; logged out
الرئيسية / الحوار البحريني بين المطالب الوطنية ومطالب الأجندة الإيرانية

الحوار البحريني بين المطالب الوطنية ومطالب الأجندة الإيرانية

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

الكثير من الشواهد تدل على أن جزيرة البحرين ترتبط سياسياً واجتماعياً واقتصادياً بمجتمع شبه الجزيرة العربية. ودخلت البحرين حظيرة الإسلام منذ فجر الإسلام حيث أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم علاء الحضرمي عاملاً عليها إلى أن احتلها في القرن الثالث الهجري أبو سعيد الجنابي أحد قادة القرامطة واتخذ من مدينة الأحساء عاصمة لدولة القرامطة ثم احتلها جنكيز خان في القرن السادس الهجري مما يدلل على عظم وأهمية موقع البحرين الاستراتيجي لتأمين طريق التجارة إلى الهند منذ فجر التاريخ، ثم هولاكو ولكن تحررت البحرين بموته ثم سيطر البرتغاليون عليها.

وفي سنة 1602م احتلها الإيرانيون وأخرجوا منها البرتغاليين ثم أخرج سلطان عمان الإيرانيين منها، ثم عادت إيران إلى احتلالها مرة أخرى فتصدت لها القبائل العربية بزعامة آل خليفة وأخرجتهم من البحرين عام 1783م وتخلت إيران عن المطالب التاريخية في البحرين عام 1970.

هذه نبذة تاريخية موجزة عن أهمية موقع البحرين الاستراتيجي والصراع الإقليمي والدولي عليها، ولكن ما يدور اليوم في البحرين يختلف تماماً عما يدور في بقية البلدان العربية الأخرى، وما يدور في البحرين هو مجرد ركوب موجة احتجاجات بتوجيه من دولة إيران التي وجدتها فرصة سانحة لتحويل هذه المظاهرات السلمية إلى حصان طروادة الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام دخولها إلى البحرين لأن إيران تعتبر البحرين جزءاً من أراضيها مستندة في ذلك إلى خرائط يونانية قديمة ترجع إلى عصر الإمبراطورية الفارسية.

السعودية ومعها بقية دول الخليج تدافع عن عروبة البحرين لأنها جزء لا يتجزأ من الجسم الخليجي العربي

وبناء على ذلك صرحت إيران على لسان حسين شريعمداري رئيس تحرير صحيفة (كيهان) المقرب من المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي بتاريخ 9 أغسطس 2007 قائلاً إن الوقت قد حان حتى تستعيد إيران سيطرتها على دولة البحرين لأنها تعتبرها امتداداً لوضع تاريخي حاولت فيه إيران أن تستعيدها مثلما استطاعت احتلال الجزر الإماراتية الثلاث عام 1971 في زمن الشاه بعد استقلال الإمارات عن بريطانيا.

وكان يفترض من بريطانيا ألا تسمح لإيران باحتلال هذه الجزر وهذا يثبت أن الغرب لا يدافع إلا عن مصالحه وليس عن مصالح الشعوب بل ينسحب ويزرع بذور الانشقاق بين الشعوب والنزاعات الإقليمية لكي يضمن حاجة هذه الشعوب إليه ويضمن بقاءه في المنطقة بطلب منها مثلما يحدث اليوم في العراق، وأن العراقيين أنفسهم يطلبون بقاء القوات الأمريكية لأن بانسحابها يعود الصراع المحلي مرة أخرى الذي زرعته أمريكا بعد غزوها العراق عام 2003.

لذلك ينبغي لدول الخليج ألا تعول على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، وإيواء البحرين الأسطول الخامس الأمريكي العامل في الخليج والمحيط الهندي، فلا بد أن تتجه دول الخليج إلى مشروع وطني يذيب جميع الطوائف في البحرين وأن تنظر بجدية إلى معالجة الخلل في التركيبة السكانية لأن أمن الخليج واستقراره وفي مقدمته الهوية العربية التي تعتبر خط أحمر لا يمكن المساس به أو المساومة عليه أو السكوت والتعويل على الوجود الأجنبي لأنه لا يحمي إلا مصالحه وقد لا يستطيع في وقت ما إن يوفق ما بين مصالحه وقيمه.

فإن السعودية ومعها بقية دول الخليج تدافع عن عروبة البحرين لأنها جزء لا يتجزأ من الجسم الخليجي العربي، ولكن التحريض الإيراني يلعب على الوتر الحساس باعتبار أن نسبة الشيعة في البحرين 60 في المائة.

