulf cooperation council (GCC)

**Shanghai Cooperation Organization (SCO)

مقالات لنفس الكاتب