; logged out
الرئيسية / استراتيجية داعش: الاستفادة من التوترات وانهيار الدولة وضعف الجيوش والطائفية الهندسة الأمنية الخليجية: استقرار اليمن بوابة أمن منطقة الخليج

العدد 122

استراتيجية داعش: الاستفادة من التوترات وانهيار الدولة وضعف الجيوش والطائفية الهندسة الأمنية الخليجية: استقرار اليمن بوابة أمن منطقة الخليج

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2017

      شكلت الأزمة اليمنية أحد المنعرجات الفارقة في ظل ما تعرفه المنطقة من تحولات متسارعة رافقها تمدد غير مبرر وكذا غير مسبوق للظاهرة الإرهابية التي وجدت في سياق الأحداث عوامل تغذية ارتبط بعض منها بطبيعة الصراع الحاصل وفي شق آخر ارتبطت بعوامل إقليمية تدفع بهذه الظاهرة قصد نشر الفوضى التي تمكن من تحقيق أهداف إستراتيجية تدميرية.

     وفي سياق يهدف نحو ضرب وحدة الدولة الوطنية بمؤسساتها لصالح مفهوم الأقليات والطوائف التي تنخر جسد الوطن ولا تهدف بأي شكل من الأشكال للحفاظ على وحدة الوطن.

ما يبرز من خلال تشريح الأحداث هو إزالة مفهوم الجيوش بمعناه التركيبي البنيوي والوظيفي لصالح الميليشيات التي ستضمن اختلال مفهوم الدولة وعدم قدرة انسجام مؤسساتها.

     هذا الذي أفرزته هندسة الأزمة اليمنية وطبيعة الفاعلين فيها والذي دفع بتغول الجريمة بكل أشكالها بل أضحت تهديدًا ثلاثي الأبعاد في هندسة الأمن الخليجي.

وعليه فإن التحرك الخليجي وبقيادة المملكة العربية السعودية انطلق من مبدأ الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة والوقوف في وجه مخطط إقليمي يسعى لنسف خصوصية الاستقرار.وهو ما أدركته المملكة العربية السعودية مما دفعها بالتحرك على محورين:

الأول: فرض طوق أمني استراتيجي يحول دون تمدد الفوضى للمنطقة، والثاني التمسك بالحوار والحفاظ على وحدة الدولة اليمنية كحل شامل ينسف المشروع التدميريلكن في سياق كل هذا الحراك يظل التهديد قائمًا وناسفا لكل المبادئ. وتظل الظاهرة الإرهابية في خارطة انتشارها ومصادر تمويلها المتعددة والمتنوعة أمرًا يستلزم تقوية الاستراتيجية المعمول بها، وعليه نتساءل كل يوم يضاف في عمر الأزمة اليمنية عن خارطة انتشار التنظيمات الإرهابية المصنفة وغير المصنفة؟ ومدى تماسكها ومصادر تمويلها وتقاطع مصالحها بأجندات إقليمية ودولية؟

وعلى ضوء ذلك ما هي محددات الاستراتيجية الخليجية لمواجهة انعكاسات الأزمة اليمنية؟

 

المحور الأول-الوضع الميداني في اليمن:

 

      دون العودة لاستحضار كرونولوجيا الأحداث باليمن أو التفصيل في تشابكات الأحداث وتفاعلاتها يكفي أن ننطلق م مما آلت إليه الأزمة حتى نستوعب وبشكل دقيق الوضع ميدانيا في اليمن فبالرغم من نجاح قوى التحالف من تقليم أظافر الانقلابيين والحد من قدراتهم العسكرية لكن بالمقابل هناك واقع مهم استراتيجيًا يدفعنا بالقول إن اليمن توظف كقاعدة خلفية للانطلاق في استهداف الأمن الخليجي وإرباك دول الخليج.

هذا إذا ما حددنا نقاط التمركز والتموقع والطريقة التي تتحرك بها القوات الانقلابية على الأرض وهو ما يترجم الأهداف الخفية للمسألة اليمنية.

سواء كان في سياق استكمال الهلال الفارسي أو التمدد الشيعي لفرض طوق بالمنطقة، بالإضافة إلى أن الورقة اليمنية وظفت في بدايتها لتحقيق اتفاق نووي. وطي الملف حسب التصور الذي وضعته الإدارة السابقة لأوباما والتي كانت تسعى لهدفين:

-الأول تثبيت مكسب أن إدارة أوباما نجحت في إنهاء جدل حول ملف طال أكثر من ثلاثة عقود عجزت فيه كل الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة الأمريكية.

