; logged out
الرئيسية / المليشيات المسلحة والإرهاب في الوطن العربي: من منظور عسكري تشجيع الغرب لحركات الإسلام السياسي في دول الربيع لإعادة المليشيات إلى أوطانها

العدد 118

المليشيات المسلحة والإرهاب في الوطن العربي: من منظور عسكري تشجيع الغرب لحركات الإسلام السياسي في دول الربيع لإعادة المليشيات إلى أوطانها

الخميس، 30 آذار/مارس 2017

واكب مفهوم المليشيات العسكرية قديمًا، أسلوب تأمين تجمع ديموجرافي متجانس للقبيلة أو العشيرة، قبل أن يتلاشى، لتحل محله الجيوش النظامية للدولة الوطنية المركزية، في إطار قوانين واتفاقيات دولية.  وبالتالي كان ظهور المليشيات المسلحة لاحقًا، هو ضد توجه الدولة الوطنية المركزية، لأسباب سياسية أو دينية أو اجتماعيــــة أو مجتمعة، وكان أوضح مثال لذلك هو إنشــاء تنظيم (القاعدة) في أفغانستان، ثم تفتت فائض القوة، وصولاً إلى (داعش) وما شابهها.  كما أن صعود تيار الإسلام السياسي في حقبة الربيع العربي، كان عاملاً هامًا في انتشار المواجهات العسكرية بين تلك المليشيات والجيوش النظامية، وبعض التحالفات الدولية، مما أسفر عن ظهور الحروب غير المتماثلة أو الحروب بالوكالة، وهو ما دعانا إلى التعرض للتنظيم والتسليح وأساليب وتكتيكات القتال للطرفين، من منظور عسكري، بما لكل طرف من نقاط قوة، ونقاط ضعف، ليبقى السؤال، هل تحسم المواجهة العسكرية المعركة ضد المليشيات والإرهاب؟ أم أنها جزء من مواجهة شاملة ذات أبعاد سياسية واجتماعية ودينية؟ وهو الأرجح، وذلك ما سنعرض له من خلال الدراسة التالية.

محتويات الدراسة:

(الخلفية التاريخية – المليشيات المسلحة والحرب غير المتماثلة – الحروب بالوكالة – القاعدة بعد أفغانستان وتفتت فائض القوة – الربيع العربي وصعود تيار الإسلام السياسي – كيف تدير المليشيات عملياتها العسكرية-أساليب قتال الجيوش النظامية ضد المليشيات المسلحة – الصعوبات غير العسكرية في مواجهة المليشيات المسلحة)، خاتمة.

أولا: الخلفية التاريخية للمليشيات المسلحة وأنواعها:

1-   النشأة القديمة:

حيث واكب ظهورها عصر ما قبل الدولة الوطنية المركزية، وكانت تعنى بالدفاع عن القبيلة أو العشيرة أو التجمع الديموجرافي المتجانس في مكان جغرافي محدد، سواء بحدود طبيعية أو صناعية، مثل عصر (الأسيجة) وما يحتويه هذا الحيز الجغرافي من مصادر مياه ومراع وموارد طبيعية وثروات أخرى.

ومع بدء تشكل الدولة الوطنية المركزية، تراجع دور المليشيات المسلحة، لتحل محلها مؤسسات أمنية تابعة للدولة، مثل الجيش والشرطة، وإن ظلت هناك حالة الدولة شبه المركزية ذات المؤسسات، بسبب قوة الانتماء القبلي والعشائري، وذلك في معظم الدول الإفريقية، وبعض الدول العربية، والشرق أوسطية.

