array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 121

المنطقة شهدت 59 صراعًا في 70 سنة و 60 % من مصابي الحروب من منطقتنا الآثار الاقتصادية للإرهاب: زيادة الفقر والتضخم وانخفاض الناتج وضعف الأمان المجتمعي

الإثنين، 24 تموز/يوليو 2017

منذ أحداث الربيع العربي في أوائل العام 2011م، تعرضت منطقتنا لاضطرابات لم تعهدها من قبل، سواء بسبب الصراعات الداخلية في عدد من الدول العربية،أو بسبب ظهور التنظيمات والجماعات الإرهابية المسلحة، مثل داعش، التي احتلت مناطق داخل العراق وسوريا وليبيا وامتد نشاطها الإرهابي إلى دول الجوار.

ورغم تعدد أعباء هذه الصراعات من اضطرابات سياسية واختلالات اجتماعية وتدهور ثقافي، إلا أن التكلفة الاقتصادية كانت باهظة وعلى رأسها إزهاق الأرواح والتدمير الذي طال المباني والجسور والمنشآت فضلا عن حالات الركود والتضخم وتدهور الأوضاع المالية والتمويلية وخسائر مؤسسية أخرى.

ورغم مرور فترة قصيرة منذ أحداث الربيع العربي عام 2011م، حتى الآن، إلا أن تلك الصراعات قد أحدثت تغييرات أساسية في مختلف الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بدول المنطقة، بل طالت دول الجوار، مثل تركيا ودول أوروبية من خلال أحداث العنف والارهاب أو من خلال تدفق أعداد المهاجرين خاصة السوريين إلى الدول العربية المجاورة، ودول أخرى مثل تركيا وأوروبا.

المنطقة العربية هي أكثر مناطق العالم اضطرابًا:

وكما تشير أحد تقارير صندوق النقد الدولي (IMF 2016) فإنه خلال الفترة 1946-2015م، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 59 صراعًا، منها 12 صراعًا استمرت لأكثر من 8 سنوات، وأدى ذلك إلى أن 40% من أعداد الموتى بسبب الحروب في العالم ونحو 60% من المصابين كان من نصيب منطقتنا منذ بداية الألفية الأخيرة.

من ناحية أخرى فإن التكاليف الاقتصادية لا تقتصر على الدول التي تتأثر بالإرهاب بشكل مباشر، حيث أن 10 ملايين من المهاجرين المسجلين لدى المفوضية العليا للمهاجرين التابعة للأمم المتحدة نزحوا إلى الدول المجاورة، وشكلت نسبة المهاجرين ربع سكان لبنان، وعشر سكان الأردن، مما تسبب في ضغوط على الموازنات العامة وعلى المرافق والبنية الأساسية، وعلى أسواق العمل والأجور وخدمات الإسكان.

كما تمتد آثار عدم الاستقرار إلى الأنشطة التجارية، وتؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين والمستهلكين، ومما زاد من سوء الأوضاع تدهور أسعار البترول وانعكاسات ذلك على الأوضاع الاقتصادية.

وقد تميز الصراع في المنطقة بأنه أصبح مترسخًا فضلا عن طول فترات عدم الاستقرار منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن بالمقارنة بمناطق العالم الأخرى.

ورغم فداحة التكاليف الناجمة عن الخسائر في البشر إلا أن الآثار الاقتصادية الأخرى لا تقل عنها، لأنها تؤثر في النهاية على حياة البشر ومستوى معيشتهم، وذلك نتيجة لعدم الاستقرار في الإقليم وطول فترة الاضطرابات وتأثيرها السلبي على احتمالات التنمية طويلة الأجل.

أهم مجالات الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الإرهاب في المنطقة:

  • التأثير سلبًا على معدلات النمو الاقتصادي

تتمثل أهم الآثار الاقتصادية لتفشي ظاهرة الإرهاب في المنطقة العربية في تراجع معدلات النمو الاقتصادي، نتيجة تشتت جهود التنمية، وما يحدث من خسائر في عناصر البنية الأساسية والأصول الإنتاجية، والموارد البشرية، فالتنمية بطبيعتها تحتاج إلى حد أدنى من الجهد التنموي ممثلاً في معدل الاستثمار أو التكوين الرأسمالي لا يقل عن 25-30% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى احتياجات رأس المال البشري في التعليم والرعاية الصحية، والتي لا تقل أهمية عن رأس المال المادي والتكوين الرأسمالي.

