; logged out
الرئيسية / تركيا قد تضطر للتفكير بامتلاك السلاح النووي لمواجهة المخاطر الخارجية

العدد 125

تركيا قد تضطر للتفكير بامتلاك السلاح النووي لمواجهة المخاطر الخارجية

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2017

تفرض الأوضاع المتوترة في منطقة الشرق الأوسط على دولها نوعًا من المقاربات والتحديات والعداءات المتبادلة، وبالأخص في موضوع التسلح والمخاوف الأمنية والقومية من بعضها وعلى بعضها بعضًا، وبصورة أكثر خصوصيةً وخطورةً يشغل السباق النووي دول الشرق الأوسط كافةً، بل يشغل بصورة أكبر الدول الكبرى، التي تتحكم بمجلس الأمن والقرارات الدولية الكبرى، والتي تعمل لمنع كافة دول الشرق الأوسط من امتلاك السلاح النووي بصورة قانونيةٍ أو موافقة دوليةباستثناء الدولة الإسرائيلية، فلا يبقى أمام الدول التي تشعر بالتهديد النووي من غيرها إلا امتلاكه بالطرق السرية، فتدخل في حالة سباق نووي وتنافس إقليمي ودولي ولو بصورة سريةٍ وخفيةٍ، أو الموافقة على الاتفاقيات الدولية التي تلزمها بالاستخدام المدني والسلمي فقط، والتحكم بكمية ودرجة حاجتها إلى الطاقة النووية غير العسكرية، في ظل حاجة العالم كله إلى بدائل عن الطاقة الغازية والنفطية التقليدية لتوليد الطاقة الكهربائية والتدفئة وغيرها، ولكن وبسبب ازدواجية المعايير الغربية تجاه دول الشرق الأوسط، فإن العديد من المشاكل والأزمات الدولية تنشأ حول ملف السباق النووي، ولو كان ضمن شروطه المدنية والسلمية؛ لأن وجود الدولة الإسرائيلية في الشرق الأوسط كدولة نووية عسكريًا وحدها، وبدون خوضها لاتفاقيات دولية تعترف بها أولاً، وتحد من سلاحها النووي ثانيًا، يجعل منطقة الشرق الأوسط في حالة من عدم الاستقرار بشكل دائم ومضطرب؛ لأن الخوف من اشتعال الحروب النووية فيها يبقى احتمالاً قائمًا بشدة، وهذا ما يجعل السباق النووي فيها أزمة دولية قائمة ودائمة وخطيرة، لا تقوى دولة واحدة منه معالجتها وحدها.

الرؤية التركية للسابق النووي في الشرق الأوسط والشرق الأقصى ومخاطره العسكرية

تدرك تركيا حاجة دول العالم إلى الطاقة النووية في المستقبل بدرجة أكبر، بحيث قد لا توجد دولة في المستقبل لا تستخدم الطاقة النووية للأغراض المدنية وإنتاج الطاقة الكهربائية بكميات كبيرة لتشغيل مصانعها وتأمين حاجتها من الطاقة المنزلية؛ ولذلك فإن تركيا تعمل ومنذ عقود على تطوير قدراتها النووية المدنية، وتبني الآن ثلاثة مفاعلات نووية في جنوب البلاد بالتعاون مع روسيا الاتحادية، إضافة إلى تعاونها مع بعض الدول الأوروبية في هذا المجال، فتركيا تدرك أنها لن تستطيع الاستغناء عن الطاقة المنتجة في المفاعلات النووية في ظل مخاوف من شح الطاقة النفطية التقليدية في المستقبل، إضافة إلى أن تركيا الآن دولة مستوردة بدرجة كبيرة لحاجتها من الطاقة قد تصل 90% مما تستهلكه سنويا، وعلى هذا الأساس فإنها تتفهم حاجة الدول الأخرى لهذه الطاقة النووية لأغراض سلمية ومدنية.

