; logged out
الرئيسية / أمريكا لا تحمي حلفاءها "لوجه الله" بل دفاعًا عن مصالحها واشنطن تسعى لاستعادة موقعها في الشرق الأوسط وإحياء علاقاتها مع الحلفاء التقليديين

العدد 120

أمريكا لا تحمي حلفاءها "لوجه الله" بل دفاعًا عن مصالحها واشنطن تسعى لاستعادة موقعها في الشرق الأوسط وإحياء علاقاتها مع الحلفاء التقليديين

الخميس، 08 حزيران/يونيو 2017

إن البحث في واقع العلاقات الخليجية الأمريكية ينبغي أن يعتمد على ركيزتين: الأولى، استخلاص خبرة تطور هذه العلاقات في العقود الخمسة الأخيرة وتحديدًا من بداية السبعينيات بعد الانسحاب البريطانى من منطقة الخليج والدروس المستفادة منها. والثانية، تقدير التغير الذي أدخلته إدارة الرئيس دونالد ترامب على هذه السياسة، ولاسيما بعد زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة العربية السعودية في مايو 2017م، ولقائه بقادة دول مجلس التعاون الخليجي، وعقد قمة عربية إسلامية، ودلالة هذا التغير ومدى استمراره والتداعيات المترتبة عليه في ضوء تصريحات ترامب حول السعودية والخليج.

أولاً: خبرة العلاقات الخليجية الأمريكية

ينبغي بادئ ذي بدء التمييز بين علاقة السعودية بأمريكا وبقية دول الخليج بها. إذ تضرب الأولى بجذورها إلى أربعينيات القرن الماضي في لقاء الملك عبد العزيز آل سعود مع الرئيس تيودور روزفلت في البحيرات المرة بمصر عام 1945م، وزيارة الأمير فيصل بن عبد العزيز لأمريكا ومشاركته في مؤتمر سان فرانسسكو الذي أنشأ الأمم المتحدة في العام نفسه . أما أغلب الدول الخليجية الأخرى فقد تطورت علاقاتها مع أمريكا بعد حصولها على الاستقلال في  حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

وبصفة عامة، يمكن تلخيص أهم عناصر هذه الخبرة فيما يلي:

  1. تُمثل دول الخليج مصلحة حيوية Vital Interest من منظور الأمن القومي الأمريكي وتبلور ذلك بشكل واضح ابتداءً من الرئيس ريتشارد نيكسون حتى اليوم، فكان هناك ما يسمى مبدأ نيكسون، مبدأ كارتر، مبدأ ريغان ...إلخ، وتشير كلها إلى أن أمن منطقة الخليج يُعتبر من المصالح الأساسية للأمن الأمريكي، وأن الولايات المتحدة على استعداد لاستخدام جميع الأدوات لحماية مصالحها في هذه المنطقة، بما في ذلك الأداة العسكرية. وتراوحت السياسات التي اتبعتها واشنطن لتحقيق ذلك مثل سياسة الدعامتين The Two Pillars  Policy، إي الاعتماد على السعودية وإيران (قبل عام 1979م)، وسياسة الاحتواء المزدوج Dual Containment بالنسبة لإيران بعد الثورة والعراق في عهد صدام حسين، وسياسات بيع السلاح وإقامة قواعد عسكرية ودعم النظم السياسية الحاكمة في دول المنطقة.

وكانت الولايات المتحدة على استعداد للتدخل العسكري إذا ما تم تهديد مباشر لأمن الخليج مثلما حدث من جراء الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990م، والذي ترتب عليه تكوين تحالف عسكري من دول عربية ضم عددًا كبيرًا من الدول بقيادة الولايات المتحدة والذي شنَّ حرب تحرير الكويت في 1991م.

