; logged out
الرئيسية / استمرار الإصلاحات الداخلية ونهاية الأزمات السياسية والتعاون الإقليمي .. ورفض وعد ترامب

العدد 126

استمرار الإصلاحات الداخلية ونهاية الأزمات السياسية والتعاون الإقليمي .. ورفض وعد ترامب

الإثنين، 15 كانون2/يناير 2018

شهدت دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2017م، عدة تطورات هامة لها علاقتها بالأمن الخليجي وأمن المنطقة بشكل عام، كان أهمها هو قمة الرياض بين دول منظمة التعاون الإسلامي والولايات المتحدة مايو 2017م، في محاولة لاحتواء إدارة ترامب التي شن فيها حملة عدائية ضد المسلمين أثناء حملته الانتخابية ورغم محاولة الاحتواء إلا أن ترامب بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل في السادس من ديسمبر، أثار الحكومات العربية والإسلامية وشعوبها وأثبت أنه لا يؤمن جانبه. كانت القمة لدفع الادارة الجديدة الاهتمام بأمن منطقة الخليج واستقرارها، خاصة بعد أن تبنت إدارة أوباما، حسب مبدأ أوباما، النأي بالولايات المتحدة عن التدخل العسكري المباشر، واهتمامها بشرق آسيا، وكان قلق دول المجلس من الصفقة التي أبرمها أوباما مع إيران حول المفاعل النووي الإيراني (2015م) وتأثيرها على توازن الأمن الإقليمي وتوسع النفوذ الإيراني في المنطقة والتدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية إلى جانب إيران وحزب الله.

وهناك عدة تحديات أخرى واجهت الأمن الخليجي في عام 2017م، فاستمرار عاصفة الحزم للتحالف العربي في اليمن ودخولها عامها الثالث تشكل تحديًا لأمن الخليج مع تزويد إيران لجماعة الحوثي بالأسلحة والصواريخ الباليستية، التي يعتبر إطلاقها تهديدًا مباشرًا لأمن المملكة العربية السعودية ودول الخليج، ومع اغتيال جماعة الحوثي للرئيس اليمني السابق علي صالح وسيطرتهم على صنعاء، فهذا يمثل تعقيدًا جديدًا لأمن الخليجي مع ازدياد النفوذ الإيراني وسيطرة الحوثي على صنعاء.

كما أن استمرار انخفاض أسعار البترول خلال عام 2017م، يمثل تحديًا للأمن الاقتصادي من خلال انخفاض العائدات البترولية، والحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي في دول الخليج العربي، من أجل تعدد مصادر الدخل القومي في الخليج، بالاضافة إلى دخول دول أخرى منافسة لدول الخليج في أسواق البترول العالمية، فمثلا كانت المملكة العربية السعودية الدولة الأولى المصدرة للبترول للصين الشعبية ولكنها في عام 2017م، أصبحت في المرتبة الثالثة فقد أصبحت أنجولا، الدولة الإفريقية، تأتي في المرتبة الثانية كمصدر للبترول لدولة الصين.

ويمثل التدخل الروسي والإيراني في سوريا تحديًا للمصالح الخليجية في سوريا والعراق، ورغم هزيمة تنظيم الدولة (داعش) فيهما وتراجع خطر الإرهاب على أمن الخليج، فإن استقرار كل من سوريا والعراق يصب في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي. وكانت المملكة العربية السعودية قد استقبلت في عام 2017م، رموز الحكومة العراقية السياسية وعلى رأسها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، كما استقبلت مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في محاولة لتوثيق العلاقات الخليجية مع العراق ولتقليص النفوذ الإيراني فيه مع فتح السفارة السعودية في بغداد.

توحيد المعارضة السورية

إن دول مجلس التعاون الخليجي سباقة لدعم الشعب السوري في مواجهة قمع النظام وجرائمه، وكانت احدى المشكلات التي تواجه المعارضة السورية تعددها واختلاف اتجاهاتها السياسية، فعملت الرياض على توحيد المعارضة السورية في وفد موحد في محاولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ويعتبر توحيد المعارضة وحضور جنيف 8 تحولا مهمًا في الأزمة السورية بعد الاتفاق للدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران على الدفع بحل سياسي للأزمة وبمشاورة مع دول مجلس التعاون الخليجي، فقد كانت اتصالات بين الرئيس الروسي وكذلك بين الرئيس أردوغان، الرئيس التركي مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ، للأخذ برأي المملكة في الحل السياسي الذي تجمع عليه مجموعة الدول الداعمة للشعب السوري .

