; logged out
الرئيسية / موقف المجتمع الدولي من تهويد القدس: قراءة سياسية مواقف الدول الكبرى متناقضة بين ما تتبناه من مواقف عملية وما تعلنه من توجهات نظرية

العدد 123

موقف المجتمع الدولي من تهويد القدس: قراءة سياسية مواقف الدول الكبرى متناقضة بين ما تتبناه من مواقف عملية وما تعلنه من توجهات نظرية

الأربعاء، 20 أيلول/سبتمبر 2017

اجتهد الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلاله لمدينة القدس عام 1967م، في توظيفه لكل إمكاناته من أجل تهويد القدس، وتحويلها إلى مدينة (عاصمة) يهودية من حيث السكان والمعالم، ومن أجل ذلك استخدم سياسات مختلفة ضد سكان القدس الفلسطينيين؛ من قبيل الحصار والتضييق والإجراءات الأمنية التعسفية، وذلك في ظل انحياز دولي واضح للموقف الإسرائيلي. في المقابل، ظل الموقف العربي والإسلامي يتراوح بين الضعف أحيانًا والتقاعس أحيانًا أخرى؛ يتوارى خلف خطاباتٍ إعلامية ٍرنانة ودعمٍ ماديٍ خجول.

اتسمت المواقف الدولية تجاه ممارسات إسرائيل في القدس ومحاولات تهويدها بالتناقض الواضح، فبالرغم من تبنى المجتمع الدولي ممثلاً في هيأة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها للعديد من القرارات التي تعترف بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية والتي أصبحت منطلقًا للعديد من المبادرات السياسية لحل القضية الفلسطينية، إلا أنّ المجتمع الدولي لم يمارس أيّ ضغوط حقيقية على إسرائيل لإجبارها على تنفيذ تلك القرارات، أو حتى وقف ممارساتها التعسفية الاستيطانية، وذلك بهدف إتاحة الفرصة لإسرائيل لفرض واقع جديد في المدينة المقدسة، والتي تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للمدينة، ونزع الطابع (الهوية) العربي الإسلامي عنها في ضوء تسارع وتيرة الاستيطان في القدس.

وتهدف هذه الورقة البحثية إلى تقديم مراجعة سياسية نقدية لموقف المجتمع الدولي من تهويد القدس، بالإضافة إلى فضح الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية في المدينة المقدسة، والتي تتعارض مع القانون الدولي والقرارات الدولية بهذا الصدد.

  1. الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية في مدينة القدس (لمحة تاريخية)

عملت إسرائيل منذ احتلالها لمدينة القدس على استكمال مخططها الاستيطاني بهدف السيطرة الكاملة على المدينة، عبر مسارين متوازيين هما: التهويد الديني والثقافي، والتهويد الديموغرافي، ويتركز المسار الأول على محاولات تغيير الهوية العربية للقدس والمسجد الأقصى وتحويله من معلم إسلامي إلى موقع ديني مشترك لأتباع الديانات المختلفة.

وعلى المسار الديموغرافي عمدت إسرائيل إلى زيادة عدد المستوطنين اليهود، وذلك من خلال توسيع حدود القدس شرقًا وشمالاً عبر ضم مستوطنة (معاليه ادوميم) والبالغ عدد سكانها 20 الف مستوطن، بالإضافة إلى العديد من المواقع العسكرية، مما أدى إلى مضاعفة عدد المستوطنين في القدس، في مقابل تهجير السكان العرب المقدسيين عبر سحب الهويات ومصادرة الأراضي، وذلك في محاولة لقلب التوازن الديمغرافي بين العرب الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في المدينة([1]).