تعتبر إيران البحرين مدخلاً مهماً لدول الخليج وخصوصاً السعودية لزعزعة أمنها

 ومنذ الثورة الإيرانية في إيران عام 1979 بقيادة الخميني عادت إيران إلى تصدير الثورة ليس فقط إلى البحرين بل إلى أماكن أخرى يمكن الوصول إليها حتى ولو كانت بعيدة، ولكن تعتبر إيران البحرين مدخلاً مهماً لدول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً السعودية لزعزعة أمنها، وبالفعل أوعزت إيران لمجموعات شيعية في البحرين عام 1994 وأواخر أيار عام 1995 للقيام بأحداث شغب ومنذ ذلك اليوم كانت إيران حريصة على تحويل الحياة الديمغرافية في البحرين لمصلحتها في ظل ركون وسكون ومهادنة خليجية تجاهها وتركيزها فقط على الاتفاقيات الموقعة مع أمريكا لحماية البحرين من أي هجوم وفي الوقت نفسه تتولى السعودية حمايتها لذلك سارعت الدولتان إلى بناء جسر الملك فهد الواصل بين الدولتين فأصبحت البحرين جزءاً من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي البرية.

فالأجندة الإيرانية هي بسبب أهمية البحرين الاستراتيجية على رغم أن عدد السكان في البحرين يبلغ نحو 1234596 نسمة 46 في المائة منهم بحرينيون 666 ألف نسمة بينما عدد الأجانب 56 في المائة وسيتحول المواطنون في ظل نمو سكاني غير متوازن بعد خمس سنوات إلى أقلية لأن الزيادة السنوية للبحرينيين 4 في المائة بينما الزيادة السنوية للأجانب تصل إلى 17,2 في المائة، لأن نسبة الأجانب أصبحت 54 في المائة بعد أن كانت 38 في المائة عام 2001 بينما نجد أن نسبة العرب من نسبة الوافدين عام 1975 نحو 75 في المائة في إجمالي دول الخليج لكن تراجعت هذه النسبة إلى 20 في المائة في الوقت الحاضر، هذا الخلل في التركيبة السكانية حدث في ظل غياب تنسيق خليجي وتركيزه على الجانب الأمني فقط ولم يتمكن من تجنيس الكفاءات العربية.

بينما لم يعط مجلس التعاون الخليجي أهمية تذكر لحقوق الإنسان العالمية وإمكانية مطالبة هذه العمالة الوافدة بحق التوطين وبحقها في الحصول على الهوية الخليجية بعد مكوثها فترة طويلة من الزمن في دول الخليج، بينما إيران كانت تخطط منذ زمن بعيد لتغيير التركيبة السكانية في البحرين لمصلحتها لاستخدامها في ظروف مناسبة مثل الظروف الحالية خصوصاً أن إيران تربط أتباعها من الشيعة بولاية الفقيه التي تتخطى السيادة الوطنية لبلدانهم وهو ما ترفضه بعض المراجع الشيعية مثل السيستاني في العراق وآية الله محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي في لبنان رحمه الله والذي حاولت إيران اغتياله بسبب معارضته لولاية الفقيه والتبعية الكاملة لإيران، لأنه كان قد حذر من قضم وتآكل عروبة لبنان ولم تتمكن دول الخليج من دعم مراجع شيعية ترفض ولاية الفقيه وذلك قد يكون إرضاء للولايات المتحدة لأن تلك المراجع تعارض الوجود الأمريكي.

لا بد أن تتجه دول الخليج إلى مشروع وطني يذيب جميع الطوائف في البحرين

فاستغلت إيران ربيع الثورات العربية، مما شجع أمين عام جمعية الوفاق أيام الأحداث وخلفه شعار (باقون حتى يسقط النظام) وهو من أعلن أن البحرين جمهورية إسلامية على رغم أن الشعب البحريني متعايش على السلمية والإخاء منذ القدم ولم ينفع ميثاق العمل الوطني الذي جرى الاستفتاء عليه يومي 14 و15 من فبراير 2001 تلاه تعديل الدستور ثم تعديل اسم الدولة إلى مملكة البحرين ثم تلاه انتخابات بلدية تلتها انتخابات برلمانية.

