; logged out
الرئيسية / الكونفدرالية حل وسط يضمن تحقيق مكاسب للأكراد وبقاء كردستان ضمن العراق

العدد 124

الكونفدرالية حل وسط يضمن تحقيق مكاسب للأكراد وبقاء كردستان ضمن العراق

الثلاثاء، 31 تشرين1/أكتوير 2017

شهدت منطقة الشرق الأوسط حدث سياسي بالغ الأهمية تمثل بقيام إقليم كردستان العراق إجراء استفتاء في 25/9/2017م، استنادًا إلى حق تقرير المصير الذي أعلنه قادة الإقليم، تمهيدًا لإنشاء دولة جديدة ذات طابع قومي ترتكز على العرق الكردي، لاسيما وأنهم يشعرون بمظلومية تاريخية لعدم قيام وطنهم، ويعد هذا الحدث بمثابة زلزال سياسي امتدت ارتداداته داخليًا وإقليميًا ودوليًا، وعليه فإن هذا البحث هو محاولة مختصرة لبيان أبرز المواقف الداخلية والإقليمية والدولية، وأثر ذلك على مستقبل كردستان العراق، بتناول المحاور الآتية:

 

أولاً-مجريات استفتاء كردستان العراق:

قُبيل إجراء عملية الاستفتاء أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني في 24/9/2017م، عن المضي قدمًا بإجراء الاستفتاء رغم كل الجهود والوساطات والمفاوضات التي حاولت ثنيه، إذ رفض العودة إلى ما أسماها "الشراكة الفاشلة"، مؤكدًا بأن الاستفتاء سوف يشمل إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، ودعا شعب كردستان إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع وتقرير مصيره، وأعلن عن استعداد الأكراد لإجراء مفاوضات مع الحكومة في بغداد بعد الاستفتاء([1]).

وبالفعل جرى الاستفتاء في 25/9/2017م، وأعلنت المفوضية العليا للاستفتاء أن نسبة المشاركة بلغت (78%)([2]).  وأن المحافظات التي شملها الاستفتاء هي السليمانية ودهوك وأربيل، وبعض المناطق المتنازع عليها وهي: محافظة كركوك، وأجزاء من محافظة صلاح الدين، ونينوى، وديالى، وبحسب المفوضية فقد تم تخصيص (1730) مركزًا للاقتراع، و (6746) محطة انتخابية، وأما بخصوص نسبة المشاركة فكانت في أربيل (84%)، ودهوك (90%)، وكركوك (78.77%)، وسهل نينوى (80%)، وخانقين (92%)، وعقرة (94%)، ومخمور (87.3%)، وسوران (86%)، وزاخو (94%)([3]).

 أعلنتالمفوضيةعن نتائج الاستفتاء في 27/9/2017م، في مؤتمر صحفي من أربيل "أن أعداد من لهم الحق بالتصويت كانت 4 ملايين و581 ألفًا، شارك منهم 3 ملايين و305 آلاف في أربيل، والسليمانية، ودهوك، وكركوك، وحلبجة، والمناطق خارج الإدارة الكردستانية، إضافة إلى الكردستانيين في الخارج"، وأضاف (هندرين محمد) رئيس المفوضية "أن مليونين و861 الفاً و471 شخصًا صوتوا بنعم؛ ما يعادل 92.73%، بينما صوت 224 الفا و468 شخصًا بلا، بما يعادل 7.27%"، كما أشار إلى أنه تم استبعاد 170 ألفًا و611 صوتًا، واحتساب 40 ألفًا و 11 صوتًا كأصوات باطلة، و 9 آلاف و 368 ورقة بيضاء " ([4]).

ولعل من المؤشرات المهمة لهذا الاستفتاء أنه وسيلة لتحقيق أهداف سياسية قد تقود إلى الاستقلال وليس غاية بحد ذاته، كما أنه مؤشر على تراجع العملية السياسية العراقية المبنية على التوافق السياسي، فهو دليل على تفكك العقد السياسي بين القوى الرئيسة التي حكمت العراق منذ العام 2003م، لاسيما بين الحزبين الكرديين (الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني) وبين الأحزاب الدينية والأحزاب الأخرى([5]).

