; logged out
الرئيسية / الإعلام الخليجي بن فسطاطين: شركات جاذبة ووسائل حكومية طاردة "إيكولوجيا " الحوار والإعلام الخليجي: زحام في بيئة ضيقة

العدد 121

الإعلام الخليجي بن فسطاطين: شركات جاذبة ووسائل حكومية طاردة "إيكولوجيا " الحوار والإعلام الخليجي: زحام في بيئة ضيقة

الإثنين، 24 تموز/يوليو 2017

يمر المجتمع الإنساني الحالي بتحولات جذرية في بيئة الإتصال والإعلام، فهذا المجتمع في مرحلة تحول من مجتمع يعتبر الإعلام جزءًا من الصناعة إلى مجتمع معلوماتي يعتبر الاتصال والإعلام المحرك الأساس لتفاعلاته. وعند البحث في دور الإعلام في قيادة الرأي العام نحو حوار مجتمعي كما هو عنوان هذا الملف فلن يستطيع الباحث الخروج من هذا المأزق الإتصالي المتحول. وهذا يعني أن الحوار المجتمعي في زمن صناعة الاتصال الجماهيري هو حوار مصنوع وبلغة إعلامية لا يجيدها المتحاورون وهنا تبرز الفوقية والوصاية الاتصالية للوسيلة أو المؤسسة الاعلامية على المتحاورين. نتيجة لذلك نجد أن المؤسسات السيادية للدولة أو المؤسسات الاقتصادية القوية في المجتمع استطاعت التغلب على تلك الفوقية بقوة السيادة أو بقوة الإعلان. وهذا يعني أن أصوات الأفراد والمؤسسات المهمشة ظلت في الهامش بل وحتى تم تجريم بعضها ولم يسمع صوتها. فالأقليات العرقية مثلاً تظهر في صورة أقل من إنسانية أو لتقديم الخدمة أو "التنطيط" على خشبة مسرح   في الترفيه، أو بصيغة إجرامية في معظم التغطيات الإخبارية. وهذا ما ولد صراع عرقي بين الأقليات والأغلبيات في المجتمع الإنساني ولم تفلح المحاولات لخلق توازن في تلك المعادلة الإ مع ظهور حركات حقوق الإنسان وبروز الأقليات كقوة اقتصادية /شرائية وكمشاركين في العمليات السياسية. وهذا لا ينطبق فقط على المجتمعات الغربية بل وحتى المجتمعات التقليدية حول العالم. هذا هو مشهد العالم مع صعود الإعلام الجماهيري كقوة محركة للمجتمع الإنساني وليس فقط كتلة المثقفين في زمن الصحافة المكتوبة مطلع القرن الماضي. والآن نحن نعيش باندهاش بسبب ما فعلته بنا تقنيات الإتصال الحديثة التي ادخلتنا في بيئة إتصالية / إعلامية فوق البيئة الطبيعية التي نعيشها. وهنا هل يكون السؤال عن دور وسائل الإعلام في حياتنا؟ أم عن حياتنا في وسائل الإعلام؟ في إعتقادي الثاني أعمق بكثير لو سعينا لتفكيك رمزيته والدخول في دهاليزه. فنحن اليوم نعيش كالسمك في بيئة الإعلام ولن نعرف هذه البيئة بشكل جيد إلا إذا أصبحنا كالسمك الطائر الذي يخرج من بيئة الماء أو كما أبان لنا الخالق عز وجل عندما يخرج الإنسان من بيئته وفقًا لمعادلة الضغط الجوى فيصبح كمن " يصَعد في السماء". ولهذا تكون الأسئلة هي:

 لماذا نحن بحاجة لمعرفة هذه البيئة؟

وما علاقة تلك البيئة ومعرفتها بالحوار وإدارة الرأي العام في المجتمع الخليجي؟ هذه هي في اعتقادي الأسئلة الأكثر خطورة في ظل غياب التربية الإعلامية في دول الخليج.

