array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 120

الاستثمارات الخليجية - الأمريكية المتبادلة مستمرة رغم التباينات المصالح الاقتصادية أكثر ديمومة من السياسة المتغيرة وهو ما يدركه ترامب عاجلاً أم آجلاً

الخميس، 08 حزيران/يونيو 2017

تحققدول مجلس التعاون الخليجي فوائض مالية من عوائد صادرات النفط والغاز، وذلك بعد تمويل مصروفات الموازنة العامة، منذ منتصف سبعينات القرن العشرين وحتى الآن. وتتبع دول المجلس سياسات مالية حصيفة فيما يتعلق باستثمار تلك الفوائض، سعيًا منها للمحافظة على القيمة الحقيقية لتلك الفوائض في مواجهة التضخم، والاحتفاظ بقدر منها كحق من حقوق الأجيال القادمة في تلك الثروة الناضبة.

ويعتبر استخدام الفوائض المالية في بناء أصول إنتاجية، أفضل أوجه الاستثمار على الإطلاق، حيث يتم توريث الأجيال القادمة طاقات إنتاجية في مجالات الإنتاج المختلفة، سواء في قطاعات النشاط الاقتصادي كالصناعات التحويلية، أو في الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة، أو في رأس المال الاجتماعي كالطرق والموانئ والمطارات.

لكن نظرًا لظروف كثيرة من أهمها محددات الطاقة الاستيعابية للاقتصادات الوطنية، لدول مجلس التعاون، الأمر الذي جعل من استثمارات الفوائض المالية في الأوراق المالية، أهم الخيارات المطروحة من صور الاستثمار المالي المتاحة، خاصة في شراء الأوراق المالية الحكومية من سندات وأذون خزانة، نظرًا لما تتمتع به من ثقة وتدني مستويات المخاطر المالية، بجانب الاستثمار في شراء أسهم وحصص في شركات دولية كبيرة.

ولعل من أهم أوجه الاستثمارات المالية التي تمثل امتلاكًا لأصول إنتاجية في الخارج، ما قامت به شركة أرامكو السعودية بتملك أكبر مصفاة بأمريكا بعد شرائها مصفاة "بورت آرثر" بولاية تكساس التي تعتبر "جوهرة التاج" بالنسبة لصناعة النفط الأمريكية حيث تصل طاقتها الاستيعابية إلى 600 ألف برميل يوميًا، الأمر الذي سيسمح لأرامكو بالحصول على موقع استراتيجي يسمح لها بنقل نفطها الخام إليها وتصفيته ومن ثم بيعه في أسواق أمريكا الشمالية.

ولما كانت الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة، بجانب الدول الغربية الأخرى، من أهم المؤسسات المصدرة للأوراق المالية الحكومية، سواء في صورة سندات طويلة الأجل، وأذون خزانة قصيرة الأجل، فمن هنا تركزت استثمارات دول مجلس التعاون في الأوراق المالية الحكومية الأمريكية.

وتشكل الفوائض المالية لدول مجلس التعاون لدول الخليج عنصرًا هامًا في الاقتصاد الأمريكي، رغم ضخامة اقتصاد البلاد، فإن أموال الخليج تعد قطاعًا اقتصاديًا مهمًا بالولايات المتحدة الأمريكية، إذ لا يختلف تأثيرها عن أي قطاعٍ حيوي بأمريكا، وهو الأمر الذي يظهر بوضوح في الاهتمام الأمريكي الكبير بدول الخليج، ولكن تبقى هناك عدة أسئلة، أهمها، حجم وأهمية وقيمة هذه الاستثمارات  وفي أي المجالات وما هو المردود على دول مجلس التعاون الخليجي، وما هي المخاطر المحيطة بهذه الاستثمارات، وهل تساهم في تقوية العلاقات بين الطرفين، وما مدى أهمية وفائدة  ومخاطر ربط العملات الخليجية بالدولار.

