; logged out
الرئيسية / الاستراتيجية الأمريكية والضجيج الإيراني

الاستراتيجية الأمريكية والضجيج الإيراني

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

تستمر السياسة الأمريكية في تخبطها حيث تمارس سياسة الهروب إلى الأمام وعسكرة الأزمات، وتتجاهل عن عمد حجم الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي خلفتها (الحرب العالمية على الإرهاب) بمنهجيتها الراديكالية الشركاتية، وما تركته من تصدعات في اللوحة الاستراتيجية الدولية وخصوصاً الشرق الأوسط، ولعل غزو العراق كان القشة التي قصمت ظهر النظام العالمي ومصداقيته، وغالباً ما نشهد توصيات وتقارير لمراكز دراسات أمريكية تعالج الأزمات في الشرق الأوسط من وجهة نظر أحادية، وتستند على قيم افتراضية ذات طابع أيديولوجي من جهة وتجاري شركاتي جشع من جهة أخرى وفق براغماتية (الغاية تبرر الوسيلة)، وبالتأكيد في ظل التفوق المالي والعددي لمراكز الدراسات الأمريكية وسيولة تمويلها ودعمها إعلامياً وسياسياً أضحت تهيكل المواقف والأزمات وتبوبها من وجهة نظر أحادية في ظل الخواء الفكري وانحسار مفاتيح الفكر العربي وافتقارهم لمقومات المنافسة مما ترك فجوة واسعة بين الأجيال يصعب تجسيرها في ظل حرب الأيديولوجيات غير المتكافئ.

تعلن الدوائر الأمريكية وبوضوح عن رغبتها بالبقاء الدائم في العراق وفق استراتيجية جديدة تبوب التعامل مع شؤون العراق الداخلية1 دون الاكتراث بشكل وجودها وشرعيتها ومدى نجاعتها وقبولها شعبياً في ظل الفوضى والملفات الكارثية التي أحدثتها ودورها في تعظيم النفوذ الإيراني وتفكيك كيان العراق وقضم قدراته الشاملة وتجريف قوته العسكرية وشياع ظواهر التنظيمات المسلحة الميليشياوية وتناسلها وخلق بيئة مناسبة لنفوذها وتأثيرها في المنطقة.

الولايات المتحدة لم تعمل على بناء عراق قوي متماسك وسمحت للنفوذ الإيراني بالتمدد ودعم الإرهاب

لايزال العراق أرض رمال متحركة ويشهد اضطراباً سياسياً وأمنياً مزمناً في ظل صناعة أحداث ممسرحة تخلق مناخ التجديد العسكري الأمريكي في العراق وفق سياسة الإلحاق بدلاً من التحالف الاستراتيجي، دون الأخذ في الاعتبار حجم الفوضى المسلحة والتهديدات الإقليمية والتداعيات الداخلية التي تعصف بالعراق ويستوجب تفكيكها، ويتم ذلك بإنهاء احتلال العراق وتحرير معاهدة جلاء دولية تضمن حقوقه وتفرض التزامات دولية صارمة على الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة العراق في بناء قدرته الصلبة والناعمة وحماية ثرواته وحدوده السياسية ليستعيد مكانته وهويته، وقد شهد العراقيون الضجيج الإيراني العسكري الميليشياوي والايدولوجي الإعلامي الذي يؤكد الإشارة المحورية وهي رغبتهم الشديدة في البقاء الأمريكي وعرض خدماتهم الفوضوية لاستمرار نفوذهم غير الشرعي في العراق، مما يثير التساؤلات عن حجم التخادم الأمريكي-الإيراني في العراق والمنطقة2.

 استراتيجية أمريكية جديدة نحو العراق

شرع عدد من مراكز الدراسات الأمريكية مطلع عام 2011 3 لوضع آلية بقاء أمريكي دائم بالعراق ومن منطلق الإلحاق وليس التحالف الاستراتيجي المتكافئ، وقد أشار الباحثون إلى (أن واشنطن قد أعلنت عن استراتيجيتها للخروج لكنها لم تصغ استراتيجية تضمن وتدعم مصالحها في العراق والمنطقة) ويؤكد الباحثون: يجب أن تتضمن الاستراتيجية الأمريكية للخروج من العراق أفضلية قاسية لأهداف الولايات المتحدة من أجل ضمان توجيه التأثير المتضائل للولايات المتحدة نحو تأمين ما هو ضروري أولاً ومن ثم ما هو ممكن أيضاً، وسيكون لدى الولايات المتحدة عند مغادرتها العراق العديد من الأهداف المختلفة، لكنها تدل على أهمية غير متساوية، وعلى واشنطن أن تدرك أولويات المصالح الأمريكية في العراق وكما يلي:

أولاً: لا يمكن السماح للعراق بالعودة إلى الحرب الأهلية، بسبب مصادر العراق وموقعه في الاقتصاد الحيوي وحساسية موقعه الجغرافي في منطقة الخليج العربي، وستكون كارثة على المصالح الأمريكية القومية الحيوية إذا انزلق العراق إلى أتون الحرب الأهلية، والتي من الممكن نشوبها (النفوذ الأجنبي والإقليمي ونظام المحاصصة والمناخ الطائفي والاستئثار الحزبي والقمع المجتمعي والميليشيات والفساد وانهيار مؤسسات الدولة وطوأفتها يقود إلى الصدام المسلح –نظرية الصدام) الباحث.