تنتشر التجمعات الاستيطانية حول مدينة القدس بشكل مكثف بهدف خنق المدينة وعزلها عن محيطها العربي، كما تم الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي العربية بقراراتٍ مختلفةٍ عبر توسيع الحدود البلدية لمدينة القدس (الغربية).كما وتزايدت في الفترة الأخيرة وتيرة الاقتحامات للمسجد الأقصى مع تأييد متزايد لصلاة اليهود داخل الحرم خصوصًا بعد وصول اليمين الإسرائيلي للحكم، فقد صادقت بلدية الاحتلال في القدس نوفمبر 2012م، على ترميم كنيس يهودي على بعد 200 متر من المسجد الأقصى على أنقاض مصلى إسلامي مصادر، كما أنهت بلدية الاحتلال المرحلة الأولى من شبكة الأنفاق على تخوم المسجد وساحته. من ناحية أخرى، لا تفرق إسرائيل في سياستها التهويدية في القدس بين المقدسات الإسلامية والمسيحية، فقد مارست ضغوطًا على كنيسة القيامة وصلت لحد الحجز على أرصدتها بهدف إرغامها على دفع فواتير مياه بملايين الشواكل، بالرغم من كون الكنيسة معفاة من الضرائب منذ العهد العثماني. ويبدو أن الممارسات الاحتلالية أدت إلى تراجع أعداد المسيحيين إلى 5000 عام 2012([2]).

ازدادت النشاطات الاستيطانية ضراوةً بعد حصول فلسطين على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة، حيث تم إحياء مخطط البناء في المنطقة المسماة E1 الواقعة بين مستوطنة "معاليه ادوميم" وشرق القدس، كما صادقت حكومة الاحتلال خلال السنوات الخمس الأخيرة على بناء آلاف الوحدات السكنية في محيط القدس. وبالرغم من الموقف الدولي الرافض والمتخوف من تبعات المخططات الاستيطانية، إلا أنّ إسرائيل تصر على مواصلة الاستيطان وتحديدًا في القدس، وتعلن أنّ موضوع الاستيطان غير قابل للتفاوض، وتتعهد باستمرار الاستيطان في القدس، معتبرةً إياها عاصمةً موحدةً للدولة اليهودية بحسب ادعائها. في المقابل، فإنّ الجهود المبذولة من الأطراف العربية والإسلامية لإنقاذ القدس محدودة وغير كافية.

وصل عدد المستوطنين في المستعمرات المقامة على أراضي القدس الشرقية إلى 220 ألف موزعين على 12 مستعمرة، و13 بؤرة استيطانية في داخل الأحياء الفلسطينية في القدس، يذكر أنّ إسرائيل تعمل بانتظام ضمن خطة محكمة لتنفيذ مخطط يقضي ببناء 58 ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية حتى عام 2020 بالرغم من تناقص مساحة القدس الشرقية لصالح المستوطنات الإسرائيلية إلا أنّ عدد السكان الفلسطينيين ازداد من 26% عام 1947م، الى 37% عام 2014م، وذلك حسب إحصاءات إسرائيلية، وهذا يشير إلى فشل سياسة التهويد الإسرائيلية([3]).

وعليه يمكن القول: أنّ إسرائيل عملت على تغيير الوضع القائم وخلق واقع جديد على الأرض يقضي على أيّ فرصة لإقامة دولة فلسطينية، وذلك من خلال ابتلاعها لمزيد من الأراضي الفلسطينية، وتحديدًا في القدس ومحيطها، بحيث يصبح إقامة دولة فلسطينية مترابطة جغرافيًا أمرًا غير قابل للتطبيق.

  1. تطور موقف المجتمع الدولي تجاه القدس

عندما نناقش المواقف الدولية بشأن الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي فإننا نصطدم بمعضلة حقيقية تتمثل في تباين تلك المواقف بين ما تتبناه الدول الكبرى من مواقف سياسية عملية، وبين ما تعلنه وتتشدق به من توجهات نظرية؛ تنعكس في إطار ما يعرف بالمجتمع الدولي أو الشرعية الدولية، من خلال هيأة الأمم المتحدة. ومن المفيد هنا إبراز هذا التناقض في المواقف تجاه الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية في مدينة القدس.