ومن الجدير بالذكر أن إقليم كردستان قد أعلن في 1/10/2017م، عن حل مجلس الاستفتاء وتشكيل مجلس سياسي للتعامل مع نتائج الاستفتاء([6]). وهذا مؤشر واضح الدلالة بأن نتيجة الاستفتاء باتت شيء من الماضي وعلى حكومة بغداد أن تستعد للمعطيات الجديدة للاستفتاء على الأرض.

وفي الواقع أن السعي الدؤوب للأكراد منذ قرن لتكوين دولة مستقلة شجعهم على استغلال الأزمات العراقية، وعلى هذا الأساس فإن الاستفتاء هو انعكاس لحالة الفوضى التي تعصف بالعراق أكثر منه دلالة على جاهزية الأكراد لإقامة دولة خاصة بهم([7]).

علمًا أن المكاسب الكردية تعددت وتنوعت بين المكاسب الشخصية والجغرافية، ولعل أبرزها:

1-هذا الاستفتاء يأتي ضمن إطار الطموحات الشخصية للزعيم الكردي (مسعود البرزاني) الساعي إلى ضمان مستقبل سياسي أفضل لابنه (مسرور)، لا سيما بعد أن أحكمت عائلة البرزاني السيطرة ليس على الحزب الديمقراطي الكردستاني فحسب، وإنما على مفاصل الحكم في إقليم كردستان، أي أصبح مشروع عائلة أكثر من كونه مشروع أمة([8]).

2-توقيت الاستفتاء يأتي ضمن استثمار الفرص فالجيش العراقي مشغول بحرب مع داعش على جبهات متعددة، ومن جهة أخرى نجاح القوات الكردية (البشمركة) من السيطرة على المناطق المتنازع عليها وفق المادة (140) من الدستور العراقي، مما يوفر هذا الاستفتاء فرصة مثالية للتمدد الجغرافي وضمها لإدارة الإقليم([9]).

وعمومًا الاستراتيجية الكردية في المرحلة القادمة تقوم على أساس إدارة الأزمة من منطلق التسليم بنتائج الاستفتاء، وأن الحوار هو الأساس في إدارة الأزمة مع الحكومة الاتحادية، ورفض أي شروط مسبقة للحوار، وتجنب التصعيد كون ذلك يعزز من رصيدها الإقليمي والدولي، وإيصال رسالة مفادها أن مشروع الدول الكردية هي دولة سلام لا تهديد وحرب لأي طرف.

 

ثانيًا-موقف الحكومة الاتحادية من الاستفتاء:

مثل استفتاء إقليم كردستان وقعًا سيئًا وأزمة كبيرة على شركاء العملية السياسية، ولهذا شرعت الحكومة الاتحادية بحزمة عقوبات، وتصاعدت حدة التوتر، وحتى التهديد إذا ما أقدم الساسة في كردستان على الانفصال، وعليه سوف نتطرق إلى أبرز هذه العقوبات نظرًا لكثرتها.

وفي هذا الخصوص صوَّت مجلس النواب في 25/9/2017م، على قرار بعدم دستورية الاستفتاء بالوقت ذاته انسحبت الكتل الكردية من هذه الجلسة([10]). وقد طالب مجلس النواب الحكومة الاتحادية باتخاذ الإجراءات الآتية([11]):

1-  إلزام القائد العام للقوات المسلحة بالحفاظ على وحدة العراق، ونشر القوات في كل المناطق التي سيطر عليها الإقليم بعد العام 2003م، ومن الناحية الدستورية فإن الحكومة باتت ملزمة بالامتثال إلى قرار البرلمان.

2-  مطالبة الحكومة باستدعاء السفراء والممثلين للدول التي لديها ممثليات لغرض معرفة موقفها الصريح بخصوص الاستفتاء.

3-  المطالبة بغلق المنافذ الحدودية التي تقع خارج السلطة الاتحادية، واعتبار البضائع التي تدخل منها بضائع مهربة.

