; logged out
الرئيسية / نحو بناء مقاربة إفريقية-عربية لمحاربة الإرهاب العابر للحدود الإرهاب في إفريقيا جنوب الصحراء: فرص الاحتواء ومخاطر الانتشار

العدد 118

نحو بناء مقاربة إفريقية-عربية لمحاربة الإرهاب العابر للحدود الإرهاب في إفريقيا جنوب الصحراء: فرص الاحتواء ومخاطر الانتشار

الخميس، 30 آذار/مارس 2017

تشهد إفريقيا والعالم العربي تطورات وتحولات متسارعة في ظل هذا المشهد الذي تعرفه المنطقة العربية والإفريقية بعد أن أضحت الظاهرة الإرهابية تشكل أبرز التحديات والمخاطر التي تقوض مبدأ السلم والأمن، وبالتسليم بأن الإرهاب لا حدود له ولا هوية، فهو يعد ظاهرة مرضية يستشري في الجسد فينهكه ويجعله يفقد القدرة على المواجهة والتصدي. مما يجعل منه داءً يحتاج لتشخيص دقيق وتدخل جراحي محكم لاستئصال الإرهاب الذي أضحى سرطان يصعب تحديد أسبابه لاختلافها من حيث المكان والزمان والدوافع.

الحديث عن ظاهرة عالمية عابرة للأوطان، مع تعدد تسميات التنظيمات الإرهابية إلا أنها تتفق من حيث الأهداف والتحالفات، مع التسليم بأنه لا يوجد مستثنى من هذا الخطر أو بعيد عن دائرته. لذلك من الضروري البحث عن المقاربات الأنسب لمواجهة هذا الخطر، خاصة في هذه المرحلة التي تتسم بإعادة رسم خارطة انتشار الجماعات الإرهابية وفق رؤية جديدة ومحددات النشاط تماشيًا وتطورات الميدان وضرورات المرحلة.

تعد إفريقيا جنوب الصحراء وما تشكله من تأثير على شمال إفريقيا والمنطقة العربية، من المناطق التي عرفت وعبر مراحل كثيرة نمو وتطور هذه الظاهرة الخطيرة، التي استثمرت في جملة العوامل التي ساهمت في تشكلها وتطورها مما جعلها تواجه مخاضات عسيرة جعلتها تقوض الأمن القومي للقارة الإفريقية وما جاورها ومن خلالها تصبح جسر لثلاثي الموت الذي تشكل فيه الظاهرة الإرهابية عنصر أساسي، ومصدر قلق، فالبيئة الإفريقية خاصة جنوب الصحراء تشهد تناميًا مضطردًا لمجموعة من التحديات والتهديدات الأمنية ذات أبعاد مختلفة ومستويات متباينة، وتعتبر دول إفريقيا جنوب الصحراء جزءًا يتفاعل ضمن تلك البيئة العالمية المضطربة ما جعلها تتعرض لمجموعة من التحديات الأمنية تباينت من حيث طبيعتها وكذا من حيث مصادرها.

فمنطقة الساحل الإفريقي وما تفرزه من تهديدات أمنية ينحو طريقها الأول نحو الانتشار في دول منطقة شمال إفريقيا كظاهرة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة وعبرها وصولاً إلى القرن الإفريقي لتصبح عند خطوط التلاقي والضفة المقابلة لتشكل بموجبها مصدر آخر من مصادر التهديد المباشر والغير مباشر للأمن الخليجي والعربي.

   إذا سلمنا بأن الظاهرة الإرهابية ظاهرة مرضية وورم استشرى في عمق القارة الإفريقية. أضحى يشكل خطرًا متعدد الأبعاد ليزداد القلق إقليميا ودوليًا من تفشي الجماعات الإرهابية حتى أصبح نشاطها الهدام بمثابة وصفة جديدة للفوضى كما يمثل ارتباطها بعصابات الجريمة المنظمة المحلية منها والعابرة للحدود وتشابك علاقاتها معها بداية طريق التدمير فيقوض جهود البحث نحو بناء إستراتيجية أو مقاربة متكاملة لمحاربة الإرهاب.

من خلال ذلك يمكن القول أن إفريقيا (الساحل والصحراء وشمال إفريقيا) أصبحت بمثابة واحدة من أكبر التحديات التي يفرضها الإرهاب على العالم خلال المرحلة الراهنة نظرًا لوجود العديد من التنظيمات المسلحة بالعديد من المناطق، والمرتبطة بتنظيم القاعدة متواجدة منذ تسعينات القرن الماضي ولها امتداد إفريقي وآخر عربي. إلا أن ظهور أفرع لتنظيم ما يسمى داعش في العديد من دول القارة صار بعدًا جديدًا للتهديد الإرهابي المتنامي في ظل صراع للنفوذ بين الجماعات الإرهابية. إلا أننا نتحدث عن عودة القاعدة واندماج داعش أو بالأحرى خلايا داعش وسأعود لهذه النقطة لاحقًا.

فالمساحات الواسعة التي باتت خارج سيطرة الحكومات نتاج الأزمات والحروب الداخلية ونشاط حركات التمرد أصبحت بمثابة مراكز لعمليات التنظيمات الإرهابية في ظل تطور وسائل الاتصالات بصورة كبيرة.

وهذه العوامل ساهمت في وجود تعاون متزايد بين الجماعات الإرهابية التي باتت تستخدم الاتصالات الحديثة ونظامًا متطورًا من الجوالة المتدربين لتبادل التكتيكات العسكرية والاستراتيجيات الإعلامية وسبل تحويل الأموال. والبحث المتواصل عن مصادر متجددة للتمويل.

     حيث أصبح عدم الاستقرار من سمات منطقة الصحراء الكبرى ليؤثر على كل شيء بدءًا من الأمن وانتهاءً بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الإنسان.