وإذ تدخل الأزمة السورية عامها السابع مع عام 2018م، فهناك شبه إجماع دولي على إيجاد حل للأزمة السورية تلتقي في هذا الإجماع الدول الإقليمية، ودول الخليج العربي ومصر في هذه المساعي الدولية لحل الأزمة السورية والقضاء على الإرهاب والتطرف، والحل السياسي للأزمة لا يستثني طرفًا من الأطراف السياسية السورية.

                          الأزمة الخليجية وأهمية وحدة دول المجلس

   يعتبر مجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه عام 1981م، مثالاً لتجربة التكتل الإقليمي الناجح، فالدول الست التي شاركت في المجلس تطورت العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بينها، ولذلك جاءت الأزمة الخليجية بين كل من البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية من جهة وقطر مفاجأة للمراقبين، خاصة وأن دول المجلس مترابطة اجتماعيًا والعادات والتقاليد، وتعتبر مقاطعة قطر أو حصارها حادثة فريدة من نوعها في علاقات المجلس، وبالتالي تهدد المجلس كوحدة متماسكة، ويعتبر تدخل الكويت كوسيط في حل الأزمة عاملاً إيجابيًا في التخفيف من التوتر بين دول المجلس خاصة أن المستفيد من الخلافات بين دول المجلس هي إيران التي تعتبر التهديد الرئيس لدول مجلس التعاون؟

ورغم تدخل الولايات المتحدة لحل الأزمة الخليجية وأطراف إقليمية أخرى مثل تركيا، فيبقى الدور الخليجي مهمًا في حل الأزمة، وكان انعقاد القمة الخليجية الثامنة والثلاثين  في الكويت في السادس من ديسمبر، أملا لانفراج الأزمة، ويتوقع أن يكون عام 2018م، نهاية للخلافات الخليجية خاصة أن الأمن الخليجي يحتاج لجميع الدول متماسكة، فأمن دول الخليج العربي يبقى مسؤولية دول المجلس بينما لن تستطيع الدول الإقليمية أو الكبرى تحقيق الأمن للخليج إلا بما يتفق مع مصالحها، ونجد أن أوباما رفض التدخل بأزمات المنطقة ، مما يدفع دولالمنطقة للتعاون فيما بينها، وخاصة أن الدول الكبرى أو الإقليمية تستفيد من الخلافات الخليجية البينية ، وتبقى قوة المجلس في وحدته الداخلية ؟

مستقبل الأزمة اليمنية وأمن الخليج

إن الأزمة اليمنية من أخطر الأزمات المؤثرة على دول المجلس، فاليمن دولة جوار جغرافي في الجزيرة العربية، وعبر التاريخ كانت اليمن عصية على التدخل الخارجي، فجيوبولتيكا اليمن تشكل عمقًا استراتيجيًا هامًا، فعدد سكان اليمن يبلغ 27.8 مليون نسمة جلهم في سن الشباب ومن أفقر دول العالم، شعب تسيطر عليه الولاءات القبلية، كما أنه مسلح، وتتعدد فيه الاتجاهات السياسية: حراك الجنوب، جماعة الحوثي، حزب المؤتمر الشعبي العام، الحزب الناصري والاشتراكي والتجمع الوطني للإصلاح، وفي ظل هذه الانقسام يتعقد الوضع الداخلي، وعندما حدث التحرك الشعبي عام 2011م، كانت مبادرة دول المجلس لانتقال سلمي للسلطة لنائب الرئيس اليمني عبدربه هادي، ولكن هادي لا يتمتع بشخصية كاريزمية ، وكان  علي عبد الله صالح عينه على السلطة رغم خروجه منها، وتحالف مع جماعة الحوثي للدخول إلى صنعاء والانقلاب على الشرعية وبالتالي في 26 مارس 2015م، كانت عاصفة الحزم لعودة الشرعية لليمن، شرعية الرئيس عبد ربه هادي.

وفي ظل الصراعات الداخلية يكون التدحل الخارجي والولاءات الخارجية، وتدخلت إيران إلى دعم جماعة الحوثي، ومع دخولهم العاصمة وتقلب الولاءات لزعماء القبائل وتغلغل الحوثي في المؤسسات الأمنية والعسكرية كان سهلاً عليه الانقلاب على الرئيس علي صالح وتصفيته بسهولة. والنقطة الأخرى في تدخل عاصفة الحزم الخلاف في الأهداف بين دول التحالف نفسها مما يعقد الحل العسكري، مما يجعل الحل السياسي هو الحل الأمثل في النزاعات الداخلية.