4-  المطالبة بإعادة الحقول الشمالية في كركوك والمناطق المتنازع عليها إلى إشراف وسيطرة وزارة النفط الاتحادية، ومنع سيطرة أي قوة تابعة للأحزاب الكردية، ومنع التنقيب في المناطق المختلطة والمتنازع عليها.

5-  المطالبة بمنع تهريب النفط وعدم السماح بالتصدير إلا من خلال الحكومة الاتحادية، وإعادة النظر في جميع النفقات السيادية والحاكمة والرواتب والتقاعد للموظفين الاتحاديين الذين شاركوا في الاستفتاء.

ومن جانبه أعلن رئيس الوزراء (حيدر العبادي) في 26/9/2017م، عن رفضه لنتائج الاستفتاء، وأمهل الإقليم ثلاثة أيام لتسليم المنافذ الحدودية والمطارات إلى السلطة الاتحادية، مؤكدًا "أن بغداد لن تتفاوض بشأن نتائج الاستفتاء"، كما اتخذ مجلس الوزراء مجموعة من القرارات تتضمن غلق المنافذ الرسمية وغير الرسمية بين إقليم كردستان والدول المجاورة، وأن الموارد النفطية يجب أن تعود إلى الموازنة الاتحادية لغرض توفير الرواتب للموظفين ومن ضمنهم الكرد([12]).

فضلاً عما تقدم فرضت الحكومة الاتحادية حظر الطيران مع إقليم كردستان ودخل حيز التنفيذ في 29/9/2017م، ويستثنى من هذا القرار الرحلات الإنسانية والعسكرية والدبلوماسية([13]). كما صوت مجلس النواب في 3/10/2017م، على إجراءات عقابية جديدة أهمها إيقاف التعاملات المالية والمصرفية مع أربعة مصارف أساسية في كردستان([14]). مما سيؤثر بصورة مباشرة على السيولة النقدية للعملة الأجنبية في كردستان، كما سيؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار.

وفي إطار التصعيد الذي تشهده أزمة استفتاء إقليم كردستان تبنى المجلس الوزاري للأمن الوطني في جلسته التي عقدها في 9/10/2017م، مجموعة من القرارات العقابية ضد إقليم كردستان منها: وضع شبكات الاتصالات للهواتف الجوالة تحت سيطرة السلطة الاتحادية ونقلها إلى بغداد، كما طلبت الحكومة الاتحادية رسميًا من إيران وتركيا بغلق المنافذ الحدودية مع الإقليم لحين تسلم إدارتها من قبل الحكومة الاتحادية، وأن يكون التعامل مع الحكومة الاتحادية حصرًا([15]). فضلاً عن متابعة " رفع الدعوى من قبل الادعاء العام لملاحقة موظفي الدولة ضمن الإقليم، من الذين نفذوا إجراءات الاستفتاء المخالفة لقرارات المحكمة الاتحادية"، كما تابع المجلس أيضًا " الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل فريق استرداد الأموال العراقية، بمتابعة حسابات إقليم كردستان وحسابات المسؤولين في الإقليم؛ ممن تودع أموال تصدير النفط في حساباتهم، وعرض تقرير اللجنة المكلفة بهذا الملف والذي تضمن العديد من القرارات التي ستسهم في استرداد الأموال العراقية وملاحقة الفاسدين"([16]).

وعليه يتضح بأن الخيارات المتاحة التي لجأت اليها الحكومة الاتحادية تجاه إقليم كردستان هي تشديد العقوبات الاقتصادية، ومحاولة فرض عزلة سياسية على الإقليم عن طريق التعاون مع الدول الرافضة للاستفتاء لاسيما تركيا وإيران، ويدعم ذلك استعراض للقوة العسكرية.

 

ثالثًا-الموقف الإقليمي من الاستفتاء:

أثارت خطوة الاستفتاء ردود فعل إقليمية واضحة لعل أبرزها الموقف التركي والإيراني، إذ رفضت هذه الخطوة وحذرت من تداعياتها، علمًا أن السبب الرئيس يكمن أن في كلا البلدين توجد فيها القومية الكردية، ولديهم نزعة انفصالية، ومن المفارقات أنهم امتداد جغرافي طبيعي لكردستان العراق، مما سيؤثر حتمًا في المستقبل على تركيا وإيران.