الإرهاب في إفريقيا جنوب الصحراء...الأسباب ودوافع الانتشار:

     لقد جاء التركيز على تصاعد وتيرة الإرهاب في إفريقيا من انفراد القارةالسمراء بسمات تساهم في رسوخ أسباب ظاهرة العنف من جذورها والأسباب التي أدت إلى تنامي وانتشار هذه الظاهرة خاصة أنه عند الحديث عن الإرهاب فنحن نتحدث عن قرابة ثلاثة عقود بالتالي نحتاج للخوض في الأسباب القديمة والجديدة لانتشار هذه الظاهرة في دول الساحل والصحراء فنجد:

  • أنه من مخلفات العامل الاستعماري الذي من خلال رسم الحدود خلق مكونات قبلية واجتماعية غير منسجمة تجعل من إشكالية الهوية نقطة خلاف وبروز حركات انفصالية وأخرى متمردة مما يجعل الوضع الأمني في القارة على المحك فيشكل أهم وأخطر الأسباب ليس فقط حاليًا وإنما لعقود أخرى من الزمن.
  • غياب التنمية واستشراء الفساد وعدم الاستغلال العادل للثروات مما يدفع إلى نشوء حركات متمردة في المناطق المحرومة وتحولها مع الزمن لتنظيمات إرهابية تأخذ مناح أخرى وتقوض مبدأ السلم.
  • ضعف الأداء الاقتصادي وانتشار الفقر والبطالة مما يجعل من عملية التجنيد أو ما تسمى بالمرتزقة مهنة منتشرة ومصدرًا من مصادر الحياة وهذا السبب يدفعنا للقول بأن العنصر البشري القابل للتجنيد متوفر بل قابل حتى للتصدير لبؤر توتر أخرى.
  • ضعف المؤسسات السياسية وتعثر الديمقراطية يدفع في كثير من الأحيان إلى تبني فلسفة الجماعات الإرهابية والحركات المسلحة الخارجة عن القانون (توفر الحاضنة الاجتماعية).
  • الفوارق الاجتماعية ومشكلة حقوق الإنسان فكثير من دول إفريقيا جنوب الصحراء شهدت جرائم إبادة وقتل جماعي. مما يدفع إلى حروب أهلية ومنه نشوء بيئة حاضنة للإرهاب.
  •  ضعف الأجهزة الأمنية ونقص تعداد جيوش معظم دول الساحل رغم اتساع مساحاتها الجغرافية.  مما يسهل نشاط وحركة المجموعات الإرهابية التي تستفيد من خدمات بعض القبائل مقابل ضمان الحماية أو الإمداد بالسلاح أو المال.
  • مواصلة بعض الدول الغربية تمويل المجموعات الإرهابية من خلال دفع مبالغ معتبرة من المال مقابل إطلاق سراح مواطنيها المحتجزين وهذا يعد مصدرًا أو أهم مصدر من مصادر تمويل الجماعات الإرهابية. وفي ظل خارطة إعادة الانتشار الجديدة وفي ظل تقلص مصادر التمويل فإن من الخيارات المتاحة لهذه التنظيمات هو العودة لعمليات الاختطاف لتوفير المال حيث حصل تنظيم القاعدة في الفترة الممتدة من 2012 إلى غاية 2014 م، على 220 مليون يورو من عمليات الاختطاف في منطقة الساحل لوحدها.
  • غالبية دول إفريقيا جنوب الصحراء تعرف بالانقلابات العسكرية وما ينجم عنها من حالة الفوضى والانفلات الأمني ومنها تشكل خلايا إرهابية.
  • الصراعات البينية وتداعياتها لتشكل فراغات أمنية تستغل لتنامي هذه الظاهرة.
  • عدم قدرة بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء على فرض سيطرتها خارج المدن الرئيسية.
  • الحروب الداخلية تشكل أهم الأسباب لتنامي هذه الظاهرة.
  • غياب واضحللتعايش السلمي الذي هيأ لهذه الجماعة مناخًا مواتيًا.

    هذه الدول الغنية بمواردها والفاشلة في إدارتها التي امتزج فيها عنصر الهشاشة المؤسساتية مع عدم الاستقرار السياسي مما أدى إلى تفاقم الخسائر المادية والبشرية بالإضافة إلى غياب الديمقراطية وفشل الحكومات في مكافحة المجاعات والأمراض المستوطنة ناهيك عن النزاعات القبلية والأزمات الإقليمية وصراع السيطرة على مناطق الثروة مما يؤدي إلى تحول المشهد إلى تشكل جماعات إرهابية أو حركات انفصالية دون أن ننسى التمييز العنصري واضطهاد الأقليات ومنطق الاستعباد التي كلها تشكل أسبابًا مباشرة لتنامي هذه الظاهرة وتجعل منها صناعة تنمو على حساب أمن الشعوب وتدفع بالتهديد المباشر لأمن المناطق المجاورة.

      إن تشريح النقاط السابقة يجعلنا نتوقف عند المعضلات الأمنية التي تجعل من دول الساحل والصحراء تتوفر على مصادر نمو وانتشار هذا الداء الذي يقوض مبدأ السلم والأمن والتي من خلالها تشكل خطورة ليس فقط على دول المنطقة وإنما تصل خطورتها لضرب أمن واستقرار مناطق مجاورة وبناء تحالفات فهذه المعضلات الأمنية تتمثل في:

  • هشاشة بناء الدولة وضعف الأداء الديمقراطي وسيطرت منطق القوة وقانون الغاب على القرار السياسي مما يؤدي كل مرة إلى وقوع الانقلابات أو إلى الانفلات الأمني.
  • ضعف الأداء الاقتصادي مما يدفع إلى ضعف التنمية وبالضرورة غياب الاستقراروالثورات الشعبية.
  • التأثر بالتدخلات الخارجية سواء كانت دول أو مؤسسات متعددة الجنسيات مما يجعل ثروات القارة مستباحة ولا يمكن استغلالها.
  • مشكلة الهوية صراعات أثنية-قبلية وغيرها مما يجعل من استفحال الأزمات الداخلية.
  • التحالف العضوي بين الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة مما يجعل من القارة لا تشهد استقرارًا ودائمة الاضطرابات الأمنية.       