أما الرؤية التركية للسباق النووي لأغراض عسكرية فهي تنسجم مع الموقف الدولي العام في هذه القضية، وهي منع إدخال السباق النووي منطقة الشرق الأوسط، ولكن ضمن شروط عادلة ومتساوية وبدون تحيز أو تمييز، فتركيا ترفض السباق النووي في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنها منطقة مشتعلة بالنزاعات والحروب وعدم الاستقرار، وقد دمرتها الحروب المتوالية لأكثر من سبعة عقود، فمنذ إقامة الدولة الإسرائيلية عام 1948م،  والحروب متوالية في المنطقة، وكان امتلاك الدولة الإسرائيلية للسلاح النووي بمثابة إشعار لدول المنطقة بالخطر والتهديد الشديد، وبالأخص أن الحجة التي تتذرع بها الدولة الإسرائيلية يمكن أن تدعيها كل دول الشرق الأوسط دون استثناء، وهي حجة أن وجودها يقع تحت تهديد الزوال والتدمير، في خضم شرق أوسط كبير لم يتقبل وجود هذا الكيان قبل التوصل إلى اتفاقيات سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين أولاً، وبين إسرائيل ومحيطها العربي والإسلامي ثانيًا، هذه الحجة يمكن أن تدعيها كل دولة تسعى لامتلاك سلاح نووي، وبالتالي، فإما أن تكون كافة دول الشرق الأوسط خالية من الأسلحة الذرية والنووية أو أن أزمة السباق على الأسلحة النووية لن تعرف التوقف.

لذا قد لا يكون من السهولة إعطاء رأي دقيق عن الرؤية التركية حول السباق النووي في الشرق الأوسط قبل التوصل إلى اتفاقيات سلام بين دول المنطقة بما فيها اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي وعربي إسرائيلي، فتركيا وبالرغم من إقامتها لعلاقات سياسية ودبلوماسية مع الدولة الإسرائيلية فإنها لا توافق الموقف الإسرائيلي ولا الأمريكي ولا الأوروبي من امتلاك إسرائيل وحدها للسلاح النووي في الشرق الأوسط دون قيود، ومع ذلك فإن تركيا لم تعمل على تبني سباق نووي مع أحد من دول الشرق الأوسط بما فيها الدولة الإسرائيلية، لأن ذلك إشعار لحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والعسكري لتركيا وللمنطقة، كما يجري الآن ومنذ عقود مع الجمهورية الإيرانية مع أمريكا والدول الغربية، إضافة إلى أن تركيا كانت تركن ولعقود وسنوات ماضية إلى الترسانة النووية لحلف الناتو على أراضيها.

لقد عمدت تركيا مرارًا على نفي امتلاكها لأسلحة نووية، ونفت سعيها لامتلاكها، بغض النظر عن الحجج المقدمة من دول الشرق الأوسط، وأعلنت أنها تسعى لامتلاك مفاعلات نووية سلمية لإنتاج الطاقة بالتعاون مع روسيا الاتحادية، فتركيا اليوم تبني ثلاثة مفاعلات نووية سلمية لإنتاج الطاقة الكهربائية، ولا يوجد عليها ضغوط دولية حول ذلك، لأنها لا تخفي شيئًا من مشروعها النووي السلمي وتتعاون فيه مع المجتمع الدولي، عن طريق منظمات الطاقة الذرية، إضافة لارتباطاتها مع حلف الناتو حول تواجد عدد من القنابل الذرية والاسلحة النووية على أراضيها، وهذه القنابل الذرية تابعة لدول حلف الناتو منذ أيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق، إضافة إلى تعاونها العلني مع روسيا الاتحادية على بناء تلك المفاعلات النووية المدنية، فالمشروع النووي التركي مدني وعلني ومن خلال التعاون مع المنظمات الدولية المختصة.

