array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 130

العلاقات الخليجية الجزائرية: التحديات والمحفزات على ضوء المتغيرات

الأحد، 13 أيار 2018

لم يكن تطور العلاقات الخليجية الجزائرية بمعزل عن تأثير المتغيرات الدولية والإقليمية التى شهدتها المنطقة العربية، رغم ما يجمعهما من علاقات تاريخية ممتدة ترتبط بالأصل الحضاري والثقافي، والدين، العربي، والإسلامي، والمصير المشترك والذي تجلى في الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري من دول النظام العربي ولا سيما دول الخليج العربية لكفاح الشعب الجزائري من أجل نيل استقلاله وحريته.

مرت العلاقات الخليجية ـ الجزائرية بمنعطفات كثيرة تخللتها حالات من الفتور في العلاقات خاصة فترة حكم الرئيس "بن بله" ثم حالات أخرى من العصور الذهبية فترة حكم الرئيس "بومدين" ارتقى فيها التنسيق بينهما لدرجة كبيرة خاصة ما تعلق بالقضية الفلسطينية، ثم حالات أخرى من التأرجح فترة حكم الرئيس "الشاذلي بن جديد" الذى لم يعط أهمية كبيرة للعلاقات العربية، ثم شهدت تناقض في المواقف فترة تسعينيات القرن الماضي والتي تجلت في الموقف الجزائري المؤيد لصدام حسين عام 1990م، ورفض التدخل الخارجي في حل الأزمة مع أنها لم تؤيد العراق في حربه ضد إيران، على عكس الموقف الخليجي، وإذا كان الأمر كذلك على المستوى السياسي فإن المستوى الاقتصادي ارتبط بمستوى التطور في العلاقات السياسية فلم تكن حجم الاستثمارات الخليجية بمستوى كبير ولم تخرج عن إطار المشروعات المشتركة، ولكن في الوقت نفسه يرتبط الطرفان بعلاقات ثقافية متقدمة من حيث كون السعودية تحتضن المقدسات الإسلامية وتمثل قبلة المسلمين في العالم، فكان هناك تنسيق في مجال توحيد الخطاب الديني ومحاربة الفكر المتشدد حيث عانى الطرفان ويلات التطرف الديني في هذه المرحلة.

المحددات الداخلية للعلاقات الخليجية ـ الجزائرية

لاشك أن المحددات الداخلية تعلب دورًا بارزًا في توجيه دفة السياسة الخارجية كما أن لها القدرة على تدعيم وزنها في المحيط الإقليمي والدولي، فدول الخليج العربي تتمتع بموقع جيواستراتيجي يمثل قلب العالم، ويتوسط قارات العالم الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا ويشرف على بحار ومحيطات وممرات بحرية ذات أهمية كبيرة في التجارة الدولية وبخاصة الطاقة وزاد من أهميتها الاقتصادية الاكتشافات البترولية التي أظهرت وجود احتياطات ضخمة من البترول والغاز الطبيعي في أراضيها حيث تمتلك السعودية وحدها25% من الاحتياطي العالمي من البترول وتمتلك حوالى 8588 مليار متر مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي، ويصل معدل الإنتاج اليومي لدول المجلس من النفط حوالى 17,878,8 مليون برميل يوميًا، وتمتلك دول مجلس التعاون 22% من إجمالي الاحتياطات العالمية من الغاز الطبيعي وتنتج نحو 11% من إجمالي الإنتاج العالمي حيث يقدر الإنتاج اليومي لدول مجلس التعاون من الغاز الطبيعي نحو 408,845 مليون متر مكعب سنويًا عام 2015م، ويبلغ الاحتياطي 41,785 مليار متر مكعب عام 2015م، كما أن عدد السكان وتركيبهم يعد من عناصر القوة الشاملة للدولة ويبلغ عدد سكان دول الخليج العربية حوالى 51 مليون نسمة وفقًا لتقديرات عام 2016م، تمثل السعودية النصيب الأكبر بتعداد سكاني يصل إلى ما يزيد عن 30 مليون نسمة بمساحة جغرافية تقدر بحوالي 2,225 مليونم2، يميل التركيب النوعي للسكان لصالح الذكور عن الإناث والشباب عن كبار السن حيث تصل نسبة ما هم في سن الجامعة إلى 39,1% من حجم السكان، وارتفع معدل القراءة والكتابة للبالغين من الجنسين الى 97,8% عام 2016م، كما ترتفع نسبة العمالة الوافدة حيث تصل في بعض دول الخليج مثل قطر والإمارات إلى 75% من السكان، وتصل في السعودية 11,6% وفقًا لمؤشرات البنك الدولي.