فمن خلال الأسباب السابقة لظهور وتطور هذه الظاهرة وبتحليل حجم المعضلات الأمنية التي تواجهها دول الساحل والصحراء ندرك بأن استشراء التطرف والعنف، جعل العديد من دول المنطقة تعاني كمالي وتشاد والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى وإثيوبيا والصومالمن التطرف بوصفه التحدي الأوحد الأكثر أهمية الذي يواجهها. وهذه الدولالغارقة في ديماغوجيتها وغياب الديمقراطية، فشلت في محاربة العنف والتطرف كما فشلتفي مكافحة المجاعات والأمراض المستوطنة والجماعات الإرهابية.بل أضحت مصدرا لعدم استقرار الجوار الإقليمي لها كمنطقة شمال إفريقيا ومنطقة الخليج العربي.

     فمن النماذج والأمثلة التي تجعلنا نقف أمام هذه الأسباب وخطورة انتشار الظاهرة الإرهابية ليس فقط على دول الساحل والصحراء فقط و إنما إسقاطات ذلك على دول شمال إفريقيا التي تدفع ثمن تردي الوضع الأمني بدول إفريقيا جنوب الصحراء و تجعل هذه الظاهرة تمتد إلى عمق المنطقة المغاربية ولا ننسى أن دول الساحل والصحراء التي تتربع على مساحة 10 مليون كيلومتر مربع وخط طول يمتد إلى 3مليون كلم أي أنها جسر رابط من غرب إفريقيا إلى غاية القرن الإفريقي وبكم الأزمات الملتهبة تجعل خطورتها تبلغ منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.

   فهناك الجبهة المتحدة الثورية في سيراليون، وهي جماعة مسلحة سعت للسيطرةعلى مناطق إنتاج الألماس، وأدخلت البلاد في حرب أهلية استمرت 11 عامًاوأودت بحياة ما يزيد على خمسين ألفا خلال السنة الأولى وحدها. وكان نشاطهايقوم على ممارسة الابتزاز لتوفير حاجتها المالية، ثم لجأت إلى الأساليبالإجرامية وحرب العصابات وبث الذعر لمحاربة الحكومة، وتوسع نشاطها وامتد إلى ليبيريا وغينيا.كذلك هناك جماعة الشعب ضد العصابات، والتي تأسست عام 1996م، في كيب تاون بجنوبأفريقيا، بهدف مكافحة الجريمة والعنف والمخدرات. لكنها سرعان ما تحولت إلىمناهضة للحكومة والغرب، وتبنت صوت المسلمين في كيب تاون، ونفذت عدة عملياتإرهابية باستخدام القنابل والمتفجرات في أهم المناطق السياحية.

بالإضافة إلى الجماعات الإفريقية التي ارتبطت بالإسلام بشكل واضح، فكان من أهمهاحركة بوكو حرام التي نشأت في نيجيريا إثر تمردها على الحكومة النيجيرية سنة 2009م. ولم يقتصر عنفها على الحكومة فقط وإنما شملت المدنيين،فأحدثت تدميرًا واسعًا في البنية التحتية.

ولم يكن اختطاف 276 فتاة من داخل مدرسة بولاية "بورنو" شمال شرق نيجيرياسنة 2014م، هي العملية الأولى، وقد نفذتها بهدف الضغط علىالحكومة النيجيرية للإفراج عن بعض عناصرها. كما لم تكن العملية تلكالتي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 24 من رجال الأمن النيجيريين في ذات السنة، أثناء الهجوم على قاعدة عسكرية نيجيرية تابعة للشرطة شمالشرق نيجيريا منعزلة وإنما كانت لإعلان بعد جديد وبروز خطورة أخرى تدفع إلى إعادة الحسابات حينما تمت مبايعة تنظيم داعش.

فبوكو حرام انخرطت في الإرهاب المنهجي، وتبنت أيديولوجية لا تمتإلى تعاليم الإسلام ولا تقاليد نيجيريا بصلة، ولكنها بوصفها بذرة تمّ غرسهافي هذه التربة في إفريقيا جنوب الصحراء فإنها وجدت فيها عناصر نمائها،فهناك عدم عدالة في بلد يعد الأكبر إفريقيًا في الاحتياطي النفطي،حيث يعاني المسلمون الذين يتركزون في شمال البلاد من الفقر، بينما يتركزالمسيحيون في جنوب البلاد ويستفيدون من عائداته. كما هناك غياب واضحللتعايش السلمي الذي هيأ لهذه الجماعة مناخًا مواتيًا)*

   حيث تُعتبر مواجهة هذهالجماعات التي يتفاقم نفوذها والتي طورت من نشاطاتها وقدراتها، في ظلانشغال حكومات المنطقة بالصراع على السلطة وغياب الحكم الراشد، من التحديات الجسام التيتجابه إفريقيا جنوب الصحراء.

بالإضافة إلى القضايا المتنازع عليها والتي تدفع بالمنطقة إلىمزيد من التأزم والتعقد التي ربما تكون جزءًا من كل، فالإرهاب ظاهرة مستمرة وسطأجواء مخيمة من اليأس، وكلما قطعت رأسًا نبت في مكانه سبعة رؤوس.

هنا يجب توضيح نقطة هامة وهي أن الجماعات الإرهابية في إفريقيا سبقت الجماعات الجهادية الإسلامية بين قوسينبفترة طويلة، فإن تحويلها إلى أيديولوجيا من قبل البعض قد يضمن لهاالاستمرار حينًا، ولكنها ستفشل في التحول إلى عقيدة سياسية في معظم الأحيان،وهذا من شأنه أن ينهي حالتها المكسية بثوب الدين.

