; logged out
الرئيسية / مدير عام مؤسسة الفكر العربي د. هنري العويط ل "آراء حول الخليج": توجيهٍ حاسمٍ من الأمير خالد الفيصل: التكامل طريقنا الوحيد للنهوض ودرء الأطماع

العدد 129

مدير عام مؤسسة الفكر العربي د. هنري العويط ل "آراء حول الخليج": توجيهٍ حاسمٍ من الأمير خالد الفيصل: التكامل طريقنا الوحيد للنهوض ودرء الأطماع

الإثنين، 02 نيسان/أبريل 2018

رغم أن الأوضاع في المنطقة العربية تدعو للقلق، بل والتشاؤم بسبب تردي الأوضاع التي نتجت عن ما يسمى بثورات الربيع العربي، ورغم حالة التشرذم، وما تشهده بعض الدول العربية من حروب أهلية، وما تشهده من تدخلات إقليمية وصراعات دولية على أراضيها، إلا أن مؤسسة الفكر العربي لديها إصرار على التكامل العربي، ولديها عزيمة ودأب على المضي قدمًا في نفق العروبة لرؤية الضوء في نهايته، فمؤتمرات مؤسسة الفكر العربي السنوية لم تتراجع بل تتقدم لمناقشة قضية التكامل العربي من مختلف زواياه .. يقف صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، ومؤسس ورئيس مؤسسة الفكر العربي شامخًا في المؤتمر السنوي للمؤسسة، يعدد المخاطر المحدقة بالأمةويكاشف القادة بالأوضاع المأساوية بكل وضوح ودون مداراة، إلا أن سموه يبدو بالحسم ذاته مصرًا على التضامن العربي، وما يدعونا للتفاؤل أن سمو الأمير خالد الفيصل يحلم دائما بمستقبل غير مسبوق في المهام التي يتولاها كحاكم إداري فذ مشهود لسموه المحبوب، ووزير مجدد، ثم يتحقق الحلم فعلًا على أرض الواقع ويتحقق ما سبق أن كان حلمًا، وهذا ما يجعلنا نتفاءل بتحقيق التضامن العربي الذي يراه سمو الأمير خالد الفيصل.

مؤتمر مؤسسة الفكر العربي الذي تستضيفه دبي خلال الفترة (10 ـ 12 أبريل 2018م) "فكر 16" يحمل عنوان "تداعيات الفوضى وتحديات صناعة الاستقرار " .. العنوان والمحاور والمشاركين وأوراق العمل، تؤكد قدرة مؤسسة الفكر على الاقتحام وعدم التهيب من الخوض في غمار واقع العمل العربي المشترك، وتناقش سلبياته بغية تلافيها، والسعي إلى الإيجابيات من أجل غد عربي أفضل.

في هذا الحوار يتحدث مدير عام مؤسسة الفكر العربي الأستاذ الدكتور هنري العويط، عن محاور "فكر16" وأهدافه وطموحاته، يوضح لماذا الإصرار على مناقشة قضايا التكامل العربي، ولماذا اختيار قضية الفوضى في المنطقة العربية، فيقول: صحيح أنّ ظروف البلدان العربيّة صعبة للغاية وأنّها تعاني من مشكلات داخليّة تعود إلى طبيعة تنظيم كلّ دولة، وظروف خارجيّة بسبب الأطماع والتدخّلات الخارجيّة وإلى اصطفاف الدول العربيّة على السياسات الدوليّة المُتصارعة في العالَم وانخراطها في استراتيجيّات سياسيّة- اقتصاديّة متناقضة؛ وصحيح أنّ إشكاليّة جديدة أُضيفت إلى هذه المُشكلات نتيجة الأوضاع الداخليّة التي أصابت عددًا من الدول العربيّة بعد الأحداث المستمرّة لِما عُرِف بالربيع العربيّ، إلّا أنّ ذلك يحتّم علينا أكثر من ذي قبل الإصرار على التعاون والتكامل واعتماد استراتيجيّة عربيّة تتضمَّن بَرامج عمل تُرصَد لها مَوارِد ماليّة وآليّات للمُتابعة والتقويم، على أن تراعي هذه الاستراتيجيّة التغيّرات الحاصلة في العالَم، وما يقتضيه ذلك من عملٍ دؤوب للوصول إلى المستويات العالَميّة من المعرفة والاقتصاد المَعرفيّ، وأضاف مدير عام مؤسسة الفكر العربي:في مواجهة واقع التقسيم وعجز العرب عن الاتّحاد، وفي الوقت التي تتزايد فيه الانقسامات والآلام، تصرّ مؤسّسة الفكر العربيّ، بتوجيهٍ حاسمٍ من رئيسها صاحب السموّ الملكيّ الأمير خالد الفيصل، على أنّ التكامل هو طريقنا الوحيد للنهوض، ولدرء الأطماع الخارجيّة، وخِطط تقسيم دولنا وتفتيتها. لذا لم تفوِّت المؤسّسة ولن تفوِّت أيّ فرصة، سواء في مؤتمراتها أو إصداراتها، لجمع المفكّرين والعقلاء كي يضعوا نتاجهم الفكريّ وخلاصة مداولاتهم ومناقشاتهم في خدمة المتبصّرين من أهل الرأي والحلّ والربط، وفي متناول صنّاع القرار ووسائل الإعلام والفئات الواسعة من أبناء الوطن العربيّ قاطبة. واستثمار التكامل الثقافيّ العربيّ القائم بالقوّة وبالفعل من أجل التكامل العربيّ الواسع يبقى الرّهان والأمل، وما ذلك إلّا استجابة لمبدأ بسيطٍ هو أنّ في الاتّحاد قوّة.

