; logged out
الرئيسية / مقترحات وتوصيات لحل الأزمة في البحرين وتعزيز الحوار الوطني

مقترحات وتوصيات لحل الأزمة في البحرين وتعزيز الحوار الوطني

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

ليس من الواقعي ترك الأزمة في البحرين، والتي اندلعت في منتصف فبراير 2011، دونما حلول جذرية نظراً لخطورة المسألة. فقد ألحقت الأزمة خسائر بشرية ومادية ضخمة تضمنت وفاة نحو 35 فرداً فضلاً عن جرح العشرات واعتقال المئات وفصل الآلاف من وظائفهم ومقاعدهم الدراسية.

أما تداعيات الأحداث على واقع الاقتصاد البحريني فحدث ولا حرج، بدأ بإلغاء احتضان حلبة البحرين الدولية لسباق الفورمولا واحد للسيارات لموسم 2011 وليس انتهاء بتخفيض مستوى الملاءة المالية للمملكة. ففي خضم الأحداث قررت مؤسسة (ستاندرد أند بورز) تخفيض المستوى الائتماني للبحرين للأجلين الطويل والقصير درجة واحدة إلى (أي ناقص وأي ناقص 2) على التوالي الأمر الذي من شأنه تقليل الجاذبية الاستثمارية للمملكة.

كما بلغ حجم الخسائر التي لحقت بالاقتصاد البحريني نحو ملياري دولار استناداً لتصريح د.عصام فخرو رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين في شهر أغسطس 2011. يعد هذا الرقم كبيراً كونه يساوي نحو 9.5 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبحرين والذي يبلغ 21 مليار دولار.

لا بد من بذل جهود من مختلف الأطراف ذات العلاقة لمعالجة تداعيات أخطر أزمة تشهدها البحرين منذ استقلاها

إضافة إلى ذلك، تعرضت سمعة البحرين لأضرار سياسية على الصعيد العالمي شملت انتقادات موجهة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما بخصوص المعتقلين وأخرى من وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ لطريقة إدارة الأزمة. أما على الصعيد المحلي، فقد تسببت الأزمة في تقديم نواب جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، صاحبة أكبر كتلة برلمانية، استقالاتهم احتجاجاً على طريقة إدارة السلطة للأزمة. كما هددت الأزمة بإحداث شرخ في البلاد على أساس طائفي الأمر الذي يشكل تهديداً للسلم الأهلي.

بمعنى آخر، يقتضي الصواب بذل جهود من مختلف الأطراف ذات العلاقة لمعالجة تداعيات أخطر أزمة تشهدها البحرين منذ استقلاها من بريطانيا في عام 1971. ومؤكد أيضاً أنه لا مناص من تطوير حلول شاملة تعالج لب المشكلة حيث لا مجال للحلول الترقيعية نظراً لجدية وضخامة الأزمة. بدورنا، نتقدم بالمقترحات والتوصيات التالية في ضوء معاصرتنا للأزمة في البحرين، مستفيدين في الوقت نفسه من حصولنا على فرص لزيارة كل من تونس ومصر في أعقاب الربيع العربي.

 أولاً: عدم اللجوء لخيار العنف

المطلوب من جميع الأطراف نبذ خيار العنف كوسيلة للتعامل لسبب جوهري وهو أن العنف ليس أكثر من حلقة متواصلة من القتل والتدمير ولا يفرق بين الناس بل يهدد بدخول البلاد في نفق مظلم. وهناك من التجارب التي تؤكد الخطر الاستراتيجي للجوء للعنف من قبيل أفغانستان والصومال.

إلصاق تهمة الأحداث التي شهدتها البحرين بإيران لن يساهم في حل التحديات

 ينطبق هذا الكلام على المشاركين في المسيرات من جهة والأطراف الرسمية من جهة أخرى. فقد تبين من خلال التجربة أن أناساً أبرياء يؤمنون بالعمل السياسي السلمي فقدوا حياتهم بسبب العنف. وفي مقدمة هؤلاء رجل الأعمال (عبدالكريم فخرواي) المساهم في إحدى الصحف اليومية وصاحب مكتبة. وربما كان من الممكن تفادي الأزمة التي عصفت بالبحرين في حال عدم سقوط أحد المتظاهرين أمام منزله بتاريخ 14 فبراير وشخص آخر في اليوم التالي أثناء تشييع الأول.

 ثانياً: تحاشي بعض الشعارات والتصرفات غير الواقعية

من جهة أخرى، من الأهمية بمكان تجنب المتظاهرين ترديد بعض الشعارات غير الواقعية من قبيل (الشعب يريد إسقاط النظام) وهو الشعار المستورد من تجارب أخرى من الربيع العربي. على أقل تقدير، يوحي هذا الشعار بوجود نية لإسقاط النظام الأمر الذي يفسح المجال للطرف الآخر بتبني مواقف متصلبة. كما ليس من المناسب تنفيذ أعمال مرفوضة مجتمعياً مثل إغلاق بعض الشوارع العامة لثني الناس عن الذهاب إلى أعمالهم أو السيطرة على أماكن حيوية كما حدث مع مرفأ البحرين المالي وسط العاصمة.

