; logged out
الرئيسية / الأسباب من (المتغيرات) والمسببات تكمن في (عمق الفرد) و4 دوافع للإرهاب سيكولوجية الإرهاب والشخصية الإرهابية: الخصائص النفسية للإرهابي وتركيبة التنظيمات المتطرفة

العدد 118

الأسباب من (المتغيرات) والمسببات تكمن في (عمق الفرد) و4 دوافع للإرهاب سيكولوجية الإرهاب والشخصية الإرهابية: الخصائص النفسية للإرهابي وتركيبة التنظيمات المتطرفة

الخميس، 30 آذار/مارس 2017

يهدف البحث الحالي إلى تسليط الضوء على البعد النفسي لظاهرة الإرهاب وتكوين الجماعات الإرهابية، بالتركيز على الإرهابي بصفته الأداة لتنفيذ أي مخطط دمار، محاولين في ذلك الكشف عن خصائصه النفسية وصحته العقلية ودوافعه والأسباب والمسببات التي أدت به إلى الاندماج في تلك التنظيمات، والكشف عن السياقات النفسية لتكوين جماعة إرهابية، وصولاً إلى سبل الوقاية من التورط أو الالتحاق بالجماعات الإرهابية، معتمدين في ذلك على المنهج الوصفي.

الكلمات المفتاحية: الإرهاب – الشخصية الإرهابية – التنظيمات الإرهابية

تعتبر ظاهرة الإرهاب من الظواهر المعقدة والخطيرة التي تواجه الإنسانية، وأصبح يهدد كل مظاهر الحياة والمجتمع والحضارة البشرية. والجدير بالذكر أنه لا يمكننا أن نتحدث عن إرهاب عربي أو غربي لأن الإرهاب لا يأخذ مفهومه إلا بالتعميم فهو مفهوم عالمي وقضية عالمية تمس البشرية جمعاء لا سيما إذا تكلمنا من منطلق نفسي وسياقات نفسية فهي الأخرى عالمية تتقاسمها البشرية، والإرهاب حسب فيلكينسن (Wilkinson, 1977) يمثل  "مظهر من المظاهر النفسية أو عرض من عدم الرضا والسعادة الاجتماعية، اضطهاد أو لا عدالة أو الاثنين معًا، هو أيضًا جرم معنوي، جرم تجاه الإنسانية، هجوم ليس فقط ضد الأمن وعلى حرياتنا وحقوقنا وأمن دولنا، بل ضد المجتمع المدني نفسه" [1].

إن البحث في ظاهرة الإرهاب يحمل في طياته مجموعة أسئلة جوهرية وهي: من؟ لماذا؟ كيف؟ وأين؟ وكل مجال من مجالات يجيب حسب تخصصه دون أن ننسى التقاطعات ويمكننا نعتبر أن البعد النفسي هو نقطة تقاطع جد مهمة باعتبارها تلعب دور الفاعل.

أصبحت دراسة الشخصية الإرهابية الإجرامية من أهم المواضيع التي يمكن أن نتناولها في الوقت الراهن. وفي هذا السياق نجد "أن التحليل السوسيولوجي والسيكولوجي يرى أن الإرهابي لا يولد بالضرورة إرهابيًا، إنما يصبح كذلك بفعل عوامل بيئية واجتماعية وسياسية ودينية مختلفة لذلك من الضروري دراسة العوامل والأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعقائدية التي تنتج الظاهرة أو تدفع اليها."[2]

مما سبق سوف نحاول من خلال هذا البحث تسليط الضوء على الأبعاد النفسية لظاهرة الإرهاب وذلك بالإجابة على التساؤلات التالية:

1-ما هي الخصائص النفسية للشخصية الإرهابية؟

2-ما هي الأسباب والمسببات المساهمة في تكوينها؟

3-ما هي الأبعاد النفسية في تكوين الجماعات الإرهابية؟

4-ماهي سبل الوقاية من التورط أو الالتحاق بالجماعات الإرهابية؟

أهداف البحث:نهدف من خلال البحث الحالي إلى:

1ــ فهم شخصية الإرهابي، طبيعتها وخصائصها النفسية.

2-تحديد العوامل النفسية المساعدة في إنتاج الإرهاب وتغذيته.

