; logged out
الرئيسية / الدرس الأول للانضمام لجماعة الإخوان "الإرهاب فريضة والاغتيال سنة" الإخوان المسلمون المظلة الأقدم لجماعات العنف في العالم

العدد 118

الدرس الأول للانضمام لجماعة الإخوان "الإرهاب فريضة والاغتيال سنة" الإخوان المسلمون المظلة الأقدم لجماعات العنف في العالم

الخميس، 30 آذار/مارس 2017

أطلق مايسمى بالربيع العربي في منطقتنا موجات من الفوضى التي ضربت أنحاء واسعة من الوطن العربي، أمنت وصول الإخوان للحكم في عدد من البلدان ما دشنت لصعودها على نحو لم يحدث عبر تاريخها، حيث ساهمت براجماتية الجماعة وخطابها المراوغ في حيازتها لهذا الموقع.

لم يكن سلوك الجماعة أثناء الربيع العربي مفاجئًا لمن يعرفونها جيدًا، فقد ظلت دائمًا حركة خلافية ملتبسة مليئة بالمتناقضات، بدرجة جعلت من الصعب نسبيًا فهم طبيعتها او تأطيرها هل هي حركة أجتماعية دعوية تعمل أيضًا ككيان سياسي، أم هي تنظيم عابر للحدود يؤكد على استقلال أفرعه القومية في مختلف البلدان، كما أنها حاولت إضفاء الطبيعة السلمية على نفسها محافظة على خطاب مزدوج، ظل السمة الرئيسية لها وللصورة الذهنية التي حاولت تصديرها، فما حقيقة أن الجماعة كانت صاحبة التأثير الأعمق في مسيرة جماعات العنف التي تقنعت بالإسلام واختبأت خلف مقولاته ؟وما دور الجماعة كملهم ومؤسس لكثير من الجماعات التي ظهرت في العصر الحديث مع بداية القرن العشرين وحتى اليوم ؟

يشرح تاريخ الإخوان كيف انتقلت الجماعة في مسيرتها منذ النشأة بين أكثر من مربع، سواء المربع الأول الذي حاولت فيه أن تحقق حالة من حالات الانتشار، بالتماهي مع المحيط الاجتماعي واختيار القطاعات الأوسع من المصريين أبان نشأتها في العام 1928م، وعلى مدار عشر سنوات، حيث حافظت على ارتداء الثوب الصوفي باعتباره كان  الصيغة الأقرب لتدين المصريين وقتها ،حيث اقتصرت أنشطة الجماعة على مجالس الذكر والدروس العلمية وتلاوة المأثورات ،حتى تأكدت من ولاء قطاع واسع من المصريين ،ساعتها كشف حسن البنا عن حقيقة مشروعه في رسالة دعوتنا ،حيث كشف لأول مرة عن ميوله التكفيرية مقدمًا نفسه وجماعته باعتبارها من يملك الحق الحصري في النسخة الأصلية للدين، لذلك وجه خطابه للناس قائلا "وكل الذي نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدًا من أربعة، إما شخص آمن بدعوتنا وصدق بقولنا وأعجب بمبادئنا .. فهذا ندعوه أن يبادر بالإنضمام إلينا والعمل معنا حتى يكثر به عدد المجاهدين ... وإما شخص لم يستبن له وجه الحق .. فهو متوقف متردد فهذا نتركه لتردده ونوصيه أن يتصل بنا عن كثب ويقرأ عنا من بعيد أو قريب ... فسيطمئن بعد ذلك إن شاء الله، وكذلك كان شأن المترددين من أتباع الرسل من قبل! وإما شخص نفعي لايريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة وما يجره هذا البذل من مغنم فنقول له: حنانيك، ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت والجنة إن علم فيك خيرًا أما نحن فمغمورون جاهًا فقراء مالاً .. وإما شخص متحامل ساء فينا ظنه وأحاطت بنا شكوكه وريبه، فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم ولا يتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك، ويأبى إلا أن يلج في غروره ويسدر في شكوكه ويظل مع أوهامه .. نحب أن يكون الناس معنا واحدًا من هؤلاء وقد حان الوقت الذي يجب فيه على المسلم أن يدرك غايته ويحدد وجهته ويعمل إلى هذه الوجهة حتى يصل إلى الغاية، أما تلك الغفلة السادرة والخطرات اللاهية والقلوب الساهية والانصياع الأعمى واتباع كل ناعق فما هو من سبيل المؤمنين في شيء 1