وتصدر وزارة الخزانة الأمريكية تقريرًا سنويًا يظهر حجم الأصول التي تملكها مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تشير بيانات التقرير الأخير للعام 2015-2016م، أن قيمة تلك الاستثمارات تبلغ قيمتها 612.371 مليار دولار إلى جانب امتلاكها لسيولة حجمها 285.238 مليار دولار تضاف إلى امتلاكها لسندات دين آجلة بقيمة 264.768 مليار دولار وسندات دين عاجلة بقيمة 62.370 مليار دولار.

وكشفت وزارة الخزانة الأميركية، عن حجم الاستثمارات السعودية في أذون وسندات الخزانة الأميركية، وقالت إنها بلغت 116.8 مليار دولار بنهاية شهر مارس 2016م. وبلغت استثمارات السعودية في الأوراق المالية بالخارج في نهاية مارس الماضي، 1.456 تريليون ريال (388.5 مليار دولار).

البعد السياسيللاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة

في عام 1971م، قرر الرئيس الأمريكي نيكسون إلغاء ارتباط الدولار بالذهب وعدم قابليته للتحويل إلى ذهب، ويعزى ذلك إلى ارتفاع حجم النفقات العسكرية وقيام الولايات المتحدة بطباعة الدولار دون وجود رصيد كافٍ من الذهب، بعد تزايد طلبات التحويل من الدولار إلى الذهب وانتهت بذلك حقبة ربط العملات الوطنية بالذهب، أو بعملات قابلة للتحويل غلى ذهب، وتنحي نظام بريتن وودز.

ومع بعد تحول الدولار إلى عملة إلزامية، وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة للبحث عن مصادر أخرى للحفاظ على عملتها كأهم عملة في الاحتياطات الدولية، وأهم وسائل تمويل التجارة العالمية، حيث وقعت  اتفاقًا مع المملكة العربية السعودية وذلك عام 1973م، يقضي بأن تكون مبيعات النفط السعودي بالدولار الأمريكي، وفي عام 1975م، تبعتها كل دول أوبك، ونشأت ظاهرة البترو دولار، الذي حفظ للدولار طلبًا عالميًا، ووفر عملة دولية تلبي حاجة السيولة الدولية والمعاملات التجارية العالمية، بعد هذا الاتفاق أصبح كل من يرغب بشراء النفط عليه أن يحصل على الدولار الأمريكي أولاً، ثم يدفعه للدول المنتجة للنفط، بجانب ما تم استحداثه بواسطة صندوق النقد الدولي من عملة حسابية تعرف بحقوق السحب الخاصة وتتكون من سلة من العملات الدولية الرئيسة. ومع تراكم الاحتياطات المالية لدول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط كان لزاما البحث عن أوعية ادخارية، ومنافذ استثمارية لتلك الاحتياطات الدولارية.

كما كان الدور الاقتصادي لدول الخليج الداعم للاقتصاد العالمي في مواجهة التقلبات الدورية والأزمات المالية التي تنتاب الاقتصادات المتقدمة، واضحًا إبان الأزمة المالية الأخيرة 2007-2008م، حيث كان لدول الخليج دور فعال في تخفيف آثار الأزمة، إذ ساهمت المنطقة في إعادة الاقتصاد إلى الاستقرار، استجابة لدعوة رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون لدول الخليج بالمساهمة في تمويل صندوق يهدف إلى إعادة الاستقرار إلى النظام المالي العالمي ومساعدة الدول التي أصابتها الأزمة الاقتصادية العالمية.

 وكانت قد أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن السعودية تحديدًا خلال حملته الانتخابية، ردود أفعال ومخاوف ليس فقط حول مستقبل أموال دول الخليج المستثمرة في الولايات المتحدة وإنما حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بينهما، وهل تتعامل الولايات المتحدة حقيقة، مع أموال الخليج المستثمرة في الاقتصاد الأمريكي بتلك الصورة، حيث اعتبرها ترامب حقًا أصيلاً لبلاده، أو ثمنًا للأمن، الأمر الذي لا يمكن أن يمثل أساسًا لتعامل دول الخليج مع استثماراتها بالولايات المتحدة، ولا يشكل أساسًا لعلاقات اقتصادية أصلها تبادل المصالح والمنافع التجارية.

