; logged out
الرئيسية / الأزمة السياسية في البحرين وتداعياتها

الأزمة السياسية في البحرين وتداعياتها

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

شهدت البحرين منذ 14 فبراير 2011 موجة من المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية، التي سرعان ما تطورت إلى اعتصام في اليوم الثالث لها في دوار اللؤلؤة، ثم تطورت في 4 مارس إلى احتكاكات بين أبناء الطائفتين الشيعية والسنية.

ويلاحظ استفادة هذه الموجة من الاحتجاجات من تكتيكات المظاهرات التي استخدمت في الحالتين التونسية والمصرية، بدءاً بإطلاق الدعوة على الفيسبوك، ووضع خطة لتسيير المسيرات من 25 منطقة شيعية أو ذات أغلبية شيعية باتجاه ميدان اللؤلؤة، باعتبار أن النجاح في السيطرة عليه والاعتصام فيه لمدة غير محددة، إلى حين الاستجابة للمطالب، من شأنه أن يشل حركة البلاد، ويجبر الأسرة المالكة على الاستجابة للمطالب.

كما عمل المحتجون على نقل خبرة (ميدان التحرير) من حيث تشكيل لجان لتفتيش السيارات المتجهة إلى اللؤلؤة، وأخرى تضمن نشر الإعاشة داخله، وتطوير قوائم (العار)، في إشارة إلى من يؤيدون النظام الحالي، مع اتجاههم لتوسيع مكان الاعتصام، حيث حاول بعضهم منذ الأول من مارس 2011 نصب خيام أمام مرفأ البحرين المالي، إلا أنهم تراجعوا بعد تدخل أحد رجال الدين الشيعة.

إلى جانب ذلك، عبر اختيار ذكرى ميثاق العمل الوطني كيوم لبدء الاحتجاجات عن وجود احتجاج على فكرة الميثاق وما تلته من إصلاحات. كما نزع المحتجون إلى استخدام المسيرات كوسيلة للضغط على الحكومة والملك للاستجابة لمطالبهم، حيث ينظم المحتجون بمتوسط ثلاث مسيرات يومياً تتحرك باتجاه مناطق حيوية، مثل باب البحرين، ومبنى وزارة الداخلية، ومبنى وزارة العدل، ومبنى البرلمان، ومبنى الحكومة، وذلك إلى جانب استمرار الاعتصام في الميدان.

وقد اعتبر بعض المتابعين هذه الاحتجاجات بمثابة (انتفاضة) على حافة ثورة، في حين فضلت الحكومة البحرينية التعامل معها على أنها أزمة سياسية، بينما صورها تجمع الوحدة الوطنية على أنها (اعتداء على أمن شعب بأكمله). يبدو أن الحالة في البحرين مختلفة عن حالات الدول العربية الأخرى، سواء من حيث نوع المطالب أو طبيعة المحتجين ومدي تمثيلهم لفئات المجتمع الأخرى، أو من حيث ديناميكية المجتمع في التعامل مع الاحتجاجات، أو من حيث نوع نموذج التغيير الذي يمكن أن تسفر عنه.

أولاً- أسباب الأزمة

لا يمكن فهم التطورات التي حدثت في البحرين منذ 14 فبراير 2011 دون فهم مجموعة من الحقائق حول طبيعة العلاقة بين المجتمع البحريني، بطائفتيه الشيعية والسنية، والنخبة الحاكمة.

