array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الديمقراطيات والاستقرار السياسي والديكتاتوريات والثورات الشعبية

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

قال أرسطو إن أنظمة الحكم الاستبداية كلها في الواقع (قصيرة الأجل)، وإن أبسط نظام سياسي هو الذي يعتمد على شخص واحد، وهو في الواقع نفسه الأقل استقراراً؟ ولكن بالمقابل يكون النظام السياسي الذي توجد فيه مؤسسات سياسية متعددة ومختلفة، أكثر قابلية للتكيف، وبالتالي أكثر قابلية للاستمرار والبقاء لمدة طويلة ؟ وقال العالم الفرنسي بيرك في تعليقه على الأزمة السياسية الفرنسية التي أطاحت بديغول (إن دولة لا تمتلك الوسائل لتغير ما، هي دولة لا تمتلك الوسائل للمحافظة على ذاتها) فالجمود وعدم القدرة على التكيف مع المتغيرات يؤديان إلى زوال الكيان السياسي.

ونلاحظ أن الأنظمة الديمقراطية القائمة على المؤسسات السياسية حيث الشعب مصدر السلطة ويتمتع أفراد الشعب بالمشاركة السياسية الحرة وبسيادة القانون، هي أنظمة تتمتع بالاستقرار السياسي؟ بينما انهارت الانظمة الشمولية والسلطوية التي سيطرت نخبة سياسية عليها وانتهكت حقوق الأفراد تحت شعار الحزب الواحد الطلائعي وشعارات براقة ثبت فشلها في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق، وأنظمة سلطوية سقطت في الدول النامية لانفراد السلطة الحاكمة المتمثلة في شخص الحاكم وبطانته المسترزقة من حوله مهملة حقوق الشعوب التي كان لا بد أن تنتفض ضد الظلم والحرمان عندما تحين لها الفرصة؟

النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي

إن تدهور الاحوال الاقتصادية يدفع إلى عدم الاستقرار السياسي خاصة عندما يشعر المواطن بأنه وصل إلى حالة اليأس من السلطة الحاكمة التي لا تستطيع توفير ضروريات الحياة له من الغذاء والسكن والعمل والتعليم وغيرها من الحاجات الضرورية، سوء الأحوال الاقتصادية في أوروبا الشرقية أسقط الأنظمة الشمولية فيها بعد فشل شعاراتها الأيديولوجية، ونجد أن الدول التي وصلت إلى درجة عالية من التطور الاقتصادي والنمو الاقتصادي السريع نعمت باستقرار سياسي وبشرعية سياسية؟ ونجد مثلاً على ذلك في تركيا الحالية حيث شهدت في العقود الماضية عدم استقرار سياسي، انقلابات عسكرية، سقوط حكومات، وكانت الأحوال الاقتصادية سيئة، ومقارنة بعهد حكومة العدالة والتنمية الحاكمة الآن والتي فازت في حكم تركيا ثلاث مرات في انتخابات عامة منذ 2002، تميزت تركيا بالاستقرار السياسي، وكان النمو الاقتصادي السريع وتحسن حالة المواطن هي أحد الأسباب الرئيسة وراء فوز حزب العدالة والتنمية، حيث أصبحت تركيا ثالث دولة في العالم في النمو الاقتصادي، وفي المرتبة السابعة في الاقتصاد الأوروبي والمرتبة السابعة عشرة في الاقتصاد العالمي، وحتى في الدول المتقدمة والمستقرة ما يهم المواطن ليست الشعارات الأيديولوجية بقدر ما يهمة توفر حاجاته الضرورية واللازمة للحياه ومستوى العيش الكريم، ولذلك انتخب كثير من العلمانيين حزب العدالة والتنمية بسبب إنجازاته الملموسة على أرض الواقع، وبالقابل سقط الشاه في إيران عندما فشل في تحقيق دولة الرفاه وكان سوء الأحوال الاقتصادية والاغتراب الاجتماعي وراء سقوطه لأنه كان في واد والشعب الإيراني في واد آخر.

ويثير (ولي نصر) المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في كتابه صعود قوى الثروة، أن كلاً من تركيا وإيران شهدتا عملية تحديث فاشلة منذ منتصف القرن العشرين لأنها قامت على أسس علمانية تتحكم بها الدولة وتديرها نخبة أكثر ارتياحاً في صالونات أوروبا منها في عواصم دولهم، حتى أصبحت المنتجعات السياحية تدار منها الدولة بدلاً من العاصمة، فمنتجع شرم الشيخ كانت تدار منه مصر وليس من قاهرة المعز التاريخية؟ وبذلك كان الإحباط والفجوة الواسعة بين الحاكم والمحكوم، وقس على ذلك كثيراً من الدول العربية، التي تشهد ثورات شعبية وأخرى ثورات صامته.