 

ولم تكن تصريحات الرئيس الأمريكي وحدها علامة إنذار في مراجعة السياسات الاستثمارية والتنموية في دول الخليج العربية، بل سبقتها تلك الانخفاضات المتتالية في أسعار النفط، وبدء حقبة جديدة من التوجهات التنموية بعيدًا عن الفوائض البترولية،حيث تعاني السعودية في الوقت الراهن، وهي أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، من تراجع حاد في إيراداتها المالية، الناتجة عن تراجع أسعار النفط الخام عما كان عليه عام 2014م، تزامنًا مع إعلانها موازنة تتضمن عجزًا يبلغ 87 مليار دولار أميركي للسنة المالية الحالية، بعد تسجيلها عجزًا بـ98 مليار دولار العام الماضي.

 

وفي حين ربطت بعض الدوائر بين الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة وبين العلاقات السياسية والتطورات الأمنية، وهو ما تردد في أعقاب صدور قانون «جاستا»، فقد كانت استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في أذون وسندات الخزانة الأمريكيةترتفع بنسبة 4.7% في يناير الماضي، عن الشهر السابق، كما ورد في بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، حيث أشارت إلى أن الاستثمارات الخليجية ارتفعت إلى 218.4 مليار دولار، حتى نهاية يناير الماضي، مقابل 208.6 مليار دولار في ديسمبر 2016م.

 

وجاءت الاستثمارات السعودية، في الصدارة باعتبارها أكبر الدول المستثمرة في الأذون والسندات الأمريكية، حيث ارتفعت إلى 112.3 مليار دولار في يناير الماضي، بنسبة زيادة 9.2% مقارنة مع 102.8 مليار دولار في ديسمبر 2016م، بينما حلت الإمارات في المرتبة الثانية بـ61.6 مليار دولار في يناير الماضي، والكويت بالمرتبة الثالثة بـنحو 29.4 مليار دولار، ثم عمان بنحو 13.56 مليار دولار، وقطر بنحو 1.19 مليار دولار، والبحرين بنحو 662 مليون دولار فقط.

وتجدر الإشارة إلى أن الاستثمارات السابقة تتركز في أذون وسندات الخزانة الأمريكية، ولا تشمل الاستثمارات الأخرى في الولايات المتحدة، سواءً كانت حكومية أو خاصة، ولعل من أبرزها ما أعلنت عنه الحكومة السعودية من عزمها على استثمار مبلغ 40 مليار دولار استثماراتٍ جديدة في البنية التحتية الأمريكية، بحسب ما كشفت وكالة «بلومبرج»، وهو ما يدعم الخدمات المقدمة للأمريكيين بصرف النظر عن العوائد المتوقعة على تلك الاستثمارات على الجانب السعودي.

وتؤكد مثل هذه الاستثمارات وما يترتب عليها من آثار إيجابية على البلد المتلقي، أن التعاون الاقتصادي أيًا كان شكله، له أبعاد سياسية بجانب الغرض الاقتصادي الرئيس، وهو تحقيق عوائد مناسبة على الأموال المستثمرة، والمحافظة على قيمتها الحقيقية، وتوفير درجة عالية من التأكد وعدم المخاطرة.

 

ونخلص من ذلك إلى أنه على الرغم من المصالح الاقتصادية المتبادلة في علاقة الولايات المتحدة بدول مجلس التعاون إلا أن الجوانب السياسية عادة ما تلقي بظلالها على العلاقات الاقتصادية البحتة، ويظهر ذلك جليًا في الحالات والأزمنة التي قد تتضارب فيها المصالح السياسية بين الطرفين، أو تختلف فيها الرؤى السياسية والأمنية بينهما، كما حدث مؤخرًا في علاقة الولايات المتحدة بإيران، أو تباين المواقف من الصراع الدائر في سوريا على وجه التحديد.

