; logged out
الرئيسية / دول الخليج والهند: الخبرات والمنافع المتبادلة وتجاوز الحواجز

العدد 128

دول الخليج والهند: الخبرات والمنافع المتبادلة وتجاوز الحواجز

الخميس، 15 آذار/مارس 2018

الهند أم العجائب وبلد المتناقضات، فبرغم كونها إحدى دول العالم النامي لكنها تمتلك من المقومات ما يمكن أن يجعلها ضمن الدول الاقتصادية الكبرى، حباها الله العديد من الثروات بداية من المناخ والأرض والموارد الطبيعية وانتهاءً بالقوى البشرية التي تحتل بها المرتبة الثانية على مستوى العالم والتي تتمتع فيها بقدر من التنوع العرقى والطائفي والديني لا يكاد يتواجد فى أي دولة أخرى. وعلى الرغم من أن الهند بدأت نهضتها التنموية متزامنة مع العديد من الدول العربية والإفريقية إلا أن مستوى ما تحقق فيها من تنمية على كافة المستويات يفوق بكثير ما تحقق لدى العديد من هذه الدول.

الهند هى أكبر ديمقراطيات العالم. استطاعت أن تحافظ على ديمقراطيتها رغم ما عاصرته من تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية، كما أن الاقتصاد الهندى يعتبر أحد أهم الاقتصاديات الآخذة في النمو، وسلكت الهند فى طريقها نحو التنمية مختلف التوجهات السياسية والاقتصادية بداية من الاشتراكية إلى الرأسمالية، ومن التخطيط المركزي إلى نظام السوق الحر وربما يكون ذلك هو أحد الأسباب التي جعلتها تصمد أمام العديد من الأزمات سواء على المستوى المحلي أو الدولي أو الإقليمي وتواصل مسيرتها التنموية، وجعل تجربتها محط أنظار العديد من الدول للاستفادة من هذه التجربة العريقة.

في السنوات الأخيرة تكررت الزيارات للمسؤولين الأجانب للبحث عن أسباب نجاح التجربة الهندية سواء على المستوى الاقتصادي المتمثل في قدرتها على تحقيق تنمية اقتصادية تفوقت بها على العديد من دول العالم في فترة وجيزة لم تتخطى 50عامًا بالإضافة إلى ما تنعم به من استقرار سياسي رغم وجود مشكلات مثل التنوع العرقي والدينى واللغوي وانتشار الفقر والجهل وارتفاع عدد السكان.

التجربة التنموية فى الهند.

انعكست طبيعة الجغرافيا الهندية على نشاطها الاقتصادي حيث أدت المساحات الشاسعة للسهول والوديان إلى اعتمادها على الزراعة بالأساس.. وتعد الهند رابع قوة زراعية بعد الصين والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، ومساحتها المزروعة هي ثاني أكبر مساحة بعد أمريكا، وهناك إحصائية تشير إلى أنه من بين خمسة فلاحيين في العالم يوجد واحد من الهند.

بعد الاستقلال واجهت الهند تحديين رئيسيين: التحدي الأول يتمثل في التخلف والفقر المنتشر على نطاق واسع، والتحدي الثاني يتمثل فى إعادة تحديد الموقع الهندي على خريطة الاقتصاد العالمي.

تعتبر التجربة الهندية في التنمية، واحدة من أكثر التجارب التي أثارت جدلاً كبيرًا، بشأن تمكن الهند من تحقيق طفرة كبيرة في التنمية، على الرغم من ارتفاع نسبة الفقراء بها، حيث يمثل الفقراء حوالي 25 % من السكان في الهند، إضافة إلى أنها استطاعت تحقيق تلك التنمية في ظل الاختلافات، والتناقضات التي تسودها، سواء من حيث تنوع الأديان، والمعتقدات، أو عدد اللغات، واللهجات، حيث يصل عدد اللغات المستخدمة في الهند إلى 33 لغة.

مر الاقتصاد الهندي بمرحلتين: الأولى أعقبت الاستقلال عن بريطانيا عام 1947م، وفى هذه المرحلة اتبعت الهند سياسة الانعزال عن العالم والاعتماد على الذات، ومركزية الدولة، والتوسع في تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي بشكل كبير والاعتماد على القطاع العام.

في عام 1991م، دخل الاقتصاد الهندي مرحلة جديدة ومختلفة تمامًا وهي مرحلة التحول إلى الاقتصاد الحر والخصخصة، وزيادة دور القطاع الخاص والانفتاح الاقتصادي، وإلغاء القيود على الاستثمارات الأجنبية، ورأس المال الأجنبي وهى المرحلة المستمرة حتى الآن.