وفيما يلي نص الحوار:

** لماذا تمّ اختيار "تداعيات الفوضى وتحدّيات صناعة الاستقرار" كعنوانٍ رئيس لمؤتمر"فكر 16" المزمع تنظيمه في نيسان/ إبريل 2018 في دبي؟

.. لا يخفى على أحد أنّ العالَم يشهد اليوم تحوّلاتٍمتسارعة وعميقة وغير مسبوقة، على مختلف الأصعدة وفي شتّى المجالات، وقد غدا على مَشارِف ما يُطلق عليه "الثورة الصناعيّة الرّابعة"، بما تتضمّنه من حقول عِلمية وتكنولوجيّات كعِلم الوراثة، والذكاء الاصطناعيّ، وتكنولوجيا النانو، وإنترنت الأشياء، وغيرها. هذه الثورة، شأنها شأن الثورات السابقة التي أفضت إلى توصيف القرن العشرين بالقرن الأكثر دمويّة، نراها الآن تهزّ الثوابت الاقتصاديّة، والسياسيّة، والاجتماعيّة والمعرفيّة كافّة، وتسرِّع في إفراز الأزمات والأحداث المتلاحقة التي تُلقي بتأثيراتها على مناطق العالَم كلّها.

لقد رافقت هذا التحوّل الكبير، تغيّراتٌ عميقة في مصادر القوّة وفي طبيعة اللّاعبين الدوليّين، فضلاً عن مزيدٍ من التنافس لمصلحة الأقوياء. وقد سبق للباحث الفرنسيّ باسكال ريغو أن وصف مثلاً صعود دول البريكس قائلاً: " يبدو أنّ صعود هذه الدول الخمس لا يُعبّر عن "انتقام الجنوب" أو عن "عدالة الفقراء"، بل عن تجسيدٍ لرأسماليّةٍ جديدة، تتميّز بتعدّد مراكز السلطة فيها (الولايات المتّحدة، ودول البريكس، والاتّحاد الأوروبيّ). باختصار، فإنّ صعود البريكس يفتح حقبة جديدة من "تعدّدية الأقوياء".

أمام حالات التوتّر التي يعاني العالَم منها، والأزمات التي يتخبّط فيها، كثرت الأدبيّات التي وصفت التحوّلات هذه بمصطلحاتٍ مثل "الفوضى" و"الاضطراب" و"اللّانظام" و"الاختلال"... وكان لا بدّ لنا نحن كبلدان عربيّة معنيّة بهذه التحوّلات، وقائمة في قلب الصراعات، بل منخرطة فيها، أن ندرسَ تداعيات ظاهرة الفوضى هذه، سواء على العالَم بأسره أم علينا، وتعيين التحدّيات، وذلك بهدف التبصّر في سُبُل مواجهتها. فموضوع المؤتمر، كما يدلّ عليه عنوانه بوضوح، لا يقتصر على تشخيص الواقع، بل يتناول أيضًا استشراف المستقبل. ومن هنا كان التشديد على مصطلح "صناعة الاستقرار"، لكون الاستقرار المنشود هذا لن يتمّ قبل وضع اللّبنات الأساسيّة الضروريّة لبنائه، مع ما يفترضه ذلك من ضرورة التفكّر بأسباب الفوضى ومظاهرها وتداعياتها وتحدّياتهابشكل موضوعيّ ومسؤول، لا للبقاء أسرى لمعطيات الواقع الراهن، بل لاستعراض السُبُل الكفيلة بإخراج دولنا من دوّامة فوضاه المدمّرة.