والرأي عندنا أنه رغم صعوبة الفصل بين المصالح الاقتصادية والمواقف السياسية، إلا أن المصالح الاقتصادية أكثر ديمومة، بينما يمكن للمواقف السياسية أن تتغير بسهولة أكبر، وهو ما لابد أن يدركه الرئيس الأمريكي الحالي رونالد ترامب عاجلاً أم آجلاً.

      

محددات السياسات الاستثمارية لدول مجلس التعاون الخليجي

على الرغم من قيام العلاقات الاقتصادية الدولية على مبادئ المنافع التجارية المتبادلة، إلا أن التوافق السياسي يدعم تلك العلاقات وينميها، فضلاً عن تأثرها بأي توترات في العلاقات السياسية، حيث لا يمكن في النهاية فصل المنافع الاقتصادية البحتة عن المصالح السياسية بشكل قطعي.

ففي الوقت الذي تتقارب فيه الولايات المتحدة مع إيران، فإنها تضعف من العلاقات السياسية الأمريكية الخليجية؛ مما قد يدفع بدول الخليج للبحث عن حليف دولي لإعادة التوازن وتدعيم ثقله الإقليمي، وهنا تبرز أهمية التوجه العربي الخليجي نحو الصين كثاني اقتصاد على المستوى العالمي، فضلاً عن كونها مصنع العالم ومتجره.

 خاصة وأنه في الوقت الذي كانت فيه الصين تتقارب بحذر مع الخليج، وتنظر إلى إيران كحليف نفطي معاد لواشنطن، فقد أصبح هذا التوجه أقل فاعلية، لاسيما مع دخول الاتحاد الأوروبي كمنافس على حصة النفط الإيراني، فضلاً عن التقارب الأمريكي الصيني.  

وتبدو الفرصة متاحة اليوم لتعميق التقارب الصيني الخليجي؛ مما ستكون له تأثيرات إيجابية على أكثر من صعيد، فعلى الصعيد الاقتصادي وفي ملف النفط، ستظفر الصين بحليف استراتيجي لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، بينما ستضاعف دول الخليج من حصتها في سوق النفط العالمي، ولا يتوقف الأمر على الملف النفطي، حيث تعتبر الاستثمارات المشتركة أكبر فائدة اقتصادية يمكن أن يجنيها الطرفان.

فعلى الرغم من أن أوروبا وأمريكا كانتا الأكثر جذبًا لأموال الخليج، إلا أن التقارب مع الصين أكبر مستقطب للاستثمارات الأجنبية بـ 745 مليار دولار أمريكي، يفتح خيارات كبيرة أمام دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت باكورة هذا التوجه قيام شركة أرامكو السعودية كمستثمر في إنشاء مصفاة للنفط في فوجين جنوب شرق الصين، إلا أن قيمة استثمارها لا تتعدى المليار دولار، ومازالت في الأفق فرص استثمارية أكبر بكثير.

وفي الوقت الذي تشكل فيه الصين أرضًا خصبة للاستثمار الخليجي، يمكن للمناطق الحرة في دول الخليج أن تمثل هدفًا ممتازًا للمصانع الصينية، لما يمتاز به الشرق الأوسط من قرب جغرافي من الأسواق العالمية.

وتتوفر عوامل عدة تجعل من عام 2017م، أكثر صعوبة اقتصاديًا واستثماريًا على المستويين الإقليمي والعالمي نظرًا إلى كثرة التطورات والأحداث التي شهدها عام 2016م، والتي يتوقع استمرار تداعياتها في التبلور، خاصة التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى انتخاب دونالد ترامب مع عدم وضوح سياساته تجاه الحلفاء، مرورًا بأزمات الشرق الأوسط المتنقلة وانعكاساتها على الأمن والاستثمارات وأسعار النفط.