تجمع المواقف الدولية على أنّ شرق القدس هي أراضٍ محتلة وعلى إسرائيل أن تنسحب منها، كما لم يتم الاعتراف الدولي بالقدس الغربية عاصمة لدولة إسرائيل. بالرغم من الاعتراف بدولة إسرائيل لاتزال المواقف الدولية تستند لقرار الجمعية العامة رقم (181) الخاص بالتقسيم وتدويل القدس، وقرار مجلس الأمن رقم (242) الذي لم يعترف بشرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي احتلتها في حرب 1967م، بما فيها القدس الشرقية، وذلك بالرغم من توقيع اتفاق أوسلو، الذي فتح الباب أمام التفاوض حول قضايا الحل النهائي، وأهمها القدس.

رغم تماهي المواقف الدولية مع انتهاكات إسرائيل في القدس إلا أنّها تتسم بالقلق والاستنكار والتحذير من تغيير الوضع القائم في المدينة والذي سيؤدي إلى تدهور الأوضاع.

أ‌.        موقف الأمم المتحدة من الاستيطان الإسرائيلي في القدس

بالرغم من عدم تطبيق إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة (الشرعية الدولية)، إلا أنّ هذه القرارات تمثل مرتكزًا قانونيًا وأخلاقيًا يتبناها المجتمع الدولي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد نص قرار التقسيم (181) لعام 1947م، على أن تصبح مدينة القدس كيانًا مستقلاً يخضع لإدارة الأمم المتحدة. وبعد احتلال إسرائيل لغرب القدس عام 1948م، تبنت الجمعية العامة قرارها رقم (303) في 9/12/1949م، والقاضي بوضع القدس تحت نظام دولي دائم، كما اتخذ مجلس الوصاية عدة قرارات بشأن القدس وأهمها القرار الرقم (114) في 20/12/1949م، والذي طالب إسرائيل بعدم نقل المؤسسات الرسمية للقدس([4]).

رفضت إسرائيل تلك القرارات لتمسكها بالقدس عاصمة لها، ومنذ ذلك التاريخ توقفت الجمعية العامة عن مناقشة قضية تدويل القدس، إلى أن تمكنت إسرائيل من احتلال القدس الشرقية خلال حرب 1967. وبعدها أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم (2253) وعبرت فيه عن قلقها الشديد من الإجراءات الإسرائيلية الهادفة لتغيير وضع المدينة، وطالبت إسرائيل بإلغاء تلك الإجراءات. كما أكد قرار الجمعية العامة رقم (2851) في 20/12/1971م، أنّ كل الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتهويد القدس باطلة ولاغية كليًا، فيما ظلت جميع قرارات الجمعية العامة تتضمن بند ثابت سنويًا ينص على ذلك([5]).

من ناحية أخرى، أصدر مجلس الأمن عدة قرارات تطالب إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي التي احتلتها عام 67، وأهمها القرار (242)([6]), والذي مثل لاحقًا الأساس الذي بنيت عليه مجمل القرارات الدولية والمبادرات السياسية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتلاه القرار رقم (267) لعام 1969م، والذي أكد على أنّ الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري غير مقبول، وعبر عن أسفه لتجاهل إسرائيل لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، واستنكر جميع الإجراءات التي تهدف لتغيير وضع القدس واعتبرها باطلة، وطالب إسرائيل بإلغائها.

أكدت الجمعية العامة ومجلس الأمن على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة من الناحية القانونية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 67 بما في ذلك القدس الشرقية، وطالبوا إسرائيل بالامتثال لإرادة المجتمع الدولي والوفاء بالتزاماتها الدولية([7]). وبسبب تعنت إسرائيل ورفضها تطبيق قرارات الأمم المتحدة، عقدت الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة مؤتمرًا في فبراير 1999م، وآخرًا في ديسمبر عام 2001م، وذلك للتأكيد على انطباق الاتفاقية على الأراضي المحتلة وشرق القدس، كما أيدها في ذلك العديد من القرارات الصادرة عن أجهزة الأمم المتحدة، حيث أكدت محكمة العدل الدولية الانطباق القانوني لاتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، بما فيها شرق القدس، حيث أصدرت المحكمة في يوليو 2004م، رأيها الاستشاري بخصوص الجدار والاستيطان بأنّها أعمال غير شرعية وباطلة ويجب إزالتها([8]).