وفي بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كانت المليشيات المسلحة تمثل تطورًا لنظام (الجوالة) الذي تم استخدامه ضد سكان الولايات المتحدة الأصليين من الهنود الحمر، ثم استخدمت تلك المليشيات في مرحلة تالية ضد قوات الاستعمــــار في مرحلة الثـــورة والتحرر الأمريكي، كما حدث في تحــرير كل من (بوسطون-ســاراتوجا) في عامي (1776م، و1777م) على التوالي. وباستقرار الدولة الأمريكية المركزية، تحولت تلك المليشيات لتشكل نواة قوة شبه عسكرية، فيما يعرف بالحرس الوطني (National Guard) للمعاونة في مجابهة الكوارث الطبيعية (فيضانات – زلازل – براكين – حرائق ... إلخ) أو الحوادث الكبرى، كما حدث في 11/9/2011م عند استهداف الإرهاب الدولي لبرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك.  هذا وقد اتبعت العديد من الدول المركزية ذات المسمى (الحرس الوطني) بينما استخدمت دول أخرى ذات القوات تحت مسمى آخر هو (قوات الحماية المدنية).

2-   النشأة المعاصرة:

وارتبطت بمقاومة الاستعمار والتحرر الوطني ونيل الاستقلال، كما حدث في معظم دول العالم الثالث والوطن العربي، ولعل أوضح مثال لذلك هو المثال (الجزائري) أو مثال مقاومة ورفض تقسيم فلسطين إلى دولتين (عربية وإسرائيلية) طبقًا لقرار الأمم المتحدة في نوفمبر (1947م) وحتى إعلان انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وقيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948م.  كما ظهرت في تلك المرحلة حركات التحرر العابرة للحدود، مثل (جيفارا) في أمريكا اللاتينية، كما كانت المليشيات ذات المرجعية الدينية محدودة، في إطار الصراع بين السنة والشيعة، أو بين الأرثوذوكس والكاثوليك من جهة، وبين البروتستانت من جهة أخرى، مع وجود بعض المليشيات اليهودية المتشددة والمتطرفة.

كما كان التحرر من وجهة نظر بعض المليشيات، هو الانفصال عن الوطن الأم لأسباب عرقية أو دينية أو تاريخية، كما حدث في جنوب السودان، أو اقتطاع المليشيات بالعراق لجزء من الوطن الأم وإدارته بعيدًا عن الدولة الوطنية المركزية، كما حدث من (داعش) في الموصل بالعراق، أو من حركة الشباب في أجزاء من الصومال.

3-   أنواع المليشيات المسلحة:

أ‌-      من حيث الحجم:

تتدرج من مجموعات صغيرة وهي الأعم، إلى تشكيلات متوسطة لفئة أو حزب أو مذهب، كما في (العراق – لبنان) أو منتمية إلى عرقيات ذات مطالب وطنية خاصة، مثل (البشمركة الكردية – أو الجنجويد السودانية)، وقد تقارب في حجمها جيش الدولة، كالحوثيين في اليمن، كما قد تشكل حجم جيش موازٍ للجيش الوطني، مثل الحرس الثوري في إيران.

ب‌-  من حيث التصنيف والأهداف:

يمكن أن تصنف هذه المليشيات سياسيًا، أو دينيًا ومذهبيًا، أو عرقيًا واثنيًا، أو كمزيج من هذا وذاك، وعادة ما يرتبط الهدف بهذا التصنيف.

 

ثانيًا: المليشيات المسلحة والحروب غير المتماثلة ( Asymmetrical War ):

        يأتي عدم التماثل، في التضاد عند المقــــارنة بين الجيوش النظــامية، والمليشيات المسلحة من وجوه عدة، نجمـلها  

         في الجدول الآتي:

م

وجه المقارنة

الجيوش النظامية

المليشيات

1

الوضع القانوني

ضمن مؤسسات الدولة

تنظيم غير رسمي

2

الهرم التنظيمي

من الفرد حتى مجموعة جيوش -أسلحة برية وبحرية وجوية

من الفرد وحتى مستوى سرية أو كتيبة على الأكثر أي (100 - 400 فرد ) تنظيم غير ثابت أو عنقودي

3

نظم التسلح

خفيفة - متوسطة - ثقيلة - تقليدية وغير تقليدية ونووية

صغيرة وخفيفة، ونوعية (مضادة للدبابات أو الطائرات)