ويتوقع أن تؤدي زيادة الإنتاج في دول الأوبك، إضافة إلى ضعف الطلب العالمي، إلى بقاء الفائض في ميزان النفط العالمي، إضافة إلى المستويات القياسية لمخزونات الخام التجارية لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بسبب تخمة المعروض في السوق، كذلك سيواصل الدولار القوي إضعاف القوة الشرائية للدول المستوردة للنفط.

ومما لا شك فيه، أن استمرار انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة ستكون له انعكاسات مباشرة على ميزان الحساب الجاري والموازنة العامة في دول المجلس، مما دفع بها لمراجعة أوضاعها المالية، وتوجهاتها الاستراتيجية كما هو حادث حاليًا في المملكة العربية السعودية وتطوير توجهاتها التنموية من برنامج التحول الوطني إلى رؤية جديدة 2030م، للاقتصاد السعودي.

وقد نشر المنتدى الاستراتيجي العربي تقريرًا عن حالة العالم في عام 2017 م، توقع فيه أن تتراوح أسعار النفط خلال النصف الأول من عام 2017م، ما بين 50 و55 دولارًا للبرميل، قبل أن تعاود الارتفاع في النصف الثاني، لكن دون أن تخترق سقف 60 دولارًا للبرميل. وفقًا للتقرير سيفرض الانخفاض في عائدات النفط على الدول التي تعتمد على تصديره مواجهة تحد سيتوقف جزء كبير من قدرة الدول على تحمل خفض إنفاقها على احتياطاتها النقدية وقدرتها على توفير الأموال؛ إضافة إلى التأثير على توجهاتها الاستثمارية.

واعتبر التقرير أن الخلافات بين القوى الإقليمية ستضعف من آفاق تعزيز التعاون الاقتصادي في عام 2017، حيث أن غياب الغطاء السياسي القوي سيؤدي إلى جعل الفرص الاستثمارية خارج المنطقة أكثر جذبًا. كما سيُعيد القطاع الخاص النظر في استراتيجيته؛ إذ سيخشى الرؤساء التنفيذيون من أن تُشكّل التوترات التي تحدث في منطقة تُعاني من أطر تنظيمية ضعيفة مصدر خطر لا يمكن تجاوزه.

ويتوقع مصرف كريدي سويس أن يشهد الاقتصاد الأميركي نموًا بحوالي 2%، وأن يتأنى الاحتياطي الأميركي في تشديد السياسة النقدية، ويراهن البنك على ارتفاع معدلات سندات الخزانة الأميركية. وفيما يختص بالقطاعات يرى كريدي سويس أن جميع المؤشرات تدل على أن عام 2017م، سيكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى التزامات الشركات الأميركية باستثناء الشركات المصدرة للمواد الأولية الذي يمكن أن يساهم في استقرار الأسواق.

بالنسبة إلى الدولار يوضح البنك أن الظروف يفترض أن تصبح مواتية له. فبعد أن خفت مقابل اليورو والفرنك السويسري والين الياباني عام 2015م، سيعود الدولار لتعزيز مكانته مقارنة بباقي العملات الرئيسية عام 2017م. بالتالي ينصح الخبراء المصرفيون المستثمرين بالاستفادة من أي انخفاض في الدولار الأميركي لتجميع العملة الخضراء.

مستقبل الاستثمارات والودائع الخليجية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية

ليس من المتوقع أن تحدث تغيرات كبيرة أو واسعة على هيكل الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة في الأجل القصير، فلا الولايات المتحدة قادرة على قطع روابطها باقتصادات دول الخليج، رغم انتهاء حقبة النفط مرتفع الثمن، ولا من مصلحة دول المجلس تسييل استثماراتها في الولايات المتحدة بشكل فوري أو على نطاق واسع.