اعتمد مجلس الأمن في ديسمبر 2016م، القرار رقم (2334) والذي يطالب إسرائيل بالوقف الفوري للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وقد اعتمد القرار بتأييد 14 عضوًا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت. وأكد القرار على أنّ إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أيّ شرعية قانونية ويشكل انتهاكا صارخًا بموجب القانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل والدائم والشامل([9]).

أكد "نيكولاي ملادينوف" المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط أنّ الأمم المتحدة تعتبر جميع الأنشطة الاستيطانية غير قانونية وفق القانون الدولي، وأحد العقبات الرئيسية أمام السلام، وأكد على ضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن رقم (2334) الذي كرر مطالبة إسرائيل بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية بشكل فوري([10]).

مؤخرًا انتقدت الأمم المتحدة على لسان مساعد الأمين العام للشؤون السياسية "ميروسلاف جينكا" مشروع قانون (القدس الموحدة) الذي أقره الكنيست في يوليو 2017م، والذي ينص على أنّ القدس هي العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل، معتبرًا أنّ القرار في حالة إقراره سيعمل على تعزيز سيطرة إسرائيل على القدس الشرقية المحتلة، وسيحد من قدرة الطرفين على التوصل لحل تفاوضي يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة والاتفاقات السابقة بين الطرفين. كما دعا جميع الأطراف الإقليمية والدولية على العمل على إنهاء الاحتلال وحل قضايا الوضع النهائي وتنفيذ حل الدولتين وفقًا لقرارات الأمم المتحدة بهذا الصدد([11]).

ب‌.   موقف الولايات المتحدة الأمريكية من تهويد القدس:

تحاول الولايات المتحدة إظهار موقف حيادي في بعض القضايا الخاصة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أنّ مواقفها تجاه قضية القدس تتسم بالانسجام مع السياسات الإسرائيلية، فقد اتخذت مواقف منحازة لإسرائيل بشكل واضح، واستخدمت حق النقض "الفيتو" بشكل متكرر لمنع صدور أيّ قرار عن مجلس الأمن ويتضمن إدانة لإجراءات إسرائيل التهويدية في القدس، مع ذلك فإنّ الولايات المتحدة ظلت تستند في تعاملها مع القدس على القرار (181) ولم تقبل بسيادة إسرائيل على القدس. وفي عام 1969م، أعلنت في مجلس الأمن أنها ستتعامل مع القدس الشرقية كباقي المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 67، وأنه لا يجوز لدولة الاحتلال تغيير وضع القدس القانوني، كما ورد نفس الموقف في وثائق كامب ديفيد عام 1978م، كما أكدت وثائق مؤتمر مدريد عام 1991م، بأنها لا تعترف بضم إسرائيل لشرق القدس أو الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل من طرف واحد([12]).

وفي تطور واضح عام 1995م، تم إقرار قانون نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس، والذي أقره الكونجرس الأمريكي عام 1990م، ويعترف القانون بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، ويلتزم بنقل السفارة إلى القدس، وذلك خلافًا للمواقف والتعهدات الأمريكية السابقة. بالمجمل؛ ظلت التصرفات والمواقف الأمريكية ملتبسة وغير واضحة تجاه الإجراءات الإسرائيلية في القدس. فتارة ترفض تغيير الوضع القائم في القدس، وتارةً أخرى تعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. ويظهر ذلك التناقض جليًا خلال الحملة الانتخابية عام 2016م، حيث أعلن المرشح "دونالد ترامب" أنّه سينقل السفارة إلى القدس في حال فوزه بالرئاسة، إلا أنّه عاد وأجل خطوة نقل السفارة.

