; logged out
الرئيسية / المجتمع المدني في البحرين ودوره في تحقيق المصالحة الوطنية

المجتمع المدني في البحرين ودوره في تحقيق المصالحة الوطنية

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

تتناول هذه الورقة دور المجتمع المدني في البحرين من خلال المعوقات التي تواجه هذا المجتمع والآليات التي ترفده بمزيد من الدور والفاعلية وإمكانية أن يلعب المجتمع المدني البحراني دوراً بارزاً في تحقيق الانسجام الوطني في البحرين وتخليص الحراك السياسي والمجتمعي في هذه البلاد من أطر النزاع الطائفي والسير قدماً باتجاه تنشيط المؤسسات الديمقراطية وترسيخ قواعد الدستور الذي يتم الاحتكام فيه لإرادة الشعب.

 ولعل من المناسب وقبل الدخول في التفاصيل الخاصة بدور المجتمع المدني في مملكة البحرين وإمكانية قيامه بدور فاعل ومؤثر في تحقيق قدر كبير من المصالحة الوطنية ولم شعث ما تمزق من عرى الوحدة الوطنية أن نتعرف إلى مصطلح المجتمع المدني وظهوره على مسرح الفكر السياسي والدور الذي يمكن أن يلعبه في المجتمعات الحديثة وإمكانية قيامه بدور الوسيط بين الدولة والمجتمع.

 المجتمع المدني: المصطلح من الناحية التاريخية والقانونية

يمكن القول إن التعريف الخاص بمفهوم معقد متشابك كالمجتمع المدني يواجه قدراً كبيراً من الغموض ولكن التعريف الأكثر شيوعاً استند إلى أن المجتمع المدني يضم جملة من العلاقات الاجتماعية الاختيارية التي تبنى على أساس المهنة أو الانسجام الثقافي ولا تستند بأي حالٍ من الأحوال إلى روابط عضوية أولية أي روابط النسب والدين والمذهب والأسرة أي كل ما يخرج عن الروابط التقليدية التي تشد الإنسان لبيئته الأولية، ويصح أن تسمى المؤسسات والتنظيمات التابعة للمجتمع المدني بالمجتمع الوظيفي والذي ينفصل عن بنى ومؤسسات وهياكل الدولة من جهة وينفصل عن المؤسسات والبنى المجتمعية التقليدية، فلا تعد القبيلة أو الانتماء الديني أو المذهبي جزءاً من المجتمع المدني.

لا تعد القبيلة أو الانتماء الديني أو المذهبي جزءاً من مفهوم المجتمع المدني

وتشير بعض التعريفات التي وضعت للمجتمع المدني إلى أن هذا المفهوم يشير إلى العمل الجماعي غير الإجباري أو القسري والذي يبنى على وجود المصلحة المشتركة بين الأعضاء المنضوين في إطار المؤسسة التي توصف بكونها جزءاً من المجتمع المدني وتنفصل مؤسسات المجتمع المدني عن الدولة كمؤسسات وبنى قسرية من جهة وعن السوق وأدواته ومحركاته، ولابد من التأكيد أن العلاقة بين المجتمع المدني والدولة والسوق هي علاقة معقدة تنطوي على جملة من الأبعاد المختلفة والمتناقضة في حجم استقلاليتها عن بعضها البعض وممارستها لسلطاتها وصلاحياتها. وتشكل المنظمات المهنية والمؤسسات التي تقوم على البر والإحسان ومعظم المنظمات غير الحكومية والمنظمات النسوية والمنظمات التي ترتبط بمذاهب دينية، ونقابات العمال، والمؤسسات القائمة على المساعدة الطوعية، والمنظمات الاجتماعية، والتنظيمات التي تضم في عضويتها رجال الأعمال.

وبطبيعة الحال فإن مفهوم المجتمع المدني يواجه قدراً كبيراً من الاختلاف إذا ما حاولنا تطبيق معاييره على مجتمعات تنتمي لثقافات وأطر حضارية مختلفة. ولقد توصل الاتحاد العالمي للمشاركة المجتمعية إلى صياغة تعريف قد يكون جامعاً ومانعاً لمفهوم المجتمع المدني ألا وهو: (المجال الذي يقع خارج نطاق العائلة وخارج مؤسسات الدولة يقوم من خلاله الأفراد بتنظيم علاقاتهم بشكل يحقق مصالحهم المشتركة). أي أنه المساحة التي تشكل حيزاً من حركة الأفراد خارج المنزل وخارج المؤسسات السياسية والحكومية، وتترك حركتهم هذه تأثيراً على العمل السياسي بشكل مباشر وغير مباشرٍ.

ويمكن أن يؤشر المتابع لمفهوم المجتمع المدني وظهوره في ميدان الفكر السياسي إلى الحقبة التاريخية التي تعرف بعصر الاستنارة الفكرية أي إلى بدايات القرن الثامن عشر وكان المفهوم يشير في طياته إلى وجود رابطة سياسية تحكم الصراعات الاجتماعية وبالشكل الذي تصاغ من خلالها جملة من القواعد والأحكام التي تجبر المواطنين على عدم إيقاع الأذى ببعضهم البعض. ولقد استخدم المصطلح في بادئ الأمر بوصفه مرادفاً لمفهوم المجتمع الصالح، والذي يتميز بدوره عن مفهوم الدولة ومؤسساتها التي تقوم على الإجبار والقهر.