فالولايات المتحدة لا تزال تعول الكثير على ظاهرة البترو دولار، حيث يمثل الطلب العالمي على الدولار وفاءً للواردات العالمية، مكون رئيسي من الطلب العالمي على الدولار، كما أن توقعات استمرار عجز الموازنة العامة الفيدرالية لسنوات قادمة يؤكد أهمية الاستثمارات الخليجية في الأوراق المالية الحكومية الفيدرالية الأمريكية، كذلك لا تزال الاستثمارات الخليجية في الأصول الإنتاجية ومساهماتها في أسهم شركات كبرى أمريكية عنصرًا مؤثرًا في استقرار الأسواق المالية الأمريكية والعالمية.

وعلى الجانب الخليجي ليس هناك في المنظور قصير الأجل بدائل جاهزة، فضلاً عن أنها ليست في عجلة من أمرها، رغم حتمية تغيير النظرة طويلة الأجل، وتغيير أسس تكوين المحفظة المالية، ومن ثم يبدو من الضروري استدعاء الحكمة التقليدية في تنويع محفظة الأوراق المالية، حيث لا تزال تجد صدً لها أمام تلك المحددات والمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية.

 وأول هذه التوجهات هو الاستثمار في البشر، من خلال تعليم عصري، يوفر مخرجات عالية المهارة مزودة بقدر مناسب من المعارف الحديثة، وقدرة عالية على التفكير والابتكار والتحليل المنطقي. ويرتبط برأس المال البشري الاهتمام بالإنفاق على البحث والتطوير، حيث صار الابتكار مصدرًا لفتح فرص الاستثمار على كافة الأصعدة، وفي شتى المجالات الاقتصادية، والأنشطة الإنتاجية والخدمية، في المنشآت الصغيرة الكبيرة.

كما يمثل الاستثمار المادي بشتى صوره مدخلاً أساسيًا في تنويع محفظة الاستثمارات، ذلك أن تكوين أصول إنتاجية، هو مصدر الأمان لرؤوس الأموال، فضلاً عن دوره في دعم القاعدة الإنتاجية، وتنويع مصادر الإنتاج والدخل، ويشمل الاستثمار المادي تكوين أصول إنتاجية في مختلف عناصر البنية الأساسية من طرق وكباري واتصالات، وموانئ ومطارات وغيرها،  كما يشمل الاستثمار المادي الإنفاق على الخدمات الاجتماعية من مدارس وجامعات ومستشفيات ومرافق عامة، وأخيرًا يأتي التكوين الرأسمالي في المشروعات الإنتاجية من خلال القطاع الخاص أو بالتعاون بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص.

فالاستثمارات العامة يمكنها حفز الاستثمارات الخاصة لأداء دور فعَال كما قال بول رومر رئيس الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي حيث يمكن مساعدة الحكومات على أن تتيح للقطاع الخاص المزيد من الفرص للاستثمار مع شعور بالثقة في أن رأس المال الجديد الذي يقدمه سيصب في صالح البنية التحتية للترابط العالمي، فإذا لم توجد شوارع وطرق جديدة، فلن يجد القطاع الخاص حافزًا للاستثمار في رأس المال المادي في المنشآت الجديدة.

 وإذا لم يوجد ترابط بين أماكن العمل الجديدة وأماكن العيش والسكن الجديدة، فلن تتاح الفرصة لمليارات من البشر يريدون الانضمام إلى الاقتصاد الحديث للاستثمار في رأس المال البشري الذي ينتج عن التعليم والتدريب وعن التعلم أثناء العمل، فضلاً عن توفير رعاية صحية متكاملة.

تغيير طفيف في الحكمة التقليدية حيث تتحول من تنويع محفظة الأوراق المالية، وعدم وضع البيض كله في سلة واحدة، إلى تنويع محفظة الاستثمارات، بدءًا من الاستثمار في البشر، وتكوين رأس المال البشري، ومرورًا بالاستثمار في الابتكار والبحث والتطوير، وتكوين رأس المال الاجتماعي، وانتهاءً بحفز القطاع الخاص على التكوين الرأسمالي المادي في أنشطة إنتاجية معرفية حديثة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بجامعة المنوفية -مصر

مجلة آراء حول الخليج