; logged out
الرئيسية / مستقبل القضية الفلسطينية في ظل التشدد الإسرائيلي والانحياز الأمريكي

العدد 126

مستقبل القضية الفلسطينية في ظل التشدد الإسرائيلي والانحياز الأمريكي

الثلاثاء، 09 كانون2/يناير 2018

من المؤكد أن كافة الموضوعات المرتبطة بالقضية الفلسطينية في حاضرها ومستقبلها تحظى بأهمية خاصة نظرًا لأن هذه القضية تعتبر قضية أمن قومي عربي وهو ما يفرض ضرورة البحث عن كافة البدائل المتاحة لبلورة رؤية متكاملة يمكن أن تساعد في تحديد مسارات الحركة نحو مستقبل القضية الفلسطينية خلال المرحلة القادمة لاسيما في ظل متغيرات إقليمية ودولية متسارعة وشديدة الحساسية تتراوح بين مزيد من التشدد الإسرائيلي والتحيز الأمريكي خاصة إزاء قضية القدس.

*** كما يؤكد الواقع الراهن أن القضية الفلسطينية لم تعد تمثل الأولوية الأولى في السياسات الإقليمية والدولية رغم الزخم الذي تشهده بين الحين والآخر أيًا كانت أسباب هذا الزخم، وهذا ما يجد تفسيره في تصاعد مشكلات أخرى أكثر خطورة وإلحاحًا وتأثيرًا وعلى رأسها قضية الإرهاب والقضايا الحالية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط سواء في ليبيا أو سوريا أو العراق أو اليمن وهي كلها قضايا حظيت باهتمام دولي ملحوظ بل وصل الأمر إلى التدخل العسكري المباشر من جانب القوى الكبرى في هذه القضايا بل وفى بعض هذه الدول.

*** وإذا حاولنا استشراف آفاق مستقبل القضية الفلسطينية في ظل هذه المتغيرات من الضروري أولاً أن نحاول توصيف طبيعة الواقع الحالي لهذه القضية والذي يشير إلى ما يلي:

   ** محاولة الجانب الفلسطيني التحرك على المستويين الإقليمي والدولي وخاصة في أعقاب الموقف الأمريكي المجحف تجاه القدس للحصول على بعض المكاسب ولاسيما لدى المنظمات الدولية وهي كلها مكاسب هامة ومطلوبة ولكنها للأسف لا تغير من واقع الاحتلال الإسرائيلي على الأرض.

   ** انشغال الدول العربية بمشاكلها الداخلية ولاسيما قضية مواجهة الإرهاب وبما يحول بينها وبين التحرك المؤثر لتفعيل جهود القضية الفلسطينية فيما عدا بعض المحاولات الإيجابية التي تبذلها مصر والسعودية على فترات وخاصة على المستوى الدولي من أجل الحفاظ على تلك القضية في دائرة الضوء.

   ** استمرار المواقف الإسرائيلية المتشددة تجاه القضية الفلسطينية في ظل المبادئ التي تحكم الحكومة الحالية التي يترأسها نتانياهو والتي أسقطت من أجندتها مبدأ حل الدولتين الذي أقره المجتمع الدولي منذ عام 2003م، بل من الواضح أن هذه الحكومة المتطرفة تقوم بتنفيذ سياساتها الاستيطانية استنادًا على خطة ممنهجة لتهويد مناطق محددة في الضفة الغربية وخاصة مدينة القدس.

   ** اتخاذ إسرائيل قرارين هامين يؤثران بالسلب على عملية السلام الأول وهو قرار مركز حزب الليكود في 31 ديسمبر 2017م، بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ومنطقة الأغوار، والقرار الثاني الذي اتخذه الكنيست في الأول من يناير 2018م، بالتصديق على مشروع قرار يقضي بأن التنازل عن أية أجزاء من القدس في أية تسوية سياسية يتطلب موافقة 81 عضو كنيست.

   ** انتقال الموقف الأمريكي من دور الوسيط النزيه أو الشريك الكامل إلى دور الوسيط المتحيز لصالح الجانب الإسرائيلي وقد تجلى ذلك بوضوح في القرار الذي أعلنه الرئيس دونالد ترمب في السادس من ديسمبر 2017م، بالاعتراف رسميًا بالقدس كعاصمة لإسرائيل فضلاً عن عدم نجاح الإدارة الأمريكية طوال الفترة السابقة ببلورة رؤية متكاملة حتى الآن يمكن على أساسها استئناف المفاوضات السياسية المتوقفة تمامًا منذ منتصف 2014م.  