-الثاني إعادة خلط الأوراق في المنطقة مما سيؤدي إلى إضعاف دول الخليج على حساب إبراز قوى جديدة تحسب في موازين القوى بالقوى الطفيلية.

     هذه الخفايا أعطتنا معطى أخر في سياق تقييم الوضع الميداني بالمنطقة وهو أن اليمن تكونت به خلايا مجهرية وأخرى وجدت المناخ مواتيًا للعبث باعتبار اليمن جيو استراتيجيًا تعد أداة يمكن استغلالها على أكثر من صعيد.

فالأوضاع الراهنة في اليمن تبعث على القلق لأنها تنطوي على تحديات بالغة على أمن اليمن واستقراره وهذا ما يتضح حينما نتمعن في قراءة المشهد الراهن من حيث:

1-الانقلابيون ماضون في خطابهم التصعيدي وغير مكترثين بحالة الرفض السياسية والمجتمعية السائدة بل وأكثر من ذلك اتضحت من خلال مسار الأحداث وتطوراتها الأجندة الخارجية التي يشتغلون عليها وهذا ما يفسر إصرار الانقلابيين على منهج الفوضى وجر اليمن نحو الفراغ والانهيار.

2-الأوضاع الأمنية في اليمن تحولت إلى فرصة لتنظيم القاعدة لتعزيز نفوذه ووجوده.

حيث يستغل التنظيم الإرهابي حالة الفوضى الأمنية والفراغ الموجود للتمدد خاصة أن للتنظيم رؤية جيوبوليتيكية خاصة باعتبار الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به اليمن وطبيعة المنطقة الجبلية التي توفر تحصينات لخلايا التنظيم للتمركز والنشاط.

فاليمن قد تتحول إلى نقطة استقطاب في ظل بروز الخطاب الطائفي وما هو بارز من خلال بعض التقارير الاستخباراتية المسربة , إن التنظيم قد يجعل من اليمن أرضية لإطلاق مخططاته الجديدة مستفيدًا من جملة العوامل المتوفرة على الأرض.

3-التطورات الميدانية مكنت من بروز تنظيم داعش الإرهابي واتخاذه لعدة مواقع باعتباره وسيلة تنفذ لتفكيك مفهوم الدولة الوطنية.

4-انعكاسات الوضع الميداني في عدة محافظات يمنية انعكس على واقع التماسك الاجتماعي بحيث برزت بوادر صراعات قبلية وتفككات داخلية مما ينعكس مستقبلا على واقع استقرار النسيج الاجتماعي.

5-المشهد اليمني أثر على بنية الجيش اليمني وأضعفه بشكل كبير فلولا قوات التحالف لانهار سريعًا وهذا راجع إلى:

-تعدد الولاءات داخل الجيش اليمني.

-عدم خضوع الترسانة العسكرية بيد الجيش وإنما سيطرت عليها ميليشيات صالح والحوثيين.

-عدم القدرة على مجابهة حرب العصابات والتنظيمات الإرهابية فالجيش اليمني كلاسيكي ولا يعتمد على أسلوب الحروب الحديثة.

        هذه القراءة في تطورات المشهد الميداني في اليمن تدفعنا للحديث عن تطورات الأحداث وانعكاساتها بحيث نتحدث الآن عن تداعيات استراتيجية محتملة جراء الواقع الميداني.

لكن قبل ذلك يتوجب أن نتحدث عن تلك الانعكاسات:

-استمرار الأزمة أدى إلى تدمير البني التحتية في اليمن وغياب المؤسسات سواء التعليمية أو غيرها كما أننا نتحدث عن انهيار المنظومة الصحية.

-انتشار الأوبئة جراء تلك الانعكاسات 1996 ضحية وباء الكوليرا وأوضاع إنسانية كارثية.

-اعتماد التنظيمات الإرهابية على اليمنيين خاصة النساء والأطفال كدروع بشرية.

-تفكك المنظومة العسكرية.

 

المؤشر الأجدر في الأزمة اليمنية أن الدور الخارجي والإقليمي يكاد يكون مركزيًا في كافة تحركات الأطراف على مسرح الساحة اليمنية.