إن أهم التقارير الأمريكية التي نشرتها مجلة العلماء النووية الأمريكية في عام 2012م، من إعداد روبرت موريس وهانز كريستانسن أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد سلمت تركيا أيام الحرب الباردة قنابل ذريةً لا تزال موجودة في المخازن التركية منذ سنوات، وأن بعض هذه القنابل موجودة في القواعد العسكرية التركية التي يستفيد حلف شمال الأطلسي من استخدامها، مثل قاعدة أنجرليك، وقد سعت تركيا مرارًا على التفاوض مع أمريكا على مستقبل هذه القنابل وبالأخص أنها تحتاج إلى تحديث في طرق تخزينها، ومن المفترض أن يكون هذا العام 2017م، قد عالج هذه المشاكل مع أمريكا وحلف الناتو.

كما أن العلاقات المتزايدة مع روسيا والعلاقات الحسنة بين الرئيس التركي أردوغان والرئيس الروسي بوتين تضع هذه المسائل النووية في معرض العلاقات التركية ـ الروسية، وبالأخص بعد أن سعت الحكومة التركية لتزويد جيشها بمعدات عسكرية روسية متطورة، مثل منظومة الدفاع الجوي الروسية س400، بالرغم من انتقاد الناتو لهذه الصفقة، بل وتراجع الولايات المتحدة عن تنفيذ اتفاقيات تدريب عسكرية مع تركيا، كعقوبات أمريكية ضد تركيا بسبب تقاربها العسكري مع روسيا الاتحادية، فروسيا تدرك بأن نجاح تعاونها العسكري مع تركيا يعتبر اختراقًا استراتيجيًا لحلف الناتو، كما أن الرئيس الروسي بوتين يعمل على إيجاد نظام عالمي متعدد الأقطاب، ويتعاون فيه مع العديد من الدول الكبرى دوليًا وإقليميا مثل الصين وتركيا وإيران وغيرها لتحقيق ذلك، ومن أهم ضرورات التوازن الدولي هو وضع حد للسباق النووي دوليًا، وبالأخص في مناطق النزاع في الشرق الأوسط.

إن روسيا أكثر حماسًا للتعاون الاستراتيجي مع تركيا، وبالأخص في مشاريع خطوط الطاقة والغاز، وكذلك في بناء مفاعلات نووية لتركيا، وبمساعدة مالية من روسيا أيضًا، وفي السنوات القليلة الماضية توسعت طموحات الدولتين لتعاون عسكري ونووي أكبر ، بدون أن يواجه معارضة دوليةً أو إسرائيليةً على غرار ما واجهته إيران في عهد الجمهورية الإيرانية وثورتها التوسعية، وتحديدًا بعد بناء إيران نفوذًا قويًا لها في العديد من الدول العربية ومنها لبنان المحاذي للحدود الإسرائيلية، عن طريق حزب الله اللبناني، مع تبني إيران لزعامة ما تصفه بدول محور المقاومة ضد المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

إن تركيا وروسيا تسعيان إلى زيادة التبادل التجاري بينهما ليصل إلى 100 مليار دولار في  جميع المجالات، وهذا أمر ممكن التحقق والزيادة عليه بعد تجربة الدولتين السابقة التي أعقبت أزمة اسقاط الطائرة الروسية سوخوي24 بتاريخ 24 تشرين ثاني/ نوفمبر 2015م، فقد كانت الخسائر بعشرات المليارات لكلتا الدولتين خلال بضعة أشهر، وهذا يعني أن طريق المصالح المشتركة الروسية التركية قابل للنجاح والزيادة في كل المجالات، بما فيها التعاون في بناء مفاعلات نووية تركية، قد تكون مقدمة لمشروع نووي استراتيجي يجعل الاعتماد على الطاقة النووية أمرًا رئيسيًا لتوفير الطاقة في تركيا، وكذلك تقريب الخيار النووي في المجالات الأخرى أمرًا ممكنا في السنوات القادمة ـ إذا لزم الأمر ـ.