 كما تتأثر جهود التنمية سلبًا بسبب ارتفاع فاتورة الإنفاق العسكري في مواجهة ما يترتب على الإرهاب من صراعات وحروب محلية، وما يتطلبه من حشد للدفاع عن استقرار البلاد والدفاع عن المواطنين، فالاقتصاد السوري مثلاً تعرض لتراجع حاد حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بعد مرور 4 سنوات من الصراع إلى نصف ما كان عليه عام 2010م، وخسرت اليمن ما بين 25-35% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015م، وانخفض في ليبيا بنحو 25% رغم اعتمادها على الصادرات البترولية.

وكما يشير البنك الدولي فإن تأثير عدم الاستقرار وأحداث الإرهاب في المنطقة كان واضحًا، ويعطي مثالاً للخسائر الاقتصادية في غزة والضفة الغربية حيث لم تتحسن الأوضاع المعيشية المتردية للسكان طيلة 20 عامًا، في حين حققت باقي دول المنطقة معدلات نمو أقل مما كان متوقعًا، خلال نفس الفترة (World Bank) وهو ما يؤكد أن تأثير الإرهاب والصراعات المسلحة يختلف بحسب نوع الصراع والفترة الزمنية والنطاق الجغرافي للصراع.

  • تفاقم الاتجاهات التضخمية

لا تقل الاتجاهات التضخمية تأثيرًا على مستويات المعيشة والتنمية عن انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، فالتضخم يؤثر سلبًا على القوة الشرائية للدخول النقدية، ومن ثم على مستوى المعيشة، كما أنه يعيد توزيع الدخل والثروة لصالح الفئات ذات الدخول المتغيرة، ويضر بمستويات معيشة غالبية السكان من أصحاب الدخول التعاقدية كالأجور، ويؤثر سلبًا على نمط تخصيص الموارد ويضر بمعدلات الادخار والاستثمار.

ويتم تغذية الاتجاهات التضخمية وارتفاعات الأسعار نتيجة لزيادة الإنفاق العسكري الذي لا يضيف في الحقيقة الكثير للطاقات الانتاجية، ولا يسفر عن زيادات في الناتج المحلي الإجمالي، ذلك أنه إما أن يمثل تسربات من تيار الإنفاق المحلي إلى الخارج في شكل واردات الأسلحة والمعدات أو زيادة في الإنفاق الاستهلاكي من جانب الحكومة، إضافة إلى تأثيره السلبي على معدلات الصرف الأجنبي وتدهور أسعار العملات الوطنية في مقابل العملات الأجنبية.

 وتعطي سوريا مثالاً صارخًا للاتجاهات التضخمية التي ارتفعت إلى أكثر من 300% ما بين مارس 2011م، ومايو 2015م، كما أن سعر الليرة السورية هبطت إلى عشر قيمتها قبل الصراع،  ويأتي ذلك من أن الاتجاهات التضخمية تشكل بطبيعتها ضغوطًا على تخفيض قيمة العملات الوطنية، وحتى في حال تسعى الحكومات إلى مواجهة ذلك من خلال التدخل  المباشر والمفرط وإصدار النظم أو فرض قيود على المعاملات الخارجية، فإن هذه الإجراءات تزيد الوضع تعقيدًا، مما قد تضطر معه الحكومات في نهاية الأمر إلى تحرير سعر الصرف الأجنبي كما فعلت سوريا عام 2013م، وكما حدث في مصر مؤخرًا في نوفمبر 2016م، وأدى إلى انخفاض قيمة الجنية إلى أكثر من 60% من قيمته عقب التحرير وحتى الآن.