ت‌.   الموقف الأوروبي من تهويد القدس:

رغم ضعف الموقف الأوروبي لجهة إلزام إسرائيل تطبيق القرارات الدولية بشأن القدس إلا أنّه يتّسم بالإيجابية إلى حدٍ ما، فقد طالب عدد كبير من المؤتمرات والبيانات الأوروبية وأهمها بيان البندقية عام 1980م، إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية، كما وترفض أيّ إجراءات تتخذ من طرف واحد من شأنها تغيير وضع القدس، بل ترى أنّ المسألة يجب أن تخضع للتفاوض ويضمن في الوقت نفسه حق حرية الدخول إلى الأماكن المقدسة.

اتضح موقف الاتحاد الأوروبي في بيان صدر بداية تسعينيات القرن الماضي طالب إسرائيل بوقف إجراءاتها في شرق القدس والتي تهدف لتهويدها؛ واصفًا إياها بالغير قانونية حسب القانون الدولي. كما أكد بيان المجلس الأوروبي في يوليو 2015م، على عدم شرعية المستوطنات والجدار العازل، معتبرًا أنّ تلك الإجراءات في القدس تؤدي إلى إفشال جهود حل الدولتين. من ناحية أخرى، طرحت المبادرة الفرنسية أن تكون القدس عاصمة للدولتين، وهو طرح غامض إلى حدٍ بعيد([13]).

ث‌.   قرار اليونسكو الخاص بالقدس:

صادقت منظمة "اليونسكو" في 18/10/2016 م، على قرار يعتبر القدس مدينة ذات أهمية خاصة للديانات الثلاث، إلا أنّ القيمة الأبرز في القرار ارتبطت بالمسجد الاقصى؛ فاعتبره موقع خاص بالمسلمين وحدهم، ولا علاقة لليهود به تاريخيًا أو دينيًا، كما اعتمد القرار التسمية الإسلامية وتجاهل التسمية اليهودية، كما أدان الممارسات الإسرائيلية داخل المسجد الأقصى وفي محيطه، وفي أكتوبر 2016م، صوتت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو على قرار يؤكد عدم شرعية أيّ تغيير أحدثه الاحتلال في مدينة القدس، حسب قرارات الأمم المتحدة، وأدان الإجراءات التهويدية في مدينة القدس.

خاتمة تتضمن قراءة نقدية لمدى التزام إسرائيل بتوجهات المجتمع الدولي بشأن القدس

انتهجت إسرائيل منذ احتلالها القدس الشرقية استراتيجية شاملة وممنهجة لتهويد المدينة، وشرعت بضم أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد من السكان العرب، معتمدة على مجموعة من القوانين والتشريعات العنصرية للتضييق على السكان العرب ومحاصرتهم، في حين وصل عدد المستوطنين في القدس الشرقية أواخر 2016م، الى 250 ألفًا، يشكلون 50% من السكان.

مثل تشكيل الحكومة اليمينية عام 2015م، ضربة قاسمة لمسار التسوية وفرص إقامة الدولة الفلسطينية، فما مارسته وتمارسه الحكومة الإسرائيلية من سياسات تهويدية في مدينة القدس الشرقية يقضي على إمكانية إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، تكون عاصمتها القدس الشرقية، حيث تتمسك إسرائيل بالقدس الموحدة كعاصمة للدولة اليهودية([14]).

وقد جاءت هبة القدس في خريف 2015م، كدلالة واضحة لرفض المقدسيين كل الإجراءات الإسرائيلية التعسفية وفشل كل المحاولات لتهويد القدس وتغيير طابعها العربي الإسلامي. وهنا يبرز التساؤل بجدية حول مستقبل مشروع التسوية القائم على مبدأ حل الدولتين بشكل عام، وفرضية أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، وذلك في ضوء حملة التهويد المستعرة التي تواجهها المدينة، بالإضافة إلى معارضة الأطياف السياسية الإسرائيلية لأيّ مساس بوحدة القدس تحت الاحتلال، وهذا ما يتطلب من القيادة الفلسطينية الرسمية إعادة النظر في السياسات والخيارات التي تتبناها.