4

المصادر البشرية

خدمة وطنية - تطوع -كليات عسكرية

تطوع بالترغيب السياسي أو الديني أو المادي

5

التمويل

قانوني من ميزانية الدولة

غير قانوني، ومن أفراد أو جهات -استيلاء على بنوك – بيع سلع مثل البترول -تبادل منفعة مع الجريمة المنظمة

6

القيادة والسيطرة

مركزية ومتدرجة

لا مركزية وأحيانًا فردية

7

أساليب وتكتيكات القتال

أعمال قتال متكاملة (هجوم -دفاع -تصادم)

أعمال قتال فردية أو محدودة (اغارات - كمائن-الغام -سيارات مفخخة -أفراد انتحاريين)

8

الوضوح والظهور

واضحة - ظاهرة - مميزة

مستترة تحت غطاء بيئي أو سكاني

9

الثبات والحركة

معسكرات ثابتة، أما الحركة فحسب المهام

غير ثابتة ودائمة الحركة للإخفاء

10

أسرى الحرب

تخضع للاتفاقيات الدولية

خارج الاتفاقيات الدولية مع الاعتماد على الترهيب

11

التمركز

داخل الدولة أو خارجها طبقًا للدستور

داخل الدولة أو عابرة للحدود

 

خبرات ونتائج الحروب غير المتماثلة:

أ‌-       تعتبر الحرب الأمريكية الفيتنامية في ستينيات القرن الماضي هي الأشهر والأبرز والأكبر على مسرح عمليات كبير ومتنوع، ما بين المناطق المأهولة، والزراعية والغابات، والمستنقعات كثيفة الأحراش، والسافانا. ورغم تحقيق القوات الأمريكية نجاحات على المستوى التكتيكي والعملياتي، وكسبت معظم تلك المعارك، إلا أنها طبقًا لقياس النتائج، لم تحقق الهدف من الحرب، ولذلك اعتبرت الأزمة الفيتنامية، بمثابة هزيمة للجيش الأمريكي، كما أن النجاح الأمريكي التكتيكي والعملياتي، تم بخسائر بشرية ضخمة، حيث غطت أسماء الآلاف من القتلى، ثلاثة حوائط بالمتحف الخاص بتلك الحرب في العاصمة الأمريكية واشنطن.

ب‌-    كان الدرس الكبير المستفاد، هو أن الجيوش النظامية بعتادها الكبير غير ملائمة بتنظيماتها وتكتيكاتها التقليدية، لقتال المليشيات، وأن النجاحات التي حققتها الولايات المتحدة في المراحل الأخيرة من الحرب، جاءت حين استخدمت القوات الخاصة وقوات المظلات والصاعقة، أي ما يمكن أن نسميه، مليشيات عسكرية رسمية مدعومة نيرانيًا ومعلوماتيًا ولوجستيًا بشكل جيد، حيث كانت الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات، ذات دور محدود، كما أن تغير الموقف الحاد والسريع، استلزم توفر المعلومات الدقيقة على مدار الساعة، لأخذ المبادأة العملياتية، بالفعل وليس كرد للفعل.

 

ثالثًا: الحروب بالوكالة (Proxy War):

       ظهر هذا المصطلح إلى آفاق الأدبيات العسكرية الاستراتيجية، خلال الربع الأخير من القرن الماضي، حيث يقوم 

       طرف بالقتال نيابة عن طرف آخر، ضد طرف ثالث، وحيث تكون هناك مصلحة مشتركة بين الموكل والوكيل في

       قتال الطرف الثالث.