تأمل هذا النص الكاشف الذي يحدد أصناف الناس في مواجهة دعوة البنا، التي تحولت إلى دعوة الإسلام وليس نسخة من نسخ التدين المطروحة، شأنها شأن كل جماعة أو مذهب أو دعوة أو فكرة من الأفكار التي تدعي أنها هي الإسلام ولا شيء غيره، هذه النظرة الحدية التي ينضح بها هذا النص هي عين ما استنسخته كل الحركات والجماعات التي خرجت من تحت عباءة الجماعة، يحاول البنا تقديم فكرته باعتبارها فكرة قادرة على تجميع المسلمين ومن سمات الأفكار التجميعية أن يراها الناس قريبة منهم تلامس عقولهم ووجدانهم وتشق طريقها اليهم بيسر، وهذا مالم يحدث في تاريخ الجماعة حيث يؤكد هو ذاته في رسائله وفي حديثه لإخوانه " أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لازالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرًا من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات، وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، أما الآن فلا زلتم مجهولين ولازلتم تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد، سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين والعلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام ،وينكر عليكم جهادكم في سبيله وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجوهكم كل الحكومات على السواء وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم 2

أى دعوة تلك التى ستلقى تلك العداوة والخصام مع الجميع؟ وأي دعوة ستسلك طريقها لقلوب وعقول الناس إذا كانت تتهمهم قبل أي شيء بالجهل بالدين، وتجمع الخصوم في ساحة واحدة بهذا الشكل! إنه فقط يؤهل أفراد جماعته لمفاصلة طويلة مع المجتمع بكل شرائحه، وهو لا يخفي أنه سيستعمل القوة لكنه يتحين اللحظة المناسبة، لذا يخاطب أنصاره قائلا " وفي الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين – ثلاثمائة كتيبة، قد جهزت كل منها نفسها روحيًا بالإيمان والعقيدة وفكريًا بالعلم والثقافة وجسميا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار وأقتحم بكم عنان السماء وأغزو بكم كل عنيد جبار فإني فاعل إن شاء الله 3

وفي التأكيد على أن الإخوان سيسعون للوصول إلى الحكم يقول: يتساءل كثير من الناس هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم، والوصول إلى غايتهم .. ثم يجيب قائلاً: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنها عدة الإيمان والوحدة .. ثم يردف في فقرة ثانية " فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية، لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف 4

هذه نصوص كتبت في الأربعينات ولم تبق نصوصًا بلا عمل، بل شكلت بنية فكرية أنتجت أول ميليشيا عسكرية مارست الإرهاب باسم الدين في حوادث معروفة عرفتها مصر، انطلق فيها رصاص الجماعة في مواجهة الساسة والقضاة وحتى أعضاء الجماعة وقياداتها، عندما كشف أمر هذا النظام الخاص الذي تأسس سرًا في الأربعينات، ليصبح الذراع العسكري للجماعة التي فتحت هذا الفضاء لجماعات استلهمت أفكارها وأساليبها في مواجهة الدول الوطنية، التي اعتبرتها كما فصلت النصوص السابقة مارقة من الدين تستأهل المفاصلة الدائمة بلا هوادة.

اعتبر حسن البنا أن الخلافة أصل من أصول الدين وجعل السعي لإستعادتها من فرائض الدين، ومن ثم نظر انطلاقًا من قاعدة فقهية تقول إنه مالايتم الواجب إلا به فهو واجب، لتشكيل كيانات حركية أقرب إلى الجيوش في منهجية عمل تنقسم إلى قيادة مطاعة وجنود أقرب إلى عناصر الجيوش.

ظل البعض طويلاً يتصور أن الكيانات الحركية الإسلامية تتباين بين سلفيين وإخوان وجهاديين، حيث حاول البعض تنميط صورة كل تيار من خلال بعض الخصائص ،فجعل التيار السلفي هو هذا التيار الذي يهتم بعلوم التوحيد والتربية الطويلة والتزكية ،عبر طلب العلم الشرعي دون انشغال بالحكم والسياسة، وقدم التيار الجهادي باعتباره هذا التيار الذي يرفع السلاح في مواجهة الدنيا، سواء ما سمي بالعدو القريب المتمثل في وعيهم في الأنظمة القطرية التي حكموا عليها بالكفر والردة، أو العدو البعيد الذي يمثل المجتمع الغربي محاربًا كان أم غير ذلك، أما الإخوان فقد قدموا باعتبارهم تيار سياسي يتوسل بالعمل السياسي في حيازة الأغلبية التي تمكنه من الحكم وإنفاذ مشروعه الملتبس الذي عاينه المصريون في عام حكم الجماعة في 2012م.