ونتيجة لأهمية منطقة الخليج العربي أضحت مجالاً للتفاعلات الإقليمية والدولية لتأمين موارد الطاقة والممرات البحرية وصراع القوى فارتبط أمن الخليج العربي بتفاعل هذه المتغيرات وتشابك مع قضايا المنطقة وجوارها الإقليمي، لذا حتم ذلك على دول الخليج تدعيم قدراتها العسكرية الذاتية في مجابهة التهديدات، فكان إنشاء مجلس التعاون عام 1981م، نتيجة الحرب العراقية–الإيرانية والثورة الإيرانية عام 1979م، وبناء قوة متمثلة في قوات درع الجزيرة وتوحيد المفاهيم العسكرية بالتدريبات المشتركة وتنويع مصادر التسليح والحصول على أحدث الأسلحة، وتدعيم علاقاتها مع دول الجوار فكان الاتجاه الاستراتيجي نحو مصر والسودان والأردن والمغرب وغيرها وتدعيم العلاقات مع باكستان كقوة إسلامية إقليمية، إضافة إلى القوى الدولية كأمريكا وبريطانيا وفرنسا، أما الجزائر والتي تتبع النظام شبه الرئاسي الذى نتج عن حرب ثورية دامت قرابة ثمان سنوات (1954-1962م) تعد من أكبر الدول العربية مساحة بحوالي 2,37 مليون كم2 وعدد سكان 40 مليون نسمة، وتمتلك جيش عسكري مسلح بأحدث الأسلحة الروسية والغربية، ويعتمد الاقتصاد الجزائري على النفط كأهم مورد اقتصادي حيث يمثل 60% من ميزانية الدولة حيث تنتج الجزائر 4,7% من الإنتاج العالمي من النفط وتحتل المركز السابع عالميًا في انتاج الغاز بحوالي 159,1 تريليون قدم مكعب سنويًا، وهى عضو (أوبك)، وهى لا تقتنع بفكرة الأمن الجماعي ولكنها ترتبط بدول لها دور وثقل في تحالفات دولية وإقليمية مثل فرنسا، و يعزى ذلك إلى الفترات التي عاشتها الجزائر بين رحى الإرهاب والقيد الدستوري الذى يمنع القوات المسلحة من المشاركة في عمليات خارج الحدود.

أثر المتغيرات الدولية والإقليمية على تطور العلاقات الخليجية ـ الجزائرية

كانت للمتغيرات التي شهدتها بيئة النظام الدولي أثر كبير على الأوضاع في المنطقة العربية بشكل خاص، حيث أن طبيعة النظام الدولي تعكس طبيعة العلاقات الدولية وتحدد قدرة الوحدات السياسية في رسم سياساتها الخارجية حيث تحول النظام الدولي من ثنائي القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي إلى القطبية الأحادية بهيمنة أمريكية، وهناك مؤشرات حاليًا على تحوله إلى عالم متعدد الأقطاب في ظل صعود قوى أخرى مثل (الصين وروسيا، والاتحاد الأوروبي) التي تجلى دورها في مناطحة السياسية الأمريكية في قضايا كثيرة في الشرق الأوسط ولا سيما الدور الروسي الجديد في المنطقة العربية الذى يسعى إلى استعادة التوازن مع أمريكا وتجلى في الأزمة السورية والتدخل العسكري لمساندة نظام بشار الأسد بالتعاون مع إيران، كما تشهد الساحة الدولية مناطحة بين الصين وأمريكا في المجال الاقتصادي والعسكري وسعي الصين إلى تمديد وجودها العسكري من خلال إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي (عام 2017م)، ورفض محاولات أمريكا استصدار قرار من مجلس الأمن بشأن سوريا، في حين شهدت الساحة الدولية ارتفاع النبرة المعادية للعرب والإسلام مع صعود اليمن المتطرف في أوروبا بعد أحداث 11 سبتمبر2001م، (الإسلاموفوبيا) وجاء ذلك مع تراجع دور وفاعلية المجتمع الدولي بمنظماته المختلفة في حل الكثير من القضايا الدولية.