** نودّ من حضرتكم إلقاء الضوء على المَحاوِر الرئيسة والفرعيّة لمؤتمر "فكر16 "، وأهمّ الأوراق المُقدَّمة في هذه المَحاوِر، ونوعيّة الحضور والمُشاركين فيه؟

... من المنطقي، بناءً على ما تقدَّم، أن تتناول الجلسة العامّة الأولى، وهي بعنوان "القوى الدوليّة: الرؤية والسياسات والدَّور" رؤى الدول العظمى، أو اللّاعبين الكِبار في الساحة الدوليّة، أي الولايات المتّحدة الأميركيّة وروسيا الاتّحاديّة والاتّحاد الأوروبيّ والصين، حول الوضع في المنطقة العربيّة ومظاهر الفوضى وأشكالها، وأسبابها، وتصوّرات هذه الدول وسياساتها لصناعة الاستقرار، ودَورها في تحقيق هذا الهدف.

يُشارك في هذه الجلسة باحثون وخبراء في عِلم الاجتماع السياسيّ والعلاقات الدوليّة وفي دراسات الشرق الأوسط، من الدول المذكورة أعلاه، يناقشون السياسات المُعتمدة حاليًّا في الدول الكبرى التي ينتمون إليها، ورؤية دولهم هذه للعالَم ولمصادر الفوضى وعدم الاستقرار الداخليّة والإقليميّة والدوليّة في المنطقة، وللوضع الرّاهن في الشرق الأوسط ككلّ ودَورها فيه، فضلاً عنالسياسات التي ينبغي اتّباعها لصناعة الاستقرار في المنطقة (على الصعيد السياسيّ، الأمنيّ، الاستراتيجيّ، الاقتصاديّ،...).

 

أمّا الجلسة العامّة الثانية وهي بعنوان "دور المنظّمات الإقليميّة والدوليّة في صناعة الاستقرارفتعرض لدَورِ عددٍ من المنظّمات الإقليميّة والدوليّة الفاعِلة في المنطقة (ومن بينها الجامعة العربيّة، ومجلس التعاون لدول الخليج العربيّة، والاسكوا، وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ)، وخبرتها وتجاربها في التعامل مع واقع الفوضى، وإسهاماتها في صناعة الاستقرار. وتطمح هذه الجلسة، من خلال ممثّلي هذه المنظّمات، إلى معرفة السياسات والاستراتيجيّات والخِطط التي تعتمدها منظّماتهم للإسهام في الحدّ من تداعيات الفوضى في المنطقة العربيّة وصنع الاستقرار.

 

ويتضمّن برنامج المؤتمر سلسلةً من سبع جلسات فرعيّة، أو جلسات متخصّصة مُتزامنة. تندرج المجموعة الأولى منها تحت عنوان:"الفوضى: جذورها وأسبابها ومظاهرها ونتائجها"، من خلال موضوعات اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة، وعبر البحث في الفقر والتفاوت والبطالة، واختلال آليّات العمل السياسيّ، والتدخّلات الخارجيّة، والتطرّف والإرهاب. ويشارك فيها خبراء وباحثون في المجالات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة المعنيّة.

 

        تتناول هذه الجلسات العوامل الاقتصاديّة التي تتسبّب في إحداث الفوضى وتوليد الاضطرابات، وفي مقدّمتها التفاوتُ والفقر والبطالة؛ وتستعرض العوامل السياسيّة المسؤولة عن نشوء حركات التململ والمعارضة، ومن بينها افتقارُ المؤسّسات إلى صحّة التمثيل وضعفُ المشاركة العامّة في الحياة السياسيّة؛ ويتمّ أيضًا التطرّق فيها إلى التطرّف والإرهاب، والعوامل التي تغذّي هذه الظاهرة وتساهم في انتشارها وتناميها، وارتباطها بالعنف القاتل والمدمّر، وما يترتّب عنها من انعكاسات وعواقب وخيمة في شتّى الحقول وعلى مختلف المستويات؛ وتسلّط الجلسة الرابعة الضوء على الأطماع والتدخّلات الخارجيّة، الإقليميّة والدوليّة، في الشؤون الداخليّة العربيّة.

