; logged out
الرئيسية / مخاطر شح المياه تتصاعد وتوقعات بتحول الصراع من أيدولوجي إلى صراع على الغذاء

العدد 127

مخاطر شح المياه تتصاعد وتوقعات بتحول الصراع من أيدولوجي إلى صراع على الغذاء

الخميس، 15 شباط/فبراير 2018

       تشكل أزمة المياه في منطقة الشرق الأوسط، ومنها منطقة الخليج العربي، قلقًا متزايدًا من لدن القائمين على الأمر ، فسد النهضة وتداعياته المتزايدة تشكل بؤرة صراع مركزي في حوض النيل والذي يجري بناؤه على قدم من قبل إثيوبيا، ما يترك آثارًا خطيرة على مصر والسودان، وما يرافق ذلك تحالفات وتدخلات إقليمية ودولية قد تنقل الأزمة إلى استهداف سياسي قد تكون مصر مركزًا حيويًا له، كما تشكل سدود تركيا على أعالي نهري دجلة والفرات تهديدًا خطيرًا على البلدين، ولاسيما ما يتعلق بنهر الفرات المار بسوريا والعراق ، الذي يواجه خطر الجفاف على المدى القريب ولاسيما في العراق، إذ تؤكد التقارير المختلفة إلى أنه مهدد بحالة جفاف قاسية، ربما في غضون أشهر ،نتيجة شح الإمطار من جهة، واستمرار تركيا ببناء سدودها عليه، وتلويحها بين آونة وأخرى باستخدام المياه سلاحًا في سياساتها في المنطقة حتى بدأنا نسمع ما معناه :نحن بيدنا المياه والعرب بيدهم النفط. وتأتي توقعات المحليين والمراقبين بنشوب حروب مياه مستقبلية تتشابك فيها قوى إقليمية ودولية، إذ تشير كثير من الإحصائيات إلى أن العالم العربي سيواجه مستقبلاً أزمة شح مياه خانقة تتفاقم تصاعديًا حتى تصل إلى مرحلة خطرة في عام ( 2040م).

الحاجة المتزايدة على المياه:

             تشير معلومات نشرها موقع البنك الدولي إلى أن العالم سيواجه خطر نقص المياه بما (نسبته 40% ) بين الطلب المتوقع على المياه والإمدادات المتاحة منها بحلول عام ( 2030 م) وأشار إلى أن القطاع الزراعي يحتاج إلى ( 70% )من إجمالي مياه العالم العذبة، وقد ربط ذلك بحاجة سكان العالم إلى الغذاء وازدياد عدده ،المتوقع وصوله إلى (9 )مليارات نسمة عام( 2050م)، إذ يتطلب زيادة النتاج الزراعي إلى (60% )وزيادة الطلب على المياه بنسبة(15% )، عن متطلبات أخرى من المياه لتوليد الطاقة الكهربائية ،إذ يؤشر المصدر أعلاه افتقار (1.3 )مليار نسمة من سكان العالم في المرحلة الحالية إلى الطاقة الكهربائية. وتزداد الحالة تعقيدًا عندما تؤكد معلومات موقع البنك الدولي أيضًا إلى أن (1.8) مليار فرد سيعيشون في مناطق أشد فقرًا في مجال المياه العذبة.

