; logged out
الرئيسية / المرأة العراقية من النضال إلى الاضطهاد.. وتحديات المستقبل

العدد 124

المرأة العراقية من النضال إلى الاضطهاد.. وتحديات المستقبل

السبت، 21 تشرين1/أكتوير 2017

 المرأة العراقية التي تحمل في داخلها مفهومًا أخلاقيًا إسلامية وقبلية  مفعمة بالقيم والشرف عاشت  معها مراحل مختلفة في تاريخ بغداد القديم والمعاصر ، وحققت مكانة مرموقة استطاعت الوصول اليها بعد عناء طويل وكفاح ضد الظلم، وتمكنت من الارتقاء  بواقعها على مر العصور نحو التقدم، وخاضت أشواطًا مختلفة من الصراعات والمتناقضات ولعبت دورًا محوريًا في الكثير من الحضارات  على مر العصور ، وكانت ذات استقلالية واحترام وتمتلك سيطرة وتميز،  لذلك ظهرت عبادة الأم في وادي الرافدين واحتلت المرأة في العصر السومري مكانة خاصة، بينما في الحضارة البابلية عانت من الظلم والاضطهاد، وتردى حالها أكثر في المجتمع الآشوري فكانوا يعتبرونها ملكًا للرجل يتصرف بها كما يشاء ويطلقها ويحرمها حقوقها وممتلكاتها، ورغم  ذلك تمكنت الملكة الآشورية "سميراميس"من الوصول إلى الحكم حيث حكمت إلى جانب زوجها  42 عامًا وانفردت بالحكم بعد وفاة زوجها 5 أعوام، وفى العصر الإسلامي لعبت المرأة العراقية أدوارًا مختلفة على جميع الأصعدة الحياتية وشاركت الرجل في بناء المجتمع العراقي ومع تأسيس الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي، وقفت جنبًا إلى جنب مع  الرجل وشاركت في بناء الدولة الناشئة آنذاك، وكانت رائدة في نهضتها الفكرية وعطائها للمجتمع في جميع الميادين الثقافية والسياسية والاجتماعية والفكرية .

النضال السياسي للمرأة العراقية

  ومع مطلع الأربعينيات الميلادية من القرن العشرين، خاضت المرأة العراقية معركة النضال والتحرر والعمل مع المنظمات السياسية المناضلة، فقامت بتأسيس " اللجنة النسائية لمكافحة الفاشية والنازية "، التي ضمت في صفوفها النساء الرائدات العراقيات الواعيات المناضلات من الطبقات المثقفة، وتم استبدال اسم اللجنة بالجمعية ثم "الرابطة النسائية العراقية  التي أصدرت  عام 1947 م، مجلة (تحرير المرأة) إلا أنها أغلقت بعد صدور عددين فقط، ولعبت المرأة  العراقية دورًا متميزًا في وثبة كانون الثاني / يناير سنة 1948م، لإسقاط "معاهدة بور تسموث " التي أبرمت بين المملكة العراقية والمملكة المتحدة،  وتقدمت  العراقية عدوية الفلكي التظاهرات حاملة علم العراق مما ترتب عليه تعرض الكثير من النساء العراقيات آنذاك إلى الاعتقال والسجن والاضطهاد. كما لعبت المرأة العراقية دورًا محوريًا في انتفاضة اكتوبر عام 1952م. ولم يتوقف بروز المرأة العراقية عند المجال السياسي بل تجاوزه إلى أعلى مراتب القضاء والجيش والطب والهندسة. أما في مجال الطب فكانت أول طبيبة عراقية عينتها وزارة الصحة، أرمنية الأصل، هي الدكتورة آناستيان، وهي أول فتاة عراقية دخلت مدرسة الطب في بغداد وتخرجت منها سنة 1939م،وفي بدايات مجال الصحافة النسائية العراقية برزت الصحفية بولينا حسون كرائدة الصحافة النسائية العراقية وترأست تحرير أول مجلة نسائية "ليلى" عام 1923م، وكانت حسون من أول الأصوات والأقلام النسائية التي طالبت بمنح المرأة حقوقها السياسية، وكانت الشاعرة نازك الملائكة من أهم الشاعرات في بغداد، والعالم العربي.