ولم يتميز مفهوم المجتمع المدني ويظهر بصيغته الحديثة إلا على يد هيغل والذي أعطاه بعداً ينحو به منحى ليبرالياً إذ عده مرتبطاً بنظام السوق والذي يتناقض بشكلٍ كلي مع الدولة ومؤسساتها ولقد عدَ المجتمع المدني مجالاً منفصلاً يضم نظاماً من الحاجات ترمي لإشباع الحاجات الفردية وتعمل على تعزيز الملكية الخاصة. ولقد عدَ هيغل ولادة المجتمع المدني كضرورة متلازمة مع ظهور المجتمع الرأسمالي إذ أضحى بمثابة آليةٍ ترمي للحفاظ على المصالح والحقوق الفردية والملكية الخاصة. وإذ أعلى هيغل من قيمة ودور الدولة في المجتمع فقد منحها حق حل أي صراعات أو صدامات قد تحدث في بنية المجتمع المدني على أساس أن السمة المادية هي التي تغلب على العلاقات داخل المجتمع المدني ومن حق الدولة أن تصحح المسارات التي يتخذها المجتمع المدني، وعلى النقيض منه كان رأي أليكسس توكفيل والذي رأى في المجتمع المدني قيمة عليا يمكن أن تحد من استبدادية وجور السلطات السياسية والمركزية المفرطة لأي حكومة من الحكومات، كما ميز توكفيل بشكل دقيق بين مفهومي المجتمع السياسي والمجتمع المدني وعدهما مفهومين منفصليين ومتمايزين عن بعضهما البعض.

ولقد تابع كل من غابريل الموند وسيدني فيربا الخطوات التي بدأها توكفيل في تجذير مفهوم المجتمع المدني في إطار الفكر السياسي المعاصر إذ آمن كل منهما بأن الدور الذي تلعبه الثقافة السياسية في حياة أي مجتمع من المجتمعات الديمقراطية لهو دور فاعل ومؤثر، وراهن كلاهما على دور منظمات المجتمع المدني في توعية مواطني الدول الديمقراطية بحقوقهم ومصالحهم وبالتالي حُسن اختيارهم للمرشحين في أي حملات انتخابية، كما يساهم المجتمع المدني في تسهيل مهمة محاسبة الحكومات القائمة وذلك من خلال النشاط الذي يقوم به أعضاء منظمات المجتمع المدني في مختلف القطاعات التي تكون ذات مساس مباشر بعمل المؤسسات الحكومية.

 المجتمع المدني في البحرين

يمكن القول إن البحرين قد سبقت دولاً عديدة في المنطقة في التاسيس لمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني إذ يعود تاريخ إنشاء بعض هذه المؤسسات والمنظمات إلى ما يقرب من 50 عاماً. وتأتي المنظمات المهنية والنسوية في مقدمة المؤسسات التابعة للمجتمع المدني البحراني، ويعد أغلب ناشطيها من أعضاء الجمعيات اليسارية التي خاضت تجربة حزبية طويلة لذا يتمتع أعضاؤها بقدرة كبيرة على التنظيم الاجتماعي، وهنالك أيضاً الجمعيات التي لا تقوم على الربح مثل المؤسسات الاجتماعية والتربوية والمهنية والثقافية.

تشكو مؤسسات المجتمع المدني في البحرين من قضية التمويل الخاص بنشاطاتها وفعالياتها

وتشكو مؤسسات المجتمع المدني في البحرين من الأوامر والضوابط الموجودة في قانون الجمعيات الأهلية والصادر في عام 1989 والذي تعده مؤسسات المجتمع المدني في البحرين خانقاً للعمل المؤسساتي المدني ذلك أن هذا القانون كان قد ولد في ظل ظروف أمنية استثنائية أملتها أجواء حربي الخليج الأولى والثانية كما أنه نتاج لعقد الثمانينات من القرن الماضي والذي غالباً ما يوصف بأنه واحد من أكثر العقود التهاباً في تاريخ البحرين.

وتحتاج مؤسسات المجتمع المدني في البحرين لترخيص مسبق حتى تباشر عملها وهو أمر يرفضه كثير من الحقوقيين المهتمين بنشاطات المجتمع المدني فلا حاجة أساساً لمثل هذا الترخيص ذلك أن المجتمع المدني في نظر هؤلاء الحقوقيين هو عبارةُ عن جماعات ضغطٍ مدنية فاعلة تقوم فلسفتها على الضبط وإحداث التوازن بين دور الحكومة وحركة المجتمع.