تعلن الدوائر الأمريكية وبوضوح عن رغبتها بالبقاء الدائم في العراق وفق استراتيجية جديدة

ثانياً: لا يمكن للعراق أن يعود للظهور كدولة عدوانية وهناك القليل من تلك المخاطر في المدة القريبة، لكن بينما تعمل الولايات المتحدة لبناء عراق قوي متماسك لا يمكنه العودة إلى النزاعات الداخلية، يجب عليها أن تتجنب أيضاً بناءه كدولة ذات قوة وثقة والذي قد يشكل تهديداً لدول الجوار (هذا التحديد ليتسق بالقيم الواقعية وبواقع التهديدات التي تعصف بالعراق كون الولايات المتحدة لم تعمل على بناء عراق قوي متماسك وسمحت للنفوذ الإيراني بالتمدد ودعمه للإرهاب في العراق في ظل غياب القدرة العربية واختلال موازين القوى مع هلامية توصيف العدوانية للعراق مقابل تجاهل ما تفعله إيران ودول أخرى بالعراق من عدوانية واضحة) الباحث.

ثالثاً: يجب على العراق أن يكون حليفا قويا للولايات المتحدة لأنه سيكون من الصعب ضمان أن العراق سيتفادى الحرب الأهلية ولا يظهر بشكل (وحش فرانكشتاين) الخليج (لا يمكن أن يكون العراق حليفاً، وجيش الولايات المتحدة وشركاته تؤكد سلوكها كقوة احتلال بل يتم ذلك بإنهاء احتلال العراق وتحرير معاهدة جلاء دولية تضمن حقوق العراق وتفرض التزامات دولية صارمة على الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة العراق الضعيف في بناء قدرته الصلبة والناعمة وحماية ثرواته وحدوده السياسية وبما يستعيد المكانة ويحقق العدالة الدولية) الباحث.

 

سياسات العراق الداخلية مفتاح استقرار البلاد

أكد تقرير مركز سابان بخصوص السياسات الداخلية في العراق (أن سياساته الداخلية أصبحت مركز ثقل الجهد الأمريكي تجاه العراق) وهذا النص لا يتسق بالحقائق كون إيران تدير الملف السياسي العراقي بقوة عبر زعانفها الحزبية وتحتكم على ميليشيات طائفية مسلحة تزعزع استقرار العراق وبشكل مزمن دون علاج، وأشار التقرير إلى أن مستقبل العراق محدد بشكل أساسي من خلال سياق سياساته الداخلية، وفي الحقيقة أن السياسة الداخلية العراقية تجسد واقعاً طائفياً فوضوياً متخلفاً4 ويحتاج إلى علاج سريع لتجنب الانزلاق إلى التقسيم والاحتراب الأهلي، كما ربط التقرير الأمن في العراق بالسياسات الداخلية واقتصاد العراق المتلكئ وإذا انهار الاقتصاد العراقي فسيكون ناجماً بالتأكيد من فشل سياسات العراق الداخلية، وبالتأكيد لا يمكن تبسيط الأمر بهذا الشكل لأن العراق يعاني من انهيار البنى التحتية واندثار القدرة الزراعية والصناعية ويعاني من سياسة الإغراق التجاري الإيرانية ومديونية مالية معززة بفوائد لكل دول العالم وعجز وتضخم وفساد مستشرٍ استنزف أمواله في عقود وهمية وفاسدة وبطالة مستشرية وأنفاق هائل على الجانب الأمني الذي يتجاهل مقومات الاستقرار الأساسية وصناعة الأمن.

إيران مارست استعراض عضلات في العراق وهي المنهكة داخلياً واقتصادياً

 التقدم نحو الديمقراطية والشفافية وحكم القانون

 ركز التقرير على سياسات العراق الداخلية واعتبرها المفتاح إلى المستقبل واستقرار البلاد، ويجب أن يرتكز الأمريكيون بشكل أساسي على تحديد تدخل الولايات المتّحدة في العراق، لذا يجب أن تكون الأولوية العليا المطلقة للولايات المتّحدة أثناء التخفيض المستمر وللسنوات العديدة القادمة، وهي رؤية لنهاية عمل سياسات العراق الداخلية بشكل صحيح، وسيعني ذلك بشكل محدّد أن تطبق خارطة طريق وفق معاير أبرزها:

1- استمرار التقدم نحو الديمقراطية.