وتركت هذه التفاعلات أثرًا كبيرًا على الإخلال بالتوازن العسكري في المنطقة العربية، من حيث الصراع على التسلح وحجمه ونوعيته، حيث تعد أمريكا وروسيا من أكبر مصدري السلاح في العالم و فرضت هذه الأوضاع على دول المنطقة ضرورة اقتناء الأسلحة المتطورة لمجابهة التهديدات المحتملة وهو الأمر الذي زاد من معدلات الإنفاق العسكري لدول المنطقة وبخاصة في السعودية التي وصل معدل الإنفاق العسكري فيها إلى 82 مليار دولار عام 2016م، تمثل 9,8% من الناتج المحلى الإجمالي، وفي الجزائر حوالي 10,4 مليار دولار عام 2015م، بنسبة 6,4% من الناتج المحلى الإجمالي، كما أن تواجد القوات الأجنبية نتيجة التدخل الروسي والأمريكي في المنطقة زاد من حجم الأعباء الأمنية على الدول في تأمين حدودها مع الدول التي تشهد اضطرابات، وزاد هذا التدخل من الصراع حول التسلح النووي في المنطقة والعالم بعد أن شرعت القوتين العظميين في تخفيض حجم ترسانتهما النووية بين عامي( 2002م 2010م)، إلا أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي أعلنها ترامب والتي ترتكز إلى أمريكا أولاً وترسخ لمفهوم القوة بزيادة ميزانية الدفاع الأمريكية إلى أكثر من 700 مليار دولار من أجل إعادة بناء الجيش الأمريكي، يعنى إطلاق سباق التسلح النووي التكتيكي في العالم، وهذه الأعباء تؤثر بالسلب على مسار التنمية في هذه الدول حيث تشير التقارير إلى أن العالم خسر حوالى 13,6 تريليون دولار في السنوات التي شهدت فيها منطقة الشرق الأوسط اضطرابات كان يمكن أن تذهب إلى التنمية والاستثمار، ومكافحة البطالة التي ارتفعت نسبتها، ما أدى إلى بطء نمو الاقتصاد العالمي فقد تراجعت إيرادات اليمن 88%، وليبيا84%، وسوريا54%، وأقدمت كل من مصر وتونس على طلب قروض من البنك الدولي.

شملت التغيرات التي طرأت على البيئة الدولية توسيع مفهوم تهديدات الأمن والسلم الدوليين، فأضحى هناك التدخل الإنساني، والتدخل لقمع الإرهاب، حيث أصبحت ظاهرة الإرهاب عالمية مع التطورات الأخيرة لظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش) ووجوده على الأرض بشكل كبير في كل من العراق وسوريا، وهو الأمر الذى ألحق أضرارًا بدول المنطقة، وكانت المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول التي دعت إلى مكافحة الفكر المتطرف ليس على مستوى القوى الصلبة فقط (التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب) بل على مستوى الفكر وأدوات المعالجة الحديثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتتماشى مع الاتجاه الحديث في وسائل نشر الفكر المتطرف لمحاولة تطويقه، وعانت المملكة والجزائر من الإرهاب والفكر المتطرف خاصة ما وقع للسفارات السعودية 19 رهينة أجنبي لمقايضاتهم بإرهابيين في سجون الجزائر عام 2013م، كما تعرضت سفارة الجزائر في ليبيا للحرق وتدمير كل وثائقها وهروب أفراد حركة "أزواد" من مالي إلى الجزائر، إضافة إلى انتشار الجريمة المنظمة عبر الحدود والتجارة غير المشروعة في المخدرات والبشر وغسيل الأموال.

وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، كان لانخفاض أسعار النفط من منتصف عام 2014م، وحتى عام 2016م، تبعات على اقتصاديات الدول المنتجة للنفط خاصة التي تعتمد عليه كمصدر اقتصادي هام ومنها دول الخليج، فمع تراجع سعر البرميل إلى (26) دولارًا عام 2015م، توقعت وكالة (ساندر واند بورز) أن ينخفض معه دخل دول مجلس التعاون من نحو (729) مليار دولار إلى نحو (350) مليار دولار. أما على المستوى الاجتماعي فقد وضعت الثورة الكبيرة في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات تحديات أمام المجتمعات العربية من حيث سرعة تداول المعلومات وعدم القدرة على التحكم بها كما أن منصات التواصل الاجتماعي البعيدة عن التحكم الأمني أصبحت تستخدمها الجماعات المتطرفة في التجنيد ونشر أفكارها المغلوطة عن الإسلام، رغم أنها وسيلة من وسائل المشاركة الشعبية إلا أنها فتحت المجال أيضًا للغزو الثقافي الذي قد لا يتوافق مع القيم العربية والإسلامية.