3-البحث عن إمكانية بناء نموذج وقائي للأفراد من التورط من جهة والاستهداف من جهة أخرى.

الإطار النظري

1-مفاهيم حول الإرهاب

سعى الكثير من الباحثين لتحديد مفهوم للإرهاب إلا أنه لم يحظ بالاتفاق، نظرًا لتعدد وجهات النظر وكذا الأبعاد التي مسها الإرهاب، وفي هذا الصدد حاول فريق من الباحثين من جامعة بولوني bologne بدراسة سنة 1988م، جمعت 109تعريفًا مختلفًا حيث طلبوا من مئة طالب من جامعتهم تعريف الإرهاب واختلافه عن الحرب، ووجدوا أن أغلب الطلبة عرفوا الحرب على" أنها تهدف إلى تحقيق أهداف عسكرية "،" بين الدول أو بين الشعوب"، "معلنة"،" تخضع لقوانين " ، أما الإرهاب" يستهدف المدنيين"، "غير معلن" ،"لا يخضع لقوانين تحكمه "و" لا يمكن التنبؤ به".[3]

كما حصر   (Lerou .Y ,2015) مفهوم الإرهاب على أنه "الأفعال العدائية التي ارتكبت على مدنيين مع أهداف سياسية، دينية، أو أيديولوجية" [4]، وأشار ميشال فيوفيوركا Wieviorka,1995)) إلى أن القراءات النفسية ترى أن الإرهاب اضطراب في الشخصية يتجلى في عدم القدرة على الفهم المنطقي للمجتمعات، السياسات، والثقافات من خلاله يمر الفاعل إلى العنف. وأضاف أن ظاهرة الإرهاب كتشويه لثلاثة مبادئ بنائية للحراك الاجتماعي التقليدي (الهوية، المعارضة، والإطار التاريخي).[5]

2-سيكولوجية الإرهاب

إن فكرة البحث في سيكولوجية الإرهاب لم تكن أبدًا غائبة، لا سيما من المنظور الاستراتيجي والنموذج النفسي الذي تعمق في رؤية تحرير العدوان المنحرف، وذلك من خلال الربط بين أسباب ومسببات الإرهاب، وفي هذا السياق ناقش كارل ريبي charles Ruby  نظريةالفيلسوف و الخبير الدولي في مجال الإرهاب إبراهيم كابلون abraham Kaplan   الذي وجد تقاطع بين أسباب و مسببات الإرهاب، مقترحًا أن الأسباب تكمن في المتغيرات الاجتماعية التي تدفع الفرد إلى تبرير تصرفه الإرهابي، أما المسببات فهي تقع في عمق الفرد نفسه " تضم عدة أسباب تتمثل في  الفقر ، عدم العدالة، وعوامل مادية، في حين المسببات يجب البحث عنها في السجل المرضي للإرهابي ".[6]

هناك عدة عوامل نفسية تحدد العنف بصفة عامة والإرهاب بصفة خاصة، وفي هذا الصدد حاول لورو ((Lerou. Y ,2015 طرح سيكولوجية الإرهاب اعتمادًا على نقطتين أساسيتين هما: الدافعية والقابلية لدى الأفراد للانضمام إلى الجماعات الإرهابية وسياقات التطرف.

 1-الدافعية والقابلية لدى الأفراد للانضمام إلى الجماعات الإرهابية: الدافعية والاستعداد هما العوامل السيكولوجية المفتاحية لفهم كيف يمكن لشخص ما أن يدخل في سياق يؤدي به إلى أن يكون إرهابيًا، حيث تعرف الدافعية على أنها الحاجة والنبض الذي يشجع على الفعل، في حين القابلية مصاحبة للإقناع بالمحاولة واحتمالية الاستسلام.[7]

وحسب مارثا كرونشاو(Crenshaw,1985) هناك أربعة أصناف من الدوافع في الإرهاب هي[8]:

1-الفرصة للعمل أو الفعل.

2-الحاجة للعضوية والانتماء.

3-البحث عن إطار اجتماعي.

4-الثراء المادي.

فيما بعد وضعت مجلة اورغان Horgan ثلاثة موضوعات مصاحبة للقابلية الكامنة للأفراد وهي: اللاعدالة، الهوية، الانتماء للجماعة.