 

وأمّا المجموعة الثانية من الجلسات المتخصّصة المتزامنة، فتأتي تحت عنوان "صناعة الاستقرار: مساهمات القطاعات المؤثّرة"، أي تلكالمؤثّرة على العقل العربيّ ووجدانه وعلى تكوين القِيَم والاتّجاهات المجتمعيّة، وذلك من خلال كلٍّ من قِطاعات الإعلام، والإعلام الرقميّ ووسائل التواصل الاجتماعيّ، والتربية والتعليم والثقافة.

 

بحيث يجري النقاش حول دَور كلٍّ من هذه القطاعات الثلاثة، بحسب طبيعتها، في الإسهام في صناعة الاستقرار، وذلك بالتوازي مع عرض خبرات ناجحة في هذا السياق؛ كأن تُناقَش إدارة العمل الإعلاميّ في تحقيق الفاعليّة والمصداقيّة والثقة في ما يتمّ نقله من أخبار وتحليلات، وكيفيّة التصدّي لانتشار الأخبار الكاذبة والردّ عليها وتفنيدها والتوعية بأضرارها، وكيفيّة تفادي انتشار الأخبار الكاذبة من المنطقة في أنحاء العالَم؟...إلخ. وكأن يتناول الكلام على تداعيات ثورة الاتّصالات والمعلومات ما أوجدته هذه الثورة من أدوات إعلاميّة جديدة، قادرة على التأثير الإيجابي في صناعة الاستقرار. وكأن تُناقِش الجلسة الخاصّة بقطاع التربية والتعليم والثقافة النُظُم التربويّة والتعليميّة والثقافيّة، بما تشمله من أدب وشعر وسينما ومسرح وموسيقى وسائر مظاهر الإبداع، دَور هذه القطاعات في صناعة الاستقرار.

 

يُشارِك في هذه الجلسات خبراء في كلّ قطاع. ففي ما يخصّ الإعلام، يُشارك وزراء إعلام ومدراء شركات للإعلام، ورؤساء هيآت عامّة للاستعلامات، ورؤساء تحرير صحف وإعلاميّون...إلخ، ؛ وفي ما يخصّ قِطاع الإعلام الرقميّ ووسائل التواصل الاجتماعيّ،يُشارك أساتذة في الألسنيّة المعلوماتيّة والإعلام الرقميّ، ورؤساء تحرير صُحف إلكترونيّة ووزراء تعليم عالٍ. وفي ما يخصّ قِطاع التربية والتعليم والثقافة يُشارِك رؤساء هيآت ثقافيّة، وكتّاب ونقّاد سينمائيّون، وأساتذة في الدراسات الفلسفيّة والاجتماعيّة، وفنّانون...إلخ.

 

** من واقع تجربة حضرتكم في المؤتمرات الأخيرة لمؤسّسة الفكر العربيّ التي جاءت لتُناقِش قضايا التكامل العربيّ..هل من المُمكن تحقيق هذا التكامل، وما هي مقوّماته، وتحدّياته، وهل يستطيع التكامل أن يحمي المنطقة من الفوضى وتداعياتها التي هي محور مؤتمر "فكر16"؟

.. تكامل عربيّ، وحدة عربيّة، اتّحاد عربيّ، عمل عربيّ مُشترك...إلخ، هي تسميات تنطوي على فروق دقيقة تعود في الأساس إلى إشكالات سياسيّة تقتضي تغليب هذه التسمية أو تلك، لكنّ التسميات جميعًا تدور حول مضمون واحد هو مدّ جسور التلاقي والتعاون بين العرب في أقطارهم ودولهم ومجتمعاتهم جميعًا. وهذا ما ذهب إليه "التقرير العربيّ السابع للتنمية الثقافيّة" ومؤتمر " فكر 13" (التكامل العربيّ: حلم الوحدة وواقع التقسيم)، وما تكرَّر في مؤتمر " فكر 14" (التكامل العربيّ: تحدّيات وآفاق).

