; logged out
الرئيسية / العرب.. والخيار النووي

العدد 125

العرب.. والخيار النووي

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2017

الدول العربية تنبهت مبكرًا لأهمية الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، بل إن العلماء العرب تفوقوا في علم الهندسة أو الفيزياء النووية منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وكانوا أسبق من إسرائيل في هذا التوجه، لكنها توقفت قسرًا عن المضي على هذا الطريق كغيره من طرق التنمية والتطور الأخرى في المجالات المختلفة وفق المخطط الذي تم وضعه لها منذ بداية القرن العشرين، ثم تنفيذه على مراحل، حتى بدا جليًا في نهاية القرن العشرين ومازال مستمرًا خاصة بعد أن دخل في طور التقسيم والتناحر ضمن الحرب من الجيل الرابع، والفوضى الخلاقة التي بشرت بها الولايات المتحدة الأمريكية في عهد المحافظين الجدد.

المشروع النووي العربي، كما هو المشروع النهضوي، تعطل بفعل الإكراهات الغربية تحت الاحتلال المباشر، ثم بزرع إسرائيل في المنطقة، وبعد ذلك بجر العرب إلى المواجهات منذ النصف الأول من القرن العشرين، وما تبع ذلك من حروب عسكرية، ومؤامرات سرية، واستدراجات مخابراتية، وغيرها.

إسرائيل، ذراع الغرب وأمريكا، التي امتلكت السلاح النووي مبكرًا، وضعت أمام الموساد مهمة اغتيال العلماء العرب المتخصصين في العلم النووي، سواء ببلدانهم وفي عقر دارهم، أو عبر استدراجهم في أمريكا وأوروبا، ونجح الموساد في تنفيذ هذه المخططات ونفذ سلسلة جرائم اغتيال معروفة، ومازالت إسرائيل تتعقب العلماء العرب ليس في المجال النووي فقط، بل في غيره من المجالات العلمية .

إيران، دخلت السباق النووي، سواء ما يقال السلمي، أو العسكري، لكن كل المتخصصين يرون حتمية أن يؤول السلمي إلى العسكري، إن لم تكن طهران امتلكت القنبلة النووية بالفعل، وفي كل الأحوال الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت حتى تكون إيران قوة عسكرية نووية، ويرون أن امتلاك إيران للصواريخ الباليستية الحاملة للرؤوس النووية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى يمثل كارثة، كونها دولة يقودها نظام غير مسؤول ويمتلك مثل هذه الأسلحة الفتاكة.

العرب، ما يهمنا هو أننا نقع في مربع السباق النووي العسكري بين إيران وإسرائيل، فالمنطقة العربية المجاورة لإيران والمحيطة بالدولة العبرية  التي تمتلك أكثر من 300 رأس نووي، بل قررت استخدام ترسانتها النووية بالفعل في حرب أكتوبر وجهزت 11 طائرة لإسقاط القنابل، لولا الجسر الجوي الأمريكي للأسلحة التقليدية المتطورة الذي كان بمثابة المكابح لإسرائيل.

وتروج إسرائيل إلى أنها تضع حوالي 6 أهداف في الدول العربية على قائمة الاستهداف النووي في حال الهجوم عليها، وتزعم أن قصف هذه المشروعات سوف يعيد الدول العربية إلى العصور الوسطى.

أوروبا، القريبة من المنطقة العربية تتواطأ في عدم إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، حيث أن بريطانيا وفرنسا رفضتا مبادرة مصرية / عربية لإخلاء المنطقة من السلاح النووي حتى لا يشمل ذلك إسرائيل.

دول أخرى قريبة من المنطقة تمتلك السلاح النووي مثل الهند وباكستان، وكوريا الشمالية، ودول كبرى تتنافس على اليورانيوم الإفريقي لتخصيبه، أو تتسابق على الاتخاذ من إفريقيا جنوب الصحراء، مقابر للنفايات النووية السامة والقاتلة والتي قد تتسرب إلى المنطقة العربية.

كل العلماء الكبار المعنيين بالشأن النووي، يرون أن امتلاك الدول العربية لبرامج نووية  للأغراض السلمية ضرورة حتمية لتوطين اقتصادات التكنولوجيا، وتنفيذ برامج التنمية الطموحة في الزراعة وتحلية المياه وتوليد الطاقة الكهربائية وغيرها، إضافة إلى استخدام هذه الطاقة النظيفة في الطب، والأغراض البحثية العلمية إسوة بالكثير من دول العالم.

وفي المجال العسكري يرى هؤلاء العلماء، أنه على الدول العربية أن تختار بين عدة سيناريوهات تبدأ بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي، أو البحث عن مظلة نووية دولية للاستظلال بها واعتبارها غطاءً في مواجهة السلاح النووي المحيط والمحدق بها، ثم يأتي السيناريو الثالث على طريقة "آخر العلاج الكي"، ألا وهو امتلاك السلاح النووي في حال صم العالم آذانه عن البرامج النووية التي تشهدها دول الجوار الجغرافي خاصة إسرائيل وإيران، وعلى أن يكون هذا السلاح للردع وليس لاستخدامه، أو التلويح والتهديد باستخدامه، لكن لإيجاد التوازن ؛ أي ما يُطلق عليه (الردع النووي).

بعض الدول العربية تمتلك الإمكانيات والكفاءات، إضافة إلى احتياجها لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية واللحاق بالنهضة العالمية، خاصة مع توفر وسائل الأمان والقدرة على التشغيل والصيانة بالكفاءات الوطنية، وفي الوقت نفسه عليها ألا تتوقف لحظة عن المطالبة بإخلاء المنطقة من السلاح النووي، وكذلك لا تقف مكتوفة الأيدي أمام التغول الإيراني والإسرائيلي والقبول بالبقاء بين شقي الرحى في منطقتهم التاريخية والجغرافية دون امتلاك الرادع للحفاظ على وجودها. 

مقالات لنفس الكاتب