ولعل أبرز العوائق القانونية التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني في البحرين تتمثل في عوائق التسجيل وعوائق إدارة العمل وعوائق حرية التعبير والعمل الدفاعي وعوائق الحصول على الموارد. ويشدد ناشطو المجتمع المدني في البحرين على أن القوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة ومنها قانون الجمعيات السياسية وقانون المسيرات وقانون الإرهاب قد جاءت لتزيد من وطأة الضغط على مؤسسات المجتمع المدني وتعمل على ترويضه، كما تشكو مؤسسات المجتمع المدني من ظهور مؤسسات غير مسجلة قانوناً وكذلك وجود نشاطات متمردة على القانون الأمر الذي شكل حالة من الشد والجذب بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني دفعت في أحيان كثيرة لحالة من الملاحقات القانونية والصدام الأمني والاعتداء على الناشطين وبرزت أيضاً ظاهرة الجمعيات التابعة لبعض مؤسسات السلطة. ويشكو ناشطو المجتمع المدني من أن الحكومة تستخدم بعض مواد القانون الخاص بالترخيص لعمل الجمعيات بشكل يسمح لها الانتقاء والتحكم في منح التراخيص أو عدم منحها لجمعيات أو مؤسسات مدنية.

ولابد من الإشارة هنا لحقيقة أساسية وهي أن قوة وفاعلية المجتمع في أي بلد من البلدان ومنها البحرين لا تقاس البتة بعدد منظمات المجتمع المدني بل بقوتها وفعاليتها وامتداد نشاطها في قطاعات الحياة المختلفة وحملها المؤسسات الحكومية على الاستجابة للمطالب المجتمعية في تغيير قانون أو تشريع معين لم يتواءما مع المرحلة أو العمل على صياغة تشريعات جديدة تعالج قضايا استجدت في الميدان الاجتماعي والاقتصادي والتربوي والثقافي.

الكثير من مؤسسات المجتمع المدني في البحرين تقدم صورة مشرقة للبحرين

كما تشكو مؤسسات المجتمع المدني في البحرين من قضية التمويل الخاص بنشاطاتها وفعالياتها، وإمكانية تدخل الحكومة في حجب التمويل عن بعض المؤسسات التي قد تمارس نشاطات تعدها الحكومة منافية للقوانين الخاصة بمؤسسات المجتمع المدني أو القوانين المرعية بشأن حق التظاهر والتجمع. وعلى رغم وجود مثل هذه العوائق فإن المجتمع المدني في البحرين قادر على تعزيز وجوده من خلال العمل على تبني خطةٍ أكثر فاعلية لحمل الحكومة على تبني برنامجٍ يقوم على إطلاق الحريات العامة وتبني برامج للإصلاح السياسي والقضائي بحيث تتمكن المؤسسات الإعلامية والتشريعية والقضائية من القيام بدورها في حماية مؤسسات المجتمع المدني والعمل على تدعيم التحالفات بين مؤسسات المجتمع المدني على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.

وتفعيل الدور الذي يمكن أن تقوم به مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني على صعيد تخليص العمل السياسي في البحرين من أطره المذهبية وتحويل الحراك السياسي في البلاد من صراع مذهبي يفسح المجال أمام تدخل دول عديدة في الساحة البحرانية محولاً إياها إلى بركة من الدماء، إلى تعاونٍ تنافسي يفسح المجال أمام تحريك الآليات الديمقراطية الموجودة في البلاد وتطويرها بحيث تغدو مؤسسات ديمقراطية شكلاً ومحتوى. ولابد من التذكير هنا أن التنوع المذهبي في أي بلد من البلدان لا يعد مشكلة في حد ذاته إذا ما حسُنت النوايا وقد تعد على أصابع اليد الواحدة البلدان التي لا تضم خليطاً متنوعاً من الأعراق والمذاهب في عالم اليوم وما يحتاج إليه أي بلد يضم تنوعاً مذهبياً أو دينياً أو قومياً هو إيجاد توازن بين المصلحة التي تنطلق من الدفاع عن المذهب والمعتقد وضمان حماية المنتمين إليه في ذات الوقت الذي يجري فيه الالتزام بأطر العيش المشترك داخل الوطن الواحد على قاعدة الالتزام بأداء الواجبات التي تمليها شروط المواطنة واكتساب الحقوق الخاصة بها.

ويمكن القول في الختام إن الحركة الخاصة بالمجتمع المدني في البحرين تبعث -على رغم جملة من العراقيل- على التفاؤل والإعجاب ذلك أن الكثير من مؤسسات المجتمع المدني في البحرين تقدم صورة مشرقة للبحرين، كما أن أسلوب التعامل الذي تمارسه الحكومة مع المجتمع المدني يحتاج إلى قدر كبير من المرونة، كما يستطيع الأفراد المنضوين في إطار مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في البحرين والذين تختلف انتماءاتهم المذهبية أن يجسدوا الوحدة الوطنية داخل البلاد بأبهى صورها ويمثلوا الرغبة الخالصة بالعيش المشترك في وطن تستحيل فيه تجربة الطيران بجناحٍ واحد دون جناحه الشقيق.

مجلة آراء حول الخليج