ظهرت الهند كتجربة اقتصادية رائدة وطرأ على الاقتصاد الهندي نموًا كبيرًا وارتفع متوسط دخل الفرد ومتوسط العمر، إضافة إلى دخول الهند في الصناعات التكنولوجية.

مفاتيح نجاح التجربة الهندية تتمثل فيما يلي:

-     مقومات طبيعية وتتمثل فى الموقع المتميز والمساحة الكبيرة بالإضافة إلى المناخ المتنوع وحجم السكان الكبير.

-     التدرج والتأني: بدأت الهند نهضتها بطريقة تدريجية بالأساس ففي كل حقبة زمنية كانت هناك خطة مرسومة لتضمين قطاع جديد في التنمية يساهم في بناء نهضتها، وربما كان المثال على ذلك التمهل الهندي في وضع الدستور الذي استغرق وضعه ما يقرب من أربع سنوات مما أعطاهم الفرصة الكاملة للفهم الصحيح لمجتمعهم وتحديد احتياجاته.

-     محلية النموذج: النموذج الهندي فى التنمية ليس من استيراد الخارج، لكنه نابع من الداخل الهندي وفقاً لطموحات وطنية تسعى لبناء الدولة من خلال تعظيم ما تمتلكه من موارد وامكانات. لذلك كان البحث عن أهم المقومات التي تمتلكها الدولة الهندية نقطة البداية، فكان تنوع قطاعات الاقتصاد الهندي، وفى كل مرحلة من مراحل التنمية انضم قطاع جديد إلى منظومة التنمية الاقتصادية مما ساهم فى صمود الاقتصاد الهندي أمام العديد من الأزمات الدولية.

بالإضافة إلى ما سبق تأتي استقلالية الاقتصاد الهندي وقدرته على توفير احتياجاته الأساسية داخليًا وقدرة السوق الداخلي على استيعاب الإنتاج المحلي في وقت الأزمات نتيجة لعدد السكان الضخم.

لم يقم النموذج الهندي فى التنمية على رفض كل ما هو قادم من الخارج بل سعى إلى تطويعه لبيئته بتعظيم فوائده وتقزيم أضراره وخير مثال على ذلك تأثر الهند فى بناء مؤسساتها بالنظام البريطانى باعتبار بريطانيا النموذج الأمثل لها من وجهة النظر الهندية.

-     الاعتماد على الذات واستغلال القدرات المحلية: توجهت الهند نحو مجال جديد وهو تكنولوجيا المعلومات مستغلة بذلك ما تتميز به من عوامل مساعدة تمكنها من تحقيق تفوق في هذا المجال ومنها: إتقان الهنود للغة الانجليزية بفعل عوامل الاحتلال والتعليم البريطانى، بالإضافة إلى الكتلة البشرية الهائلة النابعة من العدد الضخم من السكان، وانخفاض تكاليف المعيشة ومن ثم انخفاض الأجور مما يمكنها من تقديم هذه الخدمات بأسعار أقل من نظرائها، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي ووجود بنية تحتية مناسبة والسعي نحو توفير إطار تشريعي ملائم لهذا المجال والاستعانة بالخبرات والكفاءات الهندية بالخارج من المتخصصين فى هذا المجال عبر جذبهم للعودة إلى بلادهم ونقل خبراتهم، مما جعلها تمتلك ميزة تنافسية فى هذا المجال ومركز جذب للعديد من الاستثمارات المحلية والأجنبية فى هذا القطاع.

-     الاعتماد على القطاع الخاص وتشجيعه على عكس دول مثل الصين.

-     الاهتمام بجودة التعليم وربطه بحاجات السوق فقد فتحت الحكومة المجال أمام التعليم الخاص وشجعته لكل المراحل، حتى أن الفقراء أيضًا يرسلون أولادهم إلى المدارس الخاصة التي تتسم بانخفاض تكلفتها وتقدم تعليمًا أفضل من التعليم الحكومي، وإقبال أبنائها على التعليم الفني والتقني والهندسي، والكفاءة العالية للعمالة المتخصصة في مجال هندسة العلوم والخدمات.

