; logged out
الرئيسية / قاعدة البنتاغون وربيع المنامة صراع السياسة والعسكر في العلاقات البحرينية - الأمريكية

قاعدة البنتاغون وربيع المنامة صراع السياسة والعسكر في العلاقات البحرينية - الأمريكية

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

عادة ما تُدرس ظاهرة الصراع بين الساسة والعسكر ضمن إطار النظام السياسي أو ضمن سياق الدولة، ولكن من النادر أن يتم التطرق إلى هذا الصراع وتأثيره على العلاقات الدولية والسياسة الخارجية لإحدى الدول.

ما نقصده هنا هو الصراع الدائر في واشنطن بين فريقين يديران السياسة الأمريكية، الأول يضم البيت الأبيض ووزارة الخارجية، والآخر تمثله وزارة الدفاع (البنتاغون) والاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه). للصراع تفاصيل كثيره، ولكن ما يهمنا هنا هو تأثير هذا الصراع بشكل كبير على العلاقات بين واشنطن وأبرز حلفائها في منطقة الخليج العربي، وهي البحرين التي امتد لها الربيع العربي منذ 14 فبراير الماضي.

القاعدة الأمريكية في البحرين تدير مجموعة من العمليات العسكرية تمتد من المحيط الهندي إلى شمال مياه الخليج

في المنامة تسود قناعة لدى قطاع واسع من المسؤولين الحكوميين برغبة واشنطن وإصرارها على إنهاء التحالف القائم بين النخبة الحاكمة، والسعي نحو إيجاد حلفاء جدد غير تقليديين، ويتمثل هؤلاء الحلفاء في التيارات السياسية الإسلامية الشيعية المؤيدة لنظرية ولاية الفقيه.

مع اندلاع أحداث 14 فبراير وبدء المطالبات بإسقاط النظام السياسي البحريني بدأ جدل كبير في واشنطن بشأن مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في المنامة، حيث تتمتع الحكومة الأمريكية بامتيازات وتسهيلات عسكرية بين البلدين، وارتباط ذلك برؤية واشنطن تجاه وجودها العسكري وضرورة توافر ضمانات استمراريته.

من الناحية التاريخية فإن الوجود العسكري الأمريكي في البحرين يعود إلى الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين عندما كانت البحرين تحت الاستعمار البريطاني، وكان وجود القوات الأمريكية في المنامة يتم بالترتيب والتنسيق مع الحكومة البريطانية. ومع نيل البحرين الاستقلال عام 1971 تم توقيع اتفاقية بين المنامة وواشنطن بقيمة 4 ملايين دولار سنوياً مقابل استمرار الوجود العسكري الأمريكي في الأراضي البحرينية.

بعد حرب 1973 طردت البحرين قوات البحرية الأمريكية، ولكن بعد مفاوضات مطولة تم السماح لها بالبقاء مع تخفيض حجم التسهيلات المقدمة. وفي عام 1977 أصرّت المنامة على نقل مقر قيادة القوات الأمريكية من على أراضيها إلى إحدى السفن الأمريكية في مياه الخليج.

العسكر في واشنطن لا يرغبون في نقل مقر القاعدة العسكرية من المنامة

وظل الوجود العسكري الأمريكي في البحرين محدوداً، وله نشاط غير واضح حتى 1990 في حادثة غزو الكويت عندما تحولت البحرين إلى مقر للقوات البحرية لتضم أكثر من 20 ألف جندي، بالإضافة إلى مقر للعمليات الجوية لعملية عاصفة الصحراء. وبعد انتهاء الحرب عام 1991 تم توقيع اتفاقية دفاعية جديدة بين المنامة وواشنطن (دي سي إيه) لمدة عشر سنوات، وفي 1995 تم تحويل القاعدة الأمريكية (تسمى قاعدة الجفير) إلى مقر للأسطول الأمريكي الخامس.

في عام 2001 قامت واشنطن بتجديد الاتفاقية الدفاعية، وأصبحت قيمة الاتفاقية نحو 6.7 مليون دولار سنوياً، وبالمقابل فإن المنامة تحظى حالياً بدعم عسكري كان في عام 2006 نحو 6 ملايين دولار، وأصبح 18 مليون دولار خلال العام الماضي 2010. أما فيما يتعلق بحجم مساهمة القاعدة العسكرية الأمريكية والأنشطة المرتبطة بها في الناتج الإجمالي القومي للبحرين فإنه يقدر بنحو 150 مليون دولار سنوياً، أي ما يعادل 1 في المائة من الناتج الإجمالي القومي. وتشير بعض الأرقام إلى أن القوات الأمريكية في البحرين تصل إلى 30 ألف جندي، و30 مدمرة بحرية.