** تراجع الدور الأوروبي إلى حد كبير رغم أنه كان دورًا هامًا ونشيطًا ومساعدًا في فترات زمنية سابقة بل وكان له السبق في طرح فكرة المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط وهي الفكرة التي وصلت للأسف إلى مرحلة من الجمود التام في ظل رفض إسرائيل للفكرة من الأساس.

*** ولا يمكن لأى متابع للسياسة الإسرائيلية الحالية تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط إلا أن يصل إلى نتيجة واحدة مفادها أن حكومة  نتانياهو قد ابتعدت كثيرًا بل أسقطت أية إمكانية للتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يمكن أن يتمشى مع المطالب العربية والفلسطينية المشروعة، كما أن كافة الأحاديث الإسرائيلية حول عملية السلام لا تعدو كونها مجرد تصريحات جوفاء لا تتسم بالجدية ولا تهدف سوى لإظهار عدم رفض إسرائيل لمبدأ السلام، الأمر الذى يدفعني إلى الجزم بأن إسرائيل لم تكن بعيدة عن إقرار السلام مع الفلسطينيين أكثر مما هي عليه في الوقت الحالي.

*** وفى رأيي أن كافة المتغيرات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة الراهنة بالإضافة إلى بعض المتغيرات الدولية تصب كلها في صالح الموقف الإسرائيلي خاصة مع التراجع الواضح في اهتمامات المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية رغم أن هناك بعض المحاولات التي تبذل بين الحين والآخر لمنح بعض الحيوية لهذه القضية العربية المحورية ولكنها محاولات تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد والتنسيق مع كافة الأطراف حتى تكون قادرة على تحريك عملية السلام.

*** ومن الضروري ونحن نتناول هذا الموضوع علينا أن نوضح طبيعة الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني تجاه قضايا الحل النهائي أو ما يعرف باسم FUNDAMENTAL  ISSUES على أساس أن هذه القضايا سوف تكون محاور التفاوض في حالة التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المعنية على استئناف المفاوضات، ومن ثم علينا استعراض حدود مواقف الجانبين إزاء هذه القضايا ( القدس – الحدود – الأمن – المستوطنات – اللاجئون – الأسرى – المياه ) حتى نكون على بينة من أن المواقف التي تطرحها إسرائيل للحل لا تلائم في معظمها الحد الأدنى من مواقف العرب والفلسطينيين.

*** أولاً قضية القدس:

     الموقف الإسرائيلي

     ** تسعى إسرائيل إلى إبعاد هذه القضية عن مائدة التفاوض بدعوى أن القدس تمثل عاصمة للدولة وبالتالي فهي بهذا التوصيف تخرج طبقًا للرؤية الإسرائيلية عن إطار أية مفاوضات ولا شك أن القرار الذي اتخذه الكنيست مؤخرًا تجاه القدس يؤكد هذا الموقف الإسرائيلي بكل وضوح.

     ** قامت إسرائيل بعد حرب يونيو 67 بوضع خطة شاملة متكاملة لتهويد القدس بدأت بإصدار الكنيست قرارًا في نفس العام بضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية ثم قام الكنيست عام 1980م، بإصدار أخطر قرار باعتبار القدس الموحدة عاصمة أبدية للدولة.

     ** عمدت السياسة الإسرائيلية إلى توسيع حدود مدينة القدس الشرقية من 7 كيلومتر عام 67 إلى حوالي 80 كيلومتر حاليًا حتى يتسع لأكبر عدد من المستوطنات والمستوطنين اليهود وبحيث يكون الجانب الفلسطيني أمام أمر واقع جديد أوجدته إسرائيل على الأرض يحول دون أن يطالبوا بالقدس كعاصمة لهم.

     ** تسهيل الاقتحامات المتكررة من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة بل وبعض المسؤولين الإسرائيليين الرسميين لساحات المسجد الأقصى.

     ** في كل الأحوال ترى إسرائيل أن القدس إذا حدث وكانت إحدى قضايا التفاوض فلن توافق على تقسيمها مرة أخرى.

   الموقف الفلسطيني

     ** تطالب السلطة الفلسطينية بأن تكون القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية ذات السيادة والمزمع إقامتها على أن تشمل المدينة بالطبع منطقة القدس القديمة والمسجد الأقصى الذي يجب أن يخضع للسيادة الفلسطينية تمامًا.