أ/اللاعدالة: تعتبر أكبر دافع، حيث أنها تغذي الرغبة في الانتقام ليس لأجل نفسه إنما لأجل الآخرين، وقد يكون التظلم والاحتجاج اقتصادي، سياسي، عرقي، عنصري، قانوني، ديني، يخص الأفراد أو الجماعات، المؤسسات أو على فئة معينة من الأشخاص.

ب/ البحث عن هوية مستقرة وآمنة: يعتبر البحث عن الهوية المستقرة أكبر تحد للنمو النفسي، إذ تعتبر المراهقة هي الفترة التي تتركز فيها فكرة الهوية بعد المرور بأزمات صعبة يستطيع الفرد تكوين "هوية مستقرة" وأين تكون الأفكار والقيم المتعلقة بالهوية، وإن لم يستطع الفرد بلوغ هذه النقطة سوف تجد الطبيعة المطلقة للأيديولوجيات المتطرفة لنفسها مكانًا يمكنها من أن تولد لدى الفرد إحساسًا بالإرهاق من تعقيد العالم فتساعده على الإجابة على أصعب سؤال وهو " من أنا" بجواب بسيط " محارب للحرية، مجاهد ".

ج/ الانتماء للجماعة: تعتبر هذه الأخيرة مكون من مكونات الدافع، حيث يعطي الانتماء إلى مجموعة إرهابية إحساسًا بالانخراط والعضوية الذي يعتبر دافعًا كافيًا للإرهابيين، وأهم جاذب للانضمام إلى مجموعة إرهابية حسب جونسن وفلدمان (Johnson& feldman,1982) هو المجموعة بعينها أكثر من العنف أو الأيدولوجية، ذلك أن المجموعة من شانها أن تخلق قوقعة تهمل فيها التساؤل حول الهوية الشخصية وإبداله بكسب هوية المجموعة.[9]

هذه العوامل الثلاثة تعمل غالبًا على تغذية مسار الإرهابي كما تؤثر بشكل كبير على قرارات الالتحاق في التنظيمات الإرهابية والأعمال الإرهابية.

2-سياقات التطرف

إن الدافع لا يكفي لأن يصنع إرهابيًا، ولا بد من إضافة بعض الظروف والعوامل المغذية والمعززة للأشخاص الذين يتبعون منحى تطور نحو التطرف والتنظيمات الإرهابية. حسب باندورا Bandura، " الطريق نحو الإرهاب يمكن أن يتشكل من خلال عوامل عرضية، بالإضافة إلى التأثير المشترك للعوامل الشخصية والاجتماعية."

إن تحول الفرد إلى إرهابي نادرًا ما يكون بصورة مفاجئة، إنما هو نتيجة التعرض التدريجي وذلك من خلال تنشئة اجتماعية نحو سلوكيات متطرفة، معنى ذلك أن تكوين إرهابي هو نتيجة للسياق الذي يدفع تدريجيًا الفرد إلى سلوكيات عدوانية أكثر منه أن يكون نتيجة لقرار فردي وهنا قسم بورام Borum  تطور أفكار التطرف وتبرير العنف في أربع مراحل هي:

1-’ ليس من الجيد أن...': هي نقطة بداية للإحساس بعدم الرضا.   

 2-" ليس من العدل أن...": هي وضع غير مرغوب فيه ليس بالضرورة غير منصف لان إدراك اللاعدالة يتطلب مقارنة.

3-"إنه خطأكم": الأشياء السيئة لا تأتي دون سبب، شخص ما أو شيء ما كان مسؤولاً عن ذلك.