 

 

*تقرير عن واقع حقوق الإنسان في إفريقيا إعداد اللجنة الجزائرية -الإفريقية للسلم والمصالحة منقول.

خطورة الإرهاب بإفريقيا جنوب الصحراء على البعد الأمني للدول العربية والخليج:

  وبالعودة دائمًا للتركيز على خطورة تنامي نشاط الجماعات الإرهابية المنتشرة بجنوب الصحراء وتأثيرها على الأمن العربي ومنه الخليجي علينا أن نذكر أهم هذه التنظيمات ومناطق انتشارها لتحديد خارطة الانتشار والخطورة فنجد:

- الجماعة السلفية للدعوة والقتال والتي كان لها نشاط كبير في منطقة الساحل وشمال إفريقيا (المملكة المغربية وتفجيرات مراكش –الجزائر وما عاشته خلال التسعينات القرن الماضي-تونس وما تواجهه منذ 2011-ليبيا وتحولها لقاعدة أمنة –السودان). وعرفت بالهجمات على البعثات الدولية والاختطاف وضرب المواقع الحيوية.

-انضمت رسميًا الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والذي سجل انتشارًا واسعًا عبر محاور استراتيجية عبر قوس الأزمات منطقة الساحل وشمال إفريقيا وغرب إفريقيا حيث أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هو فرع من فروع القاعدة وعليه فهو يشكل امتداد طبيعي له مثله مثل تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وهنا فالخطورة من حيث التنسيق والتنظيم والانتشار وكذا التحالفات.

ويشمل نشاط القاعدة بالمغرب الإسلامي والخلايا التابعة لها في جنوب الصحراء وغربإفريقيا، في الاختطاف وقتل السياح الغربيين وعمال الإغاثة والجنود وكذلكالهجمات على أهداف حكومية وحواجز أمنية وبعثات دبلوماسية أجنبية، كما هوالحال في موريتانيا، ففي يوليو 2011م، هاجمت القاعدة بالمغرب الإسلاميقاعدة عسكرية في باسكنو، قرب مدينة النعمة جنوب شرق موريتانيا، وقد نفذتالعديد من هذه الهجمات، كما شجع هذا التنظيم الإسلاميين في مالي على شنهجمات مماثلة، وبعد انجراف مالي إلى حالة عدم الاستقرار عقب انقلاب مارس 2012م، وما نجم عنه من فراغ في السلطة، تمكنت الحركات الانفصالية وبدعم من عديد من القوىالإسلامية، ممثلين في أنصار الدين وتنظيمالقاعدة في المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، منالسيطرة على ما يناهز ثُلثي البلاد، ومنذ ذلك الحين صعد نجم  حركة التوحيدوالجهاد في غرب إفريقيا وقامت بهجمات قوية.

-إمارة الصحراء: بدأ "بلعور" أو مختار بلمختار في بناء أسس كيان جهادي، عرف بإمارة الصحراء، والتي باتت تصنف على أنهاالجزء الذي أصبح أكبر من الكل، وتوافد عليه عشرات الموريتانيين والماليينوالنيجريين وآخرين من جنسيات مغاربية وإفريقية مختلفة، فضلا عن الجزائريين. أصبحت "إمارة الصحراء" قاعدة خلفية في المنطقة المغاربية،تتكفل بتوفير السلاح عبر السوق السوداء في إفريقيا والصحراء الكبرى، فضلا عن اكتتاب الأفراد وتكوينهم، كما تولت "إمارة الصحراء" مهمة توسيع نشاطات التنظيم الذي تحول أواخر عام 2006م، منتنظيم محلي (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) إلى تنظيم إقليمي له ارتباطعالمي (تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي)، فتولت تنفيذ عمليات في دولالمنطقة.

وكانت النواة العسكرية التي أقام عليها مختار بلمختار تنظيمه في الصحراء، هي "كتيبة الملثمين" في إشارة إلى الاسم الذي عرفت به تلك المنطقة من الصحراءالكبرى تاريخيًا وهو "بلاد الملثمين". وظل كيان "إمارة الصحراء" يكبر وينموشيئًا فشيئًا، وساعده على ذلك توفر بحبوحة آمنة، بعيدًا عن الملاحقة العسكريةوالأمنية، فأقام معسكراته، ودرب عناصره، واحتجز رهائنه، وقد أطلقت القاعدةعلى صحراء أزواد أسماء عديدة منها "أرض العزة"، و"تورا بورا المغربالإسلامي"، و"صحراء الإسلام".

وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الجهد المتواصل في بناء "إمارة الصحراء" كانت علاقة "مختار بلمختار" تتسم بالفتور وأحيانا التوتر مع أمير التنظيم فيالجزائر "عبد الملك دوركدال" المكنى أبو مصعب عبد الودود، الذي رأى أن مختار بلمختار يعمل لنفسه أكثر من ما يعمل للتنظيم، فكان أن قرب صديقه "عبدالحميد أبو زيد" وأسند إليه مهمة قيادة كتيبة جديدة في الصحراء تحت اسم "كتيبة طارق بن زياد"، وتفاقمت الخلافات بين الرجلين مختار بلمختار وأبو زيد،الأمر الذي اتخذه "دوركدال" ذريعة لتعيين أمير جديد للصحراء بدلا عنه،وتنزيل رتبته من قائد إمارة إلى قائد كتيبة، فأوفد إلى الصحراء أواخر عام  2007 م، صديقه الشخصي القائد العسكري للتنظيم "يحيى جوادي" المكنى "يحيى أبوعمار" إلى الصحراء الكبرى وعينه أميرًا على أمرائها.