     ** إمكانية أن تكون مدينة القدس القديمة مفتوحة أمام معتنقي الديانات السماوية الثلاث مع السماح لهم بزيارة أماكنهم المقدسة طبقًا لنظام يتفق عليه.

 *** ثانيًا قضية الحدود:

   الموقف الإسرائيلي

     ** تحاول إسرائيل تثبيت مبدأ أنه أصبح من المستحيل أن تعود إلى حدود يونيو 67 مهما كانت النتائج المترتبة على هذا الموقف.

     ** تتعمد إسرائيل ألا توضح تفصيلات هذا المفهوم حتى الآن من أجل أن تتمكن من التوسع في ضم أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية خلال أية تسوية محتملة تحت ذريعة عدم إمكانية العودة إلى حدود 67 لاعتبارات أمنية وديموغرافية.

     ** تشير بعض التصريحات المنسوبة إلى مسؤولين إسرائيليين يمينيين إلى أنها تسعى إلى ضم حوالي ربع مساحة الضفة الغربية إليها تحت مسميات مختلفة، وجدير بالذكر هنا أنه يكاد يكون هناك توافقًا إسرائيليًا عاماً حول عدم العودة لحدود 67 مع اختلاف نسب الضم من حزب إلى آخر.

   الموقف الفلسطيني:

     ** ضرورة قيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة والمتواصلة الأطراف على حدود 1967 خاصة وأن هذا الأمر يعتبر أحد المبادئ الأساسية التي وافق عليها المجتمع الدولي بأكمله.

     ** إمكانية الاتفاق على تبادل الأراضي بين فلسطين وإسرائيل في إطار معاهدة سلام بشرط أن يتم هذا التبادل بنفس النسبة والقيمة وألا يزيد عن نسبة 2% كحد أقصى.

*** ثالثًا قضية الأمن:

   الموقف الإسرائيلي

     *** تقوم إسرائيل بتصعيد قضية الأمن لتكون بمثابة القضية المحورية المركزية التي تعلو على ما عداها من قضايا بل ليكون لها التأثير الأكبر في كافة القضايا الأخرى بمعنى أنه لا يمكن لإسرائيل أن تتوصل إلى حل لأية قضية من قضايا الوضع النهائي أو توافق عليها إلا من خلال المنظور الأمني أساسًا.

     ** وبالتالي فإن إسرائيل ترى أنه حتى في حال موافقتها على إقامة دولة فلسطينية فسوف تكون هي المسيطرة على النواحي الأمنية وستضع كافة الأسس التي تحول دون أن تشكل هذه الدولة المرتقبة أية تهديدات من أي نوع للأمن الإسرائيلي، وتحديدًا أن تكون دولة منزوعة السلاح وبالتالي دولة غير متواصلة الأطراف.

   الموقف الفلسطيني:

     ** عدم القبول بأن يكون الأمن ذريعة تستند عليها إسرائيل من أجل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية أو أن تكون هناك دولة فلسطينية منقوصة السيادة وغير متواصلة الأطراف.

     ** رفض أي تواجد عسكري إسرائيلي دائم أو مؤقت في الضفة الغربية في أعقاب قيام الدولة الفلسطينية مع الاستعداد لبحث المخاوف الأمنية الإسرائيلية وبحث إمكانية القبول بوجود قوات دولية في مناطق محدودة من الضفة الغربية (غور الأردن على سبيل المثال) بشرط أن يكون هذا التواجد مؤقتًا وخاضعًا لإشراف وقرار دولي من الأمم المتحدة.

*** رابعًا قضية المستوطنات:

   الموقف الإسرائيلي

       ** نجحت إسرائيل في بناء العشرات من المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية والقدس والجولان، ولازالت سياسة الاستيطان قائمة ويتم تنفيذها بناء على خطط مسبقة مدروسة بعناية، وقد وصل الأمر إلى وصول عدد المستوطنين في الضفة إلى حوالي مليون إلا ربع مستوطن يقطنون في أكثر من 150 مستوطنة.