النهضة النسوية العراقية

ولعبت المرأة دورًا اجتماعيًا هامًا في النهضة النسوية العراقية،  حيث شاركت النساء العراقيات في مختلف الجمعيات الخيرية والإنسانية والهلال الأحمر وفي اتحاد النساء العراقي، وساهمت في الكثير من المؤتمرات النسوية والإنسانية داخل وخارج العراق وفي عام  1652م، تأسست أول منظمة ديمقراطية جماهيرية باسم (رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية) ، وفى عام 1958م، عينت الدكتورة نزيهة الدليمي أول وزيرة عراقية بعد ثورة 14 يوليو 1958م، وكانت زكية إسماعيل أول قاضية عراقية،  وبعدها أصبحت أول رئيسة اتحاد نساء كردستان العراق سنة 1975م، وتاريخ المرأة العراقية لا ينسى دور الرياضيات السيدات سلمى الجبوري وإيمان صبيح وإيمان الرفيعي وباسمة بهنام وكذلك العداءة العراقية إيمان عبد الأمير ، وكذلك لا ننسى دور كل من زكية العبايجي وسالمة الخفاف وفائزة النجار وسهيلة كامل الشبيب ونهى النجار في تأسيس نادي الفتاة العراقي في الخمسينيات حيث كان للهيأة الإدارية للنادي واللاعبات دور كبير في دعم الحركة الرياضية النسوية وتطورها.. وبعد حرب 1967م، لعبت نساء العراق دورًا ماديًا ومعنويًا هامًا عندما قامت بجمع التبرعات وإيصالها إلى المخيمات في الأردن وسوريا.

وتطول قائمة النساء العراقيات اللاتي ساهمن مساهمة فعالة في بناء العراق الحديث ورفعن لواء الحقوق والحريات، وبرهن على قدراتهن وكفاءتهن في مجالات عدة حققن فيها النجاح والتميز،  ورغم أن المرأة العراقية لم تصل إلى مستويات عالية  في طريق سعيها لكسب  مزيد من الحقوق وتحقيق الذات مقارنة بما حققته المرأة على مستوى العالم إلا أنها كانت تسير في الطريق الصحيح، وإن كان في الحقيقة تقدمها بطيئًا، إلا أنه كان بخطوات ثابتة، ومنذ بدايات القرن الماضي خاضت المرأة العراقية نضالاً طويلاً للحصول على أبسط الحقوق الإنسانية التي تكفل لها العيش بكرامة، وتؤمن لها الطريق للوصول إلى تحقيق المساواة مع الرجل في مختلف الأصعدة في ظل مجتمع  يؤمن بأن الرجل له كل الحقوق وهو المسؤول عن المرأة، على الرغم من وصولها إلى  مواقع قيادية بالدولة العراقية على مختلف العهود والحكومات لكن ظلت تعانى لسنوات طوال ومازالت من سيطرة فكرة أنها تقع في مرتبة تالية للرجل داخل الكثير من طوائف المجتمع العراقي ..

معركة الحقوق والحريات

وخلال العقود الماضية وتحديدًا قبل الاحتلال الأميركي عام 2003 م، تمكنت العراقيات من تحقيق بعض الأهداف المتعلقة بكسب معركة الحقوق والحريات التي ظلت لسنوات طوال تصارع من أجلها، حيث دخلت المدارس والمعاهد والجامعات وحققت نجاحات في التعليم واستطاعت العديد منهن إلى الحصول على شهادات علمية محلية ودولية، كما انخرطت في العمل المدني المجتمعي وشكلت جمعيات نسائية ضمت في صفوفها النساء بمختلف اتجاهاتهن السياسية والقومية والدينية والاجتماعية وشاركت بفاعلية في كافة التحركات السياسية التي خاضها الشعب العراقي. وكان دستور بلاد الرافدين قبل الاحتلال قد أنصف المرأة العراقية حيث ذكر في المادة الثامنة منه على أن الأسرة هي أساس المجتمع وجاء في نصها ((الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق الوطنية))وركز في المادة العاشرة على حقوق المرأة في توفير فرص عمل لها مساواة بالرجل ((تضمن الدولة تكافؤ الفرص لجميع العراقيين وأن من حق المرأة والرجل على الدولة توفير فرص العمل على أساس الكفاءة لكلا الجنسين))