2- الشفافية وحكم القانون.

3- التطوير المستمر للقدرة البيروقراطية.

4- عدم تفشي الانقلابات العسكرية ومنع ظهور الدكتاتوريين.

5- المصالحة بين تجمّعات الإثنية لمختلف الطوائف بالإضافة إلى ضمهم.

6-  تصور معقول لعلاقات المحيط المركزية.

7- الإدارة والتوزيع العادل لثروات العراق.

8- الرخاء الاقتصادي العام والعدالة الاجتماعية.

9-  يعالج العراقيون بشكل ملائم المشاكل الباقية في الدستور العراقي لأن من شأن هذا أن يُهدّد قابلية نجاح الدولة لمنع (الحرب الأهلية / وعدم الاستقرار) وسيكون موقفاً لا مبالياً بشكل أساسي بالنسبة للولايات المتّحدة إذا افترضت بأن العراقيين سيكونون قادرين على التغلّب على الفجوات في الدستور لتحقيق حكومة مستقرة من دون دعم خارجي.

 يتجاهل التقرير الإرادة الجماهيرية العراقية وقدرة نخبه وشبابه على رسم مستقبل العراق، ويغفل الباحثون عمداً افتقار المشهد العراقي لغالبية النقاط الواردة في خارطة طريقهم الدعائية.

 إيران ترفع سقف نفوذها وتسدد فواتيرها

تؤكد الوقائع أن إيران مارست استعراض عضلات في العراق وهي المنهكة داخلياً واقتصادياً قد خاضت حرباً بالوكالة في المنطقة وتبادلت رقع النفوذ الإقليمي والليبرالي بمتوالية زمنية قصيرة مقارنة بحجم الأهداف المتحققة (تفكيك القدرة العربية باستخدام الجرثومة الطائفية) وأشاعت الاضطراب والاحتراب الطائفي والديني، وفاقمت ظواهر الارتزاق الطائفي المسلح، وأسهمت بشكل واسع في تمزيق القدرة العراقية عبر التكفير المهني والطائفي السياسي وبما يتلاءم مع منهجية الإزاحة الجيوسياسية والتفكيك العربي.

لوحظ بوضوح الشغب الإيراني تجاه العراق، حيث شهدنا نزول الميليشيات المرتبطة بإيران إلى شوارع بغداد لتمارس الترهيب ضد المجتمع العراقي، وكذلك التحرشات الحدودية في كردستان العراق وتهجير الأهالي واحتلال مناطق حدودية، ناهيك عن تجفيف منابع الأنهار والأهوار في وسط وجنوب العراق5 ويرافقها تصريحات صلبة لبعض المسؤولين الإيرانيين (بملء الفراغ في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية) (صناعة الخوف)، وقد يبرره البسطاء والأدوات السياسية بضرورة بقاء القوات الأمريكية التي تبارك جميع تلك الانتهاكات دون رد فعل يذكر، وبالفعل كانت زيارة نائب الرئيس الإيراني بمثابة صفقة تؤمن لإيران الهيمنة السياسية والاقتصادية6 والقضم الجيوبولتيكي في العراق وتستخدمه كمنصة لاستكمال منظومة التسليح النووي وإدامة حرب الاختراق الطائفي والقضم السياسي للدول العربية، وتعاني إيران من أزمات سياسية داخلية مترهلة تعمل على تصديرها على شكل أزمات خارجية، وفي الأيام القادمة سينقلب السحر على الساحر لأن المجتمع الإيراني في حالة غليان ويعاني من قمع طائفي منظم وإقصاء سياسي دموي ولعل السياسات الإيرانية وصلت إلى نفق مسدود، وأضحت تغازل إسرائيل وأمريكا وتستعرض قوتها الوهمية لتوحي بأنها قادرة على لعب دور (الشرطي الشرير في المنطقة).

كان الأجدر بالطبقة السياسية أن تصارح الشعب بدلاً من افتعال الأزمات وإغراق الشارع بالعنف والإرهاب السياسي لتغطية الفشل السياسي والمؤسساتي وطبيعة الدور المرسوم سلفاً، ولا بد من الإعلان بالتزامهم بقواعد اللعبة الأمريكية ومنظومة التجنيد الإيراني، مما يفسر افتقار العراق لدولة المواطنة والقانون وغياب المرتكزات الديمقراطية والشفافية والتي أصبحت شعارات زائفة فاقدة الصلاحية، فكان لا بد من توقيع معاهدة جلاء دولية بدلاً من اتفاقية ثنائية، تؤمن حقوق العراق وشعبه وتحدد ملامح التحالفات الدولية القادمة وفق المصلحة الدفاعية العليا للعراق، لتعالج التهديدات الحالية والوشيكة والمحتملة، وترفع عن كاهل العراقيين كابوس الاحتلال وإرهاب النفوذ الإيراني واحتضار الدولة وفقدان الأمل ببناء دولة المواطنة الديمقراطية.