ويعقد الأوضاع في اليمن، الوضع المعيشي في الداخل وانتشار الأوضاع المعدية مما يؤثر على الرأي العام الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ويحرج دول التحالف، ورغم الوساطة الدولية  وقرارات مجلس الأمن الدولي، فالوضع يتعقد مما يجعل أمن الخليج يتأثر بما يجري باليمن وظهور تنظيم داعش والقاعدة باليمن؟ ولذلك يحتاج الأمر إلى تحرك تقوده دول التحالف مع الدول الكبرى لجمع الأطراف اليمنية للدخول في صفقة سياسية تشمل جميع التيارات السياسية اليمنية، وكلما طالت الأزمة وتعقدت تهدد أمن الخليج، فالأولوية لأزمة اليمن لإبعاد التدخل الإيراني واستقرار اليمن.

التهديد الإيراني وتوازن القوى في الخليج العربي

إن الاحتلال الأمريكي للعراق ترك فراغًا استراتيجيًا بشأن توازن القوى الإقليمي، فالولايات المتحدة أوصلت القيادات الشيعية للحكم في العراق وهمشت السنة، وبالتالي فإن النفوذ الإيراني في أفغانستان والعراق جاء بعد اسقاط الولايات المتحدة لنظام حركة طالبان في أفغانستان 2001 م، وإسقاط النظام العراقي عام 2003 م، وخلال الأزمة السورية فقد غضت إدارة أوباما الطرف عن التدخل الإيراني في سوريا وتدخلت روسيا عسكريًا أيضًا باتفاق مع الولايات المتحدة، ومع الأزمة اليمنية والأزمة السورية فقد وجدت إيران لها فرصة في التدخل في الدولتين، وبالتالي أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي ترى في إيران تهديدًا مباشرًا لها لأن وجودها أصبح على حدود الخليج في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، إضافة لتشجيع إيران الطائفية في منطقة الخليج، ولذلك ترى دول المجلس ضرورة مواجهة إيران، وكانت سياسة مواجهة إيران خلال عام 2017م، على قمة الأوليات السياسية والاستراتيجية لدول المجلس سواء في اليمن أو العراق أو المواجهة الصارمة لعناصر التطرف في دول المجلس وخاصة الجماعات التي تدعمها إيران وخاصة في البحرين.

إن الخطر الإيراني ليس جديدًا بل بدأ مع الثورة الإيرانية عام 1979م، وتبنيها سياسة تصدير الثورة لدول الجوار، وكانت الحرب العراقية -الإيرانية والتي استمرت لمدة ثماني سنوات 1980-1988م؟ ولكن كان هناك توازن قوى إقليمي لمدة ثلاثة عقود تمثل في المثلث السعودي-المصري – السوري، الذي حقق استقرارًا سياسيًا وتوازنًا استراتيجيًا في المنطقة وأمن الخليج خاصة، عندما تدخلت مصر وسوريا في أزمة الكويت 1991م، بإرسال قواتهما للمساهمة في تحرير الكويت، فقد أرسلت مصر 30 ألف جندي آنذاك ولذلك كان المحور الثلاثي استمر حتى 2000م، وفاة حافظ الأسد، ومع تغير الظروف الإقليمية والدولية، حدث تراجع كما أشرنا في التوازن الإقليمي مما أثر على أمن الخليج.

المحور الثلاثي الجديد وأمن الخليج

رغم اتفاق دول المجلس على الخطر الإيراني إلا أن هذه الدول تختلف في درجة نظرتها لهذا الخطر، وتبقى المملكة العربية السعودية القوة الرئيسة في المجلس والدفاع عن أمن الخليج، ولذلك فإن مواجهة التهديد الإيراني تحتاج إلى محور ثلاثي جديد لتوازن قوى، قد يتشكل من مصر والسعودية وتركيا، ولكل من هذه الدول الثلاث مميزاتها لتسهم في أمن الخليج العربي وإيجاد توازن إقليمي يحقق الاستقرار السياسي والأمن في المنطقة. فالمواجهة العسكرية بعيدة الاحتمال ولكن التوازن الإقليمي يحقق الردع التقليدي والاستراتيجي.

إن مصر أكبر دولة عربية وقوة مؤثرة، ولها ثقلها التاريخي والإقليمي في تحقيق الأمن القومي العربي، وهي قوة صلبة وقوة ناعمة أيضًا في المنطقة، ولها دورها في الإقليم وتلعب دورًا في الأزمة السورية وقنواتها السياسية مع بعض أطراف المعارضة السورية وقنواتها مع النظام السوري، لعلاقاتها التاريخية مع سوريا، ولذلك يمكن أن تلعب دورًا في سوريا يواجه الدور الإيراني مستقبلاً.