لكن الحقيقة التي لا ينبغي إنكارها أن الإخوان هم أصحاب الخطة الأصلية في توزيع الأدوار بهذه الطريقة، بين تيارات سلفية وإخوانية وجهادية فلم يكن تعريف حسن البنا لجماعته باعتبارها جماعة شمولية والذي يقول " تستطيع أن تقول ولا حرج عليك أن الإخوان المسلمين دعوة سلفية، وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيأة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية 5

لم يكن هذا النص مجرد محاولة لتوحيد جهود العاملين لنفس الهدف، أو إتاحة صيغة تستوعب كل التيارات، بل كشف تأسيس جبهة للتنسيق بين كل تلك الإتجاهات الحركية بعد ثورة يناير 2011م، سميت بالهيأة الشرعية للحقوق والإصلاح، أسستها جماعة الإخوان لتكون ظهيرًا سياسيًا يجمع كل الكيانات الحركية في إطار تنسيقي موحد ،جمع السلفي مع الإخواني مع الجهادي في تأكيد على وحدة المشروع والهدف والغاية ،وقد ظن الإخوان أن الأمور قد دانت لهم بعد ثورة يناير ،فأعلنوا هذا التحالف العلني الذي كان ضمن عوامل أخرى من أهم مسببات الاستقطاب الذي جرى في الساحة المصرية

الإرهاب فريضة والاغتيال سنة

قبل أن تذهب بك الظنون كل مذهب، وقبل أن توجه لي تهمة التحريض على الإرهاب والقتل، تمهل قليلاً أمام هذا العنوان الصادم، الذي ليس من بنات أفكاري بل له قصة جديرة بأن تروى.

في مسيرة مجموعات العنف المسلح باسم الدين ،أو من يسمون زورًا وبهتانًا بالجهاديين يبرز إسم أبو مصعب السوري أو عمر عبدالحكيم أو مصطفى ست مريم ،وكلها أسماء لشخص واحد سوري الجنسية ولد في العام 1958م، وانتسب لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، قبل أن يصبح عضوًا قياديًا في الطليعة المقاتلة التنظيم المسلح الذي أسسته جماعة الإخوان هناك، يذكر الرجل في إطار رواية عمن علموه من الرعيل الأول من الإخوان المسلمين قائلاً في كتابه الذي أشرنا اليه " ألحقت بدورة تدريبية لإعداد كوادر الجهاز العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين، أيام الجهاد والثورة على حافظ الأسد وكان لي من العمر 22 عامًا وكان ذلك في معسكر الرشيد التابع للجيش العراقي ببغداد عام 1980م ( تأمل كيف كانت بعض الحكومات في إطار الصراع فيما بينها تدعم الإرهاب منذ وقت مبكر، معلوم بالطبع الخصومة بين فروع البعث في سوريا والعراق في تلك الفترة ) ولما دخل علينا المدرب وكان رحمه الله رجلاً فاضلاً وشيخًا مسنًا من الرعيل الأول، من الذين بايعوا الشيخ حسن البنا رحمه الله لما كان عمره سبعة عشر عامًا ،وجاهد في فلسطين 1948م، وجرح في القدس وعمل في الجهاز الخاص ،وشارك في المقاومة السرية ضد الأنكليز في قناة السويس مطلع الخمسينات وصحب سيد قطب وهاجر عن مصر بقية حياته، فكان مدربًا في معسكرات الشيوخ في شرقي الأردن مع منظمة التحرير 1969م، وانتدب لمساعدة أكثر من حركة جهادية ساندها الإخوان عندما كانوا إخوانًا على منهج البنا وقطب ،قبل طاعون الديمقراطية والبرلمان (تأمل الرجل لايفصل بين البنا وقطب في النهج والسلوك، على ما يحاول البعض إقناعنا به الآن عن وجود تباين بين الرجلين) فكان يدربنا المواد العسكرية وكان أول ما قاله لنا بلهجته المصرية : إنتوا إخوان مسلمين ؟ فقلنا نعم فقال متأكدين يا بني؟ فقال مشيرًا إلى عنقه "يبقى حتدبحوا كلكوا" "موافئين" ؟ فقلنا جميعًا والسرور والبهجة تغمرنا "موافقين يابيه "فاستدار إلى السبورة وكتب عليها عنوان أولى المحاضرات " الإرهاب فريضة والاغتيال سنة "، وخط تحتها خطًا واستدار لتبدأ الدروس ويبدأ المشوار، فوعينا الدروس وطال المسار وبقيت البشارة والأمل في كرم الله كبير لمن قضى نحبه من ذلك الفريق ولم ينتظر، وهذا الذي لخصه الشيخ رحمه الله جزء من عقائد هذا الدين وقد افتتحت بها فيما بعد دروسي 6