لقد مرت تركيا في السنوات القليلة الماضية بعدة تجارب من الحاجة الدفاعية من الدول الغربية وأمريكا، وطلبت الحماية لها في ظل الأزمة مع إيران أولًا، ثم مع روسيا ثانيًا، ولكن الردود الأمريكية والأوروبية كانت مخيبة للآمال، بل في ظل تلك الأزمات سحبت بعض دول حلف الناتو صواريخها ومنظومتها الصاروخية الدفاعية من نوع باتريوت من الأراضي التركية، تاركة تركيا وحدها لتواجه مخاطرها، فكان ذلك دليلاً على أن حلف الناتو لن يدافع عن تركيا في حالة تعرضها للخطر من إيران أو من روسيا أو من غيرها، وبالتالي كان توجه القيادة التركية إلى بناء قوتها الدفاعية الذاتية أمرًا ضروريًّا واضطراريًّا، ووضعت الخطط العسكرية لبناء تركيا قوتها الدفاعية الكاملة محليًّا، وفق خطة تصنيعية تنتهي عام 2023م، والنجاح في ذلك سيمنح تركيا مساحة أكبر في استقلال قرارها السياسي في المستقبل، ولكن بقاء تركيا عند حدود امتلاكها للأسلحة الدفاعية حتى عام 2023م، هو محل تفكير وخطر بالنسبة إلى الدول الغربية إذا زادت تركيا من اعتمادها على التعاون العسكري مع روسيا، ما قد يضطر تركيا للتفكير بامتلاك أسلحة نووية مع ازدياد المخاطر على أمنها القومي من التهديدات الخارجية، وبالأخص إذا عجز مستوى الأسلحة الدفاعية التقليدية عن تأمين الأمن القومي التركي وحده، وهذه المرحلة النووية يمكن بناؤها على أساس أنها أسلحة دفاعية أيضًا، في ظل السباق النووي في الشرق الأوسط، وقد يكون ذلك أحد أسباب تراجع دول الاتحاد الأوروبي في ضم تركيا إليها، فهي تخشى من زيادة مستوى استقلال تركيا بقرارها السياسي والعسكري في المستقبل، كما تخشى أثر ذلك على دول الاتحاد الأوروبي والمنطقة كلها.

إن هذه المساعي - لو حصلت - سوف تكون تكررًا للجهود الباكستانية عند بنائها لقنبلتها الذرية منذ عقود، فقد كانت تدعي حقها بالدفاع عن نفسها ضد جارتها الهند، التي امتلكت القنبلة الذرية قبلها، وكذلك الحال بالنسبة لكل دول الشرق الأوسط بما فيها تركيا وإيران والسعودية ومصر وغيرها، فيمكنها المطالبة بحقها بامتلاك السلاح النووي للدفاع عن نفسها من التهديد النووي الخارجي، وهذا يفرض على الجهود الدولية الممانعة للسباق النووي في الشرق الأوسط التخلي عن ازدواجية المعايير، ومعاملة كل دول الشرق الأوسط بنفس المعايير الدولية الممانعة لسباق التسلح النووي في الشرق الوسط، وإلا فإن تلك الدول سوف تلجأ عاجلاً أم آجلاً إلى امتلاك مشروعها النووي السلمي أولاً، ثم العسكري ثانيًا، كما فعلت الهند وباكستان وإيران، وسياسة الاتهام والعقوبات الدولية لن تكون ذات نتائج رادعة على المدى الطويل، فالتركيز على العقوبات الدولية على إيران أدى بها إلى توقيع اتفاق نووي مع الدول الست (5+1)، وهي أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا، بمنتصف حزيران 2014م، ولكن لا يمكن القطع بعدم وجود مشروع نووي سري لدى إيران، وما كان للعقوبات أن تؤتي أكلها إلا بعد أن فعلت العقوبات الدولة أضرارها الهائلة في الاقتصاد الإيراني، وهذا أمرٌ غير مستبعد أن تتعرض له كل الدول التي تتهم بوجود مشاريع نووية سرية لديها، بما فيها احتمال اتهام تركيا بدخولها مضمار السباق النووي في الشرق الأوسط، واتهامها بأنها تعمل سرا لبناء قوة عسكرية نووية على المدى المتوسط، بهدف إيقاف المشروع النهضوي التركي المتقدم والمستقل عن الدول الغربية.

