; logged out
الرئيسية / دول الخليج والعراق.. التعاون لتجاوز التحديات

العدد 124

دول الخليج والعراق.. التعاون لتجاوز التحديات

الإثنين، 30 تشرين1/أكتوير 2017

من المؤكد أن العراق قبل عام 2003م، ليس هو عراق ما بعد هذا التاريخ، وكذلك عراق ما بعد داعش ليس كما كان عليه قبل تلك المرحلة، وهذه المحطات في تاريخ العراق ليست صدفة، أو مجرد أحداث عابرة مرت على هذا البلد الشقيق الجار صاحب التاريخ والحضارة، بل أتت وفق مخططات سابقة، لدول كبرى ذات مصالح استراتيجية موزعة على جداول زمنية وفقًا للظروف الدولية والإقليمية، وأدوات تنفيذ هذه المخططات هي مكونات الشعب العراقي ذاته، عبر فسيفساء نسيج هذا الشعب، والتأثير الإقليمي على الولاءات والانتماءات العقائدية والمذهبية والعرقية والقومية داخل العراق.  

العراق، كان مستهدفًا منذ القدم، لذلك توجه صوبها الغزاة عبر مراحل مختلفة في التاريخ القديم والحديث، بسبب موقعها الجغرافي المحدد لقوميات وعرقيات ومذهبيات متنوعة، إضافة إلى ثرواتها الكبيرة، وزاد استهدافها متغيرات القرن العشرين، حيث جاءت الثورة الإيرانية حاملة لواء نشر المذهب الشيعي الذي تريد بسطه على المنطقة لتثبيت نظام ولاية الفقيه، وتمثل العراق في ذلك البوابة والمفتاح أمام  تحقيق أهداف  وطموحات الثورة الإيرانية لما بها من مقدسات شيعية، وكذلك وجود الأغلبية الشيعية بين العراقيين، كما إنها دولة ملاصقة لإيران.

المتغير الثاني، هو قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين المحتلة القريبة من العراق، حيث لا تريد إسرائيل ومن خلفها الغرب أن يكون العراق دولة قوية تهدد الوجود الإسرائيلي، وعليه تكالبت الظروف ضد العراق ووحدته، وأرضه، وشعبه، وساعد على ذلك اهتمام القوى الكبرى بالعراق لدواعي استراتيجية واقتصادية، فالعراق دولة نفطية مهمة وتأتي بعد السعودية من حيث الاحتياطي والإنتاج، إضافة إلى صراع النفوذ الدولي والإقليمي الدائر على أرض هذا البلد العربي، القريب من البؤر الساخنة ومناطق صراع القوى الكبرى في العالم.

فما أن سقط نظام صدام حسين عام 2003م، سرَحت الولايات المتحدة الجيش العراقي وقوات الأمن، وحلت حزب البعث، وفككت مؤسسات الدولة بكاملها، وتعقبت القيادات العراقية في عهد صدام حسين وأعدمت أكثرهم، ومن ثم فقد العراق أهم أدوات الحفاظ على أمنه وسلامة ووحدة أراضيه، وعليه دخلت إيران العراق في إطار صفقة مشبوهة مع الولايات المتحدة مازالت أجزاء كثيرة منها غير معلنة، كما انكمش الوجود العربي خاصة بعد أن جاءت حكومات عراقية تابعة لإيران، وعلى الأرض طغت الطائفية المسلحة، والاقتتال الداخلي بين مكونات الشعب العراقي، وأصبح العراق محاصرًا بين استعمار أجنبي، وهيمنة إيرانية، وتفتت واقتتال داخلي، واحتدمت الصراعات  وحروب الميليشيات بعد تشكيل قوات الحشد الشيعي، وسيطرة داعش على أجزاء كبيرة من وسط العراق، وأدت كل هذه الأوضاع أخيرًا إلى محاولة الأكراد بانفصال إقليم كردستان وتم ترجمة ذلك في استفتاء 25 سبتمبر الماضي.