هذا التكامل الذي يتجاوز التسميات ويحرص على الجوهر، هو الذي نعوِّل عليه وندعو إليه لأنّنا مقتنعون بضرورته الملحّة ومؤمنون بجدواه، إذا ما توافرت الإرادة السياسيّة. إنّه تكامل قائم على المُبادرات المُشترَكة والعمل المُشترَك كآليّتين من شأنهما تحويل الضعف إلى قوّة، وبالتالي درء المَخاطر قبل وقوعها، وتلافي المصائب قبل حلولها، والعمل على تجاوز حالة الدمار والخراب الاجتماعيّ والاقتصاديّ والبؤس النفسيّ واليأس والعجز المُنتشر في طول الوطن العربيّ وعرضه.

ففي مواجهة واقع التقسيم وعجز العرب عن الاتّحاد، وفي الوقت الذي تتزايد فيه الانقسامات والآلام، تصرّ مؤسّسة الفكر العربيّ، بتوجيهٍ حاسمٍ من رئيسها صاحب السموّ الملكيّ الأمير خالد الفيصل، على أنّ التكامل هو طريقنا الوحيد للنهوض، ولدرء الأطماع الخارجيّة، وخِطط تقسيم دولنا وتفتيتها. لذا لم تفوِّت المؤسّسة ولن تفوِّت أيّ فرصة، سواء في مؤتمراتها أو إصداراتها، لجمع المفكّرين والعقلاء كي يضعوا نتاجهم الفكريّ وخلاصة مداولاتهم ومناقشاتهم في خدمة المتبصّرين من أهل الرأي والحلّ والربط، وفي متناول صنّاع القرار ووسائل الإعلام والفئات الواسعة من أبناء الوطن العربيّ قاطبة. واستثمار التكامل الثقافيّ العربيّ القائم بالقوّة وبالفعل من أجل التكامل العربيّ الواسع يبقى الرّهان والأمل، وما ذلك إلّا استجابة لمبدأ بسيطٍ هو أنّ في الاتّحاد قوّة.

** يتناول مؤتمر "فكر16" كما تفضّلتم كيفيّة تجاوز الوضع الرّاهن وسُبل صناعة الاستقرار ببناء دولة القانون وتوفير العدالة الاجتماعيّة وتحقيق التنمية المُستدامَة وتطوير النظام التربويّ والتعليميّ..هل الظروف الحاليّة للدول العربيّة، وخصوصاً في أعقاب مرحلة الفوضى التي شهدتها العديد من دول المنطقة تسمح بهذا البناء وتحقيق أهدافه؟ وكيف يُمكن تجاوز ذلك؟

.. صحيح أنّ ظروف البلدان العربيّة صعبة للغاية وأنّها تعاني من مشكلات داخليّة عائدة إلى طبيعة تنظيم كلّ دولة، وظروف خارجيّة عائدة إلى الأطماع والتدخّلات الخارجيّة وإلى اصطفاف الدول العربيّة على السياسات الدوليّة المُتصارعة في العالَم وانخراطها في استراتيجيّات سياسيّة- اقتصاديّة متناقضة؛ وصحيح أنّ إشكاليّة جديدة أُضيفت إلى هذه المُشكلات نتيجة الأوضاع الداخليّة التي أصابت عددًا من الدول العربيّة بعد الأحداث المستمرّة لِما عُرِف بالربيع العربيّ، والتي اتَّخذت تطوّرات ومآلات غير متوقَّعة، إلّا أنّ ذلك يحتّم علينا أكثر من ذي قبل الإصرار على التعاون والتكامل واعتماد استراتيجيّة عربيّة تتضمَّن بَرامج عمل تُرصَد لها مَوارِد ماليّة وآليّات للمُتابعة والتقويم، على أن تراعي هذه الاستراتيجيّة التغيّرات الحاصلة في العالَم، وما يقتضيه ذلك من عملٍ دؤوب للوصول إلى المستويات العالَميّة من المعرفة والاقتصاد المَعرفيّ، ناهيك بالمُحاولة المستمرّة والمُثابَرة لاكتساب المَعارِف الضروريّة، وخلْق البيئة المؤسّسية الكفيلة بانتقالنا إلى مصافّ الدول المتطوّرة والمتقدّمة اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا. بمعنى أنّ السياسات والاستراتيجيّات العربيّة للتكامل والنهوض العربيّين يجب أن تكون واقعيّة ومرتبطة بالتحدّيات الحاليّة؛ إذ أنّ تجاوزها لن يتمّ إلّا بوضع اللّبنات الأساسيّة الضروريّة لتشييد المستقبل برؤية جديدة وبفكرٍ جديد.