مخاطر السباق النووي الإيراني على تركيا والمنطقة

تكاد تكون الدول العربية والإسلامية ودول الشرق الأوسط مقتنعة بوجهة النظر الغربية من وجود مخاوف من امتلاك إيران في عهد الثورة الخمينية والخامنئية لأسلحة نووية، فإيران استخدمت كل انواع أسلحتها التقليدية والصاروخية في حروبها ضد الشعب العراقي والشعب السوري والشعب اليمني والشعب اللبناني، وفي السنوات الماضية استخدم الحرس الثوري الإيراني ميليشياته وقواته العسكرية التقليدية في عمليات احتلال مباشر أو عن طريق ميليشياتها الشيعية الطائفية لأربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، وفاخر الزعماء السياسيون والعسكريون الإيرانيون بذلك، وقد انتقدت الحكومة التركية ذلك مرارًا، ورفضت الدعوات الطائفية التي تصدر من مسؤولين إيرانيين تدعو إلى ذلك، فتركيا شأنها في ذلك شأن العديد من الدول العربية والإسلامية ودول الشرق الأوسط والعالم لا تتقبل فكرة امتلاك إيران للسلاح النووي؛ لأنه من أشد أنواع التهديد الحقيقي في الشرق الأوسط، فاستخدام جيش بشار الأسد للأسلحة الكيماوية لا يمكن تبرئة إيران والحرس الثوري الإيراني من المشاركة فيها أو المسؤولية عنها، فكيف لو امتلكت إيران أسلحة نووية أيضًا؟.

إن أولى المخاطر التي تخشاها تركيا من امتلاك إيران والحرس الثوري الإيراني للأسلحة النووية أن أراضيها سوف تكون مهددة من هذه الأسلحة، إن لم يكن على أيدي القيادة الإيرانية الحالية فمن قيادات أخرى للحرس الثوري الإيراني في المستقبل، وهذا سيدفع تركيا رغما عنها لامتلاك السلاح النووي أيضًا، وسوف يدخلها في إرهاق اقتصادي لا نهاية له، ولحين تحقيق ذلك فإن تركيا سوف تكون تحت تهديد إيراني في حال خالفت أو عارضت المشاريع الإيرانية التوسعية في المنطقة، كما أنه سوف يضر بالرؤية السياسية والمشاريع التركية للمنطقة، سواء بإحلال السلام وإنهاء صراعات المنطقة، والتي كانت إيران من أكبر أسبابها، أو في رؤية منطقة شرق أوسط تنعم بالاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي، فإيران نووية - إن لم توازيها تركيا نووية أيضًا - سوف يحد من قدرات تركيا على منع نشوب حروب في المنطقة، وسوف يحد من قدرات تركيا من مساعدة دول المنطقة الأخرى، وبالأخص دول الجوار العربي ودول مجلس التعاون الخليجي أيضًا.

تتفهم  تركيا حاجة إيران إلى الطاقة النووية السلمية المدنية، وحقها في بناء مفاعلاتها النووية، و قد عملت تركيا لمساعدة إيران للتوصل إلى اتفاق بين إيران والدول الست (5+1)، فقد حاولت تركيا التوسط مع البرازيل في مايو 2010م، لمساعدة إيران في التوصل إلى اتفاق نووي مع أمريكا، وذلك قبل أيام من إصدار مجلس الأمن لقراره رقم (1929) الذي يفرض عقوباتٍ جديدةً على إيران، بهدف التوصل إلى اتفاق لمبادلة الوقود النووي مع طهران، وعرضت تركيا أن يتم ذلك التبادل على الأراضي التركية، وفق الشروط الدولية، ولكن ذلك لم يتم بسبب مخاوف الدول الغربية بأن يكون هناك اتفاق سري بين إيران وتركيا حول ذلك.