       كان أول مثال واضح لذلك، هو استخدام الولايات المتحدة مقاتلي (القاعدة) لقتال القوات السوفيتية الغازية لأفغانستان في إطار التنافس والصراع بين القوتين العظميين على مناطق النفوذ حول العالم. وكانت دوافع الأطراف كالتالي:

1-   دوافع الولايات المتحدة:

أ‌-       عدم تقبل الشعب الأمريكي لخسائر بشرية كبيرة، كما حدث في فيتنام، وخاصة إذا ما كانت تلك الحروب لا تهدد الأمن القومي الأمريكي بشكل مباشر.

ب‌-واكب حرب فيتنام، إحجام الأمريكيين عن التطوع، فلجأت الدولة إلى نظام التجنيد الإجباري، وهو ما أثار مشاكل اجتماعية وسياسية، لعل أشهرها امتناع بطل العالم في الملاكمة (محمد علي كلاي) عن التجنيد.  لذلك كانت الحرب بالوكالة أحد الحلول المتاحة.

ج‌-     الولايات المتحدة دولة غنية، كما أنها تملك أفضل نظم تسلح وأكبر مبيعات سلاح في العالم، بالتالي فهي قادرة على تحمل تكلفة الحرب بالوكالة نيابة عنها، مع ما تحتاجه تلك الحرب من نظم تسلح وتدريب وإدارة قتال ودعم لوجستي.

2-   دوافع (القاعدة) بقيادة أسامة بن لادن:

أ‌-       دعم دولة إسلامية سنية (أفغانستان) في الجهاد ضد المحتل (الشيوعي الكافر) باستخدام المتطوعين والمجاهدين العرب وخاصة من السنة، وذلك بإنشاء (قاعدة المجاهدين الأنصار) في باكستان، تمهيدًا للانتقال إلى داخل مسرح العمليات في أفغانستان.

ب‌-توفر الدعم العسكري والتسليحي والتدريبي الأمريكي، وكذلك الدعم المالي من بعض الدول.

3-   استخدام بعض الشركات الأمنية ضمن الحروب بالوكالة:

وأيضًا استخدمتها الولايات المتحدة في الأعمال الأمنية واللوجستية، وتأمين التحركات والإمدادات، وحراسة بعض المنشآت والأهداف الحيوية، توفيرًا للقوات المسلحة التقليدية، وهو ما تم في العراق بكثرة، ولعل أشهرها شركة المياه السوداء (Black Water).

 

رابعًا: (القاعدة) بعد أفغانستان، وتغيير العقيدة القتالية، والتفتت المتتالي لفائض القوة:

1-      انتهت الحرب في أفغانستان بانسحاب السوفييت، وبالتالي تحقق الهدف الأمريكي من تلك الحرب، حيث تخلت الولايات المتحدة عن (القاعدة) عسكريًا وماديًا باعتبار أن المهمة المشتركة قد انتهت، وأن أفراد (القاعدة) وخاصة الأفغان العرب، سيعودون من حيث أتوا إلى أوطانهم الأم، ولكن اتضح أن الحسابات الأمريكية كانت خاطئة.  فقد شكلت قوات (القاعدة) فائضًا من القوة القتالية غير النظامية، ذات كفاءة عالية، ساهمت في بنائها الولايات المتحدة نفسها، حيث برعت قوات (القاعدة) في أعمال القتال الخاصة مثل ( الرمايات المختلفة – أعمال الإغارات والكمائن الثابتة والمتحركة – أعمال النسف والقنص ... إلخ ) وكان الأهم هو القدرة على التعايش والبقاء في بيئات جبلية صعبة قاحلة ووعرة ولمدد طويلة، وهو ما توارثته أجيال (القاعدة) لاحقًا في مسارح حرب صعبة ولمدد طويلة، سواء مناطق جبلية أو مناطق أحراش،  كانت كغطاء بيئي لتلك المليشيات، وهو ما ظهر لاحقًا في مسارح عمليات جديدة مثل العراق وسورية واليمن وسيناء والسودان وتونس ونيجيريا ومالي.