وبدأت تعترف الدول بأن العالم تعولم ويجب أن تتحرر السياسة من السيادة المحلية، وقد أدرك ملك البحرين هذه المتغيرات ووجه الدعوة إلى الحوار بجانب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق تضم خبراء دوليين سيتم التعاطي معها وهي تكشف حقيقة الأطراف التي تستقوي بالخارج أو لديها أجنداتها الخاصة.

وبالفعل نجح ملك البحرين في هذه الخطوة وفوجئ الجميع بأن الوفاق التي كانت ترفض الحوار وافقت على الجلوس على طاولة الحوار الذي يشارك فيه نواب يقبعون في السجن على خلفية أحداث البحرين في فبراير، وهي دلالة على جدية ملك البحرين في إخراج البلاد من أزمتها.

وتصر جمعية الوفاق على أن مطالبها وطنية وهي تدعو إلى المطالبة بحكومة منتخبة، وانتخابات برلمانية حرة على أساس صوت المواطن بعيداً عن الطائفية أو الحزبية أو جمعيات سياسية.

وعلى رغم تحفظ جمعية الوفاق على أن هناك منغصات وتحفظها على أجواء وآليات وقيادة الحوار لكنها شاركت خوفاً من اللجنة التي شكلها ملك البحرين التي تضم خبراء دوليين محايدين والتي يمكن أن تكتشف حقيقة مواقفهم.

فالمجتمع المدني القوي بمؤسساته يجمع ولا يفرق، فإذا كان النظام السياسي في البحرين قائماً على أساس عقد اجتماعي ما بين العوائل والقبائل فهذه عقلية سائدة في كل دول الخليج وليس فقط في البحرين، ولكن ظهرت الآن طبقات اجتماعية جديدة تطالب بحقوقها في المشاركة السياسية ولكن ما زالت هناك قيود على هذه المشاركة حتى الآن وبالحوار يمكن أن تشارك.

فأي كيان يرفع اسم دين أو مذهب أو عرق يعتبر كياناً أيديولوجياً غير مدني يقصي الآخرين لأن الدولة المدنية الحديثة وكذلك الكيانات السياسية أو الأحزاب لا تنظر إلا بمنظار الوطنية بعيداً عن المذهبية والعرقية دون التقليل من الانتماءات الأخرى.

ومن الصعب أن تسحق الأكثرية الأقلية وكذلك من الصعب أن تلغي الأقلية الأكثرية وتحاول أن تجعلها أقلية بحجة أن ممارستها تقع ضمن اللعبة السياسية الديمقراطية.

وأي حوار لا بد أن يقوم على أساس مبادئ ومنطلقات الحوار بدلاً من الأفكار المسبقة واحترام الرأي الآخر والتركيز على المشتركات كأولوية للوصول إلى توافق بدلاً من التركيز على الاختلافات لكيلا يتحول الحوار إلى صراع ويفشل، ويكفي أن ملك البحرين لم يحدد سقفاً للحوار ولم يمنع أي فصيل من المشاركة في الحوار بل جعل الجميع مشاركين في الحوار ومن دون أي شروط مسبقة، فإذا كانت النية صادقة فمع التنسيق يتحقق التوافق، ويمكن أن يتحول النظام السياسي في البحرين مستقبلاً على غرار الحكم في المغرب إلى حكم ملكي دستوري.

ويلتزم ملك البلاد بتطبيق ما توافق عليه المتحاورون لتخرج البلاد من أزمتها ومن إمكانية تدويل أزمتها بين دول المنطقة، ولكن لا بد من أن يتوافق المتحاورون على أن البحرين عضو في مجلس التعاون الخليجي ولديها اتفاقيات جماعية تصب في مصلحة البحرين قبل أن تصب في مصلحة دول مجلس التعاون الأخرى لأن البحرين دولة صغيرة وغير بترولية وغير قادرة على حماية نفسها من التدخل الأجنبي فهي بحاجة إلى حماية خليجية.

والآن طالب المشاركون في حوار التوافق البحريني وبالأغلبية إغلاق المحورين الحقوقي والاجتماعي وتمديد السياسي والاقتصادي لجولات حاسمة قادمة على رغم انسحاب جمعية الوفاق من الحوار الذي قد يفقدها موقعها ودورها وتمثيلها الشعبي ولن تنتهي المشكلة في البحرين إلا إذا عادت الأمور إلى مجاريها ما بين السعودية وإيران.

 

 

مقالات لنفس الكاتب