     ** دخلت معظم هذه المستوطنات في منظومة الدولة من حيث الاندماج وطبيعة الخدمات التي تقدم لها، وبالرغم من القرارات الدولية التي تؤكد عدم شرعية هذه المستوطنات والتي كان آخرها قرار مجلس الأمن رقم 2334 إلا أن إسرائيل لا تعير هذه القرارات أي اهتمام بل بدأت في تكثيف سياساتها الاستيطانية ولاسيما في مدينة القدس الشرقية وإصدار القرارات التي تسهل عملية الاستيطان والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

     ** لا شك أن أخطر ما في هذه السياسة أنها تغير تمامًا من طبيعة الواقع على الأرض، وتشير المعطيات إلى تمسك إسرائيل بضم هذه المستوطنات الكبرى إليها خلال أية تسوية سياسية محتملة.

   الموقف الفلسطيني:

     ** ضرورة قيام إسرائيل بإزالة المستوطنات التي أقامتها في الضفة الغربية والقدس باعتبار أن بناء هذه المستوطنات غير شرعية باعتراف المجتمع الدولي كله وارتباطًا بالقرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة في هذا الشأن.

     ** إنه في حالة رغبة إسرائيل في بقاء بعض المستوطنات وعدم إزالتها فإن هذه المستوطنات يجب أن تكون داخل المناطق التي سيتم الاتفاق على تبادلها بين الجانبين والتي لن تتعدى 2% من مساحة الضفة.

 

*** خامسًا قضية اللاجئين:

الموقف الإسرائيلي:

     ** تعد هذه القضية من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا لارتباطها بموقفين متعارضين تمامًا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بالإضافة إلى أنها كانت مثار قرارات دولية صادرة من الأمم المتحدة ولازالت قائمة حتى الآن رغم تغيير إسرائيل للواقع على الأرض وتغيير معالم مدن كثيرة وتحويلها بمرور الزمن من مدن ذات هوية عربية إلى مدن ذات هوية يهودية مما يغلق الطريق أمام عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المدن التي هاجروا منها.

     ** لابد هنا أن نشير إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في ديسمبر عام 1948م، الذي نص في أحد بنوده على حق عودة اللاجئين وتعويضهم وهو ما ترفض إسرائيل ليس فقط تنفيذه وإنما حتى النص عليه خلال أية معالجة سياسية لقضية اللاجئين، بالإضافة إلى محاولاتها تضمين أية تسوية سياسية محتملة نصًا يشير إلى يهودية الدولة مما ينهى بشكل رسمي قضية اللاجئين.

   الموقف الفلسطيني:

     ** لا تمتلك أية سلطة أو أية قيادة فلسطينية القدرة على إسقاط حق العودة أو التنازل عن هذا المبدأ أو القبول بمبدأ التوطين وهو الأمر الذي أقرته القرارات الدولية وخاصة قرار رقم 194.

     ** يمكن للقيادة الفلسطينية مناقشة مسألة عودة اللاجئين من حيث الأعداد المسموح لهم بالعودة أو الأماكن التي يمكن العودة إليها في فلسطين التاريخية وكذا مسألة التعويض لمن لا يرغب في العودة وذلك في أعقاب إقرار إسرائيل أولاً بمبدأ حق العودة.

*** سادسًا قضية المياه:

     الموقف الإسرائيلي

     ** تمثل هذه القضية أهمية كبيرة لدى الجانب الإسرائيلي نظرًا لأنه يعاني من أزمة ونقص في المياه وبالتالي يعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية الموجودة في بعض المناطق الحدودية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى اعتماده على مياه بحيرة طبرية السورية التي تمده بحوالي ثلث مصادره من المياه.

الموقف الفلسطيني

     ** ضرورة سيطرة السلطة الفلسطينية على كافة مصادر المياه في الضفة الغربية خاصة وأن فلسطين تعاني أيضًا من مشكلة نقص المياه.

     ** يمكن إقامة المشروعات الخاصة بتحلية المياه مع إسرائيل ومع أطراف أخرى بتمويل دولي من أجل تسهيل حل مشكلة نقص المياه.

*** سابعًا قضية الأسرى:

الموقف الإسرائيلي

     ** تستخدم إسرائيل هذه القضية كورقة مساومة وضغط على الجانب الفلسطيني.

     ** يوجد في السجون الإسرائيلية حوالي ستة آلاف أسير فلسطيني تحت مسميات مختلفة من بينها الاعتقال الإداري الذي تتوسع فيه السلطات الإسرائيلية.

     ** لازالت إسرائيل ترفض الإفراج عن دفعات من الأسرى الذين تم اعتقالهم قبل اتفاقات أوسلو 1993م، بالإضافة إلى الأسرى ممن توصفهم بأن أياديهم ملوثة بدماء اليهود.