ـــ تبني الحكومة الهندية لسياسة دعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر سواء تمثل هذا الدعم في توفير التمويل اللازم، أو حمايتها من المنافسة أو فتح أسواق لها، أو إنشاء جهة مستقلة مسؤولة عن هذه المشروعات وتوفير الإطار القانوني الذي يسهل عمل هذه المشروعات أو توفير البنية الأساسية اللازمة لها، إلى جانب توفير البيانات والمعلومات عن حالة الأسواق وكيفية ربط المشروعات ببعضها البعض فيما يعرف بالعناقيد الصناعية، وتتميز هذه المشروعات بأنها لا تحتاج إلى رأس مال كبير وفي نفس الوقت كثيفة العمالة، ويمثل إنتاج المشروعات الصغيرة نحو 50% من حجم الإنتاج الصناعي ويفوق عدد العاملين بها 17 مليون عامل، وتأتي مساهمة المشروعات الصغيرة في الاقتصاد الهندي في المرتبة الثانية بعد الزراعة.

-     الاهتمام ببناء الإنسان الهندي سواء من خلال التعليم أو توفير برامج لتدريب المهارات اللازمة سواء في اللغة أو المعرفة وتشجيع الابتكار والإبداع، ففي عام 2008م، تبنت الحكومة قانون الابتكار الوطني، وأعلنت عن عقد من الإبتكارات، والالتزام بتعزيز العلوم والقدرات التكنولوجية. ووفرت البيئات المناسبة والفاعلة من أجل استقطاب التقنيات المتطوة والتكنولوجيا الحديثة واستيعابها، مما ساعد على تحولها إلى مرحلة الإبداع والابتكار، لتعيد تصديرها إلى جميع أنحاء العالم تحت شعار "اصنع في الهند" وتهدف هذه المبادرة إلى أن تصبح الهند محورًا صناعيًا عالميًا، كما رفعت الحكومة الهندية شعار "استثمر في الهند" من أجل الترويج للاستثمار، وتبنت الحكومة سياسة تهدف إلى تبسيط عمل الاستثمار لتحسين بيئة العمل.

-     تطوير البنية الأساسية اللازمة للتنمية عبر مشروعات كبرى للطرق والكباري، أو إنشاء حاضنات تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة من خلال بناء مدن تمثل بيئة جاذبة للاستثمار.

وكان نتاج ما سبق أن الهند اليوم بين أكبر ستة اقتصادات في العالم، ولديها رؤية اقتصادية 2030م، تهدف لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم في عام2030م، وهناك مؤشرات تشير لتفوق هندي على الصين ففي عام 2015م، نمى اقتصاد الهند بمعدل بلغ 7.5 % وهو أسرع من أداء الصين الذي بلغ 6.9 %. مما جعل شركات عالمية كثيرة تنظر إلى الهند نظرة إيجابية، وتدرس إمكانات إقامة استثمارات لها في الهند.

العلاقات الخليجية الهندية:

تمتد العلاقات الخليجية الهندية إلى قرون مضت كان جوهرها التجارة والثقافة، وعقب حصول الهند على الاستقلال في عام 1947م، أسست العلاقات الدبلوماسية، وتطورت العلاقات بين المد والجزر تأثرًا بعدد من القضايا الإقليمة والدولية أبرزها حرص دول الخليج على توطيد علاقتها بباكستان، واعتراف الهند بإسرائيل عام 1950م، والصمت الهندي تجاه الغزو العراقي للكويت وطوال الفترة الماضية ظل الجانب الاقتصادى هو الجانب الأبرز في العلاقات الهندية ــ الخليجية كنتيجة للجهود التى بذلها الجانبان في تعزيز هذا التعاون. فتعد السعودية والإمارات من بين أعلى خمس دول في الشراكة التجارية مع الهند.

عوامل الدفع نحو تعميق العلاقات الخليجية ــ الهندية:

تحول جزئي في العلاقات الخليجية الباكستانية: فقد كانت العلاقات القوية التي تربط بين معظم دول الخليج العربي وباكستان تمثل عقبة أساسية أمام تطور العلاقات الخليجية الهندية ولكن مع رفض باكستان لبعض السياسات الخليجية وتوفير الدعم في هذا الشأن، كان لزامًا على دول الخليج البحث عن بديل في ظل توجه هندي نحو منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة ولعل الانفتاح الهندي الحالي على منطقة غرب آسيا يهدف لتقويض النفوذ الباكستاني في تلك المنطقة.