وإذا أردنا أن نفكك الساحة الداخلية في اليمن سنجد هناك صالح والحوثيين، والقوى الثورية باختلاف مشاربها الإسلامية والليبرالية، الحراك الجنوبي، وأخيرًا القاعدة. ومعظم تلك الأطراف تدعمها قوى إقليمية مختلفة لديها استراتيجيتها ومطامحها وتتخذ الساحة اليمنية مسرحًا للوصول إلى أهدافها.

      هذا ببساطة التصور العام وباختصار للتطورات الميدانية في الساحة اليمنية التي خلقت فسيفساء تقاطعت مصالحها واتفقت في زاوية تدمير اليمن وتفكيكه وتحقيق أهداف الأجندات الخارجية.

المحور الثاني-خارطة انتشار الجماعات الإرهابية ومصادر تمويلها:

 

     نعترف في البداية أن الوضع اليمني معقد وأن التنظيمات الإرهابية استفادت من حالة الفوضى والفراغ المؤسساتي بحيث تمكنت من اختراق المؤسسات اليمنية وبناء تحالفات مع بعض الميليشيات.

كما أننا نتحدث من خلال خارطة الانتشار عن حالة من التنافس بين التنظيمات الإرهابية تارة وحالة من التصادم تارة أخرى.

     المشهد اليمني تحول إلى خليط من التنظيمات التي تتقاطع مصالحها ودول إقليمية تعمل على نشر الفوضى والعبث بمفهوم الطائفية لإضعاف المنطقة واختراق منطقة الخليج على أصعدة متعددة.

ففي خارطة انتشار التنظيمات الإرهابية سنتحدث على ثلاثة مسارات:

-الأول-المتعلق بتنظيم داعش الذي يسعى بعد تراجعه في العراق وسوريا أن ينقل ثقله إلى اليمن وعبرها إلى منطقة الساحل والصحراء الإفريقي من خلال قيامه بتقوية حضوره في اليمن باعتبار أنه إذا ما عدنا إلى تحركات التنظيم منذ 2015م، باليمن سنجد أنه يخوض حربًا ضد الجميع ويعتبر اليمن أرضًا للجهاد.

فواقع انتشار تنظيم داعش في اليمن يتمثل في الانتشار عن طريق مجموعات صغيرة وقد ظهرت هذه المجموعات في (إب-لحج-حضرموت-بلدة تريم شرق حضرموت-المكلا-الحوطة-صنعاء-شبوة-تعز-الكدف-مقبنة-شرعب الرونة)،

فداعش في اليمن يواصل تنفيذ استراتيجيته العبثية من خلال مبدأ الحرب الشاملة التي لا يستثني فيها أحدًا بل يعتبر الكل أهداف يتوجب استهدافها، وتواجد تنظيم داعش بحضرموت هو تحد لتنظيم القاعدة باعتبار أن محافظة حضرموت معروفة بالحضور الكثيف لتنظيم القاعدة.

فداعش في اليمن اعتمد على اختراق المناطق التي تعرف بانتشار تنظيم القاعدة فتواجد داعش بحضرموت التي تعد ثالث أكبر محافظات اليمن والقريبة من حدود المملكة العربية السعودية توضح الأهداف الخفية لدوافع الأجندة الخارجية في تحريك التنظيم وتأثيراته على أمن الدول الخليجية.

تمدد داعش خاصة في المناطق التي تعرف بتبعيتها لتنظيم القاعدة تأكيد على أن التنظيم وقوده هو زرع حرب طائفية بالمنطقة. تنظيم داعش حاليًا يعمل على تعزيز تواجده بمدينة تعز التي عرف في الآونة الأخيرة انتشارًا ملحوظًا للتنظيم خاصة في أرياف تعز وإذا ما عدنا إلى عوامل الانتشار المتسارع في مدينة تعز فنجد:

-ضعف الأجهزة الأمنية ونقص الإمكانيات اللازمة لتمكينهم من مواجهة تمدد التنظيمات الإرهابية بالمنطقة.

-غياب أجهزة مكافحة الإرهاب.

-أهمية تعز استراتيجيًا.

داعش وفية لاستراتيجيتها القائمة على:

-الاستفادة من التوترات والنزاعات.

- استغلال انهيار الدولة المركزية.

-ضعف أو تشتت الجيش الوطني.

-اللعب على التناقضات الطائفية.

ومن أبرز الخلايا التابعة للتنظيم لدينا (جند الخلافة –خلية بدر…..).