         أما أهم مصادر المياه العذبة في المنطقة العربية فتتمثل في الأمطار والأنهار والمياه الجوفية ، وهي جميعًا آخذة في التناقص تناسبًا مع عدد السكان المتزايد في المستقبل القريب والبعيد، لاسيما إذا عرفنا أن المنطقة العربية عمومًا مناطق جافة وشبه جافة، وتشير إحصائيات نشرت على موقع شبكة الإعلام العربية إلى أن معدل الإمطار في المنطقة العربية يقل عن (300 )ملم سنويا ما يهدد ذلك على مدى الزمن القادم دول عربية منتجة للحبوب والبقوليات وغيرها، ولكن المشكلة التي لها علاقة بما بات يعرف بحروب المياه المستقبلية تكمن في مياه الأنهار التي باتت أيدي الإنسان تعبث بها، وتحاول منعها من دول أخرى في مخالفة صريحة للقانون الدولي الذي يعطي للدولة التي يمر بها نهر حق الاستفادة من مياه بعدها ملكا لها، وتشير إحصائيات الموقع المار ذكره أن أبرز الأنهار في الوطن العربي هي النيل ودجلة والفرات، والأخير ينبع من الأراضي التركية لمسافة (440) كيلومترًا ويجتاز الأراضي السورية لمسافة ( 675 )كيلو مترًا ثم العراق لمسافة (2900) كيلو مترًا ليصب بعد ذلك في مياه الخليج العربي جنوبي العراق، ثم نهر دجلة الذي ينبع أيضًا من تركيا لمسافة (300)كيلو مترًا ليمر بالعراق بمسافة( 1730 )كيلومترًا ليلتقي مع نهر الفرات في منطقة كرمة علي شمال مدينة البصرة، فضلاً عن أنهار أخرى مثل العاصي الذي ينبع من لبنان ،ويدخل الأراضي السورية ،كما هناك نهر الأردن الذي نساه العرب بعد حرب (1967 م ).

-أزمة المياه المستقبلية في منطقة الجزيرة العربية

           تواجه منطقة الجزيرة العربية أزمة مياه كبيرة على مدى المستقبل القريب، وقد أشارت إحصائيات نشرها مركز الجزيرة للأبحاث إلى أن هذه الأزمة ستزداد تصاعديًا مع تزايد عدد سكانها، وقد تبين من خلال جدول نشره، عن توافر المياه في المناطق الأشد ندرة في العالم، للفترة ( 2010 -   2035 )، وتوافر المياه للشخص سنة (2035) وكما يلي:

                         الدولة

عدد السكان بالآلاف 2010

       عدد السكان المتوقع بالآلاف   2035

توافر المياه للشخص 2035(م3/ شخص/ سنة)

الإمارات العربية المتحدة

7.512

11.042

13.6

دولة قطر

1.759

2.451

21.6

المملكة العربية السعودية

27.448

40.444

59.3

مملكة البحرين

1.262

1.711

67.8

الجمهورية اليمنية

24.053

46.196

88.8

دولة الكويت

2.737

4.328

4.6

 

 

-شح المياه ومخاطره المستقبلية

         أن مخاطر شح المياه تتصاعد مع توقعات بنشوب ما يسمى حروب المياه بعد أن يتحول الصراع القادم من صراع أيدولوجي ومصالح نفوذ إلى صراع على الغذاء الذي لا يكون بمقدور كثير من سكان العالم توفيره، ولا سيما في مناطق ما يسمى بالدول النامية ،ما يولد ضغطًا متزايدًا على السكان، الأمر الذي يضطر الكثير منهم إلى ترك أرضهم الزراعية باتجاه المدن، بعدما أصاب ويصيب مناطقهم حالة جفاف قاسية، وفي هذا الصدد يؤكد تقرير الأمم المتحدة (المياه في عالم متغير) إلى أن نصف سكان العالم في عام (2030م) في مناطق أشد فقرًا بالمياه مشيرًا إلى أن بين ( 75-250) نسمة في القارة الإفريقية سيكون في اشد الحاجة إليها، كما أن ازدياد رقعة المناطق الجافة ستؤدي إلى نزوح ما بين (24- 700) مليون نسمة، فضلا عن ذلك فإن تقارير الأمم المتحدة تؤكد أيضًا إلى أن (30 )دولة ستعاني من شح مياه حقيقية بحلول عام( 2025م)من بينها دول شرق أوسطية منها دول شمال إفريقيا إضافة إلى مصر وإسرائيل ،بمعنى أنها لا تكون المياه متوفرة للفرد الواحد سنويًا إلا بحدود (1000)متر مكعب من المياه العذبة.