ويمكن تحديد بعدين لهذه العلاقة:

البعد الأول هو السياسي، حيث تعاملت النخبة الحاكمة منذ بدء المشروع الإصلاحي في البحرين في يونيو 1999 على أنها هي من يبادر بالإصلاح ويديره، وتغافلت عن حقيقة وجود رؤية صاغتها القوى السياسية حول طبيعة هذا الإصلاح وشكله، والتي كانت نتاج سنوات من العمل السياسي. ولذا، على رغم أن ميثاق العمل الوطني حظي بنسبة موافقة بلغت 98.4 في المائة، فإن الإصلاحات التي تلته، بما في ذلك دستور 2002، لم تعكس ما جاء فيه من التزام بفكرة الملكية الدستورية. ولذا، ظلت القوي المعارضة التي تتألف في أغلبيتها من القوى الشيعية تطالب بعدد من المطالب، على رأسها تمكين الشيعة من التمتع بالحقوق الكاملة للمواطنة، حيث لا تزال الوزارات السيادية، مثل الدفاع والداخلية والخارجية، مغلقة أمام الشيعة، وفتح تحقيق في ملف التجنيس السياسي، وتغيير شخص رئيس الوزراء الذي يشغل هذا المنصب منذ استقلال البحرين.

ويتمثل البعد الثاني في الجانب الاقتصادي - الاجتماعي، حيث يلاحظ أن المشروع الإصلاحي للملك لم يقبل التعامل مع حقيقة وجود قطاع عريض من الأغلبية الشيعية، ذي أوضاع اقتصادية واجتماعية متدنية، مقارنة بأوضاع غالبية الأقلية السنية، حيث يتدنى مستوى الخدمات الأساسية في المناطق التي يقطنها الشيعة، وترتفع بينهم معدلات الفقر، كما أنهم الأقل استفادة من مشاريع الإسكان الحكومي، حيث يضطرون للانتظار سنوات من أجل الحصول على وحدة سكنية في إطار أي من تلك المشاريع. وقد أطلق جراهام فولر، نائب الرئيس السابق لمجلس الاستخبارات الوطني في السي آي إيه، على المناطق الشيعية اسم (جيتو الشيعة).

وبالتالي، لا تحصل الأغلبية الشيعية على عائد من الاقتصاد يتفق وحجمها في المجتمع، حيث تمثل نحو 70 في المائة من إجمالي المواطنين، وفق بعض التقديرات، دون أن ينفي ذلك حقيقة وجود أقلية شيعية غنية تتحكم في نسبة مهمة من اقتصاد البحرين، وترتبط بتحالفات قوية مع الأسرة المالكة.

إن هذا التمييز الممنهج من قبل الحكومة، والعوائل السنية والشيعية التي ترتبط معها بعلاقات خاصة، والذي يهدف لتحويل الأغلبية العددية للشيعة إلى أقلية سياسية، مثل وقوداً لتحريك قطاع عريض من الشيعة، باعتبارهم الأكثر تضرراً من الوضع الحالي مطالبين بالتغيير، وبالتالي لا تعبر هذه الموجة من الاحتجاجات عن كل فئات المجتمع البحريني.

ثانياً- خصائص الأزمة

تمر البحرين منذ 14 فبراير 2011 بأزمة سياسية جديدة، قد تكون قريبة من الأزمة التي مرت بها في منتصف التسعينات، من حيث كون الشيعة هم الطرف الرئيسي فيها، إلا أنها تختلف عنها من حيث حجم البدائل المتاحة أمام الحكومة في التعامل مع هذه الأزمة، واضطرارها نتيجة الضغوط الدولية للدخول في حوار مع المحتجين، وتقديم تنازلات سياسية. ويمكن رصد مجموعة من الخصائص حول هذه الأزمة، منها:

1- غلبة الطابع (الشيعي) على الاحتجاجات، حيث يلاحظ أن المجتمع البحريني لم يحتضن بأكمله مطالب التغيير التي دعا إليها (شباب ثورة 14 فبراير) كما يطلقون على أنفسهم، وذلك على عكس حالة مصر، على سبيل المثال. ففي حالة البحرين، يعتبر قطاع مهم من أبناء الطائفة الشيعية هم المحرك لموجة المظاهرات، وتأكد ذلك في الهتافات والرموز التي استخدموها منذ اليوم الأول للمظاهرات. 