ومن الجدير بالذكر أن استفتاء كردستان العراق قد انعكس بشكل واضح على خارطة العلاقات الإقليمية ولاسيما تركيا وإيران والعراق، بل شهدت العلاقات فيما بينهم تقارب غير مسبوق، فرغم الخلافات التي كانت بينهم إلا أن موقفًا واحدًا جمعهم وهو رفض الاستفتاء وانفصال شمال العراق، إذ تعتبره خطرًا استراتيجيًا يهدد أمنهم القومي، ولعل أبرز صور هذا التقارب أن هذه الدول شكلت لجان تنسيق وتعاون سياسي وعسكري واستخباراتي من أجل العمل على إفشال مشروع الانفصال، وإجراء مناورات مشتركة بين تركيا والعراق بالقرب من معبر الخابور على حدود العراق الشمالية، فضلاً عن لقاءات رؤساء أركان جيوش هذه الدول، وكبار القادة والمسؤولين في إيران وتركيا لتنسيق المواقف فيما بينهم ([17]).

وفيما يلي استعراض لأهم ردود الفعل الإقليمية:

1-الموقف التركي:

أعلنت الخارجية التركية في بيان لها في 25/9/2017م، أن تركيا لا تعترف باستفتاء كردستان الذي وصفته بأنه "محاولة انفصالية فاقدة لجميع أنواع الشرعية والأساس القانوني، سواء بالنسبة إلى القانون الدولي أو الدستور العراقي"، كما اعتبرته " في حكم الملغي من حيث نتائجه"، كما أكدت بأن تركيا " ستتخذ جميع التدابير في ضوء الصلاحيات التي يمنحها القانون الدولي والبرلمان التركي، في حال تعرض أمنها القومي للخطر من جراء استغلال الإرهابيين وعناصر متطرفة للوضع الذي سينجم عقب الاستفتاء في الإقليم أو أي تهديد لأمنها القومي في عموم العراق" ([18]).

ولأهمية الحدث السياسي للاستفتاء قام الرئيس التركي (أردوغان) بزيارة إيران في 4/10/2017م، والتقى بنظيره الإيراني (حسن روحاني)، واتفق الطرفان على رفض الخطوة الكردية، وتنسيق الجهود للرد عليها، واعتبار الاستفتاء غير شرعي على الإطلاق، وقال الرئيس التركي: "ما هذا الاستفتاء الذي لا تعترف به دولة في العالم سوى إسرائيل؟ عندما يصدر هكذا قرار عقب التباحث مع الموساد… فلا سند قانوني له"، وأضاف: "تصدرت أجندتنا المسألة العراقية، التي نعمل على حلها عبر آلية ثلاثية في الوقت الراهن"، في إشارة إلى التنسيق بين تركيا وإيران والعراق([19]).

2-الموقف الإيراني:

إن استراتيجية التعامل الإيراني مع هذه الأزمة استندت على تشكيل محور ثلاثي يضمها إلى جانب تركيا والعراق، واعتماد أسلوب تكثيف الضغوط على إقليم كردستان لثنيها عن الإجراءات التي ستعقب الاستفتاء التي ربما تقود إلى الانفصال، وتعد الزيارات المتبادلة للقادة العسكريين والمسؤولين السياسيين ومن أعلى قمة الهرم لا سيما بين تركيا وإيران دليل على مدى مخاوفهما من إثارة هذا الاستفتاء للمشاعر القومية للأكراد في بلديهما، لا سيما وأن لهم ماضي انفصالي.

حيث قامت جمهورية مها باد في شمال غرب إيران في العام 1946م، وبدعم مباشر من الاتحاد السوفياتي، ولكنها سرعان ما انهارت، وعليه فإن إيران ترى في استفتاء إقليم كردستان العراق  تهديدًا لسيادتها وايديولوجيتها الإسلامية، ولا بد من منع الانفصال وتكوين دولة كردية مستقلة([20]).