انتهت رواية الرجل لكن لم تنته آثارها في واقعنا اليوم، الذي نحت فيه تلك الكيانات الحركية منحى العنف بشكل واضح، وبتفسيرات منها هذا العنوان الصادم الذي يجعل الإرهاب بصورته لديهم قتلاً وتدميرًا وتمثيلاً وشذوذًا فريضة إلاهية، تعالى الله عن ذلك علوًا عظيمًا.

عرفنا في مسيرة جماعات العنف عناوين متعددة فهذه جماعة الجهاد المصرية، التي كان من زعمائها أيمن الظواهري الذي كان إخوانيًا قبل أن يختار لافتة الجهاد التي لم تمنعه من أن يؤكد على استاذية سيد قطب له وإيمانه بأفكاره " فلقد كانت ومازالت دعوة سيد قطب إلى إخلاص التوحيد لله والتسليم الكامل لحاكمية الله، ولسيادة المنهج الرباني شرارة البدء في إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج 7

هل كان تواصل محمد مرسي الإخواني رئيس مصر المعزول مع أيمن الظواهري تليفونيًا فترة وجوده في الحكم وهو يتزعم أكبر وأخطر تنظيم جهادي وهو القاعدة أمرًا طبيعيًا؟

هل كان اجتماع فصائل السلفية الجهادية في الشيخ زويد في سيناء يوم 5 يوليو 2013م، في أعقاب ثورة الشعب المصري على حكم الإخوان، وإعلان خارطة الطريق في 3يوليو 2013م، وإعلانها الحرب على الدولة المصرية، بعد هدوء في ساحة سيناء طوال فترة وجود الإخوان في الحكم، أو حديث مرسي عن سلامة الخاطف والمخطوف في معرض تعليقه على اختطاف جنود في سيناء ،ثم إرساله لمستشاره الشخصي د. عماد عبد الغفور للتواصل مع جماعات العنف في سيناء، أو الحديث عن تمويل خيرت الشاطر رجل الجماعة القوي لمجموعات العنف في سيناء أمرًا طبيعيًا ومفهومًا، يؤكد أن الجماعة ليس لها علاقة بالعنف أم أن الجماعة عبر نصوص مؤسسيها ومنظريها وعبر ممارسة سجلها التاريخ، أكدت أن العنف مكون بنيوي في مسيرتها يظهر في حال التمكن ويتوارى في حال التمسكن، في إطار خطاب التقية الذي قربها مرة ثانية من منهج الملالي في إيران.

هل كان ظهور عمليات العنف التى أطلقتها الجماعة عبر ما يسمى بأجنحة العمل النوعي والتي تسمت بأسماء مختلفة، سواء العقاب الثوري أو كتائب المقاومة الشعبية أو حركة سواعد مصر حسم أو لواء الثورة أو غيرها من المسميات، لتنظيمات صغيرة نشطت في الوادى والدلتا سواء في عمليات قتل لعناصر الشرطة أو القضاة أو غيرهم، بالتوازي مع نشاط جماعة أنصار بيت المقدس التي ارتفعت وتيرة عملياتها بعد خروج الإخوان من الحكم على نحو لافت، هل كان ذلك أيضًا مصادفة أم لونًا من ألوان التكامل بين اللاعبين في ساحة العنف في مصر.