2-   تغير العقيدة القتالية للقاعدة، والتفتت الأول:

كان تخلي الولايات المتحدة عن (القاعدة)، بمثابة خيبة أمل كبيرة لأسامة بن لادن وقواته (فائض القوة) بعدما حققوه من انتصارات في أفغانستان، وما جنوه من مكاسب مادية وعسكرية. مما أسفر عن قرارين اتخذهما أسامة بن لادن، الأول: تغيير عقيدة القتال لتكون ضد (النصارى واليهود) أي ضد الولايات المتحدة وحلفائها. أما القرار الثاني فكان تفتيت التكدس في أفغانستان وباكستان، بالعودة إلى (الإقليم الأم) وليس (الوطن الأم) للانتشار على نطاق جغرافي واسع، مثل القاعدة في (بلاد الرافدين – بلاد الحرمين والجزيرة العربية – الشام – وادي النيل – المغرب العربي – اليمن ... إلخ)، كما تم استهداف غرب أوروبا، والولايات المتحدة نفسها بتدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11/9/2011 م، مما دفع الرئيس (بوش) الابن وتحت تأثير الصدمة إلى إعلان الحرب على الإرهاب واحتلال العراق ولو بحجج واهية.

3-      الخلاف مع القاعدة الأم، والتفتت الثاني ومولد (الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ومبايعاتها:

كان للتوسع الجغرافي لمجالات عمل (القاعدة)، الأثر في إضعاف القيادة المركزية، حيث برزت القيادات اللامركزية الإقليمية، كما تم في بلاد الرافدين حيث قامت (داعش – ISIS ) بتحقيق مكاسب في العراق وسوريا، ثم مبايعتها من العديد من المليشيات الإقليمية وحتى من خارج (القاعدة)، وكانت تلك المبايعات لإثبات الذات، وإظهار القوة، فداعش ترى أنها تحقق مبادئها (بالبقاء والتمدد)، والمبايعون يريدون أن يلتصقوا بكيان أكبر وأقوى لإخفاء ضعفهم – حتى لو كانوا خارج نطاق العمل في الوطن العربي أو الشرق الأوسط ، مثل ( بوكوحرام ) في نيجيريا .

 

والغريب أنه لم توجه أعمال عسكرية تذكر أو ذات قيمة ضد إسرائيل (اليهود مجازًا) كما ذكرت العقيدة القتالية الجديدة للقاعدة بعد أفغانستان؟؟!!.

 

خامسًا: الربيع العربي وصعود تيار الإسلام السياسي وتشجيع عودة المليشيات إلى الأوطان الأم:

1-   كان الدافع الرئيس لتشجيع الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) لصعود تيار الإسلام السياسي في الوطن العربي، والذي بدا ناجحًا في كل من تونس ومصر، هو جذب مليشيات تيار الإسلام السياسي، للعودة إلى أوطانهم الأم، حيث ستكون البيئة السياسية والدينية هناك، متمشية مع توجهاتهم، وبالتالي سيبعدهم ذلك عن استهداف أوروبا والولايات المتحدة بعملياتهم الإرهابية (الجهادية)، مثل تلك التي تمت قبل مرحلة الربيع العربي.

2-   بفشل وتراجع تيار الإسلام السياسي بدأ الغرب وروسيا في تعديل توجهاتهم، بمساندة الدولة الوطنية المركزية ضد تيار الإسلام السياسي و (داعش) كالآتي:

1-   التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد (داعش) في سوريا والعراق.

2-   الدعم الأمريكي الجوي لعملية البنيان المرصوص، لتصفية (داعش) في سرت (موطن القذافي)

3-   تحرير الولايات المتحدة للإمدادات العسكرية لمصر، لمحاربة (بيت المقدس) في سيناء.

4-   الدعم العسكري الفرنسي والإفريقي لعدم انفصال شمال مالي.

5-   الدعم الأمريكي والغربي للجيش العراقي والأكراد لتحرير الموصل من يد (داعش).

6-   استمرار النشاط الأمريكي لاستهداف القاعدة وخاصة بالطائرات بدون طيار، كما تم في اليمن والسودان، وشمال النيجر، وأماكن أخرى.