ووصف وزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف) في 28/9/2017م، الاستفتاء الكردي بأنه "خطأ استراتيجي جسيم"، ومن جانبه أكد (علي شمخاني) الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بأن "خارطة الطريق التي تعمل عليها إيران حاليًا مع حكومة بغداد تشمل عقوبات اقتصادية، وحصارًا لإقليم كردستان مع لقاءات موسعة مع القادة الأكراد لحملهم على التراجع عن ميولهم الانفصالية"([21]).

كما أجرت القوات الإيرانية والعراقية مناورات مشتركة على بعد 250 متر من حدود إقليم كردستان العراق في 2/10/2017م([22]).

علمًا أن استفتاء إقليم كردستان قد هيمن على لقاء القمة الذي جمع الرئيس التركي عند زيارته لإيران في 4/10/2017م، ولقائه بنظيره الإيراني (حسن روحاني) وبمرشد الثورة (علي خامنئي)، وقد أعرب الأخير عن مخاوفه من أن الغرب يسعى من وراء هذا الاستفتاء إلى خلق إسرائيل جديدة في المنطقة، ووسيلة جديدة للخلافات والصراعات، كما اعتبر الاستفتاء خيانة للمنطقة، وتهديدًا لمستقبلها، وأن على إيران وتركيا اتخاذ أي خطوة ممكنة لمواجهة هذا الحدث([23]).

 

3-موقف الأزهر:

رفض الجامع الأزهر استفتاء إقليم كردستان العراق، وأكد حرصه على وحدة الأراضي العراقية، وأن دعوات الانفصال على أسس طائفية وعرقية سوف تزيد من فرقة الأمة العربية والإسلامية مما سيخدم المخططات الاستعمارية، كما أعرب الأزهر في بيانه عن أسفه من رفع الأعلام الإسرائيلية في احتفالات نتائج الاستفتاء([24]).

4-الموقف الإسرائيلي:

تدل بعض المؤشرات على تورط إسرائيلي في قضية استفتاء إقليم كردستان لعل أبرزها رفع العلم الإسرائيلي إلى جانب العلم الكردي في شوارع كردستان ابتهاجًا بنتائج الاستفتاء.

وقد عبر عن هذه الحالة الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) في 30/9/2017م، قائلاً: "هذا يثبت أمرًا أن لهذه الإدارة تاريخًا مشتركًا مع الموساد. إنهما يسيران يدًا بيد"([25]).

وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي الرسمي فقد نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) في 1/10/2017م، أن يكون لإسرائيل أي دور في استفتاء إقليم كردستان العراق([26]). قائلاً: " لكن إسرائيل لم تكن ضالعة، ولم تشارك في الاستفتاء الكردي، باستثناء التعاطف العميق والعلاقة الطبيعية الطويلة الأمد ما بين الشعب الإسرائيلي والشعب الكردي وتطلعاته"([27]).

وهناك من يرى بأن الموقف الإسرائيلي هو الموقف الوحيد والصريح في دعمه لمساعي الإقليم نحو الانفصال، ومساندته لقيام دولة كردية منفصلة عن العراق كون ذلك يخدم إسرائيل، لا سيما وأن الزعماء الكرد لديهم استعداد لبناء علاقات معها([28]).

 

رابعاً-الموقف الدولي من الاستفتاء:

أتسم الموقف الدولي عمومًا برفض الاستفتاء والتصريح بعدم شرعيته ابتداءً من منظمة الأمم المتحدة ومرورًا بالولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وغيرها من القوى الكبرى، داعيةً بالوقت ذاته الأطراف بالتزام التهدئة والحوار.