 الهوامش

1- تقرير مركز سابان- استراتيجية أمريكية جديدة للمضي قدما نحو التعامل مع شؤون العراق لعام 2011

 UNFINISHED BUSINESS An American Strategy For Iraq Moving Forward December 2011 The Saban Center At Brookings  

ترجمة دار بابل للدراسات والإعلام

2- تجاهر إيران إعلامياً وأيديولوجياً بعداء مقنع ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وبالمثل هناك تصريحات مختلفة تشكل جسد الخداع الاستراتيجية وصناعة الخوف في المنطقة وشد الأطرف، وأثبتت الحقائق حجم التخادم الإيراني-الإسرائيلي والإيراني-الأمريكي ولعل أبرز تصريح يؤكد تعاون إيران في العراق لخدمة الجيش الأمريكي كان في مؤتمر شرم الشيخ عام 2004 عندما صرح وزير الخارجية الإيراني من مصر بعد مؤتمر شرم الشيخ وبعبارة واضحة (سننتشل أمريكا من وحل العراق) وهذا يؤكد الدور القذر الذي لعبته إيران ضد العراق وشعبه.

3- اجتمع عدد من الباحثين لوضع هذا التقرير وكانوا كل من كينيث بوليك من مركز سابان –معهد بروكينغز- جنرال مكريستال وجوست هيلترمان من مجموعة الأزمات الدولية – وخرجوا برؤيا حول العراق أطلق عليها استراتيجية أمريكية جديدة للمضي قدما نحو التعامل مع شؤون العراق لعام 2011.

4- جريمة التزوير في العراق - جريمة مخلة بالشرف - يسعى البرلمان لتشريع قانون يعفي مرتكبي جريمة التزوير ويبقيهم في مؤسسات الدولة وبما يخالف كافة القوانين الوطنية والأعراف الدولية مع العلم أن التزوير في وثائق رسمية ليقل خطورة عن القتل والإرهاب والفساد ويعزز مسالك التكفير المهني والتحكم بمصير شعب ودولة من قبل آلاف الجهلة وأنصاف المتعلمين وتحت يافطة الطائفة والمذهب والحزب ويلغي بذلك النصوص الدستورية والقانونية ويؤسس لدولة الطوائف الممزقة من القرون الوسطى.

5- قطع الأنهر من الجار المسلم إيران عن العراق بالتعاون مع الجار المسلم تركيا، ويشهد جنوب العراق تصحراً وتجفيف الأنهار والأهوار وتدمير الثروة السمكية والزراعية هناك من قبل الجار المسلم، وعولج هذا العدوان بشكل مركب يؤكد استمرار الأحزاب الطائفية بخلق واقع ديموغرافي جديد يعتمد المنهج الإيراني والقطبية الطائفية في بغداد، حيث جرى نقل سكان الاهوار وقطيع ماشيتهم إلى أحياء العاصمة بغداد ومنحهم أراضي بسندات مؤقتة وبأوامر حزبية؟ وفي وسط العراق جرى قطع نهر الوند الذي يغذي أراضي زراعية هائلة في محافظة ديالى.

6- قامت إيران خلال هذا العام بتصدير سلع إلى العراق يبلغ مجمل قيمتها أكثر من 570 مليون دولار فيما أنه استورد السلع من العراق بقيمة ما مجمله 11 مليون دولار فقط. وفي العام الماضي أيضاً بلغ مجمل قيمة الصادرات إلى العراق أربعة مليارات دولار ولكنه ولإحباط مضاعفات العقوبات الدولية وإبطال مفعولها بحاجة إلى توسيع وتطوير تبادلاته الاقتصادية مع العراق وخلال زيارة رحيمي إلى العراق رافقه مدراء 70 شركة ومؤسسة معظمها ستنشط في العراق تحت غطاء البناء ومد الطرق والاتصالات وتقنية المعلومات والتجارة والصناعة والكهرباء والنفط والغاز والبتروكيمياويات، وجرى توقيع عدة عقود ضخمة واتفاقيات عديدة من قبل عدد كبير من الشركات التي تتظاهر بأنها تعود إلى القطاع الخاص كتسديد فواتير إيران في العراق.تقرير منشور.

‏السبت‏، 23‏ تموز‏، 2011

مقالات لنفس الكاتب