ومما لا شك فيه أن تخفيض قيمة العملة الوطنية إلى هذه المستويات يسفر عن تفاقم الاتجاهات التضخمية في الداخل، في الأجل القصير، بسبب ارتفاع نسبة الواردات من السلع الاستهلاكية النهائية، والسلع الوسيطة، والسلع الرأسمالية، في مجمل الناتج المحلي الإجمالي، في حين يطول الوقت قبل أن تستجيب الصادرات الوطنية لأية زيادة قد تحدث في الطلب العالمي على المنتجات الوطنية بسبب تخفيض قيمة العملة المحلية، ومن ثم انخفاض سعر السلع المحلية المصدرة مقدرة بالعملات الأجنبية.

كما تتعرض المناطق المتاخمة للعراق لموجة من المهاجرين والنازحين دفعت بمعدلات التضخم للارتفاع خاصة في مجال إيجارات المساكن، والمنتجات الغذائية التي يزيد الطلب عليها دونما زيادات مواتية في المعروض منها.

وعلى المستوى الكلي لدول المنطقة (MENA) فإن دراسة صندوق النقد الدولي IMF 2016 والتي شملت عددًا كبيرًا من دول العالم (179 دولة) منها دول المنطقة، خلال فترة 1970-2014م. تؤكد أن الصراعات المسلحة والأحداث الإرهابية قد أثرتا سلبًا على معدلات النمو الاقتصادي وعلى مستويات الأسعار (التضخم). وأن خسائر دول المنطقة فيما يتعلق بمعدل النمو الاقتصادي تبلغ ضعف نظيراتها في الدول الصاعدة والدول منخفضة الدخل.

 كذلك الحال فيما يتعلق بمعدلات ارتفاع الأسعار حيث زادت الأسعار في دول المنطقة بمقدار 2.3 نقطة مئوية بالمقارنة بباقي الدول، التي زادت فيها مستويات الأسعار بمعدل 1.3 نقطة مئوية نتيجة الصراعات المسلحة.

كذلك أدت طول فترة الصراعات والإرهاب في دول المنطقة إلى ارتفاع الخسائر الاقتصادية، فبعد ثلاث سنوات من الصراع خسرت دول المنطقة في المتوسط ما بين 5 – 16 نقطة مئوية في معدل النمو الاقتصادي بالمقارنة بخسارة تبلغ ما بين 4-6 نقطة مئوية على المستوى العالمي بسبب طول فترة الصراع وعدم الاستقرار.

  • التأثير السلبي على الدول المجاورة

لا يقتصر الأثر الاقتصادي للإرهاب في المنطقة على دول بعينها، ولا تختص به الدول التي تعيش صراعات مسلحة، كما هو الحال في سوريا واليمن والعراق وليبيا، فقد تعرضت الكثير من دول المنطقة لأحداث إرهابية متنوعة شملت السعودية، والبحرين، ومصر، وتونس والصومال.

وقد تأثرت دول مثل الأردن ولبنان بشكل غير مباشر نتيجة الجوار المباشر لكل من العراق وسوريا، اللتان تشهدان صراعات مسلحة، ومواجهات مباشرة مع الإرهاب، ومع المنظمات الإرهابية، حيث شهد معدل النمو الاقتصادي في البلدين انخفاضًا بما لا يقل عن درجة واحدة مئوية.

ولا يقتصر الأمر على المناطق المتاخمة لدول المنطقة التي تشهد صراعات مسلحة، وتفرز نزوحًا سكانيًا واسعًا، بل إن دولة مثل مصر تعرضت لضغوطات من هذا النوع نتيجة الهجرة الواسعة من العراقيين إبان حرب تحرير الكويت، أو ما عرفت بحرب الخليج الثانية 1991م، كما أن الأمر كان جليًا مع هجرة السوريين عقب الصراع والأحداث الأخيرة، حيث تضغط هذه الأعداد بشدة على إيجارات المساكن وأسعار المنتجات الغذائية، فضلا عن المزاحمات على فرص العمل والأعمال في القطاعات غير النظامية.

كما تعرضت لبنان لنفس الآثار، وتراجع معدل النمو الاقتصادي فيها إلى مستويات متدنية عقب أحداث الربيع العربي، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي 2.8% عام 2012م، ومعدل 2.5% عام 2013 بالمقارنة بنحو 9% خلال الفترة 2007-2010م، فضلاً عن ارتفاع أسعار المساكن والمواد الغذائية.