4-" أنتم سيئين": وهو آلية لتطوير تصرفات كره تجاه المجموعة أو هيأة، وهنا العدوان والعنف يزيل حواجز الكف، إذ يعطي مبررات للسلوكيات العدائية أو بإلغاء إنسانية الضحايا، لينتقل الفرد بعدها من العمل الفردي إلى الجماعة الإرهابية.[10]

2-1 ميكانزيم تكوين جماعة إرهابية

أشارت نظرية إدارة الإرهاب إلى خطوات تحول الفرد من عادي إلى إرهابي وصولاً إلى تكوين مجموعة إرهابية والتي أجمع الباحثون أنها عملية تدريجية، حيث تتمثل الخطوة الأولى في الانخراط في مجموعة، إذا كانت هذه الأخيرة لها أهداف إرهابية وهجومية سوف تبدأ بغرس و إقامة علاقة قوية قائمة على التضامن والتفهم والاحتواء لكل مجند جديد، وذلك قبل أن يكلف بالمرور للفعل إلا أن هذا التطور تجاه الإرهاب ليس فقط ثمار ذلك التلقين إنما يتغذى بردود فعل الضحايا، سواء كانت صريحة أو كامنة وفي هذا المجال نجد Motyl & Pyszczynski  اللذان أقرا أنه "مهما كان الحدث الذي يؤدي إلى زيادة الوعي بموتنا سوف يولد لدينا القلق الذي نحاول تهدئته بإعطاء المزيد من المعنى لحياتنا ومعنى أكثر لمماتنا سواء على أمل الفوز بالجنة أو بالقيام بعمل يخلدنا". ويضيف الباحثان إلى أن هذه المقاربة تجعلنا نقترب من أولئك الذين يعتقدون مثلنا وتبعدنا عن أولئك الذين يختلفون عن قيمنا مما يؤدي إلى تقوية المعارضة بين (نحن/ هم).[11] 

إذا أخذنا هذه البحوث في مجملها نجدها تعمل على فهم كيف للإرهابي أن يستقر في حلقة مفرغة ضحية / فاعل/ متواطئ. وهذا يقودنا للتساؤل الرئيسي وهو "من سوف يكون إرهابي من بين كل الذين تعرضوا للإحباط وإلى تنشئة اجتماعية سيئة؟ 'وللإجابة على هذا التساؤل لابد من تحليل شخصية الإرهابي وهنا نميز عدة رؤى منها:

الإرهاب سلوك نفسي مرضي

أول ما يطرح هنا هو مشكلة الهوية، وأين يضطرب مفهومها بتفكير تطرفي،مما قد يكون سببًا في مصدر لا متناهي من الصراع بين المحيط الخارجي والداخلي للفرد، إذ تصبح الصراعات الخارجية مع الوقت اسقاطات للصراعات الداخلية حتى تضعهم في وضعية انفصال عن المجتمع. تولد من خلالها مشاعر الاقصاء والحوار العدائي المتطرف وتطبيقه بشكل بربري بعيدًا عن أي إنسانية، كما تولد أيضًا مشاعر الكراهية غير المبررة، يفقد الفرد كل مرجعاته مع الواقع والطبيعة الإنسانية.[12]

إن المهتمين بالنموذج النفسي يتخذون المرور إلى الإرهاب نتاج الانحراف الفردي وإعادة إحياء لعدوانية مرضية، وأن حالة الإحباط لا ينظر إليها إلا من زاوية خاصة ويأخذ بعين الاعتبار العوامل المفجرة لإرادة الفرد أو الكشف عن عوامل الهشاشة النفسية (مثلاً نقص الاعتراف الاجتماعي).

إن الشخصية ذات الاستعداد لأن تكون إرهابية هي شخصية ضعيفة، لا تملك أي قوى لمواجهة صعوبات الوجود، حيث نجدهم قد سبق لهم وتعرضوا للاعتداء، فالفرد المصدوم يتقمص ويتماهى بشخصية المعتدي، ويعتمد حلول عدائية تجاه ضغوطات الحياة ويرتبط مع آخرين لديهم مشاكل مشابهة، بهدف تصليح تقديره لذاته، كما اقترح كابلون" أن تقمص المعتدي تسمح للإرهابي بارتكاب أفعال مرعبة دون الشعور بالمسؤولية الفردية." [13]

حاول الباحثون مؤخرًا تحديد بروفيل الإرهابي، فحسب سيرج تيسرونTisseron,2002)) أن أشكال البنية النفسية الإرهابية قائمة على الانشطار وذلك بينالقدرة على التقبل الاجتماعي من جهة والمحافظة على مشاعر الكره المحفوظة من جهة أخرى. كما يمكن أن نجد عند هؤلاء الأشخاص كف انشطار ومثالية فهي بهذا تتوافق مع الشخصية البرانوية وكذا الوسواسية وذات النمط الفصامي والشخصية المعادية للمجتمع.[14]

