; logged out
الرئيسية / خواطر حول أزمة البحرين

خواطر حول أزمة البحرين

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

اقترن اسم الشعب البحريني في منطقة الخليج منذ القدم بالطيبة المتناهية والتسامح اللامحدود، حتى بات من الصعب جداً تصور وجود اقتتال أو تنازع من أي نوع بين أبناء البحرين، فالبحريني الذي يعرفه أبناء الخليج تمام المعرفة هو شخص متسامح ومحب للسلام بطبيعته، والسبب ربما يكمن في طبيعة المجتمع البحريني البسيط الضاربة جذوره في أعماق التاريخ، فهو شعب وعلى رغم قلة تعداده وتعدد طوائفه، إلا أنه شعب ذو حضارة تاريخية عريقة كفيلة باعطاءه الحصانة الذاتية ضد أي فتنة أو اقتتال فئوي أو طائفي، أو حتى تدخل خارجي. والمستعرض للتاريخ البحريني القديم والحديث يمكنه أن يرى بوضوح الشواهد الكثيرة على تلاحم أبناء هذا الشعب ووقوفهم صفاً واحداً في أوقات المحن سواء قبل الاستقلال أو بعده، برغم ما شاب هذه الفترات من أزمات وتجاذبات بين الحين والآخر، ولكنها في كل مرة كانت تكشف وتعلن بوضوح عن قوة وتلاحم هذا الشعب، وتثبت أنه شعب صغير بسيط لكنه صعب المراس.

لذلك وعندما كنا نشاهد أحداث البحرين المؤلمة الأخيرة، كنا دائماً نستحضر هذه الصورة المثالية عن الشعب البحريني، ونجزم بأن هذا الشعب الصغير العريق قادر على تجاوز المحنة إذا ما أتاحت له التدخلات الخارجية فرصة العودة للذات واستلهام تاريخه وعراقتة وقدرته على تجاوز المحن بإرادة التسامح التي يتميز بها.

وحين نتحدث عن التدخلات الخارجية فإننا نتكلم بكل وضوح وصراحة عن الدور الإيراني المشبوه في تلك المحنة والذي كشر عن أنيابه لأول مرة بكل هذا القبح والوقاحة. وكان بلا شك عاملاً رئيسياً في تفاقم وتصاعد الأزمة البحرينية، التي ما كانت لتصل إلى هذا الحد من الخسائر بالأرواح والأموال لولا هذا الشحن الطائفي الذي كانت تمارسه قيادات طهران السياسية ووسائل إعلامها الموجهة.

لقد كان تدخلاً واضحاً وصريحاً ومستفزاً، ولكننا لا نستطيع بأي شكل من الأشكال أن نلقي اللوم عليه وحده، ربما كان هذا التدخل أحد الأسباب المباشرة لتفاقم الأزمة، لكنه لم يكن المسبب الوحديد لها، ولذلك من الموضوعية القول إن التدخل الإيراني ما كان ليجد أرضاً خصبة في نفوس البحرينيين بهذا الشكل إذا ما كانت الأوضاع في البحرين على ما يرام، ولذلك لا بد من الاعتراف بأن البحرين تعاني من مشكلة قبل التدخل الإيراني وبعده، وحسناً فعلت القيادة البحرينية حين قرأت الأمور على حقيقتها وفي الوقت المناسب وبادرت إلى فتح أبواب الحوار والإصلاح على مصراعيها ودون شروط مسبقة، ولم تنساق وراء الأصوات التي كانت تضع اللوم وحده على المعارضة البحرينية وولاءاتها الخارجية، ولم تسد آذانها عن دعوات الإصلاح الداخلية والخارجية. وأثبتت للجميع أنها جادة في رغبتها بالإصلاح وإرضاء شعبها البحريني بكل طوائفه، بعيداً عن روح الانتقام والتشفي. ولم يبق أمامها الآن سوى إثبات أن رغبتها في الإصلاح هذه لم تأت كردة فعل آنية على الأحداث ولامتصاص الغضب الداخلي والخارجي فحسب بل لرغبة حقيقية وصادقة بإصلاح جذري يعيد الأمور إلى نصابها، وفي المقابل على قوى المعارضة اغتنام الفرصة والمساهمة في إنجاح حوار التوافق الوطني بعيداً عن الأجندات الخارجية، فالمساهمة في إشعال شمعة الإصلاح داخلياً خير من لعن ظلام السلطة خارجياً، فالظلام كل الظلام في الفتنة والاقتتال الطائفي الذي تغذيه الأجندات الخارجية المشبوهة.

أما الدور الخليجي في أزمة البحرين فقد كان دوراً إيجابياً للغاية وحضي بمباركة ورضى جميع الشعوب الخليجية، التي شعرت لأول مرة بأن دولها قادرة على تغيير الواقع وحفظ أمن بلدانها دون اللجوء للقوى الأجنبية، وكانت قادرة على التدخل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة. حيث كان تدخلها في اتجاهين، الأول اقتصادي لمعاجة الاوضاع البحرينية الداخلية المتردية التي أدت لنشوب الأزمة عبر التبرع بعشرة مليارات دولار لدعم وتعزيز مشاريع التنمية في البحرين، والثاني عسكري عبر إدخال قوات درع الجزيرة تحت إمرة القيادة البحرينية لحماية المنشآت البحرينية الحيوية والسيادية من أية محاولة تخريب مدعومة من قوى خارجية تريد المساس بأمن وسيادة البحرين، ونجت دول الخليج في ذلك أيما نجاح، برغم تحفض بعض الأصوات الخليجية داخل وخارج البحرين على هذا التدخل الخليجي باعتبار أنه ربما يساهم في تفاقم الأزمة ويبرر تدخل قوى إقليمية أخرى في البحرين بذريعة حماية المتظاهرين، إلا أن الواقع أثبت أن التدخل الخليجي كان في الوقت والكيفية المناسبين، وكان محايداً إلى أبعد الحدود، ولم تثب الأحداث أي تجاوز للقوات الخليجية أو مساس بأي مواطن بحريني. كان تدخلاً مثالياً محسوباً بدقة، أعاد ثقة الخليجيين جميعاً بقوات درع الجزيرة التي لطالما كانت تثار حول أهمية وجودها التساؤلات.

مقالات لنفس الكاتب