غزو الكويت

وبعد غزو الرئيس العراقي صدام حسين لدولة الكويت عام  1990م، بدأ وضع المرأة يتأثر بالفعل حينما فرض المجتمع الدولي عقوبات على العراق، وانعكس الوضع السياسي السائد على المجتمع العراقي بشكل عام، وعلى المرأة على وجه الخصوص، حيث تحملت خلال فترة التسعينات ظروف الصراع  القاسية وتراجع دورها كثيرًا، فمنذ الحصار الدولي  الذي فرض على البلاد،  و أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق وما نتج عنه  من تضاؤل في الناتج المحلي وانخفاض معدل دخل الفرد واعتماد نحو 65 % من السكان على نظام الإعانات الغذائية، فقدت المرأة العراقية الكثير من المكتسبات التي ظلت لعقود طوال تناضل للحصول عليها وتحملت ويلات الصراع وما نتج عنه من مآسي طالت جميع طوائف الشعب، أما بعد الاحتلال الأمريكي لبغداد والذى علقت نسبة لابأس بها من النساء العراقيات الآمال عليه،  إثر نهاية عهد الرئيس صدام حسين في أن تكون من أكبر المستفيدين وذلك نتيجة فعلية لإعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد عام من  الغزو، أمام حشد من الناس في العاصمة واشنطن أن "كل النساء في العراق أفضل حالا، لأن غرف صدام حسين للاغتصاب والتعذيب أغلقت إلى الأبد" .

المرأة العراقية والاحتلال

لكن للأسف لم يتحقق أي من هذه التوقعات والآمال،  بل أصبحت أكبر الخاسرين بعد أن نالت الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية من كل البلاد، وباتت الميليشيات الطائفية اليد الطولي في العراق، وبرزت التنظيمات الإرهابية في مناطق متفرقة من بلاد الرافدين، ناهيك عن معاناتها النفسية والاقتصادية الناتجة عن فقدان الزوج والابن والأخ الذين قتلوا خلال فترةالاحتلال أمامها، وظلت سنوات طوال تعانى من الاعتداء عليها والسجن والتعذيب، ولم تكن "داعش "  التي ظهرت نتيجة طبيعية للاحتلال، إلا مشروعًا يرمي إلى العودة بالمجتمع العراقي وبالمرأة قرونا إلى الوراءلاسيما بعد صعود تيارات الإسلام السياسي بعد احتلال العراق عام 2003 وما تلاه من اضطرابات أدت إلى ظهور تيارات متطرفة، أعادت المرأة إلى الوراء وسلبت حقوقها، وذلك تأكيدا للمتلازمة الطبيعية أنه كلما ارتفع مستوى الطائفية والاستبداد في المجتمع  تقهقرت وضعية المرأة ومشاركتها .

تهميش الحقوق

هذه النكسة قامت أساسًا على تهميش حقوق ومكتسبات المرأة وإقصائها عن المساهمة في الحياة السياسية،  وبعد عقود من النضال  نحو اكتساب الحقوق، باتت المرأة العراقية اليوم تعاني الكثير من أنواع التمييز وانعدام الحماية القانونية والاجتماعية والحرمان من فرص العمل والتعرض للاستغلال والعنف والخطف والقتل ورغم أن العراق يمتلك حزمة من التشريعات والوسائل  والمؤسسات الوطنية المهتمة بالمرأة كوزارة الدولة لشؤون المرأة ودائرة الرعاية الاجتماعية للمرأة وقسم المرأة الموجود في كل وزارات الدولة ومؤسساتها وقسم الرصد في وزارة حقوق الإنسان ولجنة المرأة والأسرة في مجلس النواب العراقي ولجان المرأة في كل مجالس المحافظات، إلا أن التوجه السياسي العام  والعقائدي والعشائري ، فضلا عن التراجع الاجتماعي  الذي ساد في البلاد بعد سنوات طوال من الاحتلال والذى ترتب عليه  سيادة فكرة أحادية في المجتمع تقوم على تهميش المرأة والعمل على إعادتها خطوات كثيرة للخلف ظلت عقود تناضل لتصل اليها .

واستمرارًا لتردي أوضاع المرأة العراقية كشفت منظمة "هيومان رايتس ووتش " في تقرير لها أن حقوق الإنسان في العراق ما تزال مزرية، خاصة بالنسبة للمعتقلين والصحفيين والناشطين والنسوة والفتيات. وبينت أن العديد من النسوة العراقيات اللواتي ترملن نتيجة الحرب والعنف الطائفي يجري استهدافهن واستغلالهن جنسيا وإجبارهن على ممارسة البغاء.

وبينت بعثة الأمم المتحدة في العراق أن نحو 1.2 مليون امرأة عراقية تعرضن للتشرد من منازلهن بسبب الخوف من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والتهديدات بالقتل اللائي تعرضن له

وضع مأساوي.