دور الإعلام في قيادة الرأي العام نحو حوار مجتمعي إيجابي

قام مجموعة من الباحثين الأوربيين بدراسة مماثلة لما نطرحه في هذا الملف حول تنظيم الساحة الاتصالية الأوربية. فقد قامت كل من جاكي هاريسون وبيرجيت ويسلز (2009م) بتحرير كتاب شارك فيه العديد من الباحثين الأوربيين تحت عنوان " الوساطة الأوربية: دور وسائل الإعلام الجديد والجماهيري في الساحة الاتصالية الأوربية". ولخص هذا العمل أبرز ما يدور في الساحات التعاونية والتحركات المشتركة وحتى الوحدوية مثل مسعى الدول الخليجية. وترى الباحثتان أن أبرز الملاحظات على أجندات وسائل الإعلام في هذه التنظيمات أنها تأثرت بطبيعة وحجم أجندات الدول المشاركة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، أو تلك تعدها وسائل الإعلام عن الدول. وثانيًا أن بيئة الاتصال والإعلام الحديثة أسرع بكثير من وتيرة الدول في مواكبتها. ولذا يمكن تلخيص أبرز الملاحظات على هذا الدور والتفاعل لوسائل الإعلام والسلطات الحكومية الداعمة والمشرفة عليه في النقاط التالية:

  • ساحة الاعلام الخليجي أصبحت منقسمة مهنيًا بين فسطاطين بين شركات من المتميزين في المنتج وجذب الجمهور وبين وسائل حكومية لتمثل الحاضر غير الجاذب. ومع هذا لم تستثمر الحكومات الخليجية في شركات إنتاجية ووسائل إعلام متعددة.
  • التشدد الرقابي على وسائل الإعلام الحكومية أضعف قدرتها التنافسية.
  • استطاعت وسائل الإعلام الحكومي تطوير الوظائف الإعلامية غير الجاذبة مثل التثقيف والتوعية والتعليم في مقابل الذب الإعلاني والجماهيري لبرامج الترفيه.
  • مع اتساع الفجوة التنافسية بين التجاري والحكومي لم تتدخل الحكومات للحد التجاري الذي بات يتجاوز الأخلاقيات والأعراف المهنية للوسيلة.
  • والأهم في هذه القائمة هي أن وسائل الإعلام لا تزال هي التي تمثل السلطة الرابعة، بمعنى أننا لا نزال حتى في طرحنا في هذا الملف أمام سلطة إعلامية لا تزال حاضرة وفي ساحتها الاتصالية.

ايكولوجيا المجتمع المعلوماتي في الخليجي

منذ أن تأسس مجلس التعاون والأحلام المستقبلية تراود أبناءه في كل الميادين بما فيها ميدان الإعلام، ومع هذا لا يزال المجلس يرواح مكانه في الكثير من المناحي التنموية. فعلى سبيل المثال تكشف لنا أساليب الحياة في دولنا وبشكل متناقض حجم الاستهلاك وطبيعة الإنتاج، ففي مؤشرات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تتقدم دول الخليج باستخدام تلك الوسائل في الحوار والتواصل دون العناء العلمي والمعرفي والاستشرافي لتأثير ذلك التسارع في الاستيراد والاستخدام.

ونظرًا لطغيان وسائل التواصل الاجتماعي و أجهزتها الذكية على المجتمعات الإنسانية، وكنتيجة حتمية للتقنية كما يطلق عليها علماء ايكلوجيا الاتصال مثل ماكلوهان و بوستمان، نجد أن كل هذا هو نتيجة لما يسميه علماء الاتصال بالتغير النوعي في النسق المعرفي أو النموذج paradigm shift ، و هذا التحول في بعض المجتمعات هو نتيجة طبيعية حيث أن النموذج المعرفي يتكون من ثلاثة أضلاع رئيسة هي :

  1.  الضلع الوجودي ontology    فيه يظهر للوجود وللعيان ما يبشر أو يحذر أو يحفز للكشف والمعرفة داخل المجتمع بالحوار والممارسة الاتصالية.
  2.  
  3. الضلع المعرفيepistemology   وفيه تتراكم المعارف الإنسانية والمجتمعية حول طبيعة الوجود الإتصالي و الإعلامي و وسائله ورسائله و التطبيقات المؤسسية لتلك المعارف النظرية و المهنية في كافة المجالات و منها الحوار المجتمعي.
  4. الضلع المنهجي methodology   وهذا ضلع يساعد في رسم خارطة الطريق لجمع المعلومات واختبارها والتأكد من صحة فرضياتنا حول الكثير من القضايا بما فيها قضية الحوار المجتمعي. وفيه يتم تطبيق المناهج العلمية وأساليبها الخاصة بالميدان أو استعارتها من ميادين معرفية أخرى.

ولو نظرنا لواقعنا العربي والخليجي تحديدا لأكتشفنا أن علاقتنا بالاعلام ووسائله ينطلق من وجود تقني خارجي يتم استيراده واستيراد معارفه ومنهاجياته. ولذا فإن توظيف الوسائل الإعلامية في بيئة الحوار المجتمعي الخليجي أمر ثانوي لم تستورد من أجله تلك الوسائل ولا يوجد بعد مؤسسي لذلك.