غالبًا ما يعتقد الإرهابي أنه على حق وأن الآخرين على باطل، ويتصف بالعجرفة والتعالي في السلوك، والشعور بالعظمة وأهمية ذاته، وأنه يستحق الصدارة والأفضلية على الآخرين. ولقد تفاعلت هذه الصفات النرجسية مع صفاته البرانوية ونجم عنها تثبيت معتقداته الوهمية وتعزيز صفتين، صفة من الشخصية الفصامية وهي افتقار تفكيره إلى المرونة والتبصّر، وسيطرة أفكار بخصوص الانتحار، وصفة من الشخصية المضادة للمجتمع هي عدم الشعور بالندم أو بالذنب عند إلحاقه الأذى بالآخرين.

في حين شرح خبير الانثروبولوجيا جون سارفيي  Servier, 1992)) الفعل الإرهابي على" أنه يعود إلى ضعف مقاومة العدوانية عند الأفراد،التي تؤدي إلى استحالة التكيف الاجتماعي مما يؤدي به إلى البحث عن أفق اجتماعية أخرى، منشطة ومتغذية بإرادة ورغبة في الانخراط في مجتمع أكثر استقبالاً و أكثر أمومية و الاستنجاد بمجتمع أينما يكون هو المحور ، أي يخلق أفق اجتماعية بديلة ".[15]

إن فشل التنشئة العائلية من أهم أسباب المرور إلى العنف الإرهابي، هذا المنطق السببي يقودنا إلى طفولية الإرهاب، وأن كل ما يحدث في الواقع وكأن الإرهابيين يعانون من تثبيت في مرحلة ما قبل الشباب، وينكر جزءًا هامًا من وعيهم الدخول في سن الرشد"

كما يرى Servier, 1992))،" إن الشخصية الإرهابية هي كالشخصية الإجرامية فهي شخصية: انتحارية، رافضة للحاضر ومجتمع الراشدين ولديهم الرغبة في العودة إلى الوراء، وهو في الواقع الهروب إلى الموت كحل لكل الفشل والإحباط.[16]

يبدو أن الفرد يلتحق بالإرهاب كلما كان لديه حاجات سيكولوجية أكثر منه رغبة في تحسين مستوى سوسيو سياسي "، واعتمادًا على نظرية الجماعات،صور كارل بيري لمحات الجهات الفاعلة الرئيسية في المنظمة بداية من القائد الذي يكون الوديعة والضمان الثقافي، " مثل هذا الشخص سوف يطور قصورًا اجتماعيًا-عاطفيًا ويسقطه على المجتمع ". وذلك بدافع فكرة أن المجتمع عديم المسؤولية لذا يجب تغييره. إن القائد شديد الحذر والشك ويكرس السبب بطريقة غير منطقية، ويضيف كارل ريبي إن الشخصيات النرجسية والبرانويا هم من يشغلون هذا المنصب. أما الأدوار النفعية وقوة الجماعة الإرهابية يشغلها الأفراد ذوو الشخصية ضد الاجتماعية، وكانت لهم سوابق إجرامية. وختم الباحث بالإشارة أن الشخص المثالي الذي لا يرضى بأي وضع والذي له نظرة ساذجة للمشاكل والتغيرات الاجتماعية يشغلون أدوار تنفيذ المهام الانتحارية.[17]

الإرهاب سلوك اجتماعي متعلم

ترى هذه النظرية أن الإرهاب هو نشاط نفسي عادي أو سوي تحكمه سياقات اجتماعية معقدة، وهنا أشار ريبي charles Rubyإلى أن " السلوك الإرهابي يعمل بنفس طريقة عمل السلوك غير الإرهابي، وعلى أنه سلوك يشبعحاجات الفرد في كل مره يفعل ذلك." [18]

من خلال وجهة النظر هذه نرى أن الإرهابي ليس نتاج لتوظيف نفسي سيء أو قصور في الشخصية بل يرجع إلى جزء هام من التأثيرات الاجتماعية والخبرات المرتبطة بتعلم غير سوي، فهي بهذا تستبعد تمامًا بنية الفرد النفسية وقواعد السمات الوظيفية للطبع والميول والاتجاهات السلوكية. لأجل دعم نظرية الأشراط الاجتماعي ارتكز ريبي Ruby على أعمال كوبر Cooper مقترحًا أن الإرهابي والجندي لا يختلفان من حيث المرض العقلي".