على هذا النحو؛ فقد شكلت قضية القدس جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإسرائيل كونها سلطة احتلال انتهكت القانون الدولي وضربت بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقدس، وانتهجت سياسات تهويدية تهدف إلى تغيير معالم القدس ونزع طابعها الفلسطيني الإسلامي, ذلك بالرغم من كل المواقف الدولية التي ترفض وتندد بتهويد القدس.

وعليه, جاءت هبة القدس كرد فعل على الإجراءات الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس، حيث تحاول إسرائيل مؤخرًا تحويل الصراع مع الفلسطينيين من سياسي إلى ديني عبر تمسكها بيهودية الدولة وعدم اعترافها بحقوق أتباع الديانات الأخرى في الأماكن المقدسة، وخصوصًا المسجد الأقصى، وذلك عبر محاولاتها فرض سيادتها على منطقة الحرم والبلدة القديمة، عبر سياساتها التهويدية  الممنهجة، وصولاً لفرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محاضر بجامعة القدس المفتوحة ــ وباحث لدى مركز التخطيط الفلسطيني

 

[1]- تقرير حال القدس (4), مؤسسة القدس الدولية, بيروت: ديسمبر 2012, ص 2 وما بعدها.

[2]- تقرير حال القدس (4), المرجع السابق, ص5- 6.

[3] - عبد الرؤوف ارناؤوط, "50 عاما على احتلال القدس الشرقية: سياسات القضم والإبعاد والتهويد تتواصل", مجلة الدراسات الفلسطينية, العدد (111), بيروت: 2017, ص160- 161.

[4]- ربيع الدنان, "تطور الموقف الدولي تجاه القدس", في: تهويد القدس واليات المواجهة السياسية والاعلامية, ط1, مؤسسة القدس الدولية, بيروت: يناير 2017, ص163- 164.

[5] - ربيع الدنان, "تطور الموقف الدولي تجاه القدس", المرجع السابق, ص164.

[6]- راجع نص القرار على الرابط الالكتروني: http://www.un.org/arabic/news/story.asp?NewsID=27858#.WZ9Q4IWcHcc.

[7]- رياض العيلة, وايمن شاهين, "الاستيطان اليهودي وتأثيره السياسي والامني على مدينة القدس", موقع مدينة القدس, على الرابط التالي, http://www.alquds-online.org/index.php?s=51&id=575, بتاريخ 26/8/2017.

[8] - ربيع الدنان, "تطور الموقف الدولي تجاه القدس", مرجع سابق, ص166.

[9] - مركز انباء الامم المتحدة, على الرابط الالكتروني: http://www.un.org/arabic/news/story.asp?NewsID=27858#.WZ9Q4IWcHcc.

[10] - مجلة الدراسات الفلسطينية, المجلد (28), العدد (111), بيروت: 2017, ص213.

[11]- وكالة سما الاخبارية, http://samanews.ps/ar/post/311393, بتاريخ 22/ 8/2017.

[12] - رسالة التطمينات الامريكية الى القيادة الفلسطينية بتاريخ 18/10/1991, مجلة الدراسات الفلسطينية, المجلد (2), العدد (8), خريف 1991, ص284- 287.

[13] - ربيع الدنان, "تطور الموقف الدولي تجاه القدس", مرجع سابق, ص171- 173.

[14]- عباس اسماعيل, "الرؤى السياسية الاسرائيلية تجاه القدس المحتلة", في:تهويد القدس واليات المواجهة السياسية والاعلامية, ط1, مؤسسة القدس الدولية, بيروت: يناير 2017, ص30.

مقالات لنفس الكاتب