وعند مقارنتنا للمجتمع العربي في جزيرة العرب بل وفي عالمنا العربي حاليًا حتى مع عصر ما قبل الإسلام لأكتشفنا أننا لا نملك ساحات للحوار المجتمعي. فقد أضعنا تلك الأسواق بقراءة قاصرة , إنها للشعر والمتعة والبيع والشراء. وهي ساحات ثقافية محلية يتم فيها تحديد الأجندات الاتصالية وأبرز فرسانها. واليوم ساحاتنا للحوار هي إعلامية بامتياز. ولم تكن ساحات مفتوحة للجميع في الزمن الجماهيري وغير منضبطة منهجيًا في زمن التواصل الاجتماعي.

والصورة الإتصالية في المشهد العالمي المتقدم تتسق مع متطلبات وتطلعات المشاركين في الحوار المجتمعي، ولدينا لا تزال العجلة بطيئة لتستوعب طبيعة الحراك المجتمعي في ظل التقني فيقود للصدام المعرفي والصراخ الاتصالي والنتيجة التي تم استشرافها منهجيًا هي الصدام الإتصالي الذي وظفه الغرب بامتياز في مجتمعاتنا التقليدية. من ثورة الكاسيت إلى ثورة تويتر والفيس بوك، المشهد يتكرر والنتيجة واحدة.

النسق المؤسسي للحوار الخليجي

حرصت دول الخليج العربية عند تكوين النسق التعاوني أن تكون له أدوات وأذرع اتصالية وإعلامية لتسد الفجوة في غياب ساحات الشأن العام. وتمكن المجلس في بداياته من أن يستفيد من التجارب العالمية ويوظفها في رؤية محلية. فعند تكوين أبرز مؤسسات المجلس الإعلامية انحصرت شهرتها في منتج واحد وتراجع إلى ذكرى وردية تحلم المؤسسة باستعادة مجدها بتجديد إنتاجه:

   جدول يوضح نماذج من المنتجات الإعلامية الخليجية المشتركة

م

المؤسسة

 المنتج الأبرز

الراهن الاتصالي

1

الأمانة العامة

مجلة التعاون

تراجع عام لكل الورقي , وغياب اتصالي مؤسسي و أكاديمي

2

مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك

 

  1. برنامج افتح يا سمسم التعليمي وبالتعاون مع مكتب التربية لدول المجلس
  2. برنامج سلامتك بالتعاون مع مكتب وزراء الصحة بالمجلس

حققت تلك البرامج شهرة وحضورًا جماهيريًا لم تستطع المؤسسة منافسته، فهو سجل نجاحًا تسعى لاستعادته عبر إعادة إنتاج البرامج

3

مركزالتراث الشعبي

مجلة المأثورات الشعبية

مجلة علمية حققت شهرة واسعة ومن ثم توقفت عن الصدور بعد تصفية المكتب الخليجي 2005 م، وعادت للصدور كمجلة قطرية عام 2011 وبعد توقف دام ست سنوات

 