لا شك أن وجود تركيا في حلف الناتو يعطيها حماية من أي هجوم خارجي، ولكن ذلك كان مقبولا في مرحلة الحرب الباردة وحتى تاريخ انهيار حلف وارسو عام 1989م، مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وقد يمتد ذلك لعام 2003م، حيث كانت بداية القرن الحادي والعشرين صانعة لتغيرات دولية وإقليمية كبيرة، ففي عام 2003م،  رفض البرلمان التركي ذو الأغلبية البرلمانية من حزب العدالة والتنمية، رفض السماح للجيش الأمريكي مهاجمة العراق عبر الأراضي التركية، وبدأت تركيا تسمع أمريكا والدول الغربية مواقف سياسية مستقلة في القضايا الدولية الشائكة، ومنها قضية الصراع العربي الإسرائيلي، ومنها تأييدها لنتائج الانتخابات الفلسطينية الداخلية عام 2006م، ووصول حركة حماس إلى السلطة السياسية البرلمانية وتشكيل الحكومة الفلسطينية لأول مرة، كما رفضت الحكومة التركية الحروب العدوانية الإسرائيلية على غزة خلال الأعوام 2008 و2009م، وعاقبت الموقف الإسرائيلي من مهاجمة سفينة مرمرة 2010م، وأيدت ما وقع بعدها في أحداث الاحتجاجات الشعبية في بعض الدول العربية منذ أواخر 2010م، وأخيرًا رفضت الحكومة التركية المشاركة العسكرية في محاربة التنظيمات الإرهابية على الطريقة الأمريكية فقط، وطالبت أن تكون شريكة في وضع خططها العسكرية وأهدافها السياسية وبالأخص في سوريا والعراق، فهذه التطورات جعلت تركيا في نظر بعض الدول الغربية وأمريكا دولة مستقلة في صنع قرارها السياسي وفي حلول مشاكل المنطقة وأزماتها، ومدافعة قوية عن ضعفائها ومظلوميها.

لقد مرت العلاقات التركية ـ الإيرانية بعد اندلاع الثورة السورية بالصعوبات الكبيرة، ولحق تركيا تهديات إيرانية عديدة، ووجه الإعلام الإيراني وحلفاؤه اتهامات وإساءات كبيرة لتركيا وحكوماتها ورئاستها، وأطاحت سياسة الحكومة الإيرانية بالكثير من المشاريع الايجابية التركية والدولية لحل الأزمة السورية منذ سنوات، ومع ذلك لم تقف تركيا مع العقوبات الدولية ضد المشروع النووي السلمي الإيراني، لقناعة الحكومة التركية أن هذه العقوبات الأمريكية والغربية والدولية كانت ضد الشعب الإيراني أيضًا، بينما كانت أمريكا وروسيا على تفاهم وتوافق وتشجيع للأطماع الإيرانية في العراق وسوريا واليمن وغيرها، فما كان لإيران وحرسها الثوري تحقيق شيء من الانتصارات العسكرية الوهمية في سوريا دون تأييد سياسي وعسكري وغير أخلاقي من أمريكا وروسيا والصين، ولذلك لم تراهن السياسة التركية على خيار الصدام مع إيران في سوريا ولا في العراق، لأن ذلك سوف يزيد أزمات المنطقة بصورة خطيرة جدًا، وإنما عمدت لإيجاد قواسم مشتركة من التعاون مع إيران بما يثنيها عن خوض معارك خاسرة في سوريا والعراق والمنطقة على المدى القريب وليس البعيد ولا المتوسط فقط، فتركيا لها الكثير من نقاط الاختلاف مع إيران، ولكنها دولة جارة لها وبينهما حدود مشتركة، وبينهما مصالح اقتصادية كبيرة، ولذا سعت السياسة التركية إلى تشجيع الحكومة الإيرانية على توقيع الاتفاق النووي، وأيدته ورحبت به بعد توقيعه على أمل أن تأخذ إيران بسياسة حسن الجوار والتعاون المشترك مع جميع دول المنطقة وأمن الشرق الأوسط.