تصفيق الشعوب لا يعني الولاء

إن أحد المظاهر المضللة في الدول النامية التصفيق للزعيم الأوحد والقائد الملهم، وفي الواقع أن التصفيق للحاكم وبرقيات الولاء لا تعني شيئاً، فالرئيس الروماني شاوشيسكو سقط في ظل التصفيق الحار للقائد والزعيم الملهم، وعندما سمع صوت من بين الجماهير المصفقة يدعو إلى سقوط الزعيم الملهم تحولت الجماهير بسرعة خاطفة من التأييد إلى السقوط، وبقية المشهد معروفة بإعدامه وزوجته، فالشعوب كانت تصفق بسبب الكبت ولأنها روضت على ذلك، وعندما سنحت لها الفرصة أسقطت النظام في ساعات وتحولت الحناجر لتهتف من يعيش إلى يسقط، ولذا فالتصفيق للحاكم لا يعني شيئاً في الدول النامية ولا يمكن أن يؤدي إلى بقاء النظام السياسي، ونجد أن وسائل الإعلام في الدول النامية تركز في إعلامها ونشراتها الإخبارية دائماً على الزعيم والقائد الملهم وهذا يعكس عدم الثقة في الولاء أو شك النظام في شرعيته، لأن الدول الديمقراطية المتقدمة لا نشهد فيها تبجيل القائد الملهم في إعلامها، لأن شرعيته نابعة من صناديق الاقتراع الشعبي وليس من برقيات التأييد المزيفة، وحتى استطلاعات الرأي العام في هذه الدول لا تعبر عن واقع الحال لأن المواطن يخشى أن يعبر عن رأيه بصراحة.

دكتاتوريات تفرخ ثورات

عندما كان لويس الرابع عشر يقول (أنا الدولة والدولة أنا) كانت النتيجة الثورة الفرنسية وإعدام لويس السادس عشر وزوجته، الثورة البلشفية قامت على دكتاتورية القيصر الروسي، وقد عبر الكاتب الروسي جوجول في قصتيه (الأرواح الميتة) و(المعطف) عن حياة البؤس في روسيا التي أدت إلى الثورة، وفي أمريكا اللاتينية قامت الثورات على الدكتاتوريات العسكرية، وشاهدنا في العقد الأخير دكتاتوريات استهانت بشعوبها وأذلتها، وأخذت تسير في التوريث، وقامت بتسويق أن الاستقرار مرتبط بها وباستمرارها في الحكم وفي توريثها له، ولكن كرامة الشعوب لا يمكن الاستهانة بها وتحديها، وعندما خرجت الشعوب إلى الشارع بعد أن طفح كيل الظلم والقهر، خرج الرئيس التونسي الهارب بن علي للقول (الآن فهمتكم) ولا لولاية أخرى، كما خرج الرئيس االمصري المطاح به ليقول لن أترشح في المرة القادمة وكذلك على نفس الخطى الرئيس اليمني، وهذا يعكس أن النخبة التي كانت تحكم استمرأت الحكم ونسيت أن هناك شعوباً لها مطالب العيش والكرامة، وهذا يذكرنا بنظرية ابن خلدون عن الحكم (إن الفئة الحاكمة في إحدى مراحل الحكم، تعيش في البذخ فتنسى ما حولها) فتكون النتيجة الانهيار.

الدول الكبرى لا تحمي نظاماً سقطت شرعيته

ولعل الجدير بالإشارة إليه، أن كثيراً من النخب الحاكمة في الدول النامية ترى أن البقاء في الحكم مرتبط بمدى علاقاتها مع الدول الكبرى وخدمتها ولو على مصالح شعوبها، وحسب نظرية المركز والأطراف، نجد أن النخب الحاكمة في الدول النامية مرتبطة بنخب ومراكز الدول الكبرى على حساب علاقاتها بأطراف دولها، فيحدث الاغتراب بين الشعوب وحكامها، وهذا يذكرنا بشاه إيران الراحل عندما حلقت طائرته فوق طهران ويسأل هل هذه الجماهير تتظاهر ضدي، كان يعيش في برج عاجي بعيداً عن هموم الشعب الإيراني، وكانت النتيجة المأساوية له، حتى إن الولايات المتحدة على رغم وجود أربعين ألف أمريكي في مختلف القطاعات في إيران لم تستطع أن تحميه، كما أن كارتر سمح له بدخول الولايات المتحدة للعلاج ثم أخرجه منها تحت ضغط الشارع الإيراني، وعلى رغم خدمة ماركوس في الفلبين لمدة عشرين عاماً للولايات المتحدة فعندما فقد شرعيه تم ترحيله في طائرة هليوكوبتر إلى جزر هاواي ثم محاكمته بالفساد في الولايات المتحدة، وحتى زعيم بنما أورتيغا ورغم خدمته للولايات المتحدة وارتباطه بالمخابرات الأمريكية إلا أنه انتهى به المقام في سجن فلوريدا .

وشهدنا في عهد الثورات العربية الحالية أن الولايات المتحدة والدول الغربية لم تحم أصدقاءها وحلفاءها على رغم خدمتهم لها، فالدول الديمقراطيبة تراهن على مصالحها وليس على الأفراد، فتخلت عن بن علي وعن مبارك وعن القذافي وعن علي صالح عندما فقدت هذه الزعامات السياسية ثقة شعوبها وأخذت الدول الكبرى تتفاوض مع المعارضة وتعترف بالثورات الشعبية! إن قوة أي نظام سياسي تنبع من شرعيته في الداخل وليس من دعم الدول الأجنبية له، وعندما يفقد النظام رصيده الشعبي في الداخل تتخلى عنه الدول الكبرى، لأن مصالحها الوطنية أهم لها من حماية أفراد فقدوا ثقة شعوبهم؟

 

مجلة آراء حول الخليج