7-   الدعم العسكري الروسي في سوريا، وإن كان ظاهره استهداف الإرهاب وأن باطنه دعم نظام الأسد.

 

سادسًا: كيف تدير المليشيات المتطرفة عملياتها العسكرية:

 

1-   تطبيق بعض مبادئ الحرب النظامية مثل:

أ‌-       المبادأة – والحشد (وإن كان محدودًا ونسبيًا) – الاستمرار – القيادة والسيطرة المركزية واللامركزية من خلال:

1-   سهولة قيادة من بايعوا على السمع والطاعة

2-   الاستعانة ببعض القيادات العسكرية السابقة ذات الخبرات القتالية النظامية، مثل البعثيين في العراق، والجيش الحر في سورية، والمنشقين عن الجيش اليمني للعمل مع الحوثيين.

3-   الاستعانة بقيادات دينية ذات تأثير مجتمعي مثل (الصدر، نصر الله، النقشبندي ... إلخ).

ب‌-    التأمين القتالي:

بتوفير الأسلحة والذخائر والمواد المتفجرة والألغام وأجهزة الاتصال المختلفة، وكذلك معدات التفجير عن بعد للعبوات الناسفة أو المعدات المفخخة (Traps).                  

       ج-التأمين الإداري:

بتوفير مواد الإعاشة من مأكل ومشرب، والإيواء الميداني، والوقود، والنقل، والإخلاء والعلاج، بالإضافة إلى سجون لأسرى الحرب.

د‌-      نقاط أخرى مثل:

الإعلام والتمويل والتجنيد.

2-   تطبيق معظم مبادئ حرب العصابات (  Guerilla Warfare )  مثل :

أ‌-        خفة الحركة:من خلال العمل بتشكيلات قتالية محدودة، لا تزيد عن سرية – حوالي (100) مقاتل، إلا في ظروف خاصة، كما تم من (داعش) ضد السكان الأزيديين في جبل (سنجار)، أو عند احتلال الموصل والرقة، لإرساء نموذج الإمارة المتكاملة.

ب‌-كفاءة قتالية وبدنية عالية: ومهارة في استخدام الأرض في مسرح العمليات.

ج‌-   الظهور المفاجئ: في الزمان والمكان غير المتوقعين، والانسحاب السريع بعد تنفيذ المهمة (اضرب واهرب fire and go )، وإن كان هذا المبدأ قد تغير لاحقًا بتوسع العمليات، ومحاولة احتلال لمنطقة كاملة كما تم في الموصل، ليكون ( اضرب وابق   fire and stay ).

د‌-     القدرة على البقاء والتعايش والتخفي لمدد طويلة في مسارح العمليات المتنوعة والبيئات المختلفة: سواء كان مسرح العمليات صحراويًا زراعيًا كما في سورية والعراق، أو جبليًا في كل من أفغانستان واليمن والجزائر، أو أنفاقًا تحت الأرض كما هو الحال في سيناء بمصر، مع استغلال الغطاء السكاني المحلي، وخاصة القبلي والعشائري، لتقارب المظهر الخارجي وسهولة الزواج من بنات تلك القبائل، بالتراضي أو بالقهر.

ه‌-      القدرة على جمع المعلومات: سواء من ذات المنطقة، أو بدفع وزرع (خلايا نائمة) مع استـــــخدام الترهيب أحيانًا للحصول على المعلومات، أو الترهيب لمنع السكان المحليين من التعاون مع السلطــــات الأمنية للدولة، سواء الجيش أو الشرطة، أو الاستخبارات

3-   المزج بين الترغيب والترهيب:

كما فعلت (داعش) في المناطق تحت سيطرتها مثل (الموصل في العراق، والرقة في سورية) حيث تتبنى أعمال الخير الإنسانية والدينية من جهة، مع العنف المفرط من جهة أخرى، وخاصة ضد المعارضين أو أسرى الحرب، عكس ما نصت عليه اتفاقية جنيف لأسرى الحرب، المبرمة في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945).