وفي هذا الخصوص حذرت وزارة الخارجية الروسية الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان من اتخاذ أية خطوات قد تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، وحثت الجانبين على إجراء محادثات للتوصل إلى حل في إطار دولة عراقية موحدة، كما أعلنت الخارجية الروسية في بيان لها في 27/9/2017، أن موسكو تحترم الطموحات الوطنية للكرد لكنها تحبذ الحفاظ على وحدة العراق، وفي الوقت ذاته حذرت فرنسا من أن إعلان الاستقلال سيزعزع على الأرجح المنطقة، لكنها دعت الحكومة الاتحادية إلى منح الكرد قدرًا أكبر من الحكم الذاتي، وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الفرنسي (جان إيف لو دريان): إن "الأمر المستحب اليوم هو دمج الكرد العراقيين في إعادة بناء العراق والمصالحة من خلال الحصول على أكبر قدر ممكن من الحكم الذاتي" ([29]). كما قدمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والأمم المتحدة مبادرات تدعو في مجملها إلى التهدئة وعدم التصعيد بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان([30]).

علمًا أن وزير الخارجية الأمريكي (ريكس تيلرسون) أعلن في 29/9/2017م، أن بلاده لا تعترف بالاستفتاء الأحادي لاستقلال كردستان، ودعا جميع الأطراف إلى الحوار وضبط النفس، وأضاف: " أن التصويت والنتائج يفتقران إلى الشرعية، ونواصل دعمنا عراقًا موحدًا اتحاديًا ديمقراطيًا "، ومن جانبه وجه الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) دعوة إلى رئيس الوزراء (حيدر العبادي) إلى زيارة باريس لبحث أزمة الاستفتاء([31]). وبالفعل لبى رئيس الوزراء (حيدر العبادي) هذه الدعوة، وزار فرنسا على رأس وفد وزاري واستمرت ليومين 4 – 6/10/2017م، وأعرب (إيمانويل ماكرون) في مؤتمر صحفي عن استعداد فرنسا للتوسط بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان([32]). وتتمحور مبادرة الرئيس (إيمانويل ماكرون) بفتح باب الحوار والابتعاد عن المواجهة المباشرة، وتجنب التصعيد، وإفساح المجال أمام مفاوضات قد تقود إلى معالجة الأمر، والتوصل إلى خطة تفاوض مع حكومة الإقليم في أربيل، وهو أمر لم يرفضه السيد (حيدر العبادي)([33]).

ولا بد من الإشارة إلى أن الحكومة الاتحادية في بغداد تشعر بالارتياح من الموقف الإقليمي والدولي تجاه استفتاء كردستان وقضية انفصال الأكراد، ولا سيما الموقف الإقليمي، حتى أصبحت الحكومة الاتحادية تعول عليه كثيرًا كونه يمثل خطرًا يهدد الأمن القومي لكل من إيران وتركيا، ويحدث تحولات خطرة في الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط.

 

خامسًا-رؤى مستقبلية لاستفتاء كردستان العراق:

إن مؤشرات الواقع ومجمل التصريحات الصادرة لا سيما من الطرف الكردي تدل على أن الاستفتاء شيء من الماضي، وأن أي حوار مستقبلي يجب أن يستند على المعطيات التي أفرزها هذا الاستفتاء، لاسيما وأن هذا الاستفتاء قد عبر عن رغبة الشعب الكردي الواضحة في قيام دولة خاصة بهم، وربما أن هذا الإصرار من القيادة الكردية تقف وراءه بعض القوى الخارجية التي مثلت قوة دعم لهم وفضلت العمل في الخفاء خشية من ردة فعل ضدها، أو حتى ان تقوم بدور مزدوج فمن جهة تعلن معارضتها للاستفتاء وبنفس الوقت تدعو إلى الحوار وعدم التصعيد وحتى رفض الاستفتاء اذا تطلب الأمر، إلا إنها تؤدي بالوقت ذاته دور الضامن لأمن إقليم كردستان من أي ردة فعل من قبل الحكومة الاتحادية لاسيما اذا كانت ردة الفعل ذات طبيعة عسكرية. وعليه فإن مستقبل هذا الاستفتاء يتمحور حول السيناريوهات الآتية:

1-نجاح الاستفتاء وقيام الدولة الكردية:

يستند هذا السيناريو على مؤشرات مهمة وهي أن القيادة الكردية اتبعت استراتيجية دفاعية تجاه الضغوط الداخلية والخارجية، وأظهرت درجة كبيرة من الصمود، كما أن نتيجة الاستفتاء التي صوتت لصالح الاستقلال بأكثر من (92%) يعني أن هناك إجماع داخلي حول قضية قيام دولة خاصة بهم، فضلاً عن قوة عسكرية المتمثلة بـ(البشمركة) التي استفادت من الدعم الغربي لها خلال الحرب على داعش، وغيرها كلها نقاط قوة تراهن عليها القيادة الكردية.