الدور التركي في توطين المفاعل النووية للأغراض السلمية في الشرق الأوسط

وقعت تركيا عام 2010م، اتفاقا مع روسيا لبناء ثلاثة مفاعلات نووية جنوب البلاد لإنتاج الطاقة الكهربائية، وهذا الاتفاق مهم جدًا لتركيا، وتأمل تركيا أن تكون اتفاقيات إيران النووية مع روسيا شبيهة بالاتفاقيات الروسية مع تركيا سلمية ومدنية فقط، وكذلك باقي مشاريع توليد الطاقة النووية المدنية في الشرق الوسط، مع ما فيها من قدرات تكنولوجية لتخصيب اليورانيوم في تركيا، فتركيا تعمل مع روسيا في الاستثمار في التقنيات اللازمة لتفعيل برنامج مدني للطاقة النووية، وفي حالة السعي لإنتاج سلاح نووي فإن ذلك يحتاج إلى بناء البنية التحتية اللازمة لإنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع السلاح النووي، وهذا ليس متوفرًا في تركيا، فهي لا تملك البنية التحتية اللازمة لاستخراج اليورانيوم وتخصيبه، أو إعادة معالجة الوقود النووي المستنفد، ولذلك لا يوجد مؤشرات على أن تركيا تعمل الآن لامتلاك السلاح النووي، وسوف تبقى قدراتها النووية تعتمد على المساعدات الخارجية، وبالأخص التعاون مع دولة روسيا الاتحادية في قادم الأيام، ولكن روسيا لن تكون الدولة الوحيدة الداعمة لتركيا في هذا المجال، فتحسين علاقات تركيا مع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة قد توفر لها إمكانيات وقدرات مساعدة، وكذلك علاقاتها الحميمة مع باكستان والصين أيضًا.

 هذا النموذج التركي في امتلاك المفاعلات النووية لأغراض سلمية ومدنية هو خير نموذج لتوطين تطوير التكنولوجية النووية في الشرق الأوسط للحاجات المدنية والاقتصادية، بدليل أن المشرع النووي التركي يسير بهدوء وتقدم ودون مشاكل داخلية أو خارجية، وهذا كان أمرًا ممكنًا في إيران أيام نظام الشاه قبل وصول الخمينية إلى السلطة عام 1979م، فلا مشكلة من توطين المفاعلات النووية السلمية في منطقة الشرق الأوسط، لأنها حاجة علمية ومدنية ومن ضرورات التطور العلمي والتكنولوجي، كما أن الطاقة النووية أصبحت من ضرورات تطوير الأبحاث العلمية الطبية والعلاجية وغيرها.

إن من المطالب الرئيسية للسياسة الخارجية التركية أن يكون النظام العالمي أكثر عدلاً، فالعالم أكبر من خمس دول، كما يقول الرئيس التركي أردوغان، ولكن سعي تركيا لبناء نظام عالمي أكثر عدلاً لا يعني أن تركيا تؤيد تدمير النظام العالمي الحالي قبل الاتفاق الدولي الواسع على نظام عالمي جديد، وسباق التسلح النووي غير المنضبط دوليًا يعني تدمير النظام العالمي الحالي قبل بناء النظام الجديد، وعلى هذا الأساس استنكرت الحكومة التركية مرارًا التجارب النووية لكوريا الشمالية، لأنها تأتي في هذا السياق التدميري للعالم، ولا تصب في مصلحة بناء نظام عالمي جديد، وهذا ينطبق من وجهة نظر تركية على كل الدول التي تشارك في السباق النووي الضار بالبشرية جمعاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وباحث تركي 

مجلة آراء حول الخليج