عند البحث عند أسباب تصاعد الطائفية في الواقع البحريني، يركز البعض على العوامل السياسية، من خلال الربط بين صعود القوى الدينية التي تنتج شخصيات سلطوية أو دوغماتية، من جهة وبين التعصب والطائفية من جهة أخرى، كما يؤكدون أن الثقافة السياسية الدافعة للمجاراة وضعف الاستقلالية تخلق التربة الخصبة للمسألة الطائفية.

وعموماً فإن السبب الرئيس وراء بروز الطائفية في الواقع البحريني، يتمثل في استمرار أزمتي العدالة التوزيعية والهوية:

فمن جانب نجد أن الدولة الريعية منذ الاستقلال عام 1971م، كانت المتحكمة في الموارد وطرق توزيعها، وبسبب ما قيل عن تمييز طال الطائفة الشيعية فإنه قد عزز الهويات الطائفية على حساب الهوية الجامعة، كما عمق من نفوذ التيارات الإسلامية لدى الطائفتين، والتي ستقود مرحلة التحول الديمقراطي فيما بعد، وتتسم رؤاها ومواقفها بالدوغماتية حيث توظف التاريخ والعقيدة لتوليد الصور النمطية السلبية عن الآخر المذهبي، وتبرير رفض التعايش الاجتماعي بين الطائفتين.

فضلت الحكومة البحرينية التعامل مع الاحتجاجات على أنها أزمة سياسية وليست ثورة

كما ترسخت في النظام السياسي أنساق عمل طائفية عبر فترة طويلة من الزمن، وخلال السنوات العشر الأخيرة تقريباً سعى نظام الحكم، وفي إطار تطبيقه للمشروع الإصلاحي، إلى أمرين مختلفين لتعزيز شرعيته: الأول: تدعيم الهوية الوطنية من خلال تعزيز مفاهيم الديمقراطية والمواطنة، والثاني: الارتكاز على قوى الموالاة السنية التي تعتبر النظام القائم بمثابة رأسمال سياسي للطائفة السنية. وقد أدى كل ذلك إلى انعدام الثقة بين الطائفتين حيث ادعت إحداهما وجود محاباة للأخرى فيما قالت الثانية إن الأولى تقبل بالتمييز الديني والسياسي ضدها.

وقد حاولت حركة الاحتجاج الأخيرة إعادة تعريف نظام الحكم، وجرى طرح هذه المهمة في أجواء من انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم من جهة، وبين أهل الطائفتين من جهة أخرى، وازدادت أزمة الثقة في ظل ما قام به بعض الشباب المحتجين من المس بهيبة الدولة وإغلاق طرق رئيسية في محاولة لإرغام المواطنين على العودة إلى منازلهم والمشاركة في العصيان المدني، وكذلك إعلان بعض القوى غير المشروعة قانونا عن تأسيس (التحالف من أجل الجمهورية) والذي يهدف إلى تغيير نظام الحكم.

ومن جانب آخر تعاني البلاد من أزمة هوية، حيث إن تزايد نفوذ القوى الإسلامية السنية والشيعية خلق لدى كل طرف نموذجاً ملهماً مناقضاً تماماً للآخر، فالأول ذو خطاب (سلفي) يرتكز على موالاة نظام الحكم وتضليل التيارات المخالفة، حتى وإن كانت سنية، وتكفير أتباع المذهب الآخر، فيما يحلم الطرف الآخر أن يعيش في ظل نظام (ولاية الفقيه)، ولا يعترف بشرعية النظام السياسي القائم، ويتبنى لغة عنيفة ضد (الوهابيين التكفيريين).

الحالة في البحرين مختلفة عن حالات الدول العربية الأخرى من حيث نوع المطالب أو طبيعة المحتجين

وفيما كانت القوى الإسلامية تتوسع أفقياً يوماً بعد يوم، ولا تبد أي رغبة في تطوير خطابها لكي يتسق مع مرحلة الإصلاح والتحول الديمقراطي، كانت القوى الوطنية، الساعية تاريخياً لبناء هوية وطنية جامعة، تعاني من التراجع والحصار، ربما بسبب إدمانها لخطاب عنيف وعدائي ضد نظام الحكم أضعف من تواصلها مع القواعد الشعبية، وهو ما عمق من تلك الأزمة.