أضف إلى ذلك تبنى الهند سياسة خارجية تهدف الجمع بين الاستثمار والتجارة، وبين الدفاع والأمن، وبين التعاون الاستخباراتي ومكافحة الإرهاب. وتمثل منطقة الخليج العربي أرضًا خصبة للتعاون في مجالات جديدة كالطاقة النظيفة، والملاحة.

شهدت الهند حاجة متزايدة للتمويل الخارجي والاستثمار فى مجال البنية التحتية والخدمات والتصنيع مثل فرصة كبيرة لدول الخليج العربي وهو من شأنه تعظيم العلاقات بين الجانين.

وعكست ما شهدته وتشهده المنطقة العربية من تحديات حاجة هندية لتأمين جبهتها الداخلية ضد الإرهاب والانقسام العرقي والمذهبي والديني الذي بدأ ينتشر في المنطقة، ومن ثم تظهر أهمية الحاجة إلى تطوير منظومة تبــادل المعلومات، وبخاصة المعلومــات الاستخبارية.

ربما كانت الأسباب السابقة هي دافع تنامي العلاقات في مجال الدفاع مع عدد من دول الخليج. وعلى أساس هذا الدافع الجديد نحو بناء علاقات أمنية مع الخليج انطلقت مفاوضات واتفقت كل من المملكة العربية السعودية والهند على تحسين التعاون بين البلدين في عمليات مكافحة الإرهاب، ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، والتصدي لتمويل الإرهاب.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى جوهر العلاقات الإيرانية الهندية القائم على التجارة البحتة، وهو ما يمثل فرصة جيدة لدول الخليج العربي وعلى رأسهم السعودية للانتقال بعلاقتها مع الهند نحو الشراكة الاستراتيجية وتخطي مرحلة التعاون التجاري والنفطي، مما قد يمثل تقويضًا للنفوذ الإيراني في المنطقة فالهند قوة لا يستهان بها من الناحية الاقتصادية والعسكرية كما أن لها شبكة من العلاقات بالدول الكبرى يمكن الاستفادة منها في القضايا الدولية. خاصة وأن الموقف الهندي من الملف النووي الإيراني واضح بالرفض لهذا المشروع.

وفي المقابل تحتاج الهند للسعودية والخليج العربي لتوطيد علاقتها بدول العالم الإسلامي فدول الخليج لها دور نشط في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، كما تعتبر الهند ثاني أكبر موطن للإسلام في العالم، والسعودية هي مهد الإسلام ولها مكانة مقدسة فى قلب كل مسلم. الهنود أيضًا أكبر جالية أجنبية في السعودية حيث يبلغ عددها نحو ثلاثة ملايين نسمة كما يبلغ إجمالي الجالية الهندية فى الخليج ما يقرب من 6 ملايين.

السعودية هي الشريك التجاري الرابع للهند ومصدر رئيسي للطاقة، حيث تستورد الهند نحو 19 % من الزيت الخام من المملكة، كما أن السعودية هي ثامن أكبر سوق في العالم للصادرات الهندية وتحتل الهند المرتبة السابعة من حيث الاستيراد من السعودية بنحو 3,7 % من إجمالي واردات السعودية

المصالح الخليجيةــ الهندية تقتضي التنسيق في حماية أمن المحيط الهندي لما له من أهمية إستراتيجية لاتصاله بقارات آسيا وإفريقيا. كما يربط المحيط المناطق الغنية بالمواد الخام؛ مثل: النفط، والغاز، والمعادن في منطقتي الخليج العربي وشرقي إفريقيا، بمناطق التصنيع في شرقي آسيا وتهدف الهند من خلال هذه الشراكة إلى التصدي للقرصنة وتأمين إمدادات الطاقة وضمان سلامة خطوط الاتصالات البحرية، وتأمين مصالحها في الجزء الغربي من بحر العرب والمحيط الهندي.

كل العوامل السابقة تمثل بيئة مواتية للانتقال من التعاون الاقتصادي والتجاري إلى إطار من التعاون والشراكة الاستراتيجية بين الطرفينخاصة مع توافر الإرادة السياسية لدى الجانبين لتعظيم هذا التعاون.
شهدت العلاقات الهندية ــ العربية عامة والهندية الخليجية خاصة انفراجة مع تبادل الزيارات للمسؤولين بين الجانبين مثلت هذه الزيارة نقلة نوعية فى تاريخ العلاقات بين الجانبين حيث أعلنت الهند عن رغبتها في تحويل علاقة البائع والمشتري الحالية إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة. وترتب عليها تعظيم التعاون الدفاعي المشترك وتبادل الزيارات بين القادة العسكريين لإجراء وتوقيع عدد من الاتفاقيات في إطار التنسيق الأمني والدفاعي وتبادل المعلومات.