شرع هذا الأخير في إعادة هيكلة إمارة الصحراء مع تزايد عدد الملتحقينبالتنظيم، ليستقر الأمر في النهاية على أربعة تشكيلات (كتيبتان وسريتان) هي:كتيبة الملثمين، وكتيبة طارق بن زياد، وسرية الفرقان، وسرية الأنصار، لكن "يحيى جوادي" كان طرفًا في الصراع بعد انحيازه إلى "عبد الحميد أبو زيد" فتمعزله، وأسندت إمارة الصحراء إلى أمير ثالث هو "نبيل أبو علقمة"، ويعتقدأنه على علاقة جيدة مع "مختار بلمختار".

-كتيبة الملثمين: تتألف من العناصر القديمة في إمارة الصحراء، ويتولى قيادتها أمير الصحراءالسابق "بلعور" أو مختار بلمختار الرقم الصعب في معادلة الجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل والصحراء وتنظيم القاعدة أساسًا.وتعتبر كتيبة الملثمين هي المسؤولة عن اختطاف عددمن الرهائن الغربيين خصوصًا.

وقد عمد "مختار بلمختار" إلى تشكيل نواة للتنظيم داخل موريتانيا عرفت فيما بعدبمجموعة "أنصار الله المرابطون في بلاد شنقيط" التي هاجمت السفارةالإسرائيلية بنواكشوط مطلع شهر فبراير 2008م، ونفذت قبل ذلك عملية سطوعلى مبالغ نقدية ضخمة لميناء نواكشوط في أكتوبر 2007م.

-كتيبة طارق بن زياد:يقودها "عبد الحميد أبو زيد"، واسمه الحقيقي عبد الحميد السوفي،ويصنف على أنه من صقور التنظيم، وإلى كتيبته تنسب عمليات قتل واختطافعديدة، أبزرها اختطاف زوجين نمساويين، من جنوب تونسعام 2008م، واختطاف خمسة فرنسيين وتوغولي ومالغاشي، تابعين لشركة أريفاالفرنسية العاملة في مجال استخراج اليورانيوم بالنيجر في شهر سبتمبر2010م.كما نفذتكتيبة طارق بن زياد هجومًا على بلدة تورين شمال موريتانيا وقتلت 12 عسكريًا،فضلا عن مسؤوليتها عن اختطاف وقتل البريطاني "آدون داير" أواخر شهر مايو 2009م، بعد أن رفضت الحكومة البريطانية الاستجابة لمطالب التنظيم.

-سرية الفرقان:تتشكل في أغلبهامن مقاتلين موريتانيين وماليين، وتنشط هذه الكتيبة في الحدود الشماليةالغربية من أزواد، وبالتحديد شمال مدينة تمبكتو بمحاذاة الحدودالموريتانية، وإليها تنسب عمليات عديدة كما شنت هذه السرية هجومًا قتلت خلاله ثلاثة جنود موريتانيين فيبلدة الغلاوية شمال موريتانيا. وتولت سريةالفرقان مهمة التصدي للجيش الموريتاني خلال عمليات توغله في الشمال. وقد نفذ عناصر من السرية عملية اغتيال راح ضحيتها مواطن أمريكيوسط نواكشوط سنة 2009م، وقام أحد عناصرها بعملية انتحاريةاستهدفت السفارة الفرنسية بنواكشوط سنة 2009م.

- سرية الأنصار: تتألف في معظمها من عناصرينحدرون من الطوارق الماليين والنيجريين. وقد نفذت العديد من العمليات فيشمال مالي والنيجر.

-حركة التوحيد والجهاد نمت وتطورت منذ أكتوبر 2011م، الذي كان بداية نشاطها الفعلي، وقامت بتنفيذبعض الهجمات المؤثرة، كما تمكنت من السيطرة على مدينة كونا في شمال مالي،وكانت هذه الجماعة قد أعلنت أولى عملياتها المسلحة عبر الفيديو يوم 12ديسمبر 2011م، موضحة أن هدفها المقصود هو نشر الجهاد في غرب إفريقيا، وفيشريط الفيديو "أثبتت تقاربها الأيديولوجي مع زعماء تنظيم القاعدةمثل أسامة بن لادن ومؤسس وزعيم حركة طالبان الملا عمر لكنها ركزت أكثر علىشخصيات تاريخية من أصول غرب إفريقية، مدعية أن عناصرها "أحفاد أيديولوجيون " لعثمان دان فوديو والشيخ أحمدو لبو والحاج عمر تال، وقد أعلنت حركةالتوحيد والجهاد في غرب إفريقيا مسئوليتها عن بعض العمليات، بما في ذلكاختطاف سبعة دبلوماسيين جزائريين في 5 أبريل 2012م، من مدينة غاو بماليوهجوم في 23 مارس 2012م، على قاعدة للدرك الوطني الجزائري بتمنراست وهجوم على قاعدة أخرى في ورقلة.

-بوكو حرام تشير التقديرات إلى أنه ما بين 2011 وأبريل 2013م، شنت هذه الحركةما لا يقل عن 30 هجومًا انتحاريًا في شمال نيجيريا، كان أغلبها في ولايةبورنو، وتشير التقديرات إلى أن هجمات بوكو حرام أدت إلى مقتل أكثر من ستةآلاف شخص منذ 2009م، بما في ذلك الوفيات الناجمة عن تدخل قوات الأمن، ويمثلتفجير مقر الأمم المتحدة في أبوجا الذي أسفر عن مقتل 23 شخصًا في   2011م، دليلاً دامغًا على أن الجماعة تسعى إلى تدويل أعمالها الإرهابية وهذاما تجلى في عملية خطف التلميذات في أبريل 2014م،وما ترتب عليه من إدراجها في القائمة السوداء للأمم المتحدة 

وفي ذات السنة أعلن زعيم بوكو حرام تشيكاو مبايعة البغدادي زعيم تنظيم داعش وأخذت بعدها بوكو حرام بعدًا آخر حيث اتجهت نحو التوسع الجغرافي لتصل إلى غاية الحدود مع ليبيا.