في المقابل، المطلوب من الجهات الرسمية عدم السماح بنشر ثقافة الكراهية في أي مجال كان وخصوصاً عبر التلفزيون الرسمي فضلاً عن الراديو والصحف اليومية. كما ليس من المناسب فصل الآلاف من الموظفين أو توقيفهم عن العمل أو الدارسة بناء على توجهاتهم السياسية وأحياناً المذهبية.

يمكن اعتبار حوار التوافق الوطني بمثابة مرحلة من مراحل الحوار وليس نهاية المطاف

 ثالثاً: تعزيز ثقافة الحوار

في المقابل، لا مناص من تبني جميع الأطياف بدءاً بالسلطة لخيار الحوار كقاعدة وليس استثناء. مؤكداً أن مختلف دول العالم تواجه وبصورة مستمرة تحديات متنوعة (سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وبيئية) وربما متشابهة لحد ما في هذا العصر أي عصر العولمة لكن يجب مواجهة التحديات في جميع الأوقات عبر الحوار.

كما لا بد من اعتبار الحوار عملية متواصلة وليست مرتبطة بفترة زمنية. وعليه لا يمكن اعتبار (حوار التوافق الوطني) والذي طرحته السلطة واستمر لنحو شهر واحد وانتهى قبل شهر رمضان المبارك نهاية المطاف بالنسبة للحوار. وفي هذا الصدد، انسحبت الوفاق من الحوار لإظهار امتعاضها من طريقة سير العمل في الحوار وجدول الأعمال الممتلئ بمختلف القضايا العامة دونما التركيز على المسائل محل الخلاف بين السلطة والمعارضة.

وحتى على فرضية نجاح (حوار التوافق الوطني) وهذا ما لم يتحقق أصلاً، فإن المشروع لم يتمكن من وضع الحلول الناجعة والكفيلة بوضع حد لحالة الاحتقان التي تعيشها البلاد. على أقل تقدير، يمكن اعتبار حوار التوافق الوطني بمثابة مرحلة من مراحل الحوار وليس نهاية المطاف. ويميل لهذا الرأي بعض الدبلوماسيين الغربيين والذين حصلنا على فرص الحديث إليهم. باختصار، لا مناص من إجراء حلقة جديدة من الحوار بين السلطة والمعارضة بقيادة جمعية الوفاق (حصل مرشحو الوفاق للمجلس النيابي وعددهم 18 من أصل 40 عضواً على 64 في المائة من أصوات الناخبين في انتخابات 2010).

الجميل في الأمر هو وجود قناعة لدى أطراف في السلطة لتعزيز الحوار الوطني بهدف الوصول لحلول للأزمة التي تعيشها البلاد. وقد لفت نظري كلام لولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة خلال زيارة لإحدى المجالس الرمضانية حيث صادف وجودي هناك ابتهاجه بالزيارات الرمضانية التي تشتهر بها البحرين خلال الشهر الفضيل مبدياً رغبته بالاستمرار في اللقاءات حتى بعد انتهاء شهر رمضان. كما كشف عن رغبته بتدشين مجلس دائم له بعد شهر رمضان بغية مواصلة الأحاديث مع الناس.

 رابعاً: محاربة كافة أشكال التمييز

ربما يكون من مصلحة البحرين استصدار قانون يجرم كافة أشكال التمييز بين المواطنين على أي أساس كان وخصوصاً التمييز الطائفي. مؤكداً أنه لا يمكن إنكار وجود شعور لدى قطاع من الشعب بأنهم يتعرضون للتمييز في الوظائف أي عدم وجود تكافؤ لأسباب عقائدية. أما الزعم بعدم وجود تمييز إنما هو هروب للأمام نظراً لأن هذا الموضوع عبارة عن مسألة يومية في البحرين.

حقيقة القول، يعد التنوع الثقافي في البحرين مصدر قوة كما هو الحال بالنسبة للهند والولايات المتحدة. لكن يجب عدم معاملة البعض معاملة خاصة بسبب انتمائهم القبلي أو العائلي أو المناطقي فضلاً عن العقائدي. وربما تحتاج البحرين لنوع من التوازن العقائدي في الفرص لفترة زمنية لضمان حصول تمثيل لمختلف فئات المجتمع لحين زوال هذه المعضلة. وفي كل الأحوال، تعتبر الطائفية مسألة خطرة، وعليه المطلوب محاربتها بكافة الأشكال لأنها تشكل تهديداً لوحدة المجتمع.

 خامساً: تحاشي إلقاء اللوم على أطراف ذاتية

نزعم بأن التحديات في البحرين محلية الصنع لكنها بكل تأكيد تتأثر بالأوضاع الإقليمية والدولية تماماً كما حدث تزامناً مع الربيع العربي. صحيح أن الاحتجاجات التي بدأت في منتصف فبراير 2011 تأثرت من حيث التوقيت بالربيع العربي لكنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها البحرين احتجاجات سياسية.