-الثاني تنظيم القاعدة الذي يجد في اليمن ملاذًا آمنًا لفلوله كما أن الحديث عن التنظيم في اليمن ليس وليد اللحظة وإنما هو حديث يعود إلى ما قبل بداية الأحداث وبعد أحداث 11سبتمبر2001م.

وخارطة انتشار تنظيم القاعدة في اليمن أكثر اتساعًَا من تنظيم داعش باعتبار أن تنظيم القاعدة متمدد في اليمن بنسبة 70 % وأكثر المناطق تواجدًا لتنظيم القاعدة ب (ابيين-حضرموت-صنعاء-عدن-الجوف-مأرب-رداح....الخ).

وما يساهم في بقاء التنظيم في اليمن امتلاكه للقدرة على التمدد الأفقي كما أنه يعتبر اليمن منطقة بؤرية محورية والقدرة على التواصل بفروعه وخلاياه المتواجدة بالقرن الإفريقي والصحراء الكبرى بإفريقيا.

فالقاعدة تتواجد باليمن في شكل خلايا وفروع إلا أنها تصطدم بتمدد معاكس لتنظيم داعش مما يجعلهما أحيانًا في وضعية تنافس ومرات كثيرة في وضعية تصادم.

كما أن القاعدة في هذه المرحلة ينتهج أسلوب الكر والفر ويقوم بإعادة تجميع قياداته في سياق بناء تحالفات جديدة وبناء قواعد خلفية.

كما يعتمد على تعدد مصادر التمويل والاستفادة من مناخ اللا أمن و اللااستقرار الذي تعرفه اليمن لبناء حواضن جديدة.

كما أن تقاطع المصالح مع التنظيمات المتطرفة الأخرى شكل رواق أمن للتمدد ونقل مراكز الثقل من مكان لآخر.

أما الأشكال التي تأخذها التنظيمات التابعة للقاعدة تساعدها على التمدد والبقاء لمدة أطول.

-الثالث-التيارات التي تحسب على الإخوان ودورها في تغذية الأزمة وهنا نتحدث عن الدور المريب لتلك التيارات والجمعيات التابعة لها والتي أثبتت عديد التقارير تورطها في تغذية ودعم الجماعات الإرهابية خاصة بالمحافظات المحررة جنوب اليمن.

ولقد كشفت هذه الأوراق بعد سلسلة التحقيقات الدقيقة في عدن المحافظات اليمنية المحررة والتي أكدت وقوف عناصر تابعة للتيار الإخواني في استهداف قوات التحالف العربي.

هذا التيار وحسب بعض التقديرات يمتلك في حدود 120 ألف من المقاتلين منتشرين في (مأرب-أبين-حضرموت).

فلا يمكن بأي حال من الأحوال عند استعراض خارطة انتشار التنظيمات الإرهابية في اليمن وعلى ضوء انقلاب الحوثيين على الشرعية وانتهاجهم لأسلوب الترويع والتخويف والتحالف مع لاعبين إقليميين يسعون من خلال افتعال الأزمة في اليمن وفي ظل العمليات المركزة لقوى التحالف التي حدت من القدرات العسكرية للحوثيين إلا أن استفحال التنظيمات الإرهابية دفع بمعطيات جديدة خاصة إذا ما عدنا للحديث عن الدور المتعاظم لهؤلاء اللاعبين في الحالة اليمنية والذي يهدف بشكل رئيسي إلى إحداث حالة من انهيار التوازن الاستراتيجي. مستفيدين من غلبة التفاعلات السالبة. والغياب التام لأي نظام أو ترتيب أمني قادر على احتواء التوترات.

لا يمكن الحديث عن خارطة انتشار التنظيمات الإرهابية دون الحديث عن الشريان أو العصب الحي الذي يمنح استمرارية لهذه التنظيمات العبثية ويطيل من أمد تمددها ويسهل انتشارها ويمكنها من تنفيذ مخططاتها واقصد هنا بالضرورة مصادر تمويل الجماعات الإرهابية في اليمن والتي تتمثل في:

-الدخل الثابت المتمثل في الضرائب والإتاوات لكنها لا تشكل سوى 10% من مصادر التمويل باعتبار القبائل في المناطق اليمنية لا يوفرون بيئة حاضنة.

-عمليات الاتجار في المخدرات والتي تعد من أبرز مصادر تمويل العمليات الإرهابية بحيث تشكل نسبة 25 % من مصادر تمويل الجماعات الإرهابية خاصة القاعدة وداعش.

