; logged out
الرئيسية / تداعيات الفوضى .. وتحديات صناعة الاستقرار

العدد 129

تداعيات الفوضى .. وتحديات صناعة الاستقرار

الإثنين، 02 نيسان/أبريل 2018

عودتنا مؤسسة الفكر العربي في مؤتمرها السنوي على مناقشة قضايا عربية معاصرة ملحة، تطرحها بدون مواربة أو استحياء، بل تناقشها بعمق واستفاضة وتدعو لمناقشتها كوكبة مختارة من شتى الدول العربية وبحضور قادة عرب وكبار المسؤولين، فبعد أن ناقشت قضايا التكامل العربي خلال العامين الماضيين بكل وضوح، ووضعت التحديات التي تواجه التكامل العربي أمام مسؤولي ومثقفي ومفكري الأمة بكل وضوح، اختارت لمؤتمرها الذي تستضيفه دبي (10 ـ 12 أبريل 2018م) عنوانًا شائكًا للنسخة السادس عشرة لهذا المؤتمر وهو "تداعيات الفوضى وتحديات صناعة الاستقرار" ودمجت في محاوره الدولي بالمحلي، والسياسي بالاقتصادي، والثقافي بالاجتماعي والإعلامي والتربوي، لتعطي جرعة مكثفة للجلسات وإثراء النقاش ومن ثم تقديم التوصيات، وفي مؤتمرات مؤسسة الفكر العربي نجد مؤسسها ورئيسها سمو الأمير خالد الفيصل، يعطي إشارة البدء للنقاش الصريح من خلال كلمته الاستهلالية التي تشرح وتوصف الواقع العربي بكل صراحة ووضوح، ما يجعل المشاركين في المؤتمر يرفعون سقف الشفافية في النقد والطموح وتسمية الأشياء بأسمائها من أجل مناقشة قضايا الأمة وتكاملها بموضوعية وصراحة دون حرج.

في مؤتمر العام الحالي المعنون بـ "تداعيات الفوضى وتحديات صناعة الاستقرار"، تأتي الجلسة الافتتاحية حول "رسم إطار عام لواقع الفوضى وسبل صناعة الاستقرار على مستوى المنطقة"، وجاءت الجلسة العامة الأولى تحت عنوان " القوى الدولية: الرؤية والسياسات والدور" وهذه الجلسة تضم مسؤولين من الدول الكبرى المعنية بالفوضى في المنطقة العربية وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا الاتحادية، الاتحاد الأوروبي، والصين. وكذلك جلسات عامة وأخرى موازية متخصصة لا تقل أهمية عن سابقتها حول دور المنظمات الإقليمية والدولية في صناعة القرار، وسبل صناعة القرار، وتأثير الفقر والبطالة، والتدخلات الخارجية، والتطرف والإرهاب، جذور الفوضى وأسبابها ونتائجها، كما تركز الجلسات على دور الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي التي تراوح بين السلبية والإيجابية، وغير ذلك.

أتوقف عند دور القوى الكبرى والمنظمات الدولية في تداعيات الفوضى وصناعة الاستقرار، وأعتقد أن الفوضى صناعة مشتركة محلية وأجنبية من حيث الأسباب والتأثر. الكثير من الدول العربية غرست بذور الفوضى ثم جاءت القوى الخارجية لتحتضن هذه البذور وترويها لتكبر وتنفجر وتدمر دولًا وشعوبًا، فكثير من الدول العربية التي تعرضت لهذه الفوضى أهملت التعليم والإعلام والاقتصاد وتركت شبابها فارغ العقل وبدون عمل ما جعله تائهًا تلتقطه بعض السيارة ممن يحملون الأفكار الضالة، سواء من دول وجماعات وأجهزة استخباراتية ، اختطفته سواء بالإغراء المادي أو بملء الفراغ لعقول استسلمت دون مقاومة تحت شعارات دينية كاذبة، وهنا تكالبت المؤامرات على دول المنطقة التي بدت وكأنها بدون مشروع واضح المعالم أمام دول إقليمية وأخرى كبرى ، بأجندات وأيدولوجيات جاهزة للتطبيق وسبق العمل عليها وإعدادها وتجهيزها بعناية ثم روجت لها باستخدام الإعلام المدسوس، أو عبر أدوات أخرى.

أعتقد أن مواجهة تداعيات الفوضى يجب أن تكون بالتحصين من الداخل، وتبدأ بإعلام ناضج يعي مسؤوليته المجتمعية والوطنية، ويعرف تحديات المنطقة بدقة، ثم يخاطب العقول ويحترمها، على أن يوازي ذلك تنشئة تعليمية تواكب العصر واحتياجاته والتخلي عن الحشو ومناهج بعيدة عن احتياجات سوق العمل، وضرورة البناء الاقتصادي الذي يحقق التنمية المستدامة ويوفر فرص عمل حقيقية لا وهمية أو مجرد الدفع بخريجين خارج أسوار الجامعات والمعاهد، مع بناء الجيوش والأمن.

أما الدول الكبرى والإقليمية الأجنبية فلن تقف مع الشعوب والدول العربية لأسباب كثيرة منها احتدام المنافسة المتصاعدة بين القوى التقليدية و العائدة أو الصاعدة لتثبيت مناطق نفوذ جديدة والتي تعد المنطقة العربية من ضحاياها، أو بسبب الأزمات الاقتصادية والحروب، أو بسبب التآمر الإقليمي للدول الطامعة والطامحة، وفيما يتعلق بالمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فهي أدوات في أيدي القوى العظمى والخمسة الكبار دائمي العضوية في مجلس الأمن، وكالعادة الفيتو يشهر أمام القضايا العربية، أو قرارات تتحول إلى التجميد بعد صدورها ولعل القضية الفلسطينية والقدس والأزمات السورية واليمنية والليبية خير شاهد.

فعلى الدول العربية وشعوبها أن تعي خطورة هذه المرحلة الفارقة والفاصلة حيث يتشكل العالم الجديد الآن، وعلى هذه الدول أن تجد لنفسها موقعًا في العالم الجديد، عالم ما بعد القطب الأوحد، ومن ثم التصدي للمؤامرات وبناء المقدرات والحفاظ على المكتسبات، وإلا سوف يتحرك قطار العالم الجديد بدون أن تلحق به.

مقالات لنفس الكاتب