بل إن غالبية القضايا التي تم طرحها أثناء الحركة الاحتجاجية الأخيرة ليست وليدة الساعة، فمطلب تعديل الدوائر الانتخابية يعود لسنوات خلت أو على الأقل منذ انتخابات 2002. والحال نفسه بالنسبة لمطلب حصر السلطة التشريعية بالمجلس النيابي المنتخب دونما منافسة من مجلس الشورى المعين.

كما أن تطبيق مبدأ صوت واحد لكم مواطن يعود لفترة زمنية. وقد تبين من تجربة انتخابات 2010 بأن هذا المبدأ غير مطبق، فقد ثبت بأن عدد الناخبين بالدائرة الأولى في المحافظة الشمالية مساو لعدد الناخبين في ست دوائر مجتمعة يمثلون فيما بينهم المحافظة الجنوبية. وربما يكون من المناسب تحويل البحرين إلى دائرة واحدة نظراً لصغر حجم المملكة، حيث تذهب المقاعد البرلمانية لأفضل أربعين مرشحاً على فرضية عدم إجراء تغيير في عدد أعضاء المجلس النيابي.

بمعنى آخر، ليس من المناسب إطلاق اللوم على الجهات الأخرى كالحكومات والمنظمات الدولية والمؤسسات الإعلامية بالوقوف وراء أية أحداث في البحرين أو غيرها. كما لا يمكن تحاشي الأبعاد الخارجية للقضايا المحلية كوننا نعيش في عصر العولمة والتقنية والمواقع الاجتماعية أي حدوث تلاشٍ للجغرافيا.

وبشكل أدق، ليس من الصواب توجيه اللوم لإيران بأنها تقف وراء الأحداث في البحرين وهذا هو رأي العديد من الدبلوماسيين الغربيين. لكن لا يمكن إنكار تصاعد اهتمام وسائل الإعلام الإيرانية بأوضاع البحرين بعد اندلاع الأحداث لأسباب تشمل العامل العقائدي. وربما اهتمت وسائل الإعلام الإيرانية بشكل نوعي بأحداث البحرين بعد دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين على خلفية محاولة كل من السعودية وإيران تعزيز وجودها الإقليمي. عموماً، إلصاق تهمة الأحداث التي شهدتها البحرين بإيران لن يساهم في حل التحديات بل يعد دليلاً على تدويل المشكلة. فضلاً عن وسائل الإعلام التابعة لإيران، فقد ثبت وجود اهتمام بأحداث البحرين من قنوات أخرى بما في ذلك قناة الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية والتي سلطت الأضواء على البحرين في شهر أغسطس.

 سادساً: تقدير أهمية منطقة الخليج

حقيقة القول، لا يمكن تحاشي الاهتمام العالمي بكل ما يحدث في دول مجلس التعاون الخليجي لأسباب تشمل الأهمية النسبية لهذه المنطقة فيما يخص القطاع النفطي أي النفط والغاز أي أهم مصادر الطاقة. فحسب تقرير الطاقة ومصدره شركة بريتيش بتروليوم، تستحوذ السعودية على نحو 19 في المائة من الاحتياطي النفطي المكتشف عبر امتلاكها احتياطياً مكتشفاً بحجم 265 مليار برميل. كما تسيطر كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة على 7.3 في المائة و7.1 في المائة من الاحتياطي النفطي العالمي على التوالي. ثم تأتي قطر بنحو 1.9 في المائة فعمان بنسبة 0.4 في المائة. وفيما يخص الإنتاج النفطي، تعتبر السعودية ثاني أكبر منتج نفطي في العالم بعد روسيا لكن أكبر مصدر للنفط الخام على مستوى العالم.

كما تستحوذ دول مجلس التعاون الخليجي على حصص مؤثرة فيما يخص صناعة الغاز بدليل سيطرة قطر على 13.5 في المائة من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي. وهذا يعني حلول قطر في المرتبة الثالثة عالمياً بالنسبة للاحتياطي بعد كل من روسيا وإيران واللتين تمتلكان 23.9 في المائة و15.8 في المائة على التوالي. لكن تتميز قطر بجوانب مختلفة في قطاع الغاز حيث تعد أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم.

المؤكد أنه ليس بمقدور أي طرف إبعاد الاهتمام العالمي بأحداث دول مجلس التعاون وخصوصاً في هذا العصر الذي يتميز بالتقنية وسرعة انتشار المعلومات. والأهم من ذلك أنه لا مناص للجهات الرسمية والمعارضة بشكل عام والوفاق بصورة خاصة من الدخول في مفاوضات مع الجهات الرسمية بغية تقديم العون للخروج من الأزمة بأقل التكاليف الممكنة.

يوجد كلام في الثقافة الأمريكية مفاده أن الإنسان يواجه مشكلة تلو الأخرى طالما أنه حي يرزق، لكن المطلوب منه إدارة المشكلات بصورة صحيحة. ويبدو أن هذا الكلام ينطبق بالضرورة على الجهات المسؤولة في المؤسسات والدول لإدارة الأزمات بحنكة وعدم السماح لها بأن تتفاقم وبالتالي تخرج عن نطاق السيطرة.

 

مجلة آراء حول الخليج