في نفس السياق ركز ديفارج Defargesأيضًا على الرغبة في الاعتراف الاجتماعي كسبب مولد للعنف الإرهابي.ومن جهة أخرى يرى كروس Gros أن الذهنية والإحباط والباثولوجيا هي القواسم المشتركة بين التنظيمات الإرهابية المختلفة، كما وصف الذهنية على أنها ظرفية حيث يتميزون بلا مبالاة بالقانون. [19]

الإرهاب كسلوك نفسي عادي

قام فريق البحث الخاص بالمجلة الدولية لعلم النفس الاجتماعي  بدراسة مسحية للعديد من الدراسات والمقاربات النفسية في التراث العلمي لقضايا الإرهاب والعنف وأشاروا إلى مقال بوست (Post,2005) الذي يرى أن الإرهابيين ليسوا أشخاصًا مكتئبين ولا يعانون من اضطراب عقلي شديد كما أنهم ليسوا مجنونين أو مهووسي التطرف لدرجة يمكن أن نسميهم أسوياء، وهذا لان عند فحصهم السريري لم يظهروا أي مظاهر الجنون، إلا أن سبب تصرفاتهم هو مجرد البحث عن حقيقة هويتهم الاجتماعية بمعنى البحث عن المجموعة التي تعيد له الاعتبار و الاعتراف. [20]

أشار. MBénézech خلال تدخله في الندوة الدولية حول الوقاية من التطرف بباريس إلى أن الإرهابيين ليسوا بمرضى عقليين، على العموم يظهرون إكلينيكيًا بأنهم أسوياء، باستثناء بعض الملاحظات كالالتزام الروحي القوي الذي تم العثور عليه أيضًا في بعض الحالات مثل الوقوع في الحب والحماس للمتشددين والتفاني اللامحدود للقضية، طعم المغامرة القصوى، والحماس الديني المكثف، بمعنى ارتكاب جريمة شنيعة خارجة عن المألوف لا تعني حماقة مرتكبها وجنونه . والجريمة المنظمة لها لا تنفي بالضرورة اضطراب نفسي شديد في الشخص الذي ارتكبها، لذا فإن تقييم درجة المسؤولية الجنائية للإرهابيين يجب أن يتم حسب كل حالة، دون أن تحددها خطورة الجريمة أو إيديولوجية متعصبة.[21]

سبل الوقاية

إن استراتيجية الوقاية أمر ليس بالهين لأنه يتوجب أولاً تحديد الحلقة (ضحية / معتدي/ متواطئ) ومن ثم كبحها وحسب ما ورد في مقال Motyl & Pyszczynski حيث اقترحا نموذجًا لتحسين العلاقة داخل المجموعات منها:

1-إبراز التجارب والمشاعر المشتركة بين جميع البشر هذا الاهتمام بشراكتنا الإنسانية يجعل الأفراد أقل عدائية تجاه الآخرين، مما يجعلهم يفضلون القيام بالمفاوضات لتسوية أي صراع بدلا من العنف.

2-التركيز والاعتماد على القيم الدينية المتوافقة والمعتدلة، بمعنى نأخذ بعين الاعتبار الإحسان، حب الإنسان لأخيه الإنسان الموجود في جميع الديانات. [22]

3- التكفل النفسي الفوري لضحايا العنف عمومًا والإرهاب خصوصًا، لتفادي سلوك الانتقام من جهة والتقمصات من جهة أخرى لا سيما لدى الأطفال.

4-مراقبة وسائل الإعلام والمادة الإعلامية المقدمة للمشاهد حتى لو كانت حصص توعية ويقظة فهذه الأخيرة قد تكون إيحاءات ودعاية للعنف.

5-مراقبة برامج التلفزيون وما يقدم لأطفالنا من أفلام كرتون الحاملة لرسائل العنف الضمني وكذا مراقبة الوالدين والمؤسسات التربوية للمراهقين في فترة المراهقة.