كيف تحدث الخسائر الاقتصادية نتيجة الصراعات المسلحة

تؤثر أحداث الصراعات المسلحة والأحداث الإرهابية على معدلات النمو الاقتصادي بشكل مباشر نتيجة تأثيرها السلبي على تخصيص الموارد المتاحة، بشرية كانت أو طبيعية، أو أصول إنتاجية، كما تؤثر على مستويات التكوين الرأسمالي بشقيه المادي (الأصول المادية الإنتاجية من مكائن وآلات ومعدات وتجهيزات)، والبشري (التعليم والتدريب والرعاية الصحية)، فضلا عن الانتاجية الكلية للعناصر.

وقد أفادت التقارير الاقتصادية التي صدرت في عام 1992م، بأن الخسائر المادية التي لحقت بالاقتصاد العربي نتيجة غزو العراق للكويت بلغت نحو 620 مليار دولار، دون حساب الآثار البعيدة المدى.

وتسبب الغزو العراقي في خسائر بشرية ومادية فادحة للكويت، وحسب الأرقام الرسمية الكويتية فإن الغزو أدى إلى مقتل 570 شخصًا ونحو 605 من "الأسرى والمفقودين"، وخلف خسائر وأضرارًا هائلة تمثلت في إشعال 752 بئرًا نفطية مما أنتج كوارث بيئية جسيمة وأوقف إنتاج النفط مدة طويلة.

وكما تشير سجلات حرب الخليج الثانية فقد دمر القصف الجوي لقوات التحالف مرافق البنية التحتية العراقية مثل المدارس والمعاهد والجامعات، ومراكز الاتصالات والبث الإذاعي والتلفزيوني، ومنشآت تكرير وتوزيع النفط والموانئ، والجسور والسكك الحديدية، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتصفية المياه. وبلغ عدد المنشآت الحكومية التي دمرت تدميرًا كاملا 8230 منشأة، والمنشآت التي تضررت ضررًا جزئيًا أكثر من 2000م، إضافة إلى تدمير أو تضرر أكثر من 20 ألف وحدة سكنية وتجارية أهلية.

وعلى مستوى دول المنطقة أدت هذه الصرعات إلى فقدان الثقة بسبب عدم توافر الأمن، سواء لأسباب موضوعية، أو حتى في صورة نفسية، ومن ناحية أخرى تؤدي ظروف عدم الاستقرار إلى الإضرار بالتكافل الاجتماعي، والتأثير سلبًا على كفاءة وجودة المؤسسات والتي تؤدي معًا إلى تعقيد عملية اتخاذ القرارات.

تتأثر الأوضاع الاقتصادية بأحداث الإرهاب والصراعات المسلحة من خلال أربع قنوات أساسية هي:

  • الخسائر البشرية والهجرة

تؤثر الخسائر في البشر على الأوضاع الاقتصادية بما لها من تأثير قوي على القدرات الانتاجية وتخصيص الموارد والتأثير السلبي على الإنتاجية، وما تؤدي إليه من نقص في الموارد المخصصة لأغراض التنمية، لحساب مجهودات المن والدفاع، خاصة وأن جانبًا كبيرًا من المهاجرين أو النازحين والقتلى من العمالة الماهرة مما يضعف من قوة العمل ويشكل استنزافًا للعقول.

من ناحية أخرى فان الصراعات المحلية والإقليمية تقلل من القدرات البشرية أو رأس المال البشري فضلاً نشر الفقر، حيث تتدهور مستويات التعليم والرعاية الصحية، وتزداد خطورة هذه الآثار السلبية مع طول فترة عدم الاستقرار.

وتعطي سوريا مثلاً صارخًا على ذلك حيث ارتفعت نسبة البطالة من 8.4%عام 2010م، إلى 50% عام 2013م، وزادت نسبة التسرب من التعليم بشكل كبير إلى 52%، كما تراجعت الأحوال الصحية كثيرًا، كما يتضح من تراجع سنوات العمر المتوقع عند الميلاد من 76 عام قبل الصراع إلى 56 عامًا في 2014م.