- أنصارو أسست في يناير 2012م، في شمال نيجيريا،ولكن وجودها لم يبرز للعلن إلا في يونيو 2012م، عندما بث من قال إنهزعيمها واسمه أبو أسامة الأنصاري، شريط فيديو أعلن فيه إنشاء الفرع وحددفيه منهج الجماعة.

وعلى الرغم منأن حركة "أنصارو" أقل شهرة من بوكو حرام، فإن طبيعة وملامح أهدافها فضلاًعن نواياها المعلنة، تجعل منها حركة جديرة باهتمام الأمن الغربي، فمنذنشأتها تبنت "أنصارو" عدة عمليات إرهابية مثل الهجوم المسلح في نوفمبر 2012م،على سجن في أبوجا، وكذلك خطف مواطن فرنسي في ديسمبر 2012م، وفي يناير 2013م،نصبت كمائن لجنود نيجيريين كانوا متجهين إلى مالي وذلك في ولاية كوجي،وخطفت سبعة موظفين أجانب في فبراير 2013م، في ولاية بوتشي.

ومثل إعدام الأجانب السبعة المختطفين يوم 9 مارس 2013م، أبشع عملية تقوم بها هذه الجماعة منذ إعلانها عن تأسيسها)**

-داعش الذي بايعته بوكو حرام سنة 2014م، وإعلانه قيام الإمارة الإسلامية بغرب إفريقيا والعمليات التي شنها في تونس سنة 2015م، وعملية بن غردان مارس 2016م، بالإضافة إلى سيطرته على مواقع استراتيجية بليبيا وإعلانه الإمارة شمال سيناء بمصر.

**بوابة الحركات الاسلامية (خبراء المان يحللون ظاهرة انتشار الجهاديين في افريقيا)www.islamist-movements.com/2683.

بالإضافة إلى الموحدون والمرابطون وأنصار التوحيد والموقعون بالدماء وأنصار الشريعة كلها تنظيمات لها خارطة انتشار وتمدد يمتد من إفريقيا جنوب الصحراء إلى شبه الجزيرة العربية.

 

 

ما يزيد من خطورة هذه التنظيمات هو أنها تتموقع في المناطق الغنية بالطاقة وهي مناطق تعرف تنافس محموم بين القوى الغربية حول مصادر الثروة مما يجعل المشهد يتداخل وتدخل المنطقة في مستنقع التدخلات العسكرية وهو ما يزيد من خطورة الظاهرة.

 

 

 

والخارطة توضح المناطق التي بايعت تنظيم داعش والمشكلة بالون الأحمر وأنصار التنظيم والمشكلة باللون الأخضر ومناطق التي بها فروع التنظيم وهي بالأسود.

والفرق بين داعش والقاعدة أنه بالنسبة لتنظيم القاعدة فمن الصعب معرفة حجم مقاتلي الكتائب والسرايا التابعة له وإن كانت تقدربالمئات، ولا توجد أرقام دقيقة عنها بسبب التحفظ الشديد لقادتها، وبسببتوزعها في أمكان مختلفة من الصحراء، هذا فضلا عن أن المقاتلين من الدرجةالأولى يتنقلون بين السرايا والكتائب، كما أن إستراتيجية التنظيم تقتضيبإبعاد مقاتليها فترات خارج المعسكرات.

قد يطرح سؤال لماذا التركيز على خطورة الإرهاب وتنامي نشاط الشبكات الدولية للإرهاب على الخليج والعرب؟

    فالجواب قد يكون بسيط باعتبار أن هناك روابط عديدة تجمع بين الدول العربية والإفريقية، وهي روابط جغرافيةوتاريخية وسياسية واقتصادية. وتبرز أهمية هذه الروابط باعتبار إفريقياتضم نحو ثلثي الشعب العربي، ويشكلان جـزءًا أساسـيًا مـن الوطن العربيالممتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي عبر الصحراء وشريط ساحل البحرالأبـيض المتوسط. وقد أسس هذا التماس الجغرافي للتقارب العربيالإفريقي الذي كان قائمًا منذ عصور قديمة في التاريخ بين شبه الجزيـرةالعربيـة ومنطقة الخليج العربي من جهة، والقرن الإفريقي وبلدان شرق إفريقيامن جهة أخرى. والعلاقات نفسها كانت موجودة بين دول شمال إفريقيا ودولالساحل الإفريقي مما يجعلها تتقاسم ذات التحديات وتتأثر بمجمل التطورات الحاصلة.

فلا يمكن عند الحديث عن إفريقيا تجاوز معضلة الإرهاب التيتؤرق الأجهزة الإفريقية والدولية.

 هذه المعضلة تمس بشكل مباشر الأمنالقومي العربي الذي ترسم ملامحه الرئيسية على الأطراف الشرقية في التماس معإيران والأطراف الغربية في التماس مع المناطق الساخنة جنوب الصحراء، خاصةعلى مستوى الخط الرابط بين جنوب السودان والحدود الموريتانية من جهةالجنوب.

      فتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قد تحول إلى كتائب متفرقة بينصحاري عدد من الدول مثل موريتانيا ومالي وتشاد والنيجر علاوة على وجوده فيالجزائر وتونس، إضافة إلى وجود بعض المقاتلين الاستطلاعيين في ليبيا. كما تمكنتنظيم داعش من تأسيس نواة عاملة له في المنطقة للتنافس مع القاعدةوافتكاك مجال النفوذ الجهادي الذي يوفر فرصة ربح مادية كبيرة عبر أعمالالتهريب وتجارة السلاح والمخدرات والمطالبة بالفدية باختطاف السياح. وقدوصل الأمر إلى حدود رسم خط مباشر بين بحيرة تشاد وشمال شرق نيجيريا يصلالمنطقة بمدينة سرت الليبية، حيث يقوم هذا الخط بمهمة إخراج وإدخالالمقاتلين للتدرب والعودة، كما يمثل ممرًا لتدفق السلاح.