أما تركيا فهي أيضًا دولة مركزية في الشرق الأوسط، ثاني قوة عسكرية بعد الولايات المتحدة في حلف الناتو، والعمق الاستراتيجي لتركيا الشرق وليس أوروبا كما يقول أحمد داود أوغلو رئيس وزراء تركيا السابق، وخلال حكم حزب العدالة والتنمية أقامت تركيا علاقات قوية مع الدول العربية والإسلامية وخاصة منطقة الخليج العربي، فتعاونت في مشاريع الصناعات العسكرية مع المملكة العربية السعودية ولها قاعدة عسكرية في قطر، وهي دولة سنية، وعبر تاريخ الدولة العثمانية كانت لها علاقات توتر مع الدولة الصفوية الشيعية في بلاد فارس، ولذلك تعتبر تركيا عامل مهم في توازن القوى الإقليمي، وتدخلت في سوريا في دعم الثورة السورية، وحيث سياستها البرجماتية، فهي أقامت علاقات اقتصادية وسياسية مع إيران، ويتوقع خلال السنوات القادمة أن يصل حجم التبادل التجاري بين إيران وتركيا إلى 30 مليار دولار، ومن خلال العلاقات التركية مع دول الخليج وعلاقاتها مع إيران يمكن أن تدفع هذه العلاقة إلى احتواء التوتر مع إيران وتحقيق نوع من الحوار في المستقبل .

وحيث أن علاقة تركيا تحسنت مع روسيا الاتحادية، كما أنها دعمت بعض أطراف المعارضة السورية مثل الجيش الحر، وهناك توافق بين إيران وتركيا حول أكراد سوريا، وبمشاركة تركيا في الحل السياسي في سوريا مع روسيا وإيران، فهي بطريقة غير مباشرة تنسق مع دول الخليج العربي وبذلك تحدث توازنًا أو تحجيمًا للنفوذ الإيراني في سوريا مستقبلا.

ورغم علاقات تركيا المتوترة مع النظام المصري الحالي، فالعلاقة المصرية ـ التركية تاريخية، ونذكر بدور الأسطول المصري في عهد الدولة العثمانية في حرب المورة 1824م، في اليونان عندما قاد إبراهيم باشا عشرة آلاف من الجيش المصري لنجدة الجيش العثماني، وبعدما استولى كمال أتاتورك انتقل بعض الرموز التركية إلى مصر، ولذلك نقول المحور الثلاثي المرن يشكل توازنًا يحقق الاستقرار في المنطقة فتستفيد منه دول الخليج العربي، كما أن تركيا موجودة في القرن الإفريقي من خلال وجود قاعدتها ومشاريعها في الصومال.

إن الأهمية الاستراتيجية، للدول الثلاث حتى وإن كانت هناك خلافات سياسية مثلا بين مصر وتركيا، فالمحور الثلاثي المرن لدول سنية يحقق توازنًا ونفوذًا في سوريا، ويحقق أيضًا نفوذًا في العراق، فتركيا لها دور في العراق لأنه يتعلق بالأمن القومي التركي، كما أن كلاً من مصر والمملكة العربية السعودية فتحت قنواتها الدبلوماسية والسياسية مع النظام السياسي في العراق لإعادة العراق إلى النظام الإقليمي العربي، بعد أن حاولت إيران في ظل الاحتلال الأمريكي اختطافه داخل دائرة النفوذ الإيراني.

إن مركزية مصر في النظام الإقليمي العربي، والمملكة العربية السعودية مركزية في مجلس التعاون الخليجي ودورها في العالم الإسلامي مع الدور التركي التاريخي والجغرافي، يشكل محورًا قويًا ضد النفوذ الإيراني ويحجم دور إسرائيل في الشرق الأوسط، الذي هو محور محيط سني معتدل إضافة إلى الأردن والمغرب والسودان.

                           2018 : تواصل الإصلاح الداخلي والانفتاح الخارجي

إن الإصلاح الداخلي الذي تشهده دول مجلس التعاون الخليجي 2017م، سواء بالمشاركة الشعبية ومحاربة الفساد يتواصل، فالمملكة العربية السعودية تشهد حركة إصلاح اقتصادي مثل خطة 2030، ومشاركة المرأة ودورها الاجتماعي والسماح لها بقيادة السيارة، كما أن دول الخليج تتبنى برامج اقتصادية واجتماعية، تدفع إلى تعميق تماسك النسيج الاجتماعي، فالأمن الاجتماعي عماد الأمن القومي، خاصة أن دول الخليج متجانسة اجتماعيًا وقبليًا، وهذا يميزها كتكتل متماسك داخل النظام الإقليمي العربي.