كما حلت الهند كضيف شرف لمهرجان الجنادرية 32 الذي عقد في فبراير 2018م، وقد حظيت الهند بحفاوة واهتمام كبيرين خلال فاعليات هذا المهرجان واعتبرت الهند هذا المهرجان فرصة عظيمة للتعرف بالثقافة الهندية، ودعم العدد الكبير من الهنود الذين يعيشون ويعملون في هذه البلدان المناقشات بشأن وسائل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية.

ويبقى تحدي العلاقات الهندية ــ الإسرائيلية أحد المشكلات التي تعترض طريق تطوير العلاقات وسط ظروف تسمح بعلاقات أفضل بين الهنود والعرب عامة، لكن الحزبين اليمينيين الحاكمين وطدا العلاقات بين الهند وإسرائيل منذ عام 2014م، فقد قام رئيس الوزراء الهندي بزيارة الدولة العبرية، وانعكس هذا التوطيد على موقف الهند من القضية الفلسطينية، فقد أكدت الحكومات الهندية المتعاقبة لسنوات طويلة على موقفها الرافض للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ودعمها لحق اللاجئين في العودة وحل الدولتين بما يسمح بقيام دولة قادرة على البقاء مستقلة وموحدة لفلسطين عاصمتها القدس الشرقية. كما أعلنت الهند موقفها المؤيد لمبادرة السلام العربية منذ تدشينها.

وفي الوقت الذي تتطلع فيه دول الخليج لتوسيع نفوذها العالمي يظل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وتعزيز الأمن الدفاعي والاهتمام بالأمن الإقليمي وتعزيز التعاون في نشر السلام والرخاء وتعزيز أفق الاستثمار في مجال تصنيع العتاد الدفاعي أبرز مجلات التعاون مع الهند، وربما الدخول في شراكة استراتيجية أعمق في مجالات حيوية كالتعاون في تطوير نظام دفاع جوي وإنتاج ذخيرة للمدفعية.

كما أن الاستثمار الهندي في مجال النفط الخليجي أحد أهم المجالات المرشحة لتكون الأكثر رواجًا بين مجالات التعاون فعلى سبيل المثال: وقعت الهند اتفاق مع الإمارات في عام 2018م، وهو اتفاق ائتلاف شركات هندي وشركة بترول أبو ظبي الوطنية يحصل بموجبها ائتلاف الشركات الهندية على حصة 10 % من امتياز حقل زاكوم السفلي البحري في أبو ظبي حتى عام 2057م.

كل هذا يؤكد على ما قاله رئيس الوزراء الهندي خلال زيارته للسعودية في أبريل 2016م، بتحويل العلاقة بين البائع والمشتري إلى علاقة استثمار طويلة الأمد. حيث تؤسس هذه النوعية من الاتفاقيات لبداية شراكة استراتيجية بعيدة المدى مع الهند بما يرسي دعائم مرحلة جديدة من علاقات التعاون الاقتصادي بين الخليج والهند.

أضف إلى ذلك العلاقات التاريخية المتميزة التي خلقها الموقع الجغرافي لكل من الهند وسلطنة عمان إلى التعاون بين البلدين في مجال مكافحة القرصنة بتعزيز التعاون في مجال الدفاع وتعزيز التعاون العسكري البحري بين البلدين وتقديم تسهيلات للسفن العسكرية الهندية في ميناء الدقم في السلطنة. بما يضمن تحقيق الاستقرار في المنطقة مع استمرار تدفق النفط العربي إلى الهند يظل الدافع الجوهري للتوجه الهندي نحو تعزيز علاقتها بمنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة ومنطقة الخليج العربي بصفة خاصة ويدفع نحو بناء شراكة استراتيجية بين الطرفين.

مما سبق يتضح دور التجربة الهندية في بناء الإنسان والتي شكلت نموذجًا يمكن الاستفادة من خبراته المتنوعة في ظل علاقات تاريخية متينة وظروف مساعدة يغلب عليها التكامل والتعاون المثمر. ولعل الإنجاز الهندي دافع قوي نحو المزيد من الدراسة المتأنية لجهود مضنية في مجالات مختلفة أساسها الإنسان والعمل المتواصل والرغبة في كسر قيد الظروف والواقع إلى أفق أرحب ومستقبل أفضل.

مجلة آراء حول الخليج