-عمليات السطو المسلح على المؤسسات المالية والبنوك  في عدة عمليات قامت بها القاعدة في اليمن حيث تمثل نسبة 7بالمائة من مصادر التمويل.

-التمويل الذي يأتي عن طريق دول لتغذية النعرات وإشعال فتيل الأزمة والدفع بها نحو التمدد مثلا القاعدة منذ أربع سنوات تحصل على دعم من طرف إحدى الدول بقيمة 15مليون دولار بعد تعرضه لضربات موجعة في محافظة أبين.تشكل 30بالمائة من مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية. كما نتحدث الدعم اللوجستي بالسلاح والذي تتوجه فيه أصابع الاتهام نحو إيران.

-الفدية التي يتم تحصيلها جراء عمليات الاختطاف والتي تراجعت في اليمن مقارنة بوقت سابق لتصبح تمثل 3بالمائة من مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية.

-الإعلام كمصدر من مصادر التمويل وتبييض الأموال لصالح التيارات الإرهابية والتي تشكل أحد الأوجه الخفية لدعم النشاط الإرهابي وتسهيل تمدده حيث تمثل 10بالمائة.

-الجمعيات الخيرية والتي اتضح أنها تشكل أهم مصدر من مصادر تمويل نشاط الجماعات الإرهابية بحيث تمثل 35بالمائة من مصادر التمويل والتي كشرت عن أنيابها خاصة من خلال الأزمة اليمنية والتي يعود لتسهيلات قدمتها دول لتلك الجمعيات لتمارس أنشطتها المشبوهة في نقل المساعدات والتمويلات وحتى معالجة عناصر التنظيمات الإرهابية.

     فمن خلال ما سبق نجد أن المؤشر الأجدر في اتساع خارطة انتشار التنظيمات الإرهابية في اليمن يعود للدور الخارجي الذي يكاد يكون مركزي. والذي يدفع بالقول إن ارتدادات خارطة انتشار التنظيمات الإرهابية وانعكاساتها تتجلى بشكل كبير على الأمن القومي والإقليمي لدول الخليج من حيث المحاولات المتكررة لاستهداف المملكة العربية السعودية واستهدافها انطلاقًا من اليمن باعتبار أن المملكة العربية السعودية وعن طريق قيادتها للتحالف العربي وقفت أمام المشروع الذي كان يستهدف لنشر الصراع الطائفي وإضعاف المنظومة القيمية للدول العربية.

 

المحور الثالث-هندسة الأمن الخليجي على ضوء خارطة انتشار الإرهاب باليمن:

 

     في ظل سياسة التمدد الإيراني في شكل زحف ناعم تارة أو زحف صلب تارة أخرى وكذا الدور المتعاظم لإيران في اليمن واتهامها بالوقوف خلف الستار في سياق دعم مباشر أو غير مباشر وفي سياق النفخ في نار الأزمة وافتعال تعقيدات جديدة من خلال تحريك التنظيمات المتطرفة وأثارت الصراع الطائفي. أضحى أمام دول الخليج بالأساس فرص للتكتل ومواجهة التحديات الخارجية.

فمن الطبيعي أن تتأثر دول الخليج بجميع الأزمات المحيطة بها. فما يحدث في اليمن سواء من الحضور المريب للدور الإيراني من جهة عبر الحوثيين ومن جهة أخرى اتساع خارطة انتشار التنظيمات الإرهابية وفي خضم الأزمة الخليجية مع قطر وبروز معطيات جديدة في سياق هذا الملف.وكل هذه المعطيات تعيد دول الخليج إلى مربع الصفر.

   فاستمرار إيران من الرفع التدريجي لسقف تدخلاتها أدى إلى تأزم الحالة اليمنية ويمكن حصر أبرز تداعيات ذلك على دول الخليج من حيث:

-تهديد استقرار دول الخليج بشكل مباشر فمحاولة إبداء الحوثيين لدراجات متقدمة من التماسك والاحتفاظ بالمناطق في ظل الضربات الإستراتيجية والمركزة لقوى التحالف العربي والتي قلصت من الحيز الجغرافي إلا أن هذا يدفع بتمسك اللاعبين الذين يقفون وراء الستار لتحويل الأزمة اليمنية إلى صراع طائفي يتمدد تدريجيًا. وهو ما يدفع إلى ضرورة تبني نهج موازي للعمل العسكري الذي يهدف إلى ضرب إيران إيديولوجيًا.

-استمرار حالة عدم الاستقرار في اليمن يمكن أن تترتب عليه العديد من التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية.