2-فشل الاستفتاء وعودة الإقليم إلى الحكومة الاتحادية العراقية:

ينطلق هذا السيناريو من مؤشرات عدة منها دور ضغوط الحكومة الاتحادية، والرفض الإقليمي والدولي للاستفتاء، ومن ثم الأضرار التي ستلحق بالإقليم في ضوء تصاعد التهديدات الداخلية والإقليمية، ومن منطق الربح والخسارة فان القيادة الكردية ستعدل عن الانفصال، وتبقى مسألة نتيجة الاستفتاء مجرد عملية استشارية وغير ملزمة قانونيًا.

3-التوصل إلى حل الكونفدرالية:

        تأتي صيغة الكونفدرالية كحل وسط بين الإقليم والحكومة الاتحادية من أجل الخروج من الأزمة الراهنة، وطبعًا سيحقق الأكراد مكاسب مهمة اقتصادية وسياسية وحتى جغرافية، وفي المقابل ستنجح الحكومة الاتحادية بعودة الإقليم إلى السيادة العراقية، وتجنب خيار الانفصال وما يترتب عليه من مسؤولية تاريخية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ العلاقات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد

 

([1]) صحيفة المدى، بارزاني: سنفاوض بغداد بعد الاستفتاء ولا عودة للشراكة الفاشلة (بغداد:مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون، العدد 4026، 25/9/2017).

([2]) صحيفة الشرق الأوسط، الأكراد اقترعوا على وقع عقوبات الجوار: مفوضية الاستفتاء تقدر نسبة التصويت بـ78% (الرياض: الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، العدد 14182، 26/9/2017).

([3]) صحيفة الأخبار، 80% نسبة المشاركة في الاستفتاء: النتائج تعلن خلال 72 ساعة (بيروت: العدد 3283، 26/9/2017).

([4]) صحيفة القدس العربي، نتائج الاستفتاء: 92 ٪ صوتوا بنعم وحركة «لا» تؤكد التزوير (لندن: العدد 8959، 28/9/2017).

([5]) مينا العريبي، ما بعد استفتاء إقليم كردستان، صحيفة الشرق الأوسط (العدد 14182، 26/9/2017).

([6]) صحيفة المدى، مجلس الاستفتاء يحل نفسه والقيادة الكردية ترحب بالحوار (العدد 4031، 3/10/2017).

([7])Maria Fantappie, How to Mitigate the Risks of Iraqi Kurdistan's Referendum, International Crisis Group, 2017, p.p., 1-2.

https://d2071andvip0wj.cloudfront.net/20Sept%20Kurdistan%20Commentary.pdf

([8]) نور أيوب،دفتر شروط وتوريث وإصرار على المواجهة استفتاء كردستان معركة آل البرزاني، صحيفة الأخبار (العدد 3279، 20/9/2017).

([9]) محمد شفيق، المناطق المتنازع عليها الاستحقاق رهن بالتطورات، صحيفة الأخبار (العدد 3282، 25/9/2017).

([10]) علاء اللامي، خدعة الإخماد الأميركية وحريق استفتاء البرزاني، صحيفة الأخبار (العدد 3282، 25/9/2017).

([11]) صحيفة الشرق الأوسط، الأكراد يحتفلون... وبغداد تقر إجراءات عقابية (العدد 14182، 26/9/2017).

([12]) صحيفة المدى، العبادي يُمهل الإقليم 72 ساعة وبارزاني يدعو لقراءة رسالة الاستفتاء بهدوء (العدد 4028، 27/9/2017).