4-   التصنيفات العرقية أو الدينية أو القتل على الهوية:

وهو ما تم ضد المسيحيين، والازيديين في جبل (سنجار) شمال العراق، وضد (21) مصري مسيحي كانوا يعملون في ليبيا، وبشكل أقل وضوحًا بين عناصر من السنة والشيعة.

5-   تنظيم وتسليح وتكتيكات القتال وتدريب المليشيات المسلحة:

أ‌-      التنظيم والتسليح:

تحكمه تكتيكات القتال ومبادئ الحرب الســـابق ذكرها، وتبدأ التنظيمات من أسفل الهرم إلى أعلى من مستوى (الفرد، فالطاقم، فالجماعة، فالفصيلة، فالسرية) ولا تتدرج إلى مستويات أعلى من ذلك لتحقيق خفة الحركة والقدرة على العمل في مواجهات أكبر، مع التفاؤل بمسمى (السرية) كموروث إسلامي.

ويعتمد التسليح على الأسلحة الخفيفة، والنوعية، مثل مضادات الطائرات (ستريلا – سام 7 – ستينجر .. إلخ) ومضادات الدبابات مثل (ر ب ج – مالوتكا ... إلخ) ولكن التنظيم يفتقد إلى أسلحة الإسناد والدعم الثقيلة مثل المدفعية والدبابات، عدا ما تم الاستيلاء عليه من جيش الدولة كما حدث في (العراق – سورية – اليمن) أو من مخازن الأسلحة كما تم في ليبيا.

ب‌-  تكتيكات القتال:

وتعتمد على تكتيكات القوات الخاصة الخاطفة مثل (الإغارات – الكمائن الثابتة والمتحركة – المعدات المفخخة، وأخيرًا الأحزمة الناسفة البشرية!!

                 ج-تدريب المليشيات:

                يرجع الأصل إلى تدريب النخبة الأمريكية من القوات الخاصة ومشاة الأسطول، لقوات القاعدة في 

                      أفغانستان، وهو ما تم توارثه مع انقسامات القاعدة، وصولاً إلى (داعش) أو ما يشابهها من المليشيات الأخرى. 

                     

               د-كيفية تنفيذ المهام وتسلسل التعامل مع الأهداف:

1-   جمع المعلومات واختيار الهدف وتوقيت التنفيذ.

2-   إشاعة الذعر والخوف المسبق (داعش).

3-   الهجوم الحاشد من أكثر من اتجاه (الموصل – الرقة – عين العرب)

4-   إدارة (الموقع الهدف) مؤقتًا، ثم تركه لإدارة فرعية، والانتقال إلى هدف آخر، لتحقيق مبدأي (التمدد -اضرب وابق) في ذات الوقت، وهو عكس مبادئ حرب العصابات (اضرب واهرب).

5-   توسيع دائرة الاتصال والدعم اللوجستي.

6-   الاعتماد على الإدارة اللامركزية، في إطار خطة عامة، وقد تتم إدارة بعض أعمال القتال فرديًا، وهو ما يعرف (بالذئاب المنفردة) وهو ما تم تنفيذه ضد بعض الأهداف في أوروبا، وخاصة فرنسا.

هـ -مصادر التمويل للمليشيات المسلحة:

وتكون في معظمها مصادر غير شرعية، داخليًا أو خارجيًا، كالآتي:

-         داخليًا: بالاستيلاء على البنوك والمعادن النفيسة، أو الاستيلاء على مصادر الطاقة كالبترول وبيعه بشكل غير قانوني، كما حدث في كل من (سورية والعراق وليبيا واليمن)

-         خارجيًا: من دول داعمة، أو جهات أو جمعيات خاصة أو أفراد.