والسؤال هنا؛ لماذا تهتم واشنطن الآن بإعادة النظر في وجودها العسكري بالمنامة من جديد؟

إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخراً رغبة بلاده في سحب القوات الأمريكية من الأراضي العراقية والأفغانية يدفعها لإيجاد قواعد عسكرية سواءً في هذه الدول أو حتى الدول المجاورة لها، واستمرار القاعدة العسكرية في الجفير يساعدها بلاشك في تأمين مصالحها الاستراتيجية في منطقة الخليج العربي.

ولكن مع الأحداث التي شهدتها البحرين خلال فبراير الماضي، فإن التحدي لواشنطن يتمثل في كيفية مواجهة حالة التغيّر في النظام السياسي البحريني لضمان استمرار الوجود العسكري. بمعنى لو تولى أنصار ولاية الفقيه الحكم في المنامة، فهل ستضمن واشنطن استمرار قاعدتها العسكرية في الجفير؟

التحدي لواشنطن يتمثل في كيفية مواجهة حالة التغيّر في النظام السياسي البحريني لضمان استمرار وجودها العسكري

هذا السؤال أثار جدلاً واسعاً بين الباحثين المتخصصين في شؤون الخليج العربي، وهو ما يؤكد أهمية معرفة النظرة الأمريكية تجاه هذه المسألة، وبحث بعض الرؤى والتصورات بشأن كيفية ضمان استمرار القاعدة العسكرية في البحرين.   

في أبريل الماضي أعد باحثان متخصصان في الشؤون السياسية بجامعة كولومبيا وجامعة جورج تاون، وهما ألكسندر كولي ودانييل نيكسون دراسة حول كيفية تعامل واشنطن مع القاعدة العسكرية الأمريكية بالجفير في ظل التحولات السياسية المتسارعة التي تشهدها البحرين لضمان استمرار الوجود العسكري الأمريكي وحماية مصالح واشنطن في منطقة الخليج العربي.

وخلصت الدراسة إلى أن موجة التغيير في البحرين يقودها الشيعة، وليس السُنة، ومادام الشيعة فشلوا في الوصول إلى الحكم خلال العام الجاري، فإنه من المتوقع عودتهم خلال السنوات المقبلة للمطالبة بالتغيير. ومن هنا أوصت الدراسة بضرورة إقامة علاقات وثيقة بين واشنطن وشيعة البحرين باعتبارهم قادة التغيير خلال السنوات المقبلة من خلال القاعدة العسكرية الأمريكية، وقدمت توصيات لمخططي السياسة الأمريكية بضرورة ترسية مناقصات مشروع التوسعة على شركات يملكها مواطنون شيعة، بالإضافة إلى ضرورة استفادة الشيعة من التوظيف في القاعدة نفسها. وحالياً تقدر بعض الإحصائيات عدد العاملين من المواطنين في القاعدة الأمريكية بنحو 1300 موظف، وهؤلاء ينتمون لطائفة واحدة، وهي الطائفة الشيعية.

ويمكن تحديد أبعاد العلاقات البحرينية الأمريكية من الناحية العسكرية، باستعراض الأهمية الاستراتيجية للقاعدة الأمريكية في الجفير، وتحديد أبرز العوامل المعيقة لهذه القاعدة، والعوامل المشجعة لنقلها من المنامة إلى إحدى دول الجوار.

الأهمية الاستراتيجية

فيما يتعلق بالأهمية الاستراتيجية، فإن القاعدة الأمريكية تدير مجموعة من العمليات العسكرية تمتد من المحيط الهندي لمكافحة عمليات القرصنة، إلى شمال مياه الخليج لتقديم الدعم العسكري للقوات الأمريكية الموجودة في الأراضي العراقية. أما العنصر الأهم في أهمية هذه القاعدة قربها الاستراتيجي من أربع دول (البحرين، وقطر، والسعودية، وإيران)، وهو ما يتيح لها مرونة كبيرة في التحرك، خصوصاً لحماية الصادرات النفطية الضخمة التي تمر من هذه المنطقة الحيوية مروراً بمضيق هرمز، وبالتالي فإن أية محاولات من قبل إيران تحديدأً لإغلاق المضيق ستشن عندها العمليات البحرية والجوية من القاعدة الأمريكية في المنامة.