-اليمن تمثل حاجزًا لدول الخليج من الهجرة غير الشرعية والتنظيمات الإرهابية خاصة القادمة من جنوب الصحراء الكبرى عبر القرن الإفريقي.

-تمثل اليمن ظهيرًا أمنيًا لكل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان من خلال حمايتها للحدود البرية.

-تسعى إيران أن تجعل من اليمن موطئ قدم استراتيجي خاصة على مضيق هرمز بالتالي تعد اليمن بالنسبة لإيران فرصة استراتيجية لخلق حالة من التوتر الإقليمي المستمر.

      من هنا تصبح هندسة أمن دول الخليج في سياق المؤشرات السابقة. العمل على استعادة اليمن كدولة آمنة باعتبار أن اليمن تعد صمام الأمان للعمق الاستراتيجي لمفهوم الأمن الجماعي لدول الخليج.

    وهو ما يستدعي العمل اليوم على أن تضع دول الخليج في الحسبان ضرورة تفادي سيناريو أن تتحول الأزمة اليمنية إلى أزمة ممتدة وهذا السيناريو قد يضعف دول الخليج تدريجيًا من خلال الاستنزاف الداخلي والإقليمي.

    باعتبار أن المسالة اليمنية من حيث أمنها واستقرارها ليست للإهمال وبدليل أن عاصفة الحزم سارت في سياق تقليم أظافر الانقلابين واستعادة الشرعية عبر مسارات سياسية واضحة المعالم.

ومن جهة أخرى خوض حرب كسر العظام ضد تمدد التنظيمات الإرهابية بكل أنواعها وتوجهاتها والعمل على تجفيف منابع تمويلها من خلال تبني خطاب المكاشفة.

   هناك دروس مستخلصة من جملة الأحداث التي تمر بها المنطقة وهو ما سيساعد في صياغة هندسة أمنية متماسكة لدول الخليج على ضوء خارطة انتشار التنظيمات الإرهابية في اليمن تتضمن الآتي:

-إدراك دول الخليج على أن اليمن ساحة صراع إقليمي وهو ما مكن من وضع رؤية إستراتيجية تساهم في امتصاص الصدمة وإحداث حالة من التوازن داخل اليمن.

-العمل على بناء نظرة أمنية خليجية واضحة وتفادي وقوع تباينات في المواقف والأهداف داخل البيت الخليجي.

-العمل على رسم خارطة سياسية جديدة في اليمن عن طريق تبني مسار الحوار لبناء جبهة يمنية داخلية للتصدي لتمدد الظاهرة الإرهابية.

-العمل على معادلة إستراتيجية قوامها أمن اليمن واستقراره من أمن دول الخليج.

-العمل على دعم اليمن للتغلب على الأزمة الراهنة والخروج منها بما يكفل الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره.

-العمل على التأمين الشامل للحدود المشتركة بين المملكة العربية السعودية واليمن والقيام بضربات وقائية

-العمل على بناء منظومة استخباراتية للرصد وتحليل المخاطر للحد من تمدد الظاهرة واستفحالها في الداخل اليمني.

  الخاتمة:

كخلاصة ومن خلال استعراض التطورات الميدانية الحاصلة في اليمن ومن خلال تشخيص الحالة اليمنية على ضوء انتشار الإرهاب وتمدد التيارات المتطرفة يمكن القول بما لا يدعو للشك بروز للدور الخارجي والإقليمي في الحالة اليمنية لتنفيذ أجندات بعيدة المدى تستهدف تقويض أمن الخليج العربي.

    كما هو واضح من خلال أدوات المخطط التوسعي الشيعي بتحريك خلايا نائمة وجيوب مندسة هذا الدور السلبي المتعاظم يهدف بشكل رئيسي لبث حالة من الانهيار الاستراتيجي.

ففي ظل غياب الردع المستقر وغلبة التفاعلات السالبة برزت خارطة انتشار التنظيمات الإرهابية بشكل مخيف ومن خلال تحديد مصادر تمويلها التي ترتبط بأجندات إقليمية وخارجية خطيرة تستهدف البناء الخليجي. مما يدفع بدول الخليج على العمل وفي سياق توافر هذه المعطيات من صياغة هندسة أمنية تراعي الحفاظ على تماسك الدولة اليمنية واستعادة الشرعية والعمل على مراعاة تحقيق هذه الهندسة على المستويين القريب والبعيد المدى.

مقالات لنفس الكاتب