هذه الأحداث التي تعصف بالعراق، وتستهدف وجود الدولة العراقية نفسه، وتقسيم الشعب، وإضعاف الحكومة المركزية، تتطلب إعادة ترتيب الأمور العراقية تمامًا من حيث تأثير  تحجيم نفوذ القوى الخارجية المسيطرة على القرار العراقي الداخلي، وإقامة حكم مدني يعتمد العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للسلطة والثروة، والمشاركة السياسية، وإدارة شؤون الدولة والمناطق، وإلغاء المحاصصة وكل مظاهر عسكرة الطائفة أو الحزب، وتفكيك جميع المليشيات المسلحة، وإعادة بناء جيش وطني نظامي مدرب ومؤهل ومسلح، مع تحجيم التدخل الخارجي خاصة الإيراني في الشأن الداخلي للعراق والعراقيين.

من جانبها،فإن دول  مجلس التعاون الخليجي ستؤيد وستدعم ذلك لأنها ترغب في وجود عراق موحد وآمن مستقر وقوي معافى اقتصاديًا، وسياسيًا، وأمنًيا، واجتماعيًا، ولا تريد دولة مقسمة أو فاشلة موزعة طائفيًا أو عرقيًا، أو قوميًا، ولا تريد دولة ضعيفة أمنيًا تكون مأوى للإرهاب والإرهابيين، أي أن مصلحة دول الخليج في وجود عراق موحد قوي وليس العكس، واتخذت هذه الدول خطوات إيجابية كثيرة نحو بناء علاقات قوية وشراكات مع بغداد في الآونة الأخيرة، ولعل الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية والعراق دليل قوي على الرغبة في بناء هذه العلاقة القائمة على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الآخر، وبناء شراكة اقتصادية مفيدة للطرفين، وتدشين تعاون أمني وثيق يواجه الإرهاب.

وزيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى السعودية يومي 21، 22 أكتوبر 2017م، جسدت هذه الرغبة من الجانبين، فقد شهدت هذه الزيارة التوقيع على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي ـ العراقي، وانعقدت الجلسة الأولى من جلسات هذا المجلس في الثاني والعشرين من أكتوبر بالرياض، وتضمن البيان الختامي الذي أشار إلى الالتزام بأن " يعمل الجانبان على ضرورة العمل المشترك للحد من المعوقات وتسهيل نفاذ الصادرات بين البلدين" كما اتفقا على تنمية الشراكة بين القطاع الخاص في البلدين، وإتاحة الفرصة لرجال الأعمال للتعرف على الفرص التجارية والاستثمارية، وتبني الوسائل الفعالة التي تساهم في مساعدتهم على استغلالها، إضافة إلى تشجيع تبادل الخبرات الفنية والتقنية والبحث العلمي بين البلدين.  

وقد تم تشغيل خطوط الطيران من السعودية إلى العراق وهبطت أول طائرة سعودية في بغداد يوم 18 أكتوبر بعد غياب أستمر لأكثر من 27 عامًا، إضافة إلى افتتاح قنصلية عامة سعودية جديدة في العراق، وفتح المنافذ الحدودية، ودراسة إنشاء منطقة للتبادل التجاري، ومراجعة اتفاق التعاون الجمركي، إضافة إلى رفض المملكة العربية السعودية الاعتراف بالاستفتاء الكردي وما يترتب عليه، وكل ذلك يحمل مؤشرات، بل خطوات جادة من جانب المملكة العربية تجاه التعاون مع العراق.

يتبقى على حكومة بغداد البدء في ترتيب الأوضاع من الداخل بإرادة ذاتية دون تبعية لإيران، أن تتجاوب مع التوجه الخليجي  لتحقيق تعاون حقيقي مثمر ومفيد للطرفين، وفي الداخل تعمل على تطبيق عدالة ناجزة، بما يضمن المساواة بين جميع العراقيين وتكون المواطنة هي المعيار الحقيقي بعيدًا عن المذهبية، أو العرقية، والقومية إسوة بدول أوربا التي تقدمت حين لفظت التقسيم الديني والمذهبي والعرقي، وتكون لأجهزة الدولة اليد العليا في إدارة شؤون العراق، وأن يكون القرار العراقي من الداخل وليس من الخارج، وأن تعامل الحكومة المركزية إقليم كردستان بمنح الحقوق مقابل التزام الأكراد بالواجبات، حتى تحافظ على كردستان ضمن حدود العراق الجغرافية كما كان الوضع منذ فجر التاريخ.

مقالات لنفس الكاتب