     ** لابد أن نشير هنا إلى نجاح مصر في الإفراج عن أكثر من ألف أسير في صفقة شاليت التي أنجزتها بنجاح عام 2011 م.

الموقف الفلسطيني

     ** ضرورة إفراج إسرائيل عن كافة الأسرى الفلسطينيين بما فيهم الأسرى المعتقلين قبل اتفاق أوسلو 1993م.

     ** أنه في حالة التوصل إلى معاهدة سلام مع إسرائيل يجب أن يتم إغلاق هذا الملف تمامًا من خلال الإفراج عن جميع الأسرى.   

*** وفى ضوء ما سبق يتضح مدى تشدد إسرائيل في مواقفها وهي كلها مواقف تعبر بصدق عن طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة نتانياهو والتي تعد من أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ دولة إسرائيل، ولا شك أن كافة هذه المواقف بشكلها المطروح تعد مرفوضة تمامًا من قبل الجانبين العربي والفلسطيني مادامت تمثل مواقف إسرائيلية مسبقة لا تقبل التنازل عنها وبالتالي لابد من أن يمتلك المفاوض الفلسطيني والعربي أدوات الضغط اللازمة لتغيير هذه المواقف.

*** ومن جانب آخر فلا يمكن لنا التسليم بأن نترك الساحة السياسية خالية أمام إسرائيل ترتع فيها كما تشاء وتظهر سلامة وقوة مواقفها وتؤكد للعالم عدم وجود شريك فلسطيني يقبل بالسلام معها خاصة وأن المفاوضات متوقفة منذ ثلاث سنوات وهى فترة نجحت إسرائيل في استثمارها لدعم سياساتها الاستيطانية في المناطق الفلسطينية وإيجاد أمر واقع جديد على الأرض , وفى رأيي أن هذا هو ما تهدف إليه إسرائيل حيث أنها تتحرك بحرية كبيرة وبشكل متسارع في ظل جمود العملية السياسية وغياب المفاوضات ويزداد تشددها إزاء قضايا الوضع النهائي حتى لا يجد الفلسطينيون في المرحلة القادمة ما يمكن أن يتفاوضوا عليه .

*** ومن المؤكد أن إسرائيل تستثمر الوضع العربي الراهن أفضل استثمار نظرًا لعدم وجود أية ضغوط عليها الأمر الذي يفرض علينا ضرورة تغيير طبيعة المعادلة الحالية من خلال توجه الجانب العربي والفلسطيني نحو صياغة موقف استراتيجي وتكتيكي متكامل يستند على مبادرة السلام العربية المطروحة في بيروت عام 2002م، ويهدف بشكل واضح إلى استئناف التفاوض مع إسرائيل في أقرب وقت ممكن على أسس ومرجعيات مقبولة.

*** في رأيي أن العملية التفاوضية المتواصلة تعد السبيل الوحيد الأكثر فعالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فنحن سوف نتفاوض في معركة أكثر شراسة للحصول على دولة فلسطينية مستقلة على ما نسبته أقل من 22% من مساحة فلسطين التاريخية ولم يعد عامل الوقت أحد كروت القوة التي نملكها , فما تقوم به إسرائيل على الأرض يعد بمثابة الواقع الوحيد الذى سوف يعترف به العالم وهو حتى الآن واقع ليس في مصلحتنا لاسيما وأن الكروت التي في أيدينا قد تكون ناجحة فقط في تحقيق نتائج وإنجازات قانونية ومعنوية لصالح الفلسطينيين ، أما الكارت الوحيد المؤثر وأعني به كارت المقاومة وتحديدًا المقاومة السلمية التي يمكن أن يقبلها المجتمع الدولي لشعب محتل يطالب بحريته واستقلاله فمن الواضح أننا لا نحسن استخدامه حتى الآن بالشكل الذى يحقق أهدافنا .

*** وبالتالي فإننا إذا أردنا تحريك القضية الفلسطينية في المستقبل هناك مسؤوليات كبيرة تقع على كل من الجانب الفلسطيني والدول العربية والمجتمع الدولي تجاه هذه القضية حتى يمكن أن نحقق المعادلة المطلوبة وهي تحقيق آمال الشعب الفلسطيني في أن يكون آخر الشعوب التي تحصل على حقها المشروع في الاستقلال، وفى هذا المجال هناك أدوار مطلوبة من كافة الأطراف في المرحلة المقبلة نوضحها كما يلي:

أولاً: الجانب الفلسطيني

   ** أهمية إسراع الفلسطينيين في إنجاز خطوات إنهاء الانقسام التي تم التوافق عليها من أجل أن يكون هناك موقفًا فلسطينيًا موحدًا يسقط ذريعة نتانياهو في عدم التحرك السياسي وإنكار وجود شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.