العوامل المعيقة

أما بالنسبة للعوامل المعيقة لانتقال القاعدة الأمريكية من البحرين، فإنها تتمثل في الآتي:

أولاً: الكلفة المرتفعة لنقل القاعدة الأمريكية من المنامة إلى دولة أخرى، خصوصاً بعد الإعلان عن مشروع توسعة القاعدة في مايو 2010، ويتضمن المشروع الذي بدأ تنفيذه فعلياً توسعة حجم مرافق القاعدة إلى الضعف بتكلفة تقدر بنحو 518 مليون دولار أمريكي، ومن المقرر أن ينتهي المشروع عام 2015.

ثانياً: الضغط الذي يمارسه الكونغرس على البنتاغون لتقليص موازنة الدفاع البالغة 700 مليار دولار تقريباً.

ثالثاً: أزمة الدولار التي يتوقع أن تتفاقم خلال الفترة المقبلة، وسيكون لها تأثيرات اقتصادية كبيرة على الاقتصاد الأمريكي.

رابعاً: الخشية من استعانة البحرين بقوى دولية أخرى قد تكون لها مصالح متعارضة مع المصالح الأمريكية، ومنحها تسهيلات عسكرية مشابهة لتلك التي حصلت عليها واشنطن سابقاً. خصوصاً أن هناك العديد من الترشيحات؛ مثل فرنسا، وروسيا، والسعودية، أو حتى تحويلها لمقر لقوات درع الجزيرة.

خامساً: الخشية من تصاعد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في البحرين إذا تم نقل القاعدة الأمريكية إلى دولة أخرى، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على بقية دول الخليج، وتتأثر معها حركة تصدير النفط في المنطقة.

العوامل المحفزة

هناك مجموعة من العوامل تدفع واشنطن لإعادة التفكير في جدوى استمرار قاعدتها العسكرية في المنامة، ويمكن عرضها في الآتي:

أولاً: عدم الاستقرار السياسي الذي ميّز الدولة البحرينية منذ السبعينات من القرن العشرين وحتى اليوم، وهو ما يتيح لواشنطن عدم الاستقرار في القرار السياسي في ظل صعوبة التعرف إلى التطورات السياسية الداخلية، وإمكانية وقوع بعض التطورات ضد المصالح الأمريكية.

ثانياً: وجود تيارات سياسية مناهضة لواشنطن في البحرين، وترفض وجودها، واستمرار الإصلاحات السياسية يساهم في زيادة نفوذ هذه التيارات، وبالتالي يتيح لها الفرصة لوقف استمرار هذه التسهيلات المقدمة للأسطول الأمريكي الخامس.

ثالثاً: وجود بعض الدول الخليجية التي ترغب في الاستفادة من التعاون الأمريكي بشكل أكبر، وتعزيز أمنها القومي بالاعتماد على القوات الأجنبية. خصوصاً أن بعضها لديه القدرة والاستعداد لتقديم تسهيلات أكبر من تلك التي تقدمها البحرين.

بالنسبة للبحرين فإن اتخاذ أي قرار بنقل مقر قيادة الأسطول الأمريكي الخامس إلى دولة أخرى سيكون خسارة كبيرة للأمن الوطني، وسيكون أكبر مؤشر سلبي في العلاقات البحرينية -الأمريكية. خصوصاً أن هناك فائدة اقتصادية من هذه القاعدة، وساهمت طوال الفترة الماضية في تطوير القدرات العسكرية المحدودة للمنامة.

مثل هذا القرار لم يتم اتخاذه حتى الآن، ولكن بعض التصريحات أشارت إلى أن هناك دراسة لوضع القاعدة في البحرين. وبالتالي فإن الخيارات المتاحة قد لا تصل إلى نقل القاعدة الأمريكية كمرافق عسكرية موجودة في المنامة، وإنما نقل قيادة الأسطول الأمريكي الخامس. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن العسكر في واشنطن لا يرغبون في نقل مقر القاعدة العسكرية من المنامة، ومن يضغط في هذا الاتجاه هي وزارة الخارجية الأمريكية، وهو ما يعود بنا إلى التأكيد على تأثيرات صراع الساسة والعسكر في العلاقات البحرينية - الأمريكية.

مثل هذه المتغيرات تعتمد حالياً على مجموعة من المعطيات المتعلقة بإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، والتي ستحدد مسار المنطقة مستقبلاً.

 

مقالات لنفس الكاتب