  1. تركز المصالح الأمريكية في دول الخليج على تلك الاقتصادية في المقام الأول والتي تتمثل في السعي للسيطرة على صناعة النفط؛ إنتاجًا ونقلاً وتسعيرًا، والاستفادة من أسواق الخليج المزدهرة في مجالات تصدير السلع والآلات والخدمات وأعمال التشييد والمقاولات، وضمان استثمار أكبر قدر من رؤوس الأموال العربية أو ما كان يسمي "الفوائض النفطية" في البنوك التجارية وسندات الخزانة الأمريكية والأنشطة الاقتصادية الأخرى.
  2. إلى جانب المصالح الاقتصادية، برزت مصالح استراتيجية في العلاقة الخليجية الأمريكية ارتبطت بحرية انتقال النفط في الممرات البحرية كـ"مضيق هرمز" و"باب المندب"، وضمان أمن دول الخليج من التأثيرات الثورية النابعة من إيران والتي تبنت مبدأ "تصدير الثورة" إلى الدول المجاورة وتبنت خطابًا طائفيًا في مخاطبة المجتمعات الخليجية. واستمر الإدراك المشترك للخطر الإيراني يجمع بين الجانبين الخليجي والأمريكي حتى بدء مفاوضات الولايات المتحدة – والدول الكبرى الأخرى- مع إيران بهدف الوصول إلى اتفاقية بشأن السلاح النووي في عهد الرئيس أوباما، فقد ظهر وكأن الولايات المتحدة قد أعطت الأولوية للوصول إلى اتفاق مع إيران على حساب مصالح حلفائها الخليجيين وتأثير هذا الاتفاق على تمدد الخطر الإيراني عليهم.
  3. بروز دول الخليج العربية باعتبارها الدول الأكثر استقرارًا من الناحية الداخلية، ابتداءً من عام 2011م، عندما اجتاحت المنطقة العربية أعاصير الثورات والانتفاضات والمظاهرات الشعبية، ونجحت هذه الدول بالنأي بنفسها عن تداعيات هذه الأعاصير، وبرز دور مجلس التعاون الخليجي كعنصر فاعل في صنع القرار العربي وفي الجامعة العربية. 
  4. شهدت الأعوام 2013- 2016م، تراجعًا محسوسًا في العلاقات الخليجية ـ الأمريكية، فإلى جانب الاختلاف بين الطرفين حول عواقب الاتفاق النووي مع إيران. فمن المنظور الخليجي، فإن هذا الاتفاق أعاد إيران إلى الأسرة الدولية ووفر لها الشرعية اللازمة لإدارة سياسة خارجية نشطة ولم يأخذ في اعتباره الأخطار الإقليمية التي تمثلها إيران وسعيها للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ازداد التساؤل حول مدى مصداقية الالتزام الأمريكي بأمن الخليج في ضوء ازدياد الحديث عن انتقال بؤرة الاهتمام الأمريكي إلى آسيا  Pivot to Asia ورغبتها في التحلل من التزاماتها العسكرية في المنطقة، وعدم التورط في النزاعات العسكرية والحروب الداخلية والتي تبدو وكأنه لا نهاية لها.    

وزاد من تراجع هذه العلاقات تداعيات مشاركة شباب خليجي في الهجوم على مركز التجارة العالمي في سبتمبر 2001م، واستغلال قطاع من الإعلام والسياسيين الأمريكيين بمزاعم حول الإشارة إلى علاقة بعض هؤلاء المتهمين بمسؤولين خليجيين، والاستمرار في المطالبة بالإفصاح عن الصفحات المحذوفة والتي لم يتم الكشف عنها -عدد 29 صفحة- من تقرير تقصى الحقائق بشأن هذه الحادثة، وما تلى ذلك من صدور قانون "جاستا" في نهاية عام 2016م، وإثارة موضوع احترام حقوق الإنسان في الدول الخليجية بين الفينة والأخرى.

ثانيًا: إدارة ترامب والعلاقات الخليجية الأمريكية

لأول وهلة يبدو أن إدارة ترامب قد قلبت السياسية الأمريكية تجاه الخليج رأسًا على عقب، وأنها تبنت مواقف مختلفة عن تلك التي التزمت بها إدارة أوباما، وأن سياساتها أكثر قربًا وتوافقًا مع وجهة النظر الخليجية.

 فمن ناحية أولى، أشار كبار المسؤولين الأمريكيين إلى أن إيران دولة راعية للإرهاب وأنها خالفت بعض بنود الاتفاق النووي وأنها تمثل تهديدًا للأمن الإقليمي, ومن أمثلة تصريحات ترامب في هذا الصدد ما ورد في التغريدة التي نشرها على حسابه الخاص على موقع تويتر في 7 فبراير 2017م "هل يحق لأوباما أن يعقد صفقة مع إيران، الدولة الإرهابية الأولى، بلا مشكلة!"، وما ذكره في 21 أبريل من العام نفسه "إن إيران لم تلتزم بروح الاتفاق النووي الذي وقعته مع القوى الكبرى". مضيفًا "أن طهران تلحق ضررًا بالغًا بالاتفاق المبرم بينها وبين القوى العالمية الست الكبرى.. وأنه ما كان ينبغي التوقيع عليه". ووصف وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إيران بأنها "أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم"، وجاء ذلك بعد يوم واحد من فرض الولايات المتحدة عقوبات عليها بسبب تجربتها صاروخًا باليستيًا.