هذاالواقع الأمني الخطير يمس بشكل مباشر الأمن العربي والخليجي في نقطتيناستراتيجيتين مهمتين:

-       الأولى هي أن العناصر الجهادية تستعمل إفريقيا جنوبالصحراء كمكان لتكونها ونموها وتطوير قدراتها بما أنها مناطق خارج السيطرةالحقيقية للدولة.

-        والثانية هي أن وجود تلك العناصر يستدعي التدخل الأجنبي،ما يجعل القرارات السيادية لتلك الدول ضعيفة في صالح قرار الدول العظمىالتي تسيطر على ذلك المجال، ومن خلال هذه المعادلة الأمنية والجيوسياسية لايمكن أن نتحدث عن الاستقرار والسلم.

     فمن خلال ما سبق تشكل دوائر الخطر التي تحيط بإقليم الدول العربية ومنطقة الخليج العربي العديد من التهديدات يمكن إيجاز أهمها فيما يلي:

-إذا سلمنا بأن معظم التنظيمات الإرهابية تنشط في مناطق تواجد الثروة فهذا يدفعنا للقول بتوسع اقتصاديات الإرهاب فوجودمثل هؤلاء اللاعبين الجدد كداعش والجريمة المنظمة على الحدود المتاخمة من شأنه توسيعاقتصاديات الإرهاب والتمرد فهو يغذي المناطق التي تشهد أزمات وحروب داخلية. ومن المعروف أن مثل هؤلاء اللاعبين يعتمدون فيتمويل أنشطتهم على السوق السوداء أو الاقتصاد التحتي، وهو اقتصاد يعتمد علىأنشطة بعيدة عن سيطرة الحكومات، ومع ذلك فهي تشكل نسبة لا يستهان بها.

وقد أشارت العديد من التقارير إلى وجودتعاون بين منظمات مسلحة من مناطق عدة في إدارة أنشطة اقتصادية وعملياتتجارية بعيدة عن إقليمها من أجل تبادل المنافع. ما يجعلها مصدر تمويل ضخم لمثل هذه الجماعات، وهو الأمر الذيينطبق على تجارة السلاح.

ومن الجدير بالذكر أن العديد من الجماعاتالمسلحة في الشرق الأوسط تضم بين جنباتها عصابات كانت في الأصل تعمل فيمجال تجارة وتهريب المخدرات، مثل حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا.  ويزداد خطر اتساعاقتصاديات الإرهاب بشدة، وما يتضمنه من تجارة وتهريب المخدرات والسلاح عبرالحدود في ظل استمرار نموذج الدولة الهشة في العديد من دول الإقليم، بمايحمله من مخاطر جمة أبرزها زيادة الجريمة المنظمة وعسكرة المجتمعات كاليمن وسوريا والعراق.

-       خطر الانتشار لهذه الجماعات والمتمثل في تدفقات المقاتلين الأجانب حيثتتصاعدمخاطر انتقال المقاتلين للانضمام إلى صفوف التنظيمات الجهادية في الشرقالأوسط والدول المجاورة لدول الخليج. فقد أشارت تقارير مختلفة إلى أن النزاع في سوريا جذب العديد منالمقاتلين خاصة من إفريقيا ومنطقة المغرب العربي.

وأشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى أن عدد المجاهدين الوافدين علىسوريا والعراق يصل إلى نحو 25 ألف مقاتل من 100 جنسية مختلفة، وأنوفود المقاتلين الأجانب زاد بنسبة 71% بين منتصف عام 2014م، وحتى مارس 2015م، ويشكل الوافدون من القارة الإفريقية قرابة 60%.

وأشار تقرير آخر صادر عن المنظمة نفسهاإلى أن المئات من المقاتلين الأجانب يقاتلون في اليمن وباكستان وليبياوالصومال. وهو ما ينبئ بخطر بالغ على الأمن العالمي.***

لكن الخطر الحقيقي هو عودة نشاط تنظيم القاعدة والذي له خلايا مجهرية منتشرة في العالم العربي ومنطقة الساحل والصحراء والمؤشرات التي اعتمدنا عليها لتقديم هذا الطرح:

  • عودة المقاتلين أو فرار مقاتلي داعش واندماجهم في خلايا القاعدة النائمة باعتبارها البديل الأنسب والأكثر تقاربًا إيديولوجيا.
  • تزايد عدد العمليات الإرهابية التي تحمل بصمة القاعدة خاصة في منطقة الساحل.
  • التسجيل الصوتي لأيمن الظواهري والذي يصب في عودة التنظيم للنشاط وفق هيكلة جديدة.
  • بروز تنظيمات جديدة مثل اندماج أربعة تنظيمات في تنظيم واحد أنصار الإسلام والمسلمين والذي بايع القاعدة.
  • الإدارة الأمريكية الجديدة والتسريبات الأخيرة لأجهزة الاستخبارات تصب في عودة القاعدة.
  • تسجيل تزايد العمليات الأمريكية التي تستهدف تنظيم القاعدة وقياداتها في اليمن-سوريا-ليبيا.