 

سابعًا: أساليب تعامل الجيوش النظامية مع المليشيات المسلحة:

1-   مما سبق، نجد أن تعامل الجيوش النظامية مع مثيلاتها يخضع لنظم وقوانين قتال، سواء شرقية أو غربية، ولكن أساسها، أن العدو واضح ومميز ومعروف مكان تمركزه وقوته، فيكون المطلوب هو تحليل: متى يتحرك؟ واتجاه تحركه أو هجومه؟ ومكان تركيز جهوده الرئيسية؟ والدعم النيراني المتوقع؟ سواء كان دعمًا بريًا أو جويًا أو بحريًا، وهو نفس ما يقوم به الجانب المضاد أيضًا.

2-   أما في الحرب ضد المليشيات، فالموضوع مختلف تمامًا، حيث العدو غير ظاهر، وغير معروف جيدًا، وغير مميز، وبالتالي فإن مفتاح العمليات ضد المليشيات المسلحة، يكمن في مدى توفر (المعلومات) لكافة المصادر العسكرية والأمنية المحلية، كما أن الحرب ضد المليشيات، لا تحسمها الضربات الجوية مهما كانت مؤثرة، ولكن سيحسمها العمل البري في شكل أعمال تمشيط وتطهير.

3-   العمل على تجفيف مصادر التمويل داخليًا وخارجيًا، ما أمكن.

4-   قطع شبكة التعاون بين المليشيات والجريمة المنظمة العابرة للحدود، حيث أن هذا التزاوج، يوفر لكلا للطرفين مميزات التمويل والحصول على السلاح وحرية التنقل والتجارة غير المشروعة للأسلحة والمخدرات، وحتى تجارة البشر، والهجرة غير الشرعية، ويظهر هذا المثال جليًا في الشمال الإفريقي وخاصة ليبيا والجزائر، وإقليم جنوب الصحراء الكبرى، حيث الحدود الشاسعة والمفتوحة وغير المؤمنة، والملاذ الآمن لتجمع العديد من المليشيات جنوب ليبيا (غات – القطرون) والمحاور الرئيسية للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر المتوسط.

ثامنًا: صعوبات غير عسكرية في مواجهة المليشيات المسلحة:

1-   عدم خضوع أعمال قتالها لأي اتفاقيات دولية حاكمة، مثل اتفاقية جنيف لأسرى الحرب، على سبيل المثال.

2-   صعوبة التعقب الدولي لمجرمي الحرب، عكس ما يتم في الحروب النظامية، وشبه النظامية، مثل (ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية – الصرب في البوسنة والهرسك – وبعض القادة الإسرائيليين)

3-   سهولة التجنيد لصالح تلك المليشيات، تحت دعاوى دينية، نظرًا لما يتمتع به الدين من قدسية وجاذبية.

4-   إن المواجهة العسكرية، ما هي إلى جزء من أجزاء من المواجهة الشاملة لتلك المليشيات، ولكن تتبقى أبعاد مهمة، دينية، واجتماعية، وإنسانية.

 

خاتمة:

ستظل معضلة المواجهات العسكرية بين الجيوش النظامية والمليشيات المسلحة قائمة، دون حسم جوهري واضح، حيث الصراع بين الظاهر والخفي، وبين الثابت والمتحرك، وبين المميز والمخفي، وبين الخاضع للقوانين الدولية، وغير الخاضع لها، وحتى إذا أوقعت الجيوش النظامية خسائر ضخمة بتلك المليشيات، فهل يؤدي ذلك إلى اختفاء تلك المليشيات من الساحة؟ أم أنها ستتفتت لتنتشر على نطاق أوسع، ولو بقوات أقل وتختفي إلى حين في ملاذات آمنة، لتظهر لاحقًا، متى سمحت البيئة الإقليمية والدولية بذلك، مستفيدة من تكنولوجيا العصر في مجالات الاتصالات والأسلحة والذخائر والقيادة والسيطرة؟ ذلك موضوع آخر، فلننتظر ما سيسفر عنه المستقبل.

مقالات لنفس الكاتب