وفي اليمن التي تعاني أساسًا من حدة الفقر، ارتفع معدل الفقر بين السكان من 50% قبل اندلاع الصراع أواخر2014م، ومطلع 2015، إلى 80% من السكان، أصبحوا في حاجة إلى مساعدات إنسانية، كما تشير تقديرات الأمم المتحدة، وارتفع معدل الفقر في العراق من 19.8% عام 2012م، إلى 23%عام 2014م.

وتؤثر ظاهرة النزوح والهجرة على الأوضاع الاقتصادية سواء بالنسبة لدول المهجر أو بالنسبة للمهاجرين، الذين يجدون أنفسهم دون مأوى، وبدون ممتلكات، ويتحولون إلى معالين في حاجة إلى إعالة كاملة، نتيجة القيود المفروضة على تحركاتهم، وصعوبة الحصول على فرصة عمل، وعدم سهولة الحصول على الخدمات الصحية أو التعليم، فضلا عن التأثيرات السلبية على قدراتهم  العملية وإنتاجيتهم، ففي الأردن مثلاً يوجد 600000 سوري يعملون بشكل غير قانوني، بالمقارنة بنحو 160000 ألف يعملون في أعمال رسمية أو في الاقتصاد الرسمي وذلك عام 2014م.

أما من حيث التأثير على الدول المضيفة للمهاجرين فإن أبعادها الاقتصادية كانت مؤثرة في المنطقة بشكل كبير عن باقي مناطق العالم التي شهدت صراعات مماثلة، فعلى عكس التجربة الأوروبية، نلاحظ أن التجربة اللبنانية تشير إلى ارتفاع العمالة غير الرسمية بين المهاجرين، مما أدى إلى انخفاض الأجور وقلة فرص العمل للسكان الأصليين، وانخفاض مساهمتهم في قوة العمل.

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الحرب في سوريا قد أدت إلى الدفع بنحو 170000 سوري إلى مصيدة الفقر، في حين دفعت الحرب بالفقراء أصلا إلى مستويات أعلى من الفقر المدقع والعوز world bank (2015).

كما تؤدي الهجرة إلى الضغط على الخدمات الاجتماعية خاصة التعليم والصحة والتي قد لا تكون كافية في الأصل لاحتياجات السكان، فبينما نجحت لبنان في استيعاب نحو نصف الأطفال السوريين المهاجرين في مدارسها الحكومية، إلا أن ذلك كان على حساب ارتفاع كثافة الأطفال في الفصول الدراسية، إضافة إلى عدم التدريب المناسب للمدرسين، مما أثر سلبًا على جودة العملية التعليمية.

  • تدمير جانب من رأس المال المادي وعناصر البنية التحتية

تؤدي الصراعات وعدم الاستقرار إلى التأثير سلبيًا على رأس المال المادي وعناصر البنية الأساسية وتضر بالإنتاج والتجارة، وذلك من خلال ما تحدثه الصراعات والنزاعات العسكرية والأعمال الإرهابية من تدمير للمنشآت والصناعات والأسواق والبنية التحتية.

ويقدر المركز السوري لأبحاث السياسات تكلفة الخسارة في رأس المال المادي والأصول الانتاجية التي لحقت بالاقتصاد السوري نتيجة الصراع المسلح بها، بنحو 137.7 مليون دولار (أو ما يعادل 230% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الحرب)، سواء بسبب التدمير الكلي أو الجزئي للأصول الإنتاجية القائمة، أو الأصول العاطلة أو خسائر استثمارية.

كما يقدر خبراء صندوق النقد الدولي بناء على وسائل الإعلام خسائر اليمن منذ اندلاع الصراع بها في أوائل عام 2015م، بما يزيد عن 20 بليون دولار.

وتؤثر عمليات تدمير الأصول الإنتاجية، بشكل مباشر، على القدرات الإنتاجية والتجارة، ففي ليبيا انخفض إنتاج النفط إلى ربع طاقته الإنتاجية، بسبب انفجارات أنابيب النفط، وإغلاق الكثير من منصات التصدير والموانئ، وكان من نتيجة ذلك تزايد العجز في الميزان الجاري إلى 44% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015م، بعد أن كان يحقق فائض يزيد عن 13.5% عام 2013م، هذا في حين توقف إنتاج النفط في اليمن تمامًا بدءًا من مارس 2015م.