وكشف مركز" سيسفاير " العالمي لحقوق المدنيين الوضع المأساوي للمرأة العراقية، وتعرضها لكافة أشكال الاضطهاد والتجاوزات التي تهدم إنسانيتها وآدميتها وأيضًا تلغي حقها في الحياه، جاء ذلك، ضمن تقرير(نساء العراق المفقودات: العنف الأسري في فترات النزاع المسلح) والذى أكد في مقدمته، أنه على خلفية النزاع المسلح والعنف الطائفي اللذين باتا يشكلان سمة تعانيها الدولة العراقية على مدى العقود الأخيرة، يظل شكلاً آخرًا من أشكال العنف خفيًا إلى حد كبير، فضمن حدود النطاق الأسري، دفعت نساء العراق ثمنًا باهظًا لانهيار سيادة القانون والسلم العام في المجتمع ككل، حيث أن العنف والافتقار إلى الأمن والأمان قد طالا أيضًا , المنازل التي يعاني ساكنوها بالفعل من صعوبات اقتصادية جمة، مما أدى إلى تصاعد وتيرة العنف ضد النساء. وبينما مثل الاهتمام العالمي المتزايد بالعنف القائم على أساس الجنس سمة جوهرية للصراع الدائر في العراق، فإن الأسرة تظل المتسبب الأول في العنف ضد النساء في العراق، وأشار التقرير إلى أنه وبحسب دراسة أجرتها " مؤسسة تومسون " في عام 2013م، تناولت حقوق المرأة في 22 دولة عربية، احتل العراق المرتبة الأخيرة باعتباره أسوأ دولة بالنسبة للنساء ضمن فئة (النساء في المجتمع) وثاني أسوأ دولة بالنسبة إلى النساء بشكل عام.

وتعاني النساء في العراق من التهميش والأمية والبطالة ، إذ أصبحت نسبة الأميات أكثر من 50 %، بعد أن كانت نسبة المتعلمات 90 % خلال خمسينات القرن الماضي، فيما لا تتجاوز مشاركة العراقيات في سوق العمل الـ14.5 % حاليًا في الوقت الذى تتزايد فيه  أعداد النساء بلا معيل بسبب ترمل الكثيرات والتي تجاوز إعدادهن المليون نتيجة للحروب من جهة والصراعات الطائفية والتفجيرات العشوائية، وأيضًا لتفاقم عمليات الطلاق بشكل  لم يشهده العراق على مدى تاريخه ، حيث كشفت الإحصاءات الصادرة عن السلطة القضائية الاتحادية في العراق أن حوالي 53 الف حالة طلاق مقابل 196 الف حالة زواج سجلت خلال العام الماضي، وللأسف لا تمنح الحكومة العراقية  إلا نسبة قليلة من النساء اللاتي فقدن عائلهن  سوى على معونات مالية بسيطة من الحكومة، فيما يعيش أغلبهن في دائرة الفقر المغلقة، هذا فضلاً عن تعرض  حياتهن  للخطر .

 المرأة العراقية التي قدمت الكثير من التضحيات وسطرت على أعظم البطولات خلال تاريخ بلاد الرافدين الطويل،  تعيش حاليًا حالة من عدم الاستقرار على خلفية ما يتعرض له العراق وما يواجهه من مخاوف وتحديات تهدد أمن البلاد واستقرارها خاصة ما يلوح به من تهديدات بالتقسيم وحرب أهلية، ومخاوف من استمرار سيطرة داعش ومن يدعمها على مقاليد الأمور في البلاد، لذا نراها  أكبر الخاسرين على الساحة، حقيقة أن هناك خطوات ولو حسيسة من الدولة لإثبات عكس ما يشاع حول السعي الجاد لإقصائها، وعودتها إلى الصفوف الخلفية  لكن الوضع العام في بغداد يحتاج من السلطات العراقية العمل على وضع رؤية اصلاحية وطنية شاملة في إطار خطط الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي،  التي تتبناها البلاد و يتم الإعلان عنها من وقت لآخر، ومن الضروري أن تتضمن الخطط المستقبلية الاستفادة من طاقات وخبرات ومهارات وإمكانيات وثقافة المرأة العراقية مع العمل على دفعها ومشاركتها في عملية صنع القرار في البلاد لاسيما أنها لم تعد نصف المجتمع بل هي العراق  حيث أصبحت تشكل   65% من مجموع التركيبة السكانية في البلاد، لذا فكل خطط التهميش والتجاهل لن تعود على مستقبل العراق إلا بمؤثرات سلبية، البلاد في غنى عنها .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*صحفية في مجلة الأهرام العربية وباحثة في الشؤون العربية والإفريقية

مجلة آراء حول الخليج