; logged out
الرئيسية / الإصلاح في البحرين: كلاكيت ثاني مرة

الإصلاح في البحرين: كلاكيت ثاني مرة

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

مرة أخرى يعود مشهد الإصلاح السياسي في البحرين للواجهة من جديد، لكنه يأتي هذه المرة بزخم أكبر، وتفاصيل أكثر تعقيداً، وبنهايات تكاد تنتهي عند تدويل الملف البحريني ليلتحق بمجمل الملفات العالقة في الإقليم.

البحرين الجزيرة الصغيرة التي لم يتخطَّ تعداد مواطنيها حاجز المليون نسمة حتى اليوم، أصبحت موضوعاً يومياً على الصفحات الأولى من الصحف البريطانية والأمريكية. ورغم تقاطع المعالجات وفضاءات التحليل السياسية للحالة البحرينية باختلاف المواقف والأيديولوجيات والتحالفات الإقليمية والدولية، إلا أن أحداً لم يستطع حتى اليوم وضع خارطة طريق واضحة للخروج من هذه الأزمة التي لا تزال منذ الرابع عشر من فبراير الماضي تعصف بسواحل هذه الجزيرة في قلب الخليج العربي.

معالجة الملف البحريني لا تنفصل عن الربط بملفات إقليمية تلعب الدور الأكبر في استمرار الجدل القائم 

ترتكز القراءة الخليجية التي انتهت بتدخل قوات درع الجزيرة في البحرين في الثالث عشر من مارس وقبل يومين اثنين من إعلان حالة السلامة الوطنية في البحرين على أن الأحداث الجارية في البحرين مشهد من مشاهد التدخلات الإيرانية في الخليج وتأثير نظام ولاية الفقيه على الشيعة العرب القاطنين في البلدان الخليجية. وقبالة ذلك، تؤكد المعارضة التي تحتوي عدة فصائل سياسية  - من ضمنها المعارضة الوطنية الليبرالية - أن ما شهده دوار اللؤلؤة من أحداث كان امتداداً طبيعياً لربيع الثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، وأن المطالب التي تتلخص في إقرار الملكية الدستورية والحكومة المنتخبة هي مطالب وطنية تمثل في حقيقتها استمراراً للمطالبات القائمة - قبل ربيع الثورات العربية - في الإصلاح السياسي وانتاج الدولة المدنية القائمة على التعددية والمساواة والعدالة.

الموقف الدولي من البحرين ممثلاً في الحكومتين الأمريكية والبريطانية أكد على احترام سيادة البحرين والتأكيد على أهمية استقرار المنطقة، داعياً الحكومة البحرينية إلى الشروع في تنفيذ إصلاحات سياسية شاملة تتوافق وطموحات المعارضة في البحرين، وأدان الرئيس الأمريكي أوباما الاستخدام المفرط للعنف والانتهاكات الحقوقية التي حدثت من جانب قوات الأمن البحرينية، وهو ما ردت عليه الحكومة البحرينية بالنفي وتشكيل عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة للجنة تحقيق دولية للتحقيق في التعذيب والانتهاكات الحقوقية تبعها إعلان وزير الداخلية البحريني تشكيل أكثر من لجنة للتحقيق، منها لجنة التحقيق في حادث الاعتداء على الصحافية نزيهة سعيد في أحد المراكز الأمنية وحادثة وفاة أكثر من معتقل أثناء عمليات التحقيق.

لا شك أن النقطة التي تبدو أكثر النقاط إثارة للجدال والمواقف المتخالفة في الملف البحريني هي تلك التي تتعلق بالملف الإيراني في المنطقة، فالعلاقات الخليجية-الإيرانية التي شهدت تحسناً طفيفاً في أواخر عهد الرئيس رفسنجاني وعهد الرئيس خاتمي، عادت لتشهد انتكاسة تاريخية في عهد الرئيس أحمدي نجاد الذي يتحمل مسؤولية توتير العلاقات الخليجية-الإيرانية من خلال العديد من المواقف والتصريحات التي كانت - ولا تزال - تجر المنطقة للمزيد من التوتر. وقبالة ذلك، ترى المعارضة البحرينية التي يمثل أبناء الطائفة الشيعية ممثلين في جمعية الوفاق الوطني الإسلامية أغلبيتها ضرورة أن يتم إسقاط وتوظيف وربط ملف النزاع الخليجي-الإيراني بالمطالبات الإصلاحية في البحرين، إذ ترى المعارضة أن المطالبات الإصلاحية ترتكز على إقرار تعديلات دستورية أو اقتراح دستور جديد يمهد لانتقال البحرين لنموذج متقدم من نماذج الملكيات الدستورية الحديثة. وهي طموحات لا صلة لها بإيران وأجنداتها في المنطقة، ولا تهدف للخروج عن الحاضنة الخليجية العربية مطلقاً.