 

** تفضّلتم أنّ المحور الثالث من مَحاور المؤتمر.. جاء تحت عنوان "صناعة الاستقرار: كيف تُسهم القطاعات المؤثّرة في تحقيق هذه الرؤية، وهي قطاعات الإعلام/ والميديا الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي، والتربية والتعليم والثقافة".. ومع ذلك هناك شبه إجماع على أنّ هذه القطاعات لا تقوم بدَورها المطلوب، بل يرى البعض أنّها وسيلة للفوضى والتباعد.. كيف تنظرون إلى واقع هذه القطاعات، وما هي أفضل الحلول الناجعة لتحويلها إلى قطاعات إيجابيّة؟

.. لنينفصل جوابي عن سؤالكم هذا عن جوابي السابق. بمعنى أنّ القصور والضعف والعجز يُطاوِل مختلف القطاعات التي ذكرتم، أي الإعلام/ والميديا الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعيّ، والتربية والتعليم والثقافة... لكنْ في المقابل، ثمّة نقاط مضيئة كثيرة يُمكن، بفضل التّوافق والتكامل العربيَّين المَبنيَّيْن على استراتيجيّة واقعيّة، أن يتمّ استثمارها بما يُسهم في تجاوز الاختلالات كافّة. المشكلة برأيي أنّه آن الأوان للعمل وعدم الاكتفاء بتوصيف المشكلات. وهذا ما تسعى مؤسّسة الفكر من أجله منذ انطلاقها، أي العمل الجادّ. وفي هذا السياق، أذكّر بأنّ رئيس المؤسّسة الأمير خالد الفيصل كان أوّل مَن أطلق في إطار مؤتمر "حركة التأليف والنشر كِتاب يصدر.. أمّة تتقدّم" الذي نظّمته مؤسّسة الفكر العربيّ في بيروت بتاريخ 2 تشرين الثاني (أكتوبر) 2009م، إلى عقد قمّة ثقافيّة عربيّة، بغية " وضع قضايا الفكر والثقافة في مكانهما الصحيح من الاهتمام والرعاية على أعلى مستوى، وتفعيل التضامن الثقافيّ العربيّ، وترسيخ مبدأ المسؤوليّة الاجتماعيّة لرأس المال، ولاسيّما أنّ التضامن الثقافيّ العربيّ ضرورة قَومية لتوظيف القواسم المُشترَكة للأمّة لكي تُصبح أساسًا لمشروعٍ نهضويّ عربيّ مستحقّ". وما هذه الدعوة إلّا تجسيدٌ لاقتناع المؤسّسة ورئيسها بأنّ القرارات الكبرى على مستوى الوطن العربيّ بحاجة إلى دعم القيادات السياسيّة العربيّة وإسنادها بأعلى مستوياتها لكي تأخذ مداها الحقيقيّ وتحقِّق الأهداف المتوخاة وراءها، وبأنّ مُواجَهة الأزمات المختلفة يجب أن تتمّ بالسرعة اللّازمة وبالآليّات والاستراتيجيّات الكفيلة بالتصدّي لها.

 


** المحور الأخير يتناول أنشطة البحث العِلميّ والتطوير التكنولوجيّ والابتكار في الدول العربيّة، لتحقيق التنمية الشاملة.. وهذا هو التحدّي الأكبر أمام الدول العربيّة، وخصوصًا في الظروف الحاليّة.. كيف ترون تحقيق الأمر؟ وهل ثمّة رغبة عربيّة بتحقيق ذلك؟ وما هي التحدّيات والمعوّقات من وجة نظركم؟