إن المؤشرات الإحصائية أعلاه تنذر بأزمات إقليميه شديدة التعقيد، ويمكن أن نؤشر على منطقتين حيويتين للصراع القادم، الأولى تتمثل بحوض النيل، وما سيتركه سد النهضة الإثيوبي من مخاطر جمة على السودان ومصر البلدين العربيين اللذين يعتمدان في اقتصادهما القومي على الزراعة والثروة الحيوانية، فكيف نتصور أن مجتمعًا مصريًا يتجاوز سكانه في المرحلة الحالية حسب تقديرات عدة أنه تجاوز المائة مليون نسمة تعاني أرضه من نقص مياه حادة؟،وكيف نتصور مجتمعًا سودانيًا يعاني اختناقات اقتصادية حادة بلا مياه كافية لأرضه وسكانه؟ وإثيوبيا تحبس عنهما مياه النيل دون وجه حق. متجاوزة على القانون الدولي، بالتأكيد سيؤشر ذلك على أن حوض النيل من أكثر مناطق العالم توترًا على مدى السنوات القادمة.

على الرغم من أن إشكال الصراع القادم يأخذ شكلا اقتصاديًا، وهي حقيقية ،لكن لا يمكن استبعاد العامل السياسي الذي سيوظف بكل تأكيد لضرب أكبر قوة عربية في الشرق الأوسط سكانيًا، وهي حوض النيل المتمثل في مصر والسودان، فالعجز الذي أصاب اقتصاديات مصر منذ بداية التفكير بإجراء تنمية اقتصادية مع بداية الخمسينات من القرن العشرين، والتي كانت متزامنة مع خطتي اليابان والهند ، ارتبط في أحد أسبابه بفشل إتباع سياسة تنظيم نسل ناجحة، انعكست على مستوى أداء التنمية الاقتصادية فيها، إذا أخذ السكان يتزايدون بمتتالية هندسية، بينما الغذاء يزداد بمتوالية عددية، حسب منطوق نظرية مالثوس السكانية، إذ أخفق قطاعي الصناعة والزراعة معا في تكوين قاعدة صناعية تقود إلى تغير بنيوي ثقافي فيها، فضلا عن تأثير الحروب التي تعرضت لها مصر خلال القرن العشرين، وما تلاها من تغير سياسة الدولة المصرية من الاتجاه الاشتراكي إلى ما أطلق عليه الانفتاح الاقتصادي إبان حقبة السبعينات، ما جعل الاقتصاد المصري يواجه مخاطر كثيرة، لاسيما مع فقدان الآليات الكاملة لعملية الانتقال الاقتصادي من النمط الاشتراكي إلى النمط الرأسمالي، وهو ما انعكس سلبًا على الاقتصاد المصري فيما بعد .

إما ما يمكن توقعه من حروب مياه قادمة بالتأكيد ستكون -أن حصلت-كارثة على الشرق الأوسط برمته الأمر الذي يمكن إسرائيل من استثمارها لحساب مستقبلها. أما المنطقة العربية الثانية المرشحة لحرب المياه هي سوريا والعراق ، فالمؤشرات التي يراها الكثيرون أن بوادر الأزمة في هذا الصدد لا تتجاوز سنوات قليلة مع تنامي النشاط التركي في بناء المزيد من السدود لحبس المياه عنهما، وعلى الرغم من الاقتصاد العراقي في المرحلة الحالية اقتصاد ريعي يعتمد على النفط بشكل رئيسي فان قطاع الزراعة لم يحقق إي تطور خلال السنوات الخمس عشرة المنصرمة، إذ ترك المزارعون أرضهم بسبب شح المياه وانفتاح البلاد على استيراد المنتوجات الزراعية، ولاسيما من إيران وتركيا اللتين أغرقتا السوق العراقي بهذه المواد، محققة موارد مالية كبيرة من العراق تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، كما سياسات إيران تجاه المياه في العراق لا تقل خطورة عن تركيا مع حساب كميات المياه القادمة مع كلا البلدين، وبهذا فان المستقبل القريب سيشهد صراعًا شديدًا على المياه، ولاسيما بعد انتهاء الأزمة السورية، وما يمكن أن يكون عليه المشهد في العراق بعد مرحلة (داعش).