ومن ناحية ثانية، لم يعد موضوع حقوق الإنسان من أولويات السياسة الخارجية الأمريكية وأن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر أن نشر مبادئها ومثلها العليا بمثابة مسؤولية أو مهمة ينبغي أن تقوم بها، وبقول آخر فإن الإدارة الأمريكية تقبل العالم كما هو وتتعامل معه على هذا الأساس. وعلى سبيل المثال، فقد رفض ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكي، خلال جلسة الاستماع في الكونغرس قبل إعلان النواب موقفهم من ترشيحه لمنصب وزير الخارجية، توجيه اتهامات للسعودية بانتهاك حقوق الإنسان، واصفًا سياسة إطلاق الأوصاف المماثلة بأنها "قصيرة النظر"، وأشار أن "السعودية تحقق تقدمًا في مجال حقوق الإنسان لكنه تقدم بطيء". مضيفًا أن "هزيمة داعش يجب أن تكون أولويتنا المطلقة في الشرق الأوسط وهي خطوة أساسية في ضرب إمكانيات سائر التنظيمات والأفراد الذين يخططون لضرب حلفائنا أو ضربنا هنا في أمريكا".

ومن ناحية ثالثة، أفصحت الولايات المتحدة عن عزمها المشاركة العسكرية في صراعات المنطقة، وتنشيط التحالف الدولي ضد الإرهاب للقضاء على داعش، فوافق ترامب على زيادة عدد القوات الأمريكية الموجودة في العراق وسوريا للعمل كمستشارين، وعلى زيادة عدد الطلعات الجوية الموجهة لدعم الجيش العسكري في حملته لتحرير الموصل، والاستمرار في استخدام الطائرات بدون طيار ضد نشاط تنظيم القاعدة في اليمن، وعلى تسليح قوات سوريا الديمقراطية – والتي يمثل الأكراد عصبها- بأسلحة ثقيلة باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على هزيمة داعش وتحرير مدينة الرقة، إضافة إلى استمرار الدعم الأمريكي لطائرات التحالف العربي في اليمن بالمعلومات والذخائر. أضف إلى ذلك سرعة القرار الأمريكي في توجيه ضربة صاروخية إلى مطار الشعيرات التي اعتقدت الولايات المتحدة أن الطائرات التي استخدمت الأسلحة الكيماوية في مدينة خان شيخون انطلقت منه.

وفي البيان الذي أصدره ترامب بشأن زيارته الأولى خارج الولايات المتحدة والتي شملت السعودية وإسرائيل والفاتيكان، أشار إلى أن هدفه من زيارة السعودية هو "تأسيس قواعد جديدة للتعاون والدعم مع حلفائنا المسلمين لمواجهة التطرف والإرهاب والعنف، ولتوفير مستقبل أكثر أملاً وعدلاً للشباب المسلم في بلاده. مهمتنا ليست الإملاء على الآخرين كيف يعيشون حياتهم، بل بناء تحالف من الأصدقاء والشركاء الذين يشاركوننا هدف محاربة الإرهاب وتحقيق الأمان والفرص والاستقرار في الشرق الأوسط الذي يدمره الإرهاب".

ومع الأخذ في الاعتبار بهذه العناصر الإيجابية، إلا أنه من الضروري وضعها في إطار فهم الرئيس ترامب للمصالح الأمريكية واعتبارات الأمن الأمريكي، وتحديدًا تلك المتعلقة بموضوع المشاركة في الأعباء   Burden Sharingوالتي يقصد بها في السياسة الأمريكية ضرورة تحمل الدول الحليفة الغنية كدول الخليج واليابان وكوريا الجنوبية ودول الاتحاد الأوروبي نصيبها من تكلفة الدور الأمريكي في حماية أمنها واستقرارها. وهي فكرة لم يبتكرها ترامب. ولكنه كان أكثر الرؤساء الأمريكيين صراحة في الحديث عنها وإصرارًا على ضرورة أن تتقاضي الولايات المتحدة المقابل المادي عن دورها في حماية حلفائها وتأمينهم. ويتضح هذا المعنى بشكل جلي في تصريحات ترامب كمرشح للرئاسة وكرئيس. فخلال حملته الانتخابية، أشار إلى هذا الموضوع أكثر من مرة، فذكر في 16 أغسطس 2015م، أثناء مقابلة مع قناة NBC، أن "السعودية دولة ثرية وعليها أن تدفع المال لأمريكا مقابل ما تحصل عليه منها سياسيًا وأمنيًا". وكرر نفس المعني في 7 يناير 2016م، أثناء مقابلة مع شبكة CNN، قائلاً "إن السعودية دولة ثرية وعليها أن تدفع المال لأمريكا لحماية المملكة من إيران". وقال في 26 سبتمبر 2016م، خلال المناظرة الانتخابية الأولى مع المرشحة الديمقراطية "هل تتخيلون أننا ندافع عن السعودية دون مقابل وهم لا يدفعون لنا شيئًا"، ثم أشار خلال المناظرة الانتخابية الثالثة في 20 أكتوبر 2016م، إلى أن "أمريكا تحمي السعودية الغنية بأموال طائلة ولكنها لا تدفع لنا شيئًا، وعليها دفع مبالغ مقابل حمايتها".