   ** لابد أن يتجه الفلسطينيون إلى استخدام بدائل أخرى سلمية سواء لتذكير العالم بقضيتهم العادلة أو لدفع إسرائيل لمراجعة مواقفها المتشددة وأعني هنا إعادة تفعيل مبدأ المقاومة السلمية المشروعة دون أن يتعدى ذلك أية أعمال عنف غير مقبولة قد تفقد المجتمع الدولي تعاطفه مع القضية مع ضرورة التوافق الفلسطيني على خطة شاملة لتنفيذ مبدأ المقاومة السلمية خاصة داخل الأراضي الفلسطينية.

   ** استمرار التحرك مع المجتمع الدولي من أجل الحصول على أكبر قدر من التأييد وخاصة لمبدأ إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، مع ضرورة الإسراع في استئناف عملية السلام بالصورة المقبولة شكلاً وموضوعًا.

  ثانياً: الجانب العربي

   ** ضرورة قيام الجامعة العربية وكذا الدول العربية القادرة على التحرك بدورها المنوط بها في تحريك القضية والتواصل المكثف مع كافة الأطراف من أجل تسويق مبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت عام 2002 ، والتي تمنح إسرائيل التطبيع الكامل في العلاقات العربية مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة مع ضرورة أن يكون هناك توافقًا على آليات واقعية لتنفيذ هذه المبادرة.

   ** أهمية أن تسعى الدول العربية إلى إقناع المجتمع الدولي وخاصة واشنطن بأن استمرار عدم حل القضية الفلسطينية يساعد على استمرار الإرهاب ليس في المنطقة فقط وإنما في العالم كله وأن أية قرارات أمريكية تجاه قضايا الوضع النهائي لن تؤدي إلا إلى مزيد من تعقيد الموقف.

   ** ضرورة تفعيل كافة المؤسسات العربية المكلفة بدعم صمود سكان القدس في مواجهة قطار التهويد الإسرائيلي، مع أهمية فتح المجال أمام زيارات المسلمين للقدس والمسجد الأقصى.

  ثالثًا : الجانب الإسرائيلي

   **ضرورة أن يتم دفع الحكومة الإسرائيلية الحالية لإعادة تقييم مواقفها حتى تدرك أن احتلالها لن يستمر للأبد، وأن تقتنع بأية وسيلة بأن أمنها واستقرارها أو تطوير علاقاتها مع الدول العربية بالشكل الذي ترغب فيه لن يتم إلا في حالة حل القضية الفلسطينية وليس قبل ذلك.

  رابعًا: الجانب الأوروبي والدولي

   ** أهمية عودة الدول الأوروبية وروسيا والصين لتنشيط دورها في عملية السلام وعدم الاكتفاء بدور المراقب ومن الضروري بدء التواصل مع أطراف القضية بما يتيح تقريب المواقف وطرح رؤى جديدة، كما يجب على الأمم المتحدة أن تدعم في كل قراراتها الحقوق الفلسطينية وتعارض بشكل واضح كافة الإجراءات الإسرائيلية التي تعيق عملية السلام.

  خامسًا: الجانب الأمريكي

   ** أهمية أن تنتقل الإدارة الأمريكية من الموقف المتحيز الذي أوجدت نفسها فيه إلى موقف أكثر تطورًا وفعالية يستند على بلورة رؤية سياسية شاملة تساهم في استئناف المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في أقرب فرصة ممكنة ولا مانع من أن يتم ذلك برعاية وإشراف أمريكي أو دولي وفى إطار مرجعيات واضحة وجدول زمني محدد كما يجب على واشنطن أن تعلن بوضوح أن القدس سوف تكون واحدة من قضايا التفاوض في الوضع النهائي ولا يمكن لأي طرف أن يحدد مسبقًا نتائج هذه المفاوضات أو يتخذ قرارات تؤثر عليها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية والفلسطينية بالمجلس المصري للشؤون الخارجية

 

 

 

مقالات لنفس الكاتب