حروب المياه المستقبلية، وآثارها على المنطقة العربية

           يجمع كثير من المراقبين على أن الحروب القادمة، ستكون حروب مياه، وستطغى على جميع مصوغات الحروب الأخرى، بسبب شح المياه في المنطقة العربية، وتفاقم الأزمات المناخية على نطاق العالم، ومنها ما يعرف بالجفاف والاحتباس الحراري ،الأمر الذي يشكل على المدى المستقبل تداعيات خطيرة على حركة السكان بشكل عام سواء ما يتعلق بالهجرة الخارجية أو نزوح سكان الأرياف تجاه المدن التي بدورها ستعيش ضغطًا سكانيًا وخدميًا ما لم تتحمله ،فيثير كثير من المشكلات سواء في مجال الجريمة وتعاطي المخدرات وغيرها ويمكن هنا ضرب مثال عن ما يجري في العراق منذ 2003م، من نزوح متزايد من الريف إلى العاصمة بغداد، واشتغالهم بأعمال بعيدة عن النشاط الزراعي، ولم تفلح الجهود الحكومية المبذولة لدعم القطاع الزراعي شيئًا والحد من حركة النزوح، وكذا دول أخرى ستواجه مشكلات داخلية وهي جميعها عوامل تتشكل وتدفع بالدول إلى إيجاد وسائل دفاعية عن ثرواتها المائية تجاه الدول التي تستخدم المياه كسلاح تضغط به على الدول العربية، لذا فإن توقع حروب بسبب ذلك بات واردًا في السنوات القادمة ، لاسيما مع تصاعد التهديدات بجفاف مياه الأنهار وسيطرة الدول المجاورة على منابع الأنهار ما يؤدي إلى أزمات في العلاقات الثنائية بين عدد من الدول العربية المتضررة والدول المستحوذة على منابع المياه، وهو ما ينذر بحروب مستقبلية بينهما قد تمتد على نطاق الإقليم المحيط بالدول العربية، من إثيوبيا في إفريقيا إلى العراق وسوريا في أسيا، لاسيما مع تزايد الحاجة إلى المياه لاستخدامها في مجال الزراعة والصناعة، والاستخدام الآدمي، ويأتي ذلك في خضم التهديدات التي تحدق بالمنطقة العربية ،وسعي كثير من القوى الإقليمية والدولية إلى تجزئتها في نطاق ما بات يعرف بالشرق الأوسط الكبير، مما يشكل ذلك قلقًا متزايدًا في الدول العربية من نشوب حروب مياه قادمة، ولهذا ينبغي على الدول العربية أن تضع خططًا لمواجهة شح المياه باستخدام وسائل تقنية وطاقة نظيفة لتطوير الموارد المائية، فضلاً عن إيجاد آليات حديثة في تخزين مياه الأمطار وكذلك بناء سدود لخزن المياه بدلًا من ذهابها إلى البحر، وإذا كانت دول الخليج العربية قد نجحت إلى حد كبير في تحليه مياه البحر بصفته مصدرًا للاستخدام البشري فإن كثيرًا من الخبراء المختصين، يرون أن هذه المياه لا تصلح لسقي المحاصيل الزراعية، ما يجعل الأزمة في إنتاج كفاية غذائية ذاتية امرأ مستبعدًا.

أن الإشكاليات التي تحيط بالمنطقة العربية بشكل عام ،متعددة ومعقدة، وكل منها يحتاج إلى استراتيجية فاعلة للتصدي لآثارها المختلفة، فالمشكلات السياسية وتصارع المشاريع الإقليمية والمصالح الدولية جعلت المنطقة تستنزف كثيرًا من إمكانياتها الاقتصادية والطبيعية والبشرية، لتأتي إشكالية أزمة المياه ما يجعل المصوغات جاهزة لنشوب أي حرب قادمة، يجد فيها الأعداء فرصتهم التاريخية لاجتياح الأرض العربية واستهدافها ثقافة، وإنسانًا ،وقيمًا، وثروة، ما يستدعي من العالم العربي، بمشرقه ومغربه ،وضع برنامجًا عربيًا موحدًا تحسبًا لأي عدوان خارجي أو من قوى الإرهاب في الداخل في إطار حرب المياه أو غيرها .

مجلة آراء حول الخليج