لقد صادف وصول الإخوان إلى الحكم في مصر وصعودهم في غيرها من الأماكن  انهيار النظام السياسي العربي ،وتحولت الجماعة مع مجموعات العنف الأخرى إلى أداة فوضى تستخدمها قوى الغرب في إعادة رسم خارطة المنطقة على أسس جديدة ،تحقق مصالح الغرب على حساب أمن وسلام هذه المنطقة من العالم، فمنذ المشهد الأفغاني أدركت تلك القوى خطورة هذا السلاح ونجحت في توظيفه من أجل إضعاف أمتنا، من داخلها وبيد أبنائها ومنذ قرن من الزمان نجح الإخوان في أن يكونوا تلك الأداة التي تضعف الدولة الوطنية، لتبقى طاقات الأمة مبددة في هذا الصراع الوهمي بين الدين والدولة، والذي أذكته كتابات منظري الجماعة سواء حسن البنا أو سيد قطب أو غيرهم، ممن رسموا معالم تلك الخطة الجهنمية التي لازلنا نكتوي بنيرانها في عالمنا اليوم.

لم يخفي أحد من قيادات الإرهاب اليوم جذوره الإخوانية بدءًا من عبدالله عزام أو أسامة بن لادن أو الظواهري أو أبو مصعب السوري، أو حتى في الأخير أبوبكر البغدادي زعيم داعش ،ولازال بعض رعيل الإخوان الكبار يرددون وصية البنا لأتباعه ألا يدخلوا إلى مشروعهم من باب واحد بل من أبواب متفرقة، وهو ما يساهم في إنهاك الخصوم بالوقوع في شرك الخلاف الوهمي بين كل تلك العناوين، التي تتكامل أدوارها على هدف واحد هو إسقاط الدول الوطنية أو إضعافها، الهدف الذي يلتقي مع مخططات أعدائنا للوصول إلى تحقيق الخلافة التي عايناها فيما فعله داعش، كلهم يبغون خلافة واحدة وإن تباينت مسمياتهم ،يتوسلون مرة بالسياسة عبر الإخوان ومرة بالحرب عبر القاعدة وداعش، ومرة بالإختباء في التلسف الهادىء حتى تحين لحظة الإنقضاض على الدولة لهدمها وبناء النموذج الذي يؤمنون به جميعًا

إن السرية التي تحولت إلى أصل من الأصول المنهجية لدى الجماعة هي ما ساهم في إخفاء علاقاتها بغيرها من المجموعات الأخرى،" فما من حركة إسلامية قامت وأقامت منهج الله في الأرض، إلا اعتمدت التنظيم السري في بداية الأمر ثم انطلقت إلى إعلان فهمها الحركي للإسلام من خلال الحكمة والموعظة الحسنة، ثم واجهت المجتمع المنحرف جاهليًا كان أو فاسقًا وتسنمت الحكم واعتمدت القوة للحفاظ على المبدأ، من الحرب المسلحة التي يشنها أعداؤه عليه بينما بقيت قضية اعتماد السلاح والقوة في مرحلة الدعوة أمرًا اجتهاديًا، متقيدًا بطبيعة الحرب مع العدو أو الخصم 8

لو مضينا مع النصوص الإخوانية التي تنظر لفكرة العنف والمفاصلة، والتي تحولت إلى بنية فكرية لازالت تتغذى عليها تيارات العنف حتى الآن، ما وسعتنا سطور عشرات المقالات لكنها فقط عينة محدودة تتساند مع تاريخ الجماعة المعروف، تؤكد أن العنف لم يكن لدى الجماعة خيارًا مستبعدًا لم تمارسه بل مارسته بنفسها وعبر عناوين أخرى مضللة، ادعت التمايز عن الجماعة وإن بقيت الوشائج فكرية أو عضوية أو الاثنين معًا محجوبة عن الأعين طويلاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مفكر إسلامي ـ رئيس مركز النيل للدراسات الاستراتيجية ـ القاهرة

المراجع

1-   حسن البنا – مجموعة الرسائل – دار الدعوة (الاسكندرية) – 1990 – صفحة 20

2-   المرجع السابق – صفحة 162

3-   المرجع السابق – صفحة 181

4-   المرجع السابق – صفحة 191

5-   المرجع السابق – صفحة 174

6-   أبو مصعب السوري – سرايا دعوة المقاومة الإسلامية العالمية – نسخة على الشبكة العنكبوتية

7-   أيمن الظواهري – الوصية الأخيرة – دار النور والفرقان – 1420 هـ -صفحة 51

8-   منيرمحمد الغضبان – المنهج الحركي للسيرة النبوية – دار الوفاء – المنصورة – 1998 صفحة 7

مجلة آراء حول الخليج