الخلاصة

إن النظرة السيكولوجية لظاهرة الإرهاب تحتم علينا أن ننظر إلى دائرة الإرهاب من خارجها (السلوك) ونرصد العوامل التي تتحرك في داخل الدائرة وحولها، والتي تساعد على إنتاج الإرهاب وتفريغه، ولا بد أن ندرك هذه الأهمية البالغة إذ تجتمع العديد من العوامل لتنتج لنا السلوك الإرهابي في المجتمع منه: العوامل الشخصية التي تميز البنيات النفسية للأشخاص معاشهم النفسي، تجاربهم الصادمة أثناء الطفولة،نقاط تثبيتهم، مراكز ضبطهم وآليات دفاعهم، وكذا العوامل الاجتماعية المركزة على التنشئة الاجتماعية لا سيما أثناء مراحل التقليد والنمذجة والمرور لسن الرشد.

إن الفهم الجيد لظاهرة الإرهاب وسياقاته أول خطوة في الوقاية وللوقوف أمام الإرهاب بشتى أشكاله إذ يبدأ بوعينا بخطورة ثقافة العنف والتربة التي ينبت فيها والتصدي له هو واجب على الإنسانية ككل لإنقاذ إنسانيتها، لذا يجب أن ينظر إلى الظاهرة نظرة شاملة وتعالج بالتكامل والتعاون بين مختلف الأبعاد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذة محاضرة بجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف – الجزائر-كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ـ تخصص علم النفس الإكلينيكي

 

المراجع

 

[1]Fragnon. J. (2009). « Discours antiterroriste : La gestion politique du 11-Septembre en France   », Thèse doctorat de science politique,Institut de Sciences politique : Université Lumière Lyon2.

[2]الحيدري ، إبراهيم.(2015)." سوسيولوجية العنف والإرهاب"،ط1 ، لبنان: دار الساقي.

[3] Bert. C. (2009) . « Comment devient-on terroriste ? », Revue internationale de psychologie sociale, vol. 22, n° 3-4, décembre 2009, Article modifié le 12/01/2015,https://le-cercle-psy.scienceshumaines.com/

 

[4]Lerou.Y (2015). « Psychologie du terroriste », ArticlePublié le27 /08 /2015

             http://psychologik.blogspot.fr/2015/08/psychologie-du-terroriste

[5]Fragnon. J. (2009).ibid

[6]Berthou.E. (2003). « Les terroristes sont-ils des malades mentaux ? » ,Article Publié le 18/06/2003  http://www.courrierinternational.com/

 

[7]Lerou .Y (2015). Ibid

[8] Crenshaw. M. (2010). « Mapping Terrorist Organizations », Center for International Security and Cooperation, Stanford University, Available from: https://cisac.fsi.stanford.edu/sites/default/files/res/mapping_terrorist_organizations.pdf

 

[9]Dorna.A. (2008). « Le syndrome du couple violence et terreur », Le Journal des psychologies2008/4 (n° 257), p. 24-27.

 

[10]. Lerou Y (2015). Ibid

[11] Bert. C. (2009) .Ibid

[12]Dunand .E . (2015). « Que dire de la psychologie et du comportement des terroristes ? ». Article Publié le 26/11/2015 http://www.epochtimes.fr/

 

[13]Berthou.E. (2003). Ibid.

[14] Tisseron .S. Logiques du clivage, Les cahiers de médiologie 13, premier semestre 2002, Gallimard, Paris, pp. 233-240.

 

[15]Fragnon. J. (2009).ibid.

[16]Fragnon. J. (2009).ibid.

[17]Berthou.E. (2003). Ibid

[18]Berthou.E .(2003). Ibid

[19]Fragnon. J. (2009).ibid

[20] Bert. C. (2009) .Ibid

[21] « Les terroristes sont-ils des malades mentaux ? »Entretien avec le psychiatre et criminologue bordelais Michel Bénézech, qui est intervenu lors de la conférence internationale de Paris consacrée à la prévention de la radicalisation, Publié le 01/06/2016 , http://www.sudouest.fr/

 

[22] Bert. C. (2009) .Ibid.

مقالات لنفس الكاتب