([13]) صحيفة العرب، المنظمات الدولية تتأثر بأزمة كردستان (لندن: دار النشر العربية، العدد 10768، 1/10/2017).

([14]) صحيفة الشرق الأوسط،العبادي في باريس... والمالكي يعود إلى الواجهة (العدد 14191، 5/10/2017).

([15]) صحيفة الشرق الأوسط، العراق يطالب دول الجوار بوقف نفط كردستان (العدد 14196، 10/10/2017).

([16]) مشرق ريسان، ضوء أخضر من بغداد مهّد للقاء الجبوري وبارزاني: إجراءات جديدة لإعادة السلطة الاتحادية في الإقليم والمناطق المتنازع عليها، صحيفة القدس العربي (لندن: العدد 8971، 10/10/2017).

([17]) إسماعيل جمال، الورقة الكردية تعيد رسم تحالفات المنطقة: تقارب كبير تركي عراقي إيراني يمكن أن تنضم له سوريا، صحيفة القدس العربي (العدد 8958، 26/9/2017).

([18]) سعيد عبد الرازق، أنقرة تعلن خريطة عقوبات والخيار العسكري رهن بالتركمان، صحيفة الشرق الأوسط (العدد 14182، 26/9/2017).

([19]) صحيفة القدس العربي، رفض استفتاء كردستان يقرّب بين أردوغان وروحاني (العدد 8966، 5/10/2017).

([20])Farzin Nadimi, Iran's Military Options Against Kurdish Independence, PolicyWatch (Washington: The Washington Institute for Near East Policy, No. 2861, 2017), p.p. 1 – 3.

([21]) أسعد البصري، حشد جنكيزخان جاهزون لهدم أربيل عاجزون عن بناء البصرة، صحيفة العرب (العدد 10768، 1/10/2017).

([22]) صحيفة الشرق الأوسط، عرض قوة عراقي إيراني على حدود كردستان (العدد 14189، 3/10/2017).

([23]) عادل السالمي وسعيد عبد الرازق، خامنئي واردوغان يتوعدان الأكراد، صحيفة الشرق الأوسط (العدد 14191، 5/10/2017).

([24]) عبد اللطيف الموسوي، الأزهر: أيدٍ خفية وراء المشروع الانفصالي بشمال العراق، صحيفة الزمان (بغداد: العدد 5845 - 5847، 1 – 3/10/2017).

([25]) صحيفة العرب، نتنياهو لأردوغان: من يدعم حماس يرى الموساد في كل مكان (العدد 10769، 2/10/2017).

([26]) إسرائيل هيوم، نتنياهو ينفي أن يكون لإسرائيل أي دور في الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، ترجمة: مختارات من الصحف العبرية (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 2702، 2/10/2017)، ص 3.

([27]) صحيفة الشرق الأوسط، نتنياهو يعلن ألا دور لإسرائيل في استفتاء كردستان (العدد 14188، 2/10/2017).

([28]) أمير المفرجي، أطماع أم مخاوف إقليمية من كردستان العراق، صحيفة القدس العربي (العدد 8970، 9/10/2017).

([29]) صحيفة المدى، روسيا وفرنسا تحثّان على الحوار وإبقاء العراق موحّداً (العدد 4029، 28/9/2017).

([30]) محمد صباح، 4 مبادرات خارجيّة على الطاولة لحلّ أزمة الاستفتاء بين بغداد وأربيل، صحيفة المدى (العدد 4030، 30/9/2017).

([31]) صحيفة الشرق الأوسط، تحرك دولي لاحتواء الخلافات بين بغداد وأربيل (العدد 14186، 30/9/2017).

([32]) صحيفة المدى، العبادي: استفتاء كردستان خروج على الدستور والإجماع الدولي (العدد 4034، 7/10/2017).

([33]) ابراهيم الأمين، صراع الأولويات في بغداد: «داعش» أم انفصال الأكراد؟، صحيفة الأخبار (العدد ٣٢٩٣، 9/10/2017).

مجلة آراء حول الخليج