يجمع كثيرون، وأنا منهم، على أنّ أنشطة البحث العِلميّ والتطوير التكنولوجيّ والابتكار في الدول العربيّة غير معزولة عن أوضاع التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وبالتالي فإنّ غلبة الأنظمة الريعيّة تُعَدّ سببًا رئيسًا من أسباب بطء التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة العربيّة وما يُفترض أن يُرافقها من تقدّمٍ نحو اكتساب المَعارف العِلميّة والتكنولوجيّة واستثمارها وتحفيز الابتكار. لذا تناول "التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافيّة" هذا الموضوع بالذّات، فدعا إلى ضرورة أن تُسهِم الجهود الجادّة في التحوّل نحو تنمية قطاعات إنتاجيّة وخَدميّة، وتبنّي مُدخلات عِلميّة وتكنولوجيّة مُستحدثة. كما أوصى بضرورة وضْع سياسات تؤسِّس لإصلاحات مؤسّسية وتشريعيّة وتنظيميّة شامِلة تتيح المزيد من الانفتاح والديناميّة، وتؤدّي إلى تحسين المَوارِد المخصَّصة للأبحاث العِلميّة وأنشطة التطوير التكنولوجيّ وآليّات توزيعها، وتوسِّع نطاق المُدخلات المُبتكَرة التي تستهدف التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة الشاملة والمستدامة، وتسعى للارتقاء بالقدرات التنافسيّة في المجالات التي تتميّز بأولويّتها التنمويّة.

في هذا الصدد أقول إنّ الرغبة العربيّة لتحقيق ذلك عبَّرت عن نفسها عبر أمور ومظاهر عدّة، من بينها قيام بلدان عربيّة عدّة بصياغة سياسات لتطوير إمكاناتها في مضمار العلوم والتكنولوجيا والابتكار، و"الاستراتيجيّة العربية للبحث العِلميّ والتكنولوجيّ والابتكار" التي تبنّاها القادة العرب، على اعتبار أنّها تضع "خارطة طريق" طموحة للارتقاء بالبحث والابتكار لتحقيق أهداف التنمية المُستدامَة في الوطن العربي حتّى العام 2030م. أمّا عن التحدّيات، فإنّني أرى أنّ تحوّل الرغبة بالارتقاء بالبحث العِلميّ والتطوير والابتكار، والوعي بضرورات جعْل المعرفة مصدرًا للثروة، إلى إرادة سياسيّة مُعلنة وقابِلة للتنفيذ هو التحدّي الأبرز.

** يصدر عن مؤتمرات مؤسّسة الفكر العربيّ "التقرير العربي للتنمية الثقافيّة" وهو عبارة عن مرجع نادر لتشخيص الواقع العربيّ وتقديم رؤى غاية في الأهمّية وتوصيات مفيدة جدًّا.. هل يتمّ الاستفادة من هذا الجهد، سواء على مستوى جامعة الدول العربيّة أم المؤسّسات التي تتبعها، وهل تتمّ متابعة نتائج هذه المؤتمرات وتوصياتها وتقارير التنمية الثقافيّة؟

.. نحن كمؤسّسة نحرص على توجيه نداءٍ إلى جميع المعنيّين بكلّ موضوع من موضوعات تقاريرنا، والتي هي في الأغلب الأعمّ موضوعات إشكاليّة، لدعوتهم إلى التأمّل في التحدّيات التي يطرحها هذا الموضوع أو ذاك. أمّا الغاية من وراء طرح موضوعات حيويّة، فتتجاوز مسألة الإثارة لتصبّ في خدمة المجتمع ككلّ بأطيافه وقواه المختلفة، عبر استثمار أقصى الطاقات الأكاديميّة والفكريّة والثقافيّة بموضوعيّة عِلميّة. وبالتالي، ترتسم غايتنا في الحثّ على الاضطلاع بمسؤوليّة مُواجَهة التحدّيات وفق رؤية واعية ومستقبليّة، مبنيّة على معطيات رقميّة وإحصائيّة تشكّل ثوابت متينة للانطلاق نحو الحلول. ولأنّ مؤسّستنا ليست حكوميّة، ولا تمثّل الحكومات، بل هي منظّمة دوليّة مستقلّة تشكِّل جزءًا من المجتمع الأهليّ العربيّ، فإنّنا نحرص، من خلال النهج العِلميّ الذي يطبع أنشطتنا كافّة، على أن نقدّم التوصيات بناءً على خلفيّة عِلميّة، تقف على الحياد من السياسة؛ بحيث توفِّر هذه التوصيات على صنّاع القرار والمَعنيّين العرب، إذا ما أخذوا بها، الوقت والجهد والمال، من أجل المضيّ في رسْم الاستراتيجيّات والخِطط الموصلة إلى حلول عمليّة.

ولا أجانب الصواب إذا ما قلت أنّ متابعة نتائج مؤتمراتنا وتقارير التنمية الثقافيّة وتوصياتهما تتمّ من أعلى المستويات كما من القاعدة، ومن جامعة الدول العربيّة ومؤسّساتها أيضًا.

مقالات لنفس الكاتب