التسوية في البحرين ليست مستحيلة لكنها تحتاج لإعادة جسور الثقة بين الدولة والمعارضة

وهكذا، يمكننا عبر متابعة المعالجات القائمة للملف البحريني من خلال مواقف الدول والسياسيين والتحليلات السياسية والإعلامية أن نستشف بوضوح أن المعالجة للملف البحريني لا تنفك ولا تنفصل عن الربط بملفات إقليمية هي على أقل تقدير تلعب الدور الأكبر في استمرار الجدل القائم في البحرين وما جاورها. بين من يختصر أن الأزمة في البحرين هي امتداد للأزمة الإيرانية والدول الخليجية من منظور سياسي أو طائفي، وبين من يعمل على إفراغ الأزمة من كافة المؤثرات والتداخلات الإقليمية وبما يشمل إيران. ولعل من أبرز المعالجات وأكثرها توازناً في هذا السياق القراءة التي قدمها الإعلامي المصري محمد حسنين هيكل للأزمة في البحرين.

اليوم وعلى الأرض، لقد خلفت حالة السلامة الوطنية العديد من الإشكاليات والملفات التي أضيفت لملف الإصلاح السياسي والملف الدستوري العالق، فلقد تمت اقالة العديد من الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص بدعوى المشاركة في اعتصامات اللؤلؤة، وتم اعتقال المئات من قادة المعارضة والناشطين السياسيين. وهو ما كانت له انعكاسات سلبية واضحة عبر تعقيد أجواء التوافق الوطني والتمهيد للخروج من الأزمة مع تدشين الملك حمد بن عيسى آل خليفة لحوار التوافق الوطني برئاسة رئيس مجلس النواب البحريني خليفة الظهراني.

المعارضة التي شاركت بالحوار عبر الفصيلين الرئيسيين فيها، جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ممثلة غالبية تيار المعارضة في الطائفة الشيعية أولاً، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي ممثلة التيار الوطني الليبرالي وهو خليط من الطائفتين الكريمتين ثانياً. قدمت الجمعيتان العديد من الأطروحات والحلول للازمة الراهنة في البحرين، سواء عبر تعديلات دستورية تشمل اقرار حكومة منتخبة وتوزيع عادل للدوائر الإنتخابية أو عبر التمهيد لتسوية سياسية تشمل الإفراج عن جميع المعتقلين واعادة المفصولين لأعمالهم. لكن الفصيل الأكبر – جمعية الوفاق – عاد ليعلن انسحابه من حوار التوافق الوطني قبل أيام قليلة من اختتام أعماله إحتجاجاً على نسبة تمثيله في مقاعد الحوار مقارنة بمقاعده النيابية وأعداد أصوات الناخبين التي كسبها في الإنتخابات الأخيرة بالإضافة إلى رفض جميع ما تقدم به من مقترحات وتعديلات وروئ.

مطالب الملكية الدستورية والحكومة المنتخبة هي مطالب بحرينية وطنية

التسوية في البحرين ليست مستحيلة، لكنها تحتاج لإعادة جسور الثقة ومد الحبال التي انقطعت بين الدولة والمعارضة من جراء تسارع الأحداث والأخطاء الاستراتيجية والمعالجات المتسرعة من كلا الجانبين، ويعول البحرينيون في الداخل على جهود ولي العهد نائب القائد الأعلى الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في أن يلعب دور الوسيط بين الدولة والمعارضة من خلال جهوده المثمرة في هذا السياق، خصوصاً أن له رمزية من نوع خاص وقبولاً مجتمعياً واسعاً. وإذا كانت تسوية الملف الحقوقي ممكنة من خلال اللجنة الملكية الدولية لتقصي الحقائق والتي تشارك فيها بعض الأسماء الدولية المرموقة فإن الملف السياسي لا يزال يحتاج للمزيد من الجهد والعمل الدؤوب الذي قد تكون مهمته الأولى – كما ذكرت – إعادة الثقة، لتنطلق لاحقاً نحو فضاء المقبول والمقنع من الإصلاحات التي تستطيع تعويض البحرين ما لحق بها من خسارات سياسية واقتصادية واجتماعية على حد سواء. 

قبالة ذلك وفيما لا تزال الأحداث الأمنية مستمرة في البحرين حتى اليوم، يؤكد العديد من الأطراف أن تسوية الملف البحريني وأن الخروج من هذا الجدل الدائر في هذا البلد الصغير لا يقتصر على اعادة الثقة المفقودة أو خلق تفاهمات أو توافقات داخلية بين الدولة وأقطاب المعارضة وحسب، خصوصاً مع تزايد الفرز الطائفي في البلاد رسمياً وشعبياً. وهو ما يحيل إلى أن تدويل الملف البحريني أصبح حقيقة لا مفر منها، وأن مطبخ التسوية للأزمة في البحرين أصبح مطبخاً دولياً بامتياز، تتقاذفه العواصم الإقليمية والدولية بحثاً عن مخرج وتسوية لأزمة بلد صغير ومحدود الموارد لكنه يتوسط أكبر منطقة معنية بتغذية الاقتصاد الصناعي في العالم.

 

مجلة آراء حول الخليج