القدس ووعد ترامب ووحدة الموقف العربي والإسلامي

إن التحديات الخارجية توحد الداخل، فإعلان ترامب بأن القدس عاصمة لإسرائيل أعاد القضية الفلسطينية إلى مقدمة الأحداث، فالقرار يؤكد البلطجة السياسية لـه مخالفة لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي التي تؤكد أن القدس أرض محتلة، ولذلك اعتبر القرار تحديا للحكومات والشعوب العربية والإسلامية التي انتفضت ضد القرار لأنه يتعلق بمقدسات المسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وخطورة القرار فإنه يعطي البعد الديني للصراع لأنه محاولة من ترامب لإرضاء قاعدته الانتخابية من التيار المسيحي الانجليكاني المتطرف بالإضافة لليهود المتطرفين من اللوبي الصهيوني في ظل تراجع شعبيته، وقد انتقد القرار جميع الدول الأعضاء الأربعة عشر مقابل الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي . ولقد استغل ترامب أزمات المنطقة والخلافات الإقليمية ليعلن قراره، وبالتالي أثار شعوب العالم العربي والإسلامي، وتحركت الدول العربية والإسلامية لتؤكد على عروبة القدس وأنها عاصمة الدولة الفلسطينية، فقد عقدت الجامعة العربية اجتماعا في القاهرة في التاسع من ديسمبر 2017م، على مستوى وزراء الخارجية، وعقدت القمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي في الثالث عشر من ديسمبر، ولا شك أكد تضامن الدول العربية والاسلامية.

وخطورة وعد ترامب أنه يشجع التطرف الديني، لأن قراره جاء ترضية لتيار ديني متطرف في الولايات المتحدة وإسرائيل، وانتهاكًا لحقوق المسلمين والمسيحيين، والموقف الدولي والعربي والإسلامي الذي يعتبر وعد ترامب مهددًا للأمن القومي الإقليمي والعالمي لأن قضية القدس دولية تهم 1500 مليون مسلم وكذلك مسيحيي العالم، وقد يكون هذا التحدي الذي فرضه ترامب داعيًا لتوحيد الموقف العربي والإسلامي ونهاية للخلافات والصراعات الداخلية ومنها دول مجلس التعاون الخليجي.

إن التدخل الخارجي لن يحقق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية، فالولايات المتحدة باحتلالها العراق هي التي وفرت التربة الخصبة للتطرف والطائفية والتدخل الإيراني، وبوعد ترامب الآن يدفع إلى التطرف وعدم الاستقرار لأنه بتصريحاته المتطرفة ضد المسلمين وإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل تحديًا للشعوب ويضع الحكومات العربية والإسلامية أمام تحد لشعوبها الرافضة لهذا الوعد. وإن القوى الخارجية تستغل الخلافات الداخلية سواء في منطقة الخليج أو الشرق الأوسط ويشكل استنزافًا لهذه الدول اقتصاديًا وسياسيًا وفي تجارة السلاح، ولذلك لا بد من الحوار والحلول السياسية في الخلافات بين الدول الإسلامية وكذلك في الخلافات العربية.

إن الدول الكبرى ليس لها صداقات ولكن لها مصالح، فإدارة أوباما عقدت صفقة المفاعل النووي الإيراني وتجاهلت أصدقائها في الإقليم، كما أن أدارة أوباما وحتى إدارة ترامب دعمت الحركات الكردية ضد حليفتها تركيا وعضو حلف الناتو بل تدور الشكوك حول دور واشنطن في محاولة الانقلاب التركية أغسطس 2016م، ورغم تهديد ترامب بإلغاء اتفاقية المفاعل النووي الإيراني ولكنه التزم بها، وزيارة وزير الخارجية البريطانية بوريس جونسون لطهران في التاسع من ديسمبر الحالي يبين قفز الدول الكبرى لتجاوز الموقف العربي لحل أزمة اليمن وتعقد الصفقات الاقتصادية،  فالدول الكبرى لا تحقق الأمن وإنما مصالحها فقط .

إن أمن الخليج العربي يأتي من خلال الإصلاحات الداخلية ووحدة النسيج الاجتماعي وحل الخلافات الداخلية والتعاون لحل الأزمات الإقليمية وخاصة أزمة اليمن التي تهدد أمن الخليج مباشرة في حالة استمرارها وإيجاد آلية لنوع من استراتيجية الأمن الإقليمي في حوار مع الدول الرئيسة في الإقليم تشمل في الحوار دول المجلس ومصر وتركيا وإيران مع الأردن والمغرب والحل العادل للقضية الفلسطينية، وبالتالي فإن عام 2018م، عام النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي في منطقة الخليج والحوار السياسي.

مجلة آراء حول الخليج