***أحمد عبد الرحمن، البحث عن استراتيجية فعالة لمواجهة الإرهاب. العربي للدراسات والنشر.

 

 

- الزاوية الأخرى من حيث اندماج الجماعات الإرهابية حيث  يشكل مخاطر حقيقية على إقليم الخليج و الشرق الأوسط وذلك لأسبابمتعددة، ربما أبرزها احتمالية التحام بعض هذه الجماعات مع مثيلاتها فيالشرق الأوسط فقد أعلنت العديد من الجماعات ولاءها لأبي بكر البغدادي زعيمتنظيم الدولة (داعش)، مثل جماعات بوكو حرام التي أعلن زعيمها أبو بكرشيكاو عن ولائه لأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة (داعش)، وقامت حركة بوكو حرام ببث فيديو باستخدام التقنية التييستخدمها تنظيم الدولة، بما يرجح أن تكون هناك علاقات أعمق بين التنظيمين، بما ينذر بتكوين شبكة واحدة من الجماعاتالجهادية حول العالم تكون بؤرتها الشرق الأوسط وامتدادها إفريقيا جنوب الصحراء ليمس العمق الاستراتيجي لأمن دول الخليج باعتبارها تتأثر بتداعيات الأوضاع بالشرق الأوسط.

أهم مصادر التمويل:

من أهم مصادر تمويل الجماعات الإرهابية ما يلي:

  • أولها الاتجار بالبشر أو الهجرة غير الشرعية التي قدرت عائداتها السنوية بمليار دولار أمريكي.
  • ثاني مصدر من مصادر التمويل هي المخدراتالقادمة من دول أميركا اللاتينية إلى أوروبا، حيث يمر 10% من الكوكايينالمهرب إلى أوروبا عبر هذه المنطقة، حيث تجني هذه الجماعات الإرهابية1.32مليار دولار أميركي يذهب منها 14% إلى التنظيمات الإرهابية التي تسيطر علىممرات التهريب بالمنطقة.
  • عمليات الاختطاف وما يأتي من دفع الفدية مقابل تحرير الرهائن.

الآليات المتاحة لمواجهة المد الإرهابي:

    من خلال ما تناولناه حول انتشار وتمدد الإرهاب بإفريقيا جنوب الصحراء وانعكاسات ذلك على المنطقة العربية والخليج وهذا راجع لعدة عوامل تجعل من الدول العربية والخليجية تتأثر بامتداد وانتشار هذه الظاهرة وتفاعلاتها مما يجعل المنطقة بين المطرقة والسندان فالمعادلة الصحيحة لمواجهة العدو المشترك والتي تدفع بنا نحو بناء مقاربة متكاملة ضمن إمكانيات متاحة ومتوفرة لصناعة الاستقرار والحفاظ على مبدأ السلم والأمن. لا يمكن لها أن تتحقق إلا إذا تم تدارك الجهود ضمن النقاط التالية:

1-  باعتبار أن الإرهاب ينمو ويتغذى في ظل غياب تنمية وسوء تقسيم الثروة والتمايز بين المناطق (غنية وفقيرة) وبالمقابل دول تمتلك الإمكانات الاقتصادية والقدرة على المرافقة والرعاية.

2-  في ظل هشاشة الدولة وضعف الأداء السياسي من خلال غياب الديمقراطية لكن تظل إمكانية الاستفادة من التجارب الناجحة.

3-  في ظل غياب الدولة الوطنية ونمو بؤر التوتر واستباحة سيادة الدول تحت عنوان التدخل العسكري الذي يمنح أروقة أوسع للمنظمات الإرهابية.

4-  في ظل غياب التنسيق بين الدول العربية والخليجية مع الدول الإفريقية وغياب طرح استراتيجي متكافئ، ومن خلال النقاط السابقة التي يمكن تداركها نحو بناء استراتيجية تسعى للحفاظ على البعد الاستراتيجي للأمن الخليجي والعربي من خلال مقاربة ترتكز بالأساس على:

  • وضع محددات وآليات تحت عنوان السلم والتنمية فهذه المعادلة متكاملة بحيث لا حديث عن تنمية في ظل غياب السلم والأمن وبالمقابل لا يمكن أن نتوجه نحو وضع برامج تنموية دون القدرة على صناعة الاستقرار وهنا يكمن طرح التكامل العربي-الإفريقي.
  • مرافقة الدول الإفريقية للخروج من قوقعة الأزمات التي تجعلها دوما عرضة للتدخلات العسكرية الأجنبية وذلك من خلال الروابط التاريخية والاجتماعية.
  • دعم بناء منظومة حكم راشد قائمة على الأسس المثلى لتحقيق الاستقرار والحفاظ على تماسك المجتمعات والدول خاصة إذا ما أخذنا معطى التنوع العرقي والقبلي أي الأخذ بعين الاعتبار البعد الهوياتي.
  • وضع منظومة للتنسيق بين دول إفريقيا جنوب الصحراء والدول العربية ضمن منظومة تعاون أمنية لمجابهة جملة التحديات الأمنية ويمكن استغلال تجربة الشرطة الخليجية وآلية الافريبول للتنسيق البيني.
  • تحديد استراتيجية عمل من خلال التجديد الدوري لخارطة الانتشار وتبادل المعلومات
  • بناء الحوار الاستراتيجي العربي-الإفريقي لمحاربة الإرهاب لبناء خطط أمنية لهذا الغرض.

      وبما أنموضوع الإرهاب والمساحة الاستثمارية الكبرى لإفريقيا تعد مجالاً هامًا لتفكيرالعرب في هذه القارة التي يمكن أن تتحول إلى مجال استراتيجي اقتصادي وأمنيهام إذا عرفت الدول العربية والخليجية كيفية التحكم في العلاقات معها وتطويرها بشكل مستمر.

      وعليه فلا يمكن أن نتحدث عن الأمن العربي أو الأمن الخليجي ولا الأمن الإفريقي بمعزل الأول والثاني وإنما لا يتحقق ذلك إلا من خلال مقاربة متكاملة تشارك فيها كافة الأطراف المعنية وتنطلق من خلال معالجة الأسباب والدوافع وصولا إلى مقاربة كلية معالجاتية لجملة هذه المخاطر الأمنية. 

مقالات لنفس الكاتب