ولم يتوقف ترامب عن تكرار هذا المعنى بعد توليه الرئاسة في يناير 2017م، ففي 27 أبريل خلال مقابلة مع وكالة رويترز الإخبارية، أفصح عن ضجره بحجم التعاملات المالية السعودية مع أمريكا وقال "بصراحة.. إن السعودية لم تعاملنا بعدالة، لأننا نخسر كمًا هائلاً من المال للدفاع عنها". ويشير هذا صراحة إلى رغبة ترامب في زيادة صفقات المملكة مع الشركات الأمريكية، يدل على ذلك ما ورد في البيان الذي أصدره البيت الأبيض في 15 مارس 2017م، في أعقاب استقبال ترامب لولي ولي العهد السعودي، من دعم الرئيس لبرنامج أمريكي سعودي جديد يركز على الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا، باستثمارات تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار خلال الفترة 2017-2021م.

إن تحليل تصريحات ومواقف الرئيس ترامب والأعضاء البارزين في إدارته تشير إلى أن الولايات المتحدة تسعى لاستعادة موقعها المركزي على خريطة الشرق الأوسط وأن تسترجع نفوذها ومكانتها التي اهتزت بسبب ما تردد بشأن الاتجاه إلى آسيا والاتفاق النووي مع إيران، وإحياء العلاقات الوثيقة مع الحلفاء والشركاء التقليديين، وأنها تعطي الأولوية لقضية الأمن بالمعنى العسكري المباشر وتسعى لإلحاق الهزيمة بأعداء الولايات المتحدة وفي مقدمتهم تنظيم داعش، وأنها تركز على الأداة العسكرية في تحقيق أهدافها، ومن ثم تعقد صفقات سلاح كبيرة مع دول الخليج لدعم قدراتها العسكرية ولتشغيل مصانعها.

ويبقى بعد ذلك المعنى الذي كرره ترامب بشكل منتظم وهو ضرورة المشاركة في تحمل أعباء الأمن وأن أمريكا لن توفر الأمن أو الحماية بدون مقابل. وهذا القول رغم ما يبدو عليه من وجاهة فإنه يستند إلى مغالطة، فالولايات المتحدة لا تحمي أمن حلفائها في العالم "حبًا فيهم أو لوجه الله"، وليس تعبير عن قيم أخلاقية أو مبادئ مثالية، وإنما تفعل ذلك دفاعًا عن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، وكرمز لقيادتها للعالم الغربي في فترة الحرب الباردة، وكتعبير عن تربعها على قمة العالم في السنوات التالية لتفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة.

ومما لاشك فيه أن العلاقات الخليجية الأمريكية تمتعت بقدر كبير من القوة والصلابة على مدى عقود –استثناء السنوات الأخيرة من عهد الرئيس أوباما-، ومن الأرجح أنها سوف تشهد مزيدًا من التقدم وتأكيد المصالح المشتركة في السنوات القادمة. ولكن من الضروري الإشارة إلى أن العلاقات بين الدول هي علاقات مصالح متبادلة، ومصالح الدول لا تتطابق تمامًا، فمثلاً فإن للرئيس ترامب اجتهادات بشأن حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يختلف مع حل الدولتين الذي أكده مؤتمر القمة العربي في الأردن 2017م، وعن المبادرة العربية للسلام. وينطبق نفس الشيء على قضايا أخرى، وكما تغيرت السياسة الأمريكية من أوباما إلى ترامب، فإنها يمكن أن تتغير في المستقبل بين ترامب ومن سيخلفه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية – جامعة القاهرة

مجلة آراء حول الخليج