أثر المتغيرات الإقليمية

تأثرت التحركات الخليجية بالمتغيرات التي شهدتها الساحة الإقليمية وفى مقدمتها حالة عدم الاستقرار في بعض الدول العربية بعد أحداث عام 2011م، وهذه الحالة ارتبطت في كثير من قضاياها بالتفاعلات الدولية خاصة في الأزمات ذات الأبعاد الدولية مثل الأزمة السورية، والليبية، واليمنية، والحالة العراقية، واللبنانية وغيرها، وزادت هذه الحالة من الأعباء الأمنية الملقاة على عاتق الجيوش والقوى العربية وزكت نزاعات طائفية وعرقية ترسخت مع استراتيجية الشرق الأوسط الجديد، ونتج عن هذه الحالة تراجع الدور العربي وبروز دور قوى إقليمية مثل إيران، وتركيا، وإسرائيل وسعيها للهيمنة على المنطقة العربية ومثلت حالات التناقض العربي إزاء هذه الأحداث محط استغلال إيران للهيمنة على المنطقة ونشر المبدأ الشيعي الإثني عشري الذى قامت عليه ثورتها عام 1979م، حيث استغلت إيران علاقاتها بالجزائر في دعوة الجزائريين لزيارة الأماكن المقدسة في العراق، كما ساهمت بدور في الاضطرابات التي شهدتها البحرين، والتواجد العسكري المباشر في سوريا لدعم نظام بشار والدعم المادي والعسكري لجماعة الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان.

إن الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الدولية(5+1) عام 2015م، الذى سمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة5% فتح الباب على مصراعيه في منطقة الشرق الأوسط لسباق تسلح تقليدي وغير تقليدي وسمح لإيران بالاستفادة من مئات المليارات التي أفرج عنها بموجب رفع العقوبات لاستغلالها في تطوير برامجها الصاروخية شكل تهديدًا مباشرًا لأمن الخليج، وبطبيعة الحال فإن الجزائر كدولة محورية تتأثر إيجابًا وسلبًا بالأحداث في دول الجوار حيث أن البيئة المجاورة للجزائر متوترة ولا يوجد في الأفق القريب مؤشرًا لاستقرارها فقد شهدت الجزائر أيضًا مظاهرات في عام 2001م، عرفت بحركة "الزيت والسكر" تزامنت مع الاحتجاجات في تونس لكن الحكومة رفعت شعار الموارد المتاحة وفتحت مجالات الإقراض طويل الأجل للشباب لمواجهة مشكلة البطالة والتشاور حول إجراء تعديل دستوري لتحديد فترات الرئاسة بفترتين رئاسيتين فقط وتوسيع هامش الحريات والمشاركة السياسية للمرأة وتأسيس الأحزاب السياسية وهو ما حتم عليها ضرورة وضع استراتيجية لمواجهة التهديدات المحتملة سواء من الإرهاب أو الجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة وغيرها وصولاً إلى خطر انتشار الأوبئة القادمة من إفريقيا عبر الهجرة غير الشرعية وصولاً لأوروبا مثل (الإيدز-الإيبولا) ورغم أن سياستها الخارجية التزمت الصمت تجاه الأزمة الليبية إلا أنها قامت بنشر حوالى 75 ألف جندي على الحدود مع ليبيا لمنع تهريب الأسلحة أو المقاتلين وتجنبت عدم إدانة نظام بشار الأسد ورفضت التدخل العسكري في سوريا وتفضل دعم الأنظمة وليس المقاتلين أو الثوار وهى تعد من النقاط الخلافية مع دول الخليج العربية.

معوقات التقارب بين الدولتين

نتيجة الوضع المرتبك إقليميًا وحالات عدم الاستقرار في بعض الدول العربية حدث نوع من الاختلاف في وجهات النظر بين بعض الدول العربية حول معالجة هذه القضايا، فالأزمة السورية أخذت أبعادًا دولية وإقليمية بشكل كبير في ظل التدخل الروسي والأمريكي والأوروبي مع ضلوع قوى إقليمية في القضية ومنها إيران وتركيا، والدور العربي هو بطبيعة الحال وكون القضية عربية كان لابد من اتخاذ موقف يحافظ في نفس الوقت على وحدة التراب السوري والشعب السوري، وما حدث من خلاف في وجهات النظر بين الدول العربية تمحور حول شرعية وجود النظام السوري وبقائه، والأمر الثاني أدوات الحل التي تراوحت بين التدخل العسكري أو القنوات السياسية. الجزائر احتفظت بعلاقاتها مع النظام السوري والتزمت عدم التدخل في الأزمة لصالح أي طرف ولكنها تميل إلى بقاء النظام في الوقت الذي أصبح فيه النظام السوري محل شك وغير مرحب به من بعض الدول العربية نظرًا لارتباطه بإيران وأذرعها في المنطقة مثل حزب الله على حساب المصالح العربية، كما أن النظام السوري يسعى للبقاء على حساب تشريد الشعب وتدمير مقدرات الدولة.

والأزمة العربية الثانية، التي كانت محل خلاف في وجهات النظر بين السعودية والجزائر، هي الأزمة اليمنية والتدخل العسكري للتحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن والقضاