; logged out
الرئيسية / التعاون العسكري الخليجي مع القوى الإقليمية: الهند الشريك المقبول دوليًا وإقليميًا

العدد 128

التعاون العسكري الخليجي مع القوى الإقليمية: الهند الشريك المقبول دوليًا وإقليميًا

الخميس، 15 آذار/مارس 2018

ارتبط التعاون العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي مع كل من القوى الدولية والإقليمية ارتباطًا وثيقًا للموقف الجيوستراتيجي في الإقليم سواء من داخله أو من رد فعل القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها من خارجه ..... حيث اشتمل على مرحلتين رئيسيتين الأولى: نتيجة الصراع العسكري العراقي الإيراني في أعقاب الثورة الإيرانية (1979م) والذي انتهي بلا غالب ولا مغلوب ولكنه أسفر عن توجه الآلة العسكرية العراقية لاحقًا إلى احتلال الكويت وتهديد الأراضي السعودية والانكشاف العسكري لدول الخليج العربي وتهديد أكبر مصادر الطاقة في العالم مما استلزم عقد تحالفات استراتيجية عسكرية لأمن الخليج مع الولايات المتحدة وبعض حلفائها ضد التهديد العراقي وقتها ثم التهديد الإيراني لاحقًا وحتى الآن.

أما المرحلة الثانية: فارتبطت بسياسة الولايات المتحدة ذاتها في عهد الرئيس أوباما والذي اهتم بالداخل الأمريكي وخاصة الاقتصادي والاجتماعي، مما استتبعه تخفيف وسحب القوات الأمريكية لتقليل النفقات والخسائر البشرية كما تم في أفغانستان والعراق عامي)2011-2014م) على التوالي وإرضاءً للرأي العام الأمريكي طالما أن الأمن القومي الأمريكي ذاته غير مهدد

خشيت الولايات المتحدة أن يملاً هذا الفراغ مستقبلا بواسطة التمدد الروسي (المتعافى) في الإقليم بالتعاون مع إيران، فعملت وتعمل على أن يملاً هذا الفراغ كلاً من القوى الغربية خاصة (بريطانيا – فرنسا – حلف الناتو) كمرحلة أولى فرعية على أن تستتبعها مرحلة ثانية يتم فيها الاعتماد على القوى الإقليمية الحليفة أو الصديقة غير العربية، حيث يكون مرشحًا لذلك كل من الهند وباكستان رغم الخلافات فيما بينهما وكذلك تركيا عضو (الناتو) وبمحاذير خليجية .... في إطار إقليمي متشابك بين التوازن والتنافس، أو فيما بينها بين الدول الكبرى بالإضافة إلى كل من الموقف الإيراني و الإسرائيلي ... وهو ما يفرض على دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجية تعامل جديدة للحصول على أفضل وضعية للتعاون الاستراتيجي العسكري لحماية أمنها القومي بين كل من تلك القوى الإقليمية على حده، دون تأثير سلبي على الخليج نتيجة التنافس أو الصراع بين بعض تلك القوى فيما بينها وهو ما سنتناوله في هذا المقال.

 

 


المحتويات :
 

خلفية تاريخية مع شبه القارة الهندية وتركيا-المقومات والإمكانات العسكرية للقوى الإقليمية المستهدفة -محفزات ومعوقات التعاون الخليجي مع القوى الإقليمية -أطر تحقيق التعاون العسكري الخليجي في ضوء مواقف الدول الكبرى – خاتمة

 

أولاً الخلفية التاريخية للعلاقات الخليجية مع كل من باكستان والهند وتركيا

1-              شبه القارة الهندية:

أ – تحكمت الجغرافيا السياسية الجيوبولتيكس في ربط دول الخليج العربي (مجلس التعاون الخليجي والعراق). بحريًا ببحر العرب، ثم المحيط الهندي عبر شبه القارة الهندية، فشرق آسيا عبر المحيط الهادئ، وغربًا إلى باب المندب وغرب إفريقيا إلى الأمريكتين عبر المحيط الأطلنطي، وبالتالي فإن العلاقات الخليجية مع شبه القارة الهندية، هي علاقات قديمة وخاصة في مجال التجارة التي بدأت تدريجيًا بتجارة (الحرير – اللؤلؤ – التوابل)، ثم حديثًا بإمدادات النفط والغاز من الخليج كأكبر مصدر في العالم، بالإضافة إلى المجالات التجارية الأخرى...

ب – تأسست باكستان عام 1947م، لتشكل كل من باكستان الشرقية (البنغال)، وباكستان الغربية (كراتشي)، وما لبثت أن انفصلت باكستان الشرقية عام) 1971م) بعد الحرب الهندية الباكستانية، لتشكل دولة بنجلاديش، بينما ظل التنافس والتوتر والصراع بين كل من الهند وباكستان، بسبب إقليم كشمير الواقع بين الدولتين.

جـ -استمرت العلاقات بين تلك الدول الثلاث (كل على حدة) مع دول مجلس                              التعاون الخليجي في عدة مجالات كان أهمها الآتي:

(1)  إمداد الخليج لتلك الدول بمعظم احتياجاتها من النفط والغاز.

(2)  استمرار تدفق العمالة من تلك الدول إلى الخليج، حيث تشكل الغالبية العظمى من العمالة الوافدة وخاصة من الهند التي تشكل أكبر الجاليات حيث يصل تعدادها إلى (6-7) مليون عامل ووجودها مكثف خاصة في كل من السعودية والإمارات.

(3)  استمرار زيادة التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات الخليجية في كل من الهند وباكستان، حيث بلغت الصادرات الخليجية إلى الهند 43 % على مدى العقد الماضي.

(4)  رغم أن الهند دولة متعددة العرقيات والأديان، إلا أن إجمالي المسلمين بها يبلغ (255) مليون نسمة، وهو ما يفوق إندونيسيا كأكبر الدول الإسلامية عددًا

د – بدأ التعاون العسكري خاصة بين باكستان والسعودية في أعقاب الغزو العراقي للكويت، نظرًا لحاجة السعودية إلى تأمين الأماكن المقدسة، وتم تطوره تباعًا، كما بدأ إرساء تعاون عسكري مع الهند كأحد القوى الإقليمية الصاعدة والقريبة، مع الوضع في الاعتبار العلاقات الثنائية الهندية ـ الباكستانية التي تتسم بالتوتر وعدم الاستقرار.

 

خلفية العلاقات الخليجية التركية:

أ‌-     بدأ منذ قيام الدولة العثمانية والتي بسطت نفوذها على المنطقة لعدة قرون، إلى أن ضعفت وهزمت أمام البرتغاليين في المنطقة، وانكمشت الدولة العثمانية ثم تلاشت لترثها تركيا العلمانية منذ عهد أتاتورك عام (1923م).

   وليملأ هذا الفراغ في الخليج بعض القوى الغربية وخاصة بريطانيا لربط مصالحها بين تلك المنطقة والهند، وذلك قبل حقبة النفط التي زادت من أهمية  الاستراتيجية والاقتصادية لمنطقة الخليج، وحتى زوال الانتداب البريطاني وحصول دول وإمارات الخليج على استقلالها تباعًا وقبل نهاية القرن الماضي.

ب‌-        بنهاية الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م) ثم انضمام تركيا إلى حلف الأطلنطي، بدأت تفكر في الانكماش من الجنوب العربي المسلم، والتوجه غربًا تجاه الاتحاد الأوروبي ولكنها لم تنجح حتى الآن لعدم تحقيق القياسات الديمقراطية الأوروبية، بالإضافة إلى استمرار احتلالها لشمال قبرص تلك الدولة العضو بالاتحاد الأوروبي.

ج-كان التعثر التركي تجاه أوروبا، أحد أهم أسباب إعادة التوجه التركي إلى الجنوب العربي الإسلامي، بما في ذلك منطقة الخليج النفطية الغنية، ثم زاد من الأهمية الاستراتيجية التركية، أنها أصبحت أحد أهم معابر الغاز إلى أوروبا لكل من غاز آسيا الوسطى وروسيا والعراق وإيران، مع تعثر مشروع عبور أنبوب الغاز القطري السعودي عبر سوريا وتركيا، لاعتبارات وحسابات سورية ـ تركية، تجاه كل من العراق وإيران.

د- حاولت تركيا ألا يقتصر تعاونها مع المنطقة العربية والشرق الإفريقي على التعاون الاقتصادي فقط، فشرعت في إرساء تعاون عسكري أمني وصل إلى حد القواعد التركية على أراضي بعض تلك الدول مثل (العراق – قطر – الصومال- وبدرجة أقل من كل من إريتريا – السودان – ليبيا)، وهو ما يشكل حزام تركي عسكري تنظر إليه بعض دول الإقليم، وخاصة السعودية ومصر، بقلق تجاه أمنها القومي، وخاصة مع بدء انتقال وتشغيل القاعدة التركية في قطر، في أعقاب قطع العلاقات الدبلوماسية معها مع غلق المجالات البرية والبحرية والجوية بواسطة كل من السعودية والإمارات بالإضافة إلى مصر.

 

ثانيًا:المكانة العسكرية للقوى الإقليمية المستهدفة (الهند – باكستان – تركيا):

1 – التصنيف الدوليRanking) :)
تنتمي جيوش تلك الدول إلى القوى العسكرية الفاعلة إقليميًا والصاعدة دوليًا وتحتل ترتيبات متقدمة على مستوى العالم طبقًا لتصنيفي عامي 2017 – 2018م، للقوة النيران العالمية (global fire ranking)، حيث تحتل الهند المركز الرابع وباكستان الثالث عشر ثم تركيا المركز الثامن.

2 – القوة البشرية للدولة والقدرة على بناء قوات مسلحة متفوقة:

وتنتمي تلك الجيوش إلى دول تصنف بأنها كثيفة السكان مثل الهند وباكستان أو دول كبيرة مثل تركيا، وهو ما يسمح ببناء قوات مسلحة متفوقة عدديًا سواء للخدمة العاملة أو الاحتياطية، كما أنه يوفر فائض من القوة العسكرية التي تمكنها أن تتعاون مع الأصدقاء والحلفاء في الإقليم، مثل الحالة في مجلس التعاون الخليجي، حتى لو احتاج الموقف إلى نقل قوات مسلحة من تلك الدول إلى منطقة الخليج.

3 – القدرة على الفتح العسكري الاستراتيجي في اتجاه دول الخليج:

يوفر الوضع الجيوستراتيجي لكل من الهند وباكستان، إمكانية النقل البحري لقوات كبيرة وبشكل مباشر عبر المحيط الهندي فالخليج العربي وفي وقت قصير نسبيًا، بالمقارنة بإمكانيات النقل التركي الذي يستلزم طريق بحري أطول من المتوسط وعبر ممرات محدودة مثل قناة السويس وباب المندب وبحر العرب، كما أن النقل البري التركي ممكن، ولكن يجب أن يمر من خلال طرف ثالث سواء العراق أو عبر سوريا والأردن، وهو ما يشكل عائقًا للفتح الاستراتيجي، وارتباطًا بالموقف السياسي، بين تلك الأطراف الثلاثة ( تركيا – دول الخليج – دول العبور البري)..

4- أهم الإمكانيات العسكرية الذاتية لتلك القوى الإقليمية:

أ‌-      القدرات النووية
تعتبر الهند وباكستان دولتان نوويتان ويحتلان الترتيب السابع والثامن على التوالي بعد دول النادي النووي الخمس وإسرائيل، بما يحقق توازن الرعب في شبه القارة الهندية الذي كان مختلا بشدة لصالح الهند، قبل أن تصبح باكستان دولة نووية عام(1997م).

أما تركيا فهي دولة غير نووية رسميًا، وتدخل داخل المظلة النووية لحلف الأطلنطي التي هي عضو به، منذ الصراع السوفيتي الأمريكي بين الشرق والغرب وحتى الآن، وإن كانت هناك تسريبات غير مؤكدة، بأن تركيا تمتلك ( 5 – 7 )اسلحة نووية، وإن لم تثبت صحة ودقة ذلك حتى الآن.. ويقدر عدد الأسلحة النووية التي تملكها كل من الهند وباكستان بعدد (120-130) سلاحًا نوويًا لكل منهما..

ب- الميزانية العسكرية:

تمثل نسبة متوازنة من الناتج المحلي الإجمالي لتلك القوى بما يجعل الإرهاق الاقتصادي نتيجة لذلك في الحيز المناسب عدا في أوقات الصراع والصدام بين كل من الهند وباكستان.. وبلغ هذا الإنفاق العسكري لعام (2016م) بالمليار دولار (للهندي 8.9 وباكستان 7.6، وتركيا 8.1) وربما زاد المعدل في تركيا نتيجة التداخل في الأزمة السورية واستيعاب المهجرين بالإضافة إلى التصاعد العسكري التركي ضد ميليشيات حزب العمال الكردستاني سواء في تركيا أو في شمال العراق.

ج-القواعد العسكرية الخارجية لتلك القوى الإقليمية:
لم ترصد قواعد عسكرية خارجية لكل من الهند وباكستان وخاصة في إقليم الشرق الأوسط، عكس ما تملك تركيا في كل من العراق وقطر وليبيا والصومال والمتنامي في جزيرة سواكن بالسودان، والمحتمل في إريتريا وليبيا وإثيوبيا، وليبيا وهو ما يشكل حزام تركي عسكري غير واضح الأهداف، حيث أن التعاون العسكري في مجالات التدريب وتبادل الخبرات لا يحتاج إلى قواعد عسكرية، ويؤكد ذلك بدء تفعيل اتفاق القاعدة التركية في قطر متزامنًا مع توتر العلاقات القطرية ـ الخليجية وأيضًا القطرية ـ العربية، كما أن هذا التواجد العسكري التركي يسبب نوعًا من القلق والتوتر بين دول مجلس التعاون الخليجي بدرجات متفاوتة، ويساهم بشكل أو بآخر لصالح إيران، للدعم المشترك التركي والإيراني إلى قطر، رغم أن أمن دول مجلس التعاون الخليجي محقق بتحالف استراتيجي قوي مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وحلف الأطلنطي..

د‌-   : السواحل الطويلة والقدرات البحرية لتلك القوى الإقليمية:

تمتلك كل من الهند وباكستان سواحل بحرية طويلة على المحيط الهندي شرق وغرب الهند وجنوب باكستان، كما تمتلك تركيا سواحل طويلة على كل من البحر الأسود شمالاً والمتوسط جنوبًا عبر بحر إيجا، مما يستلزم بناء قوات بحرية كبيرة للدول الثلاث في كافة مجلات القوات البحرية بما فيها الغواصات، وإن انفردت الهند بامتلاك ( 1-2 ) حاملة طائرات.. وغير مؤكد الرقم هل و1 أم 2 ؟؟

 

ه-القوات الجوية الكبيرة لتلك القوى الإقليمية:

تمتلك الدول الثلاث قوات جوية كبيرة عدديًا حيث يبلغ عدد طائرات القتال في الهند  (1720 ) ط – وفي باكستان( 961 ) ط – وفي تركيا( 1351 ) ط – وإن كان الانتماء إلى مدارس التسلح يختلف من دولة إلى أخرى، فمعظم طائرات القتال الهندية، تنتمي إلى المدرسة السوفيتية الروسية، أما المدرسة الباكستانية فتنتمى إلى المدرسة الغربية مع أقلية شرقية روسية وصينية، أما تركيا فتنتمي كليًا إلى المدرسة الغربية وخاصة الولايات المتحدة لتوفير الانسجام العملياتي داخل دول حلف الأطلنطي .. ولذلك ستكون القوات الجوية الباكستانية والتركية متقاربة في التعاون العسكري والعملياتي الجوي مع القوات الجوية الخليجية، أكثر منها تجاه القوات الجوية الهندية.

ثالثًا: محفزات ومعوقات التعاون العسكري الخليجي مع تلك القوى الإقليمية:

1 – الخليج وباكستان:

أ‌-      المحفزات: وضعت تلك العلاقة موضع التنفيذ ونجحت في أعقاب حرب الخليج الثانية وحاجة المملكة العربية السعودية إلى تأمين الأماكن المقدسة الإسلامية (مكة المكرمة – المدينة المنورة) ضد أي تهديد محتمل أو تداعيات تلك الحرب أو ما قد يشابهها مستقبلاً، مثل التصاعد الإرهابي داخل المملكة، خاصة أن الباكستان تعتبر من أكبر الدول الإسلامية السنية، وأن المشاركة في تأمين وحماية المقدسات الإسلامية، تعتبره شرفًا لها.

   رغم عدم الاشتراك العسكري الفعلي في عاصفة الحزم ضد الانقلاب الحوثي في اليمن، فإن باكستان أعلنت بوضوح أن السعودية والإمارات بمثابة خط أحمر في حالة العدوان عليهما، مما يعنى التدخل العسكري الباكستاني لحماية الأمن القومي الخليجي وخاصة السعودية ولا توجد قيود على مجالات التدريب المشترك والمناورات وتبادل الزيارات وحتى إمكانية التصنيع العسكري المشترك، بالإضافة إلى أنها دولة إسلامية تمتلك قدرات نووية مما يعظم من ثقلها العسكري... وعلى المستوى الاقتصادي، تم مد خط الغاز القطري إلى باكستان، وكانت الخصوصية الرمزية حاضرة حين غيرت باكستان اسم مدينة.. ليالبور..إلى فيصل أباد.. كما لخص الأمير تركي الفيصل مدير الاستخبارات السعودية السابق، بأن العلاقات بين البلدين من أوثق العلاقات الدولية دون معاهدة رسمية بينهما.

ب – المعوقات
أقل من المحفزات وتنحصر في أن شكل التعاون الخليجي من كل من باكستان والهند لن يكون في شكل تعاون ثلاثي جماعي ولكن في شكل محاور منفصلة بين كل من دول الخليج وإحدى الدولتين كل على حدة .. وهو ما قد يخفض شكل التعاون والدعم الجماعي للخليج في مواجهة إيران في حالة تطور الموقف .. كما أن التنافس في مجالات النقل البحري، سوف يسبب ضيق إماراتي في دبي من توسع ميناء(غوادارا) الباكستاني المنافس.

2 – الخليج والهند:

أ – المحفزات: التوجه العسكري للتعاون الخليجي تجاه الهند يبرهن للأخيرة أن التعاون الخليجي مع شبه القارة الهندية ليس بالضرورة مع دولة مسلمة كباكستان ولا لكونها منافسة للهند، ولكنه تعاون عسكري استراتيجي في صالح الطرفين الخليجي والهندي حيث تشكل الهند القوة الرابعة عالميًا وأول دولة بعد القوى الكبرى العالمية (الولايات المتحدة – روسيا – الصين) وهو ما يرفع مستوى التعاون العسكري إلى آفاق أرحب، خاصة أنها تمتلك ( حاملة \ حاملتي) طائرات مما يعطي حرية الفتح الاستراتيجي البحري والجوي دون الحاجة إلى مطارات أرضية خليجية حسب الضرورة .. كما تتمتع الهند بمقبولة سياسية من كافة الأطراف بما فيها المتنازعة مثل إيران، مما يعطي فرصة للتقارب النسبي أو الوساطة في حل بعض المشكلات وقد يتم ذلك بتنسيق خاص بين الهند وسلطنة عمان مثلاً ..ورغم أن الهند ذات أقلية إسلامية، إلا أن تلك النسبة تشكل حوالي ( 255 ) مليون مسلم نظرًا لكبر القوة البشرية للدولة، وهو ما قد يفوق دول إسلامية كبيرة بذاتها، مما يدعم خصوصية التعامل والتعاون مع الخليج العربي والأماكن المقدسة حيث تتراوح الجالية الهندية في الخليج بين 6 -7 مليون من الأيدي العاملة التي تشكل أحد أهم الروافد من العملة الصعبة إلى الهند – الوطن الأم – للمساهمة الفعالة في التنمية كما تعتمد الهند على الخليج كمصدر رئيسي للطاقة الغازية وبشكل خاص من قطر، كما وقعت الهند مع قطر اتفاق في مجال الأمن البحري وتأمين الحقول النفطية الغازية القطرية البحرية.

ب – المعوقات: وهي تأتي أقل من المحفزات ويرجع معظمها إلى صعوبة التعاون الثلاثي (الهندي – الباكستاني – الخليجي) كما سبق ذكره.

كما أن معظم الأسلحة والمعدات الهندية من إنتاج المدرسة الشرقية الروسية عكس الخليج مما يضع بعض القيود في مجالات التصنيع العسكري المشترك وبدرجة أقل عند التعاون العسكري الميداني والعملياتي والمعلوماتي، بالإضافة إلى أن التعاون العسكري الهندي مع الخليج سوف يتحرك في محورين متوازيين، الأول محور جماعي لدول مجلس التعاون كمجتمع إقليمي، والثاني بمحاور فرعية مع بعض أو كل الدول الخليجية طبقًا للموقف.

3 – الخليج وتركيا
أ – المحفزات: تهدف تركيا إلى جذب الاستثمارات الخليجية بالإضافة إلى التركية لدعم الصناعات العسكرية التركية، للوصول إلى إيقاف استيراد أغلب الأسلحة من الخارج بحلول عام 2023م، حيث نجحت في خفض استيرادها من الأسلحة من نسبة 80% عام 2002م، إلى نسبة 45% عام 2015م، حيث بدأت في التصدير بما قيمته 1.2 مليار دولار عام 2012م، ثم 1.5 عام 2013 م، وأخيرًا 2 مليار عام 2016م، وهذا ما ركز عليه الرئيس التركي أردوغان خلال زياراته المتكررة لمنطقة الخليج، وخاصة الكويت في 27 \ 4 \ 2015م، وللسعودية في 29 \ 12 \ 2015م، حيث ارتفعت الوتيرة لاحقاً إلى شراكة كويتية في التصنيع العسكري ثم قاعدة عسكرية تركيا في قطر.

زاد مستوى التعاون العسكري السعودي ـ التركي خلال الفترة من 2012 إلى 2016م، وتبادل الزيارات على أعلى مستوى في الدولتين وما أعقبها من زيارات وزير الخارجية التركي أوغلو إلى السعودية في فبراير 2016م، مصطحبًا معه رئيس الأركان التركي خلوصي أكار وهو الرجل العسكري وليس السياسي وتم ذلك في أعقاب إرساء مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى بين الدولتين وما شمله أيضًا من تعاون استخباراتي.

2 – إنشاء القاعدة التركية العسكرية في قطر:
وتم ذلك طبقًا للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين بتوقيع وزيري الدفاع في سبتمبر 2014م، وصدق عليه البرلمان التركي في 5 \ 3 \ 2015م، ودخل حيز التنفيذ في يونيه 2015م، وينص الاتفاق على الآتي:

أ – تبادل كل من تركيا وقطر نشر قواتهما العسكرية وإقامة قواعد عسكرية على أراضي الدولة الأخرى.

ب – استخدام تركيا للموانئ والمطارات والمنشآت القطرية.

ج – التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والتدريب العسكري والصناعات العسكرية .

د –( هام )العمل على زيادة القدرة الدفاعية لدولة قطر وهو لب الاتفاق ..

هـ - بدأ إنشاء القاعدة في 17 \ 12 \ 2015 قرب الدوحة العاصمة !! لتستوعب عدد 3000 جندي من مختلف الأسلحة ... وتمت إضافة فائدة للجيش التركي على التدريب في الصحراء !!

و – تم تفعيل الاتفاق ونقل القوات التركية إلى القاعدة في قطر، في أعقاب قطع العلاقات السعودية ـ الإماراتية ـ البحرينية ـ المصرية مع قطر وهو إن كان محفزًا لقطر، فإنه لاقى عدم ارتياح للدول الخليجية الأخرى والتي قطعت العلاقات، وكانت تركيا متحمسة لذلك، حيث يعتبر أول تواجد عسكري شامل على الخليج منذ هزيمة الاحتلال العثماني بالمنطقة.

ب – المعوقات:

سياسيًا: الاختلاف الكبير في وجهات النظر والتوجهات الخليجية وخاصة السعودية فيما يخص التعاطي مع الأزمة السورية ودعم مليشيات معارضة نوعية وتنامي علاقات خاصة تركيةـ إيرانية من خلال الأزمة السورية.

اقتصاديًا: الغضب السعودي والقطري لعدم دعم تركيا لتمديد خط الغاز القطري عبر سوريا ثم تركيا إلى السوق الكبيرة في أوروبا فيما أفقدهما مكاسب كبيرة متوقعة، بينما سمحت تركيا بذلك لكل من العراق –إيران-آسيا الوسطى-روسيا الاتحادية، بالإضافة إلى التنامي الاقتصادي التركي مع إيران وخاصة في مجالات الغاز والسياحة.

عسكريًا: رغم الزيارات المتبادلة بين مسؤولين خليجيين وأتراك لدعم التعاون العسكري في مجالات مختلفة – سبق ذكرها – فإن سرعة نقل قوات تركية إلى قاعدتها الجديدة في الدوحة بالتزامن مع الأزمة الخليجية القطرية، قد أغضب معظم الدول الخليجية، خاصة أنه أنشأ نوعًا من التعاون والتقارب التركي الإيراني لدعم قطر.

رغم أن القاعدة التركية في قطر طبقًا لبرتوكول بين البلدين – يهدف أساسًا إلى دعم القدرة الدفاعية القطرية، إلا أن السلوك العسكري التركي الحالي تجاه قبرص ومياهها الاقتصادية وفي الداخل القبرصي المحتل شمال الجزيرة بواسطة تركيا، يثير التساؤل عن الأهداف العسكرية الحقيقية التركية من قواعدها في الحزام العربي الإفريقي سابق الذكر.

رابعًا: أطر تحقيق التعاون العسكري الخليجي – الإقليمي في ضوء مواقف الدول الكبرى: ونغطي هنا أهم أطر التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة والقوى الإقليمية ــ الهند – تركيا – باكستان) من جهة أخرى في ضوء مواقف القوى والدول الكبرى تجاه الطرفين كالآتي:

1 – التعاون العسكري الخليجي الهندي وموقف الدول الكبرى:

أ‌-      موقف الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون:

سوف ترحب الولايات المتحدة بذلك في إطار التعاون مع الصديق الهندي ذو المقبولية لدى أطراف المنطقة، مما قد يساعد على تهدئة الموقف والتعامل الوسيط مع إيران .. كما أنه في حال التخفيف الأمريكي من التواجد في الخليج مستقبلاً، سيكون مناسباً التواجد الهندي لملء جزء من هذا الفراغ بالتعاون مع التواجد البريطاني والفرنسي في الخليج، ضد أي تمدد روسي داعم لإيران مستقبلاً .. ولكن ستأخذ الولايات المتحدة في اعتبارها، أن التعامل الخليجي مع الأسلحة الهندية ـ الروسية، خاصة المتقدمة، ربما يفتح الشهية الخليجية إلى سوق السلاح الروسي المتطور، مما يؤثر بالسلب على مبيعات السلاح الأمريكي للخليج جزئيًا

ب -موقف روسيا الاتحادية:

ينتظر أن ترحب بالتعاون الهندي مع الخليج واستعراض الاستخدام القتالي خلال التدريبات       المشتركة للأسلحة الروسية المتقدمة وخاصة في مجالات القوات الجوية والدفاع الجوي، وذلك لطرق أبواب الخليج لتنوع بعض مصادر السلاح، مع مد محور تعاون جديد في المنطقة يربط التوجه الروسي من سوريا إلى الهند عبر الخليج وإيران، التي ينتظر أن تتقارب بشكل أكبر مع روسيا مستقبلاً وخاصة بعد التحالف القتالي في سوريا، وكما سبق سننتظر روسيا بمقبولية لأي دور هندي وسيط في الخليج لتخفيف الضغط على إيران.

ج -موقف الصين الشعبية:

ستراقب بحزر التقارب الهندي ـ الخليجي خاصة أن الهند تمثل المنافس الآسيوي الرئيسي لها وأن الخليج هو المصدر الرئيسي للطاقة إلى الصين .... وإن كان لا ينتظر منها دور استراتيجي كبير عدا التركيز على مبيعات بعض الأسلحة الصينية المتقدمة إلى الخليج مثل صواريخ (سيلك وورم) إلى السعودية أو بعض البدائل للأسلحة الروسية ... وإن ظل تأثيرها السياسي لتهدئة الموقف في الخليج محدودًا.

2-التعاون العسكري الخليجي ـ الباكستاني وموقف الدول الكبرى:

أ‌-      موقف الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين:

ينتظر الترحيب بباكستان الحليف القوي للولايات المتحدة وخاصة في مرحلة الحرب الأمريكية في أفغانستان رغم فتور العلاقة بعد سحب القوات الأمريكية من أفغانستان وانكشاف حدود الأخيرة مع باكستان مما يسبب مشاكل أمنية عبر الحدود بين طالبان الدولتين ... وهو ما عبر عنه مسؤول باكستاني كبير مؤخرًا في (10\01\2018م) إن ما قدمته باكستان إلى الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب وخاصة التعاون الاستخباراتي يبدو أنه ذهب أدراج الرياح !!!

كما ستعتبر الولايات المتحدة أن التعاون الباكستاني في الخليج يشكل ضغطًا جديدًا على إيران حيث مشاكل الحدود بين البلدين وتبادل إطلاق النار مؤخرًا

ب-روسيا الاتحادية والصين الشعبية:

ينتظر أن يحوز عدم ترحاب كامل لتواجد الحليف الأمريكي في الخليج وما قد يشكله ذلك في زيادة التوتر مع إيران الصديق الروسي، والصين إلى حد ما.

3-التعاون العسكري الخليجي ـ التركي وموقف الدول الكبرى:

أ -موقف الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين:

ما زارت تركيا تتمتع بأهمية استراتيجية للولايات المتحدة والغرب ، وخاصة إنها تشكل الجناح الشرقي لحلف الاطلنطي ((nato والجوار الجنوبي المباشر لروسيا كما ترى الولايات المتحدة أن دور التعاون العسكري مع الخليج حاليًا غير مناسب نظرًا للاختلاف الكبير في وجهات النظر بين كل من تركيا والسعودية ،كما أن القاعدة التركية في قطر على مقربة من قاعدة العديد الأمريكية والقيادة المركزية وأن تفعيل تلك القاعدة في أعقاب الأزمة القطرية الخليجية أدى إلى مزيد من التقارب التركي الإيراني، كما أن التقارب والتعاون العسكري التركي الإسرائيلي يلقى ترحيبًا أمريكيًا بقدر ما يلقى ضيق عربي وخليجي.

ب – الموقف الروسي ـ الصيني:

لا يرحبان كثيرًا بهذا التعاون والتقارب الخليجي خاصة أن تركيا دولة حلف أطلنطية وأنها تتحرك في إطار محدود يجمع بين مصالحها دون الخروج على الاستراتيجية الأمريكية في الخليج وخاصة بعد توقيع معظم دوله لاتفاقيات تعاون أمني مع الحلف.

خاتمة:

منذ بدء العقد الحالي تصاعدت وتيرة التعاون العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي مع القوى الإقليمية غير العربية الصاعدة، وخاصة كل من الهند – باكستان – تركيا – وكانت مقومات محفزات ذلك التعاون لتوسعة، أكبر من مقومات معوقاته لانكماشه.

تأثرت وتيرة ومجالات وأسلوب التعاون بالموقف الاستراتيجي للدوائر الثلاثة المحلية والإقليمية والدولية.

فالأولي: المحلية ارتبطت بالنفوذ والتهديد الإيراني لأمن دول الخليج العربي.

والثانية: الإقليمية ارتبطت بتلك القوى غير العربية الصاعدة إقليميًا وربما دوليًا مثل الهند والسعي المتبادل بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي لتنمية وتطوير التعاون العسكري حتى ولو في شكل محاور فردية تفاديًا لحساسية تعاون الجماعي، يكون ضمت أطرافه الهند وباكستان من جهة ومجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى.

والثالثة: مرتبطة بالقوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة وروسيا فالأولى ربما تستمر في سياسة التخفيف والانكماش العسكري الخارجي في الإقليم، والذي بدأ بالانسحاب العسكري من كل من افغانستان ثم العراق في (2011-2014م) على الترتيب وهي لا ترغب أن تتمدد روسيا صديقة إيران لتملأ هذا الفراغ حاله حدوثه، بل تفضل أن تملأ بعض القوى الإقليمية جزءًا من هذا الفراغ بالتعاون وربما بالتواجد عند الضرورة بالتنسيق مع القوى الغربية الحليفة في الخليج كبريطانيا وفرنسا.

وتعتبر الهند قوة إقليمية ودولية صاعدة عسكريًا حيث تحتل التصنيف الرابع دوليًا – وذات مقبولية لاستمرار عدم انحيازها بنسبة كبيرة، مما يؤهلها أن تلعب دورًا في المنطقة خاصة تجاه التوتر الخليجي الإيراني وربما الإسرائيلي أيضًا، بينما تعتبر باكستان أكبر قوة عسكرية لدولة مسلمة ذات علاقات خاصة مع الخليج وخاصة السعودية، كما برز في حرب الخليج الثانية، كما أن خلافها مع إيران يصب في صالح الخليج في نزاعه مع إيران.

كما أن تركيا وإن كان لها مصالحها في التعاون العسكري الخليجي – غير المتناغم أحيانًا، إلا أنها ستكون ملزمة بالإطار الاستراتيجي الأمريكي لأمن الخليج كعضو بحلف الأطلنطي رغم علاقاتها العسكرية الخاصة مع إسرائيل ورغم تنامي علاقاتها الاقتصادية مع إيران.

سوف يضيف هذا النوع من التعاون العسكري إلى دول الخليج انفتاحًا على المدرسة الشرقية الروسية المتطورة من خلال التعاون مع الهند، مما يعطي مجالاً تسليحيًا أوسع لدول الخليج لإمكانية تنوع بعض مصادر السلاح حيث الانتماء الحالي إلى المدرسة الغربية بشكل كامل.

وفى النهاية يمكن أن تلعب الدول الخليجية وخاصة (السعودية والإمارات وسلطنة عمان) دورًا لتقليل الاحتقان وإيجاد حلول لمشكلة كشمير بين كل من الهند وباكستان – طرفي التعاون –رغم صعوبة ذلك بما يوفر تعاون عسكري جماعي وليس بمحاور فردية ولصالح جميع الأطراف ضمن تعاون استراتيجي أكبر لعل أهمه استمرار تدفق الطاقة الخليجية إلى كلتا الدولتين، مع اعتماد الخليج على العمالة الكثيفة المنضبطة الوافدة منهما، وفى المقابل دور تحويلات تلك العمالة من العملات الصعبة لدعم اقتصاد بلدانها الأم.

مجلة آراء حول الخليج