إعلام الحوار المجتمعي الخليجي: غرس في عالم متوحش

لا يزال الحلم الوحدوي الخليجي يعاود الظهور بين الحين والآخر، ولكن أزمة الكشف عن دور قطري تآمري في زعزعة السلم والاستقرار في الدول الأعضاء خاصة القى بظلاله ليس فقط على البرامج المشتركة، ولكن على استقطاب أجندة خارجية لحراك اتصالي وتفسيره وتحديد القائم به. فإعلام ما يسمى بالربيع العربي لم يأت من فراغ، إنما هو جزء من صناعة إعلامية تراكمية يطلق عليها عالم الاتصال الأمريكي جورج غربنر عمليات     " الغرس الثقافي "   Cultivation Process ، وهذا الغرس يتم وفق معايير وأجندات تم التفكير فيها مسبقًا و يفترض بها أنها تتدفق و تنساب بيسر و سهولة في طيات وثنايا الثقافة المحلية باسم الوظيفة الترفيهية و لكن الواقع هو تطبيق لوظائف إعلامية أخرى منها الإخبار و مراقبة البيئة والتحذير من مخاطرها. فما هي النتيجة التي وجدها غربنر وهي تصنع بشكل تراكمي مخيف. وجد ما أسماه بـ " متلازمة العالم المتوحش" Mean World Syndrome ، و يقصد بها  خلق حالة من الخوف و الهلع من الواقع و المستقبل .فتغطية أخبار الإرهاب و خاصة جرائم داعش الإرهابية في العراق و سوريا ؛هي تجسيد لتلك الرسائل الاستخبارية في شكل رسائل إخبارية متلفزة. والنتيجة ماذا؟ خوف من المجهول ظهور مفاجئ للتنظيم الإرهابي وهزيمة واختفاء بدون أثر سوى أرتال من المعدات تغادر الموصل لتظهر في مكان ما. فعالمنا العربي مثلا في العراق لن يعود مكانًا آمنًا للعراقي السني وربما لبقية الأقليات طالما أظهرت مليشيات الحشد الشعبي الإرهابية ذات التطبيقات لمفاهيم متلازمة العالم المتوحش. وإذا كان الخوف هو النتيجة وهو الحاصل مع التهم الموجهة لدولة قطر من مجموعة دول عربية فهي تمثل هذا العالم المتوحش لم يعد من خلال منتجات شاذة كالتنظيمات الإرهابية وإنما من خلال دول كنا نظن لسنوات أنها دول حامية للظهر العربي فإذا بسكين الغدر تخترق ذلك الظهر العربي.

الحوار الخليجي قبل اتهام قطر بالإرهاب لن يكون كما هو بعده. فمتلازمة العالم المتوحش توجب أجندة جديدة أبعد من ثقافة محلية كانت تقوم على الاتصال القبلي المعروف بـ "الجاهة" وينتهي بتقبيل الرؤوس والأنوف. هذه الاستراتيجية الاتصالية لا تفيد في ثقافة المرور بأمان من نفق الأزمة. هذا المرور يتطلب حوارًا جادًا على مستوى القيادة والشعب. فهي المرة الأولى أن نرى ونسمع سجالاً قبليًا يقسم أبناء قبيلة واحدة بين قطر والسعودية مثلاً.

كل هذا التحول في ايكولوجيا الاتصال في بيئتنا الخليجية حولها من بيئة جاذبة آمنة تقليدية  إلى بيئة طاردة مخيفة وتآمرية بين بعضها. بل أن حدود التآمر تجاوزت المنطق السياسي والاستراتيجي فدولة خليجية تستقوي بمستعمر توسعي سابق مثل تركيا وإيران على حساب خلاف مع شقيق خليجي. وهنا تكون خلاصة القول إن بوصلة الحوار الخليجية لا تعرف الاتجاهات المناسبة ويحتاج المجتمع إلى ما هو أبعد من البوصلة أو علامات النجوم لكي يهتدوا إلى طريق المستقبل السليم. فاستدراج دول الخليج للصدام بات أمرًا واضحًا ورسائله تصنعها أقلام وافدة أو ذات أجندة غير محلية فجرفت معها الأقلام المحلية في تيار تصادمي ولم تضع في طريقه محطات الحوار والتصالح وهنا تحول مجتمعنا إلى جزء من متلازمة العالم المتوحش صناعة هوليود أو معامل المخابرات الاتصالية لتطبيقات علم النفس السلوكي.

معادلة التربية الإتصالية الخليجية

قامت بعض الأغنيات الخليجية مثل " خليجنا واحد" او "أنا الخليجي" بدور تربوي في فترة سابقة. فكانت رسالة للوحدة الخليجية وهي رسالة للتربية الاتصالية لبناء الخليج. أما على المستوى التربوي في مدارس الخليج فهناك بعض الغياب أو الحضور غير المؤثر للرسالة الخليجية بين طلاب المدارس. والسبب يعود أيضًا لضعف رسائل التربية الوطنية القطرية ليس الإقليمية فقط. وهنا تدخل وسائل الإعلام لخلق ثقافة جماهيرية تربوية في مسعى ترفيهي موسمي وبعدها تختفي وتغيب. ونجد أن دول تداركت هذا الحضور الموسمي مع القمم الخليجية فأوجدت العديد من البرامج الإتصالية المساندة مثل إذاعة صوت الخليج وتبادل المذيعين والتعاون على مستوى وكالات الأنباء والدورات التدريبية المشتركة للإعلاميين. وجميع هذه الجهود مثل قطرة في بحر من الغياب الإتصالي الذي لا يلقى حتى الاهتمام إلا من قائمة المنتدبين للعمل أو المعلنين النادرين. فالحضور الإتصالي هو على المستوى التجاري. فنجد قنوات مثل mbc حينما تبث برامج اليوم الوطني السعودي من أبو ظبي أو دبي أو الإمارات من الرياض فهي تقدم رسائل في التربية الاتصالية ليس للمواطن الخليجي وإنما للمقيم.