يضاف إلى ذلك قضية التجنيس حيث يعترف العقلاء من الجانبين، بأهمية تجنيس الكفاءات التي تحتاج إليها مرحلة التحول من (الدولة الريعية) إلى (دولة التنمية)، إلا أن أوساطاً تؤكد أنه تم تجنيس 100 ألف شخص من 24 بلداً خلال عشر سنوات ولم تكن غالبيتهم من الكفاءات.

وقد أدت هذه الظاهرة إلى تزايد الاحتكاكات بين الشيعة وبين المواطنين المجنسين، وهو ما استغله المتعصبون في الجانبين خلال الأزمة، حيث قام شباب شيعه باستهداف مناطق يسكنها مجنسون فيما تداعى شباب سنة لتشكيل لجان شعبية كانت مهمتها في الأساس حماية الأحياء السنية، ولكن بعضهم شارك في إقامة نقاط تفتيش على تخوم المناطق والاعتداء على المواطنين وممتلكات تابعة لهم.

وبروز الطائفية بهذا الشكل خلال الأزمة، حرم الجميع من ظهور التنظيمات الديمقراطية والوطنية المرتكزة على المواطنة وليس على الانتماء المذهبي، كما أن اللجوء للخيار الأمني وتغليب سيناريو (القمع) للأغلبية الشيعية، على حساب سيناريو استئناف الإصلاح الناجم عن عملية حوار وطني شامل، من المحتمل أن يعجل بظهور العنف الطائفي واتساع نطاقه وخصوصاً مع تزايد عمليات التفتيش والاعتقال واستهداف المتظاهرين مما قد يزيد الكلفة البشرية ويجعل البعض ينزلق إلى دوامة العنف والعنف المضاد، وذلك بموازاة بعض الآراء في الطائفة السنية التي تدعو إلى المواجهة بعد طول صمت على ما تسميه استهداف السنة مما قد يوسع تلك الدوامة المميتة.

لذا فإن أي إصلاح مقبل في البحرين لا يقتضي فقط إدراكاً من أطراف الأزمة بأهمية تعزيز المشروع الإصلاحي وتعزيز مساره، وإنما سيكون بحاجة أيضاً إلى وضع ملف الطائفية على طاولة الحوار، حيث يجب أن يرسل كل طرف إشارات طمأنة إلى الطرف الآخر، وأن تدرك الأقلية السنية أهمية المواطنة ورفض أي ممارسات تمييزية على أساس المذهب، أما الطائفة الشيعية فعليها أن تدرك بدورها أن الأغلبية المذهبية لا تعني بالضرورة أغلبية سياسية.

كما تتطلب المسألة الطائفية البحث عن سبل لتطبيق التسامح على أرض الواقع، و الذي يعني سياسة السماح بوجود كل الآراء الدينية وأشكال العبادة المناقضة أو المختلفة مع المعتقد السائد، وكذلك استعداد المرء لتحمل معتقدات وممارسات وعادات تختلف عما يعتقد به.

إن التعصب هو جوهر الطائفية أما التسامح فهو لب الإصلاح، ولم يولد هذا المفهوم ويكتمل تطوره دفعة واحدة، ولكنه كان يعبر عن ظاهرة اجتماعية مرت بمراحل نمو وتطور، وقد شهدت المجتمعات الديمقراطية تحولاً في الاهتمام بالمفهوم من مجرد اعتباره أداة أو وسيلة لحل مشكلة ما أو للتغلب على ظروف سياسية ودينية ما إلى شعار إصلاحي، بل وقيمة يأمل كل مجتمع أن تسود فيه.

مقالات لنفس الكاتب