كما توفر نتائج حرب الخليج الثانية أدلة قوية على الآثار التدميرية للحروب في المنطقة، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي في العراق إلى ما يزيد على ثلث المستوى الذي بلغه قبل عام 1991م، وتدمير البنى التحتية الاقتصادية والصناعية للعراق بواسطة القصف الأميركي البريطاني المستمر حتى بعد انتهاء الحرب، وموت أكثر من مليون طفل عراقي دون سن الخامسة نتيجة سوء التغذية وضعف الخدمات الصحية التي خلفها الهجوم العسكري والحصار المستمر.

  • إضعاف الثقة وعدم الأمان في المجتمع مما يزيد من أخطار الاستثمارات ويزيد من تكلفة الأعمال

تؤثر الأعمال الإرهابية والصراعات المحلية على الشعور بعدم الأمان وتقلل من درجة الثقة في الأعمال، وهو ما كان واضحًا ليس فقط في سوريا والعرق بل في مصر وتونس، حيث تزايدت الجرائم عن معدلها المعتاد، مع سعي الحكومات لفرض سيطرتها على أرضيها ومراقبة حدودها، مما يرفع من تكلفة الأعمال ويؤثر سلبًا على معدلات الاستثمار والتشغيل والإنتاج.

من ناحية أخرى ليس من الصعب إدراك التأثير السلبي لعدم الاستقرار على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى دول المنطقة، حيث توقفت تلك الاستثمارات تمامًا عن سوريا، وتعاني مصر من تراجع حاد في تلك الاستثمارات. كما تؤثر الأعمال الإرهابية على مخاطر الاستثمار وتراجع المدخرات وعدم استقرار أسواق الأصول المالية، وهجرة رؤوس الأموال الوطنية للخارج، ومما لا شك فيه إن تدهور الأوضاع المالية يدفع الأوضاع الاقتصادية إلى التراجع ويفقد النظام المالي فاعليته في أداء دوره كوسيط يحشد المدخرات ويتيحها للاستثمار.

  • التأثير سلبا على التضامن الاجتماعي وكفاءة مؤسسات الدولة، وإضعاف النظم.

تؤدي الصراعات المسلحة وأحداث العنف إلى إحداث انقسامات اجتماعية واقتصادية، وتعمق من تفاوت الدخول وتعدد الاتجاهات السياسية والعرقية، وقد كان ذلك واضحًا في العراق واليمن وسوريا، حيث انقسمت هذه البلدان إلى مناطق نفوذا على أسس عرقية، أو بين موالين ومعارضين.

وقد سجلت استطلاعات الرأي في الأردن تزايد اتجاهات المعارضة السياسية في المناطق التي اكتظت بالمهاجرين وانتشرت فيها البطالة، وحدث نفس الشيء في بلدان اخرى مثل مصر ولبنان وتونس.

من ناحية أخرى تشير استطلاعات الرأي مثل مسح القيم العالمية التي اشارت إلى أن درجة الثقة بين أفراد المجتمع والتي تمثل مؤشرًا على التضامن المجتمعي قد تدهورت في دول المنطقة بسبب عدم الاستقرار وعدم الشعور بالأمان، وكما تشير نتائج الاستطلاع فإن نصيب المستجيبون الموافقون على أنه يمكن الوثوق في معظم الناس قد هبطت من 46% إلى 30% في العراق، ومن 27% إلى 13 % في الأردن خلال فترات المقارنة (1999-2004م) والفترة (2009-2014م).

وتؤدي هذه التأثيرات إلى تكبيل عمليات التحول الاقتصادي والإصلاح السياسي مما يزيد من أمد الصراع ويغذيه، نتيجة حدة الانقسامات في المجتمع، وضعف دور الحكومات في إنفاذ القوانين، وضمان حقوق الملكية، التي تمثل عناصر أساسية في بيئة العمال المواتية للتنمية الاقتصادية.

مقالات لنفس الكاتب