السؤال الآن هل الصورة الخليجية في الحوار المحلي والإقليمي والدولي عن الشأن الخليجي يعكس صورة وحدوية أم وهم وحدوى عاشه المواطن زمن الأزمات إلى أن جاء ت أزمة محلية عصفت به. لقد كانت رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في قمة الرياض الخليجية وأكدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للانتقال من حال التعاون للاتحاد هي الأقرب لطموح المواطن الخليجي. وهنا تكمن قوة المواطنة الخليجية في هذه البيئة الدولية والإقليمية غير المستقرة. فهي مواطنة تطمح بالأمن والاستقرار نتيجة لصورة في عالم عربي مضطرب.

معوقات الحوار الخليجي واستشراف مستقبله

كل أكاديمي وإعلامي مهني يعرف جيدًا أن الاتصال والإعلام هو عبارة عن عمليات process   وليس اتصال خطي أفقي من مرسل إلى مستقبل. فاعلية الاتصال ونجاحه في فك الرموز وعودة الجواب الاتصالي. وهنا تكمن الخطورة. فإدارة تلك العمليات الاتصالية هي بيد من يملك ويدير الوسيلة كما يظن القائم بالاتصال الحكومي أو التجاري. ولكن المتأمل في المشهد العام يجد أن المتلقى قد مارس حقه الاتصالي بالعزوف وعدم الاكتراث بالإعلام الحكومي وبات يتلقى اخباره من قنوات وافدة وبأجندة وافدة تحت مسمى الإعلام الدولي. ويتمثل في قنوات مثلBBC    البريطانية روسيا اليوم والحرة الأمريكية وشقيقتها CNN والفرنسية 24 والألمانية DW. وهكذا عاد المواطن الخليجي والعربي إلى حقبة الستينيات من القرن الماضي حيث وسائل إعلام الغرب هي مصدر المعلومة. واليوم لدينا الوسائل ونفتقد المصداقية بسبب مواقف مسبقة من الوسيلة والجمهور.

وعند النظر إلى تلك العوائق نجد أنها لا تخرج عما طرح قبل نصف قرن تقريبًا وهي عوائق مهنية ومالية وإبداعية وقانونية ورقابية. وكلها تجتمع في بيئة واحدة وطاردة للكفاءآت التي تستقطبها الوسائل التجارية فتقتل ابداعها واستقلاليتها تحت مفاهيم الضغوط الإعلامية.

فالحوار بين الثقافات والأديان ينطلق من دول الخليج ويستقر في الغرب. فحوار الأديان عبر مركز الملك عبد الله استقر في فينا ورأينا منه نخبوية الطرح وبقيت مواقف أطرافه. ومع ذلك الوصول إلى شباب الجامعات وخاصة في فصول الجدل الاتصالي Debates   بقى منتظرًا.

وفي مثال آخر حوار الأديان والثقافات البحريني استقر في جنوب كليفورنيا الأمريكية ولم تظهر نتائجه على الساحة البحرينية. مع العلم أن البحرين مهيأ إلى طرح نموذج في الاتصال البين ثقافي Intercultural Communication وذلك عبر تبني نموذج اتصالي يتجاوز الحوار السني والشيعي إلى حوار يكشف صورة مجتمع البحرين المتسامح مع كل المعتقدات حتى التي لا يمكن قبولها في بعض الدول العربية والإسلامية.

المستقبل يجب ألا يكون قاتمًا أبدًا، وعلينا تذكر أن من صنع هذا العالم المتوحش هو غيرنا ولكننا استوردناه فكرًا أو ممارسة. ولن يصلح حالنا ما لم تصلح بيئتنا الاتصالية. وبالعودة إلى فكر الأسواق الجاهلية فهاهي تعود بنفس الصيغة الجاهلية المتجددة بالتركيز على الشعر ولكن الجمهور الشبابي لم يعد يكترث بالنابغة أو التردد على خباءه النقدي. بل ربما لا يعرف عنه شيئًا ولا يريد. فبدائل الغرب والشرق جذبًا. وهنا نافذة استعادة جمهورنا المحلي بالكلمة السحرية "إبداع يستحق المتابعة" وستبقى وسائلنا تبث المزيد من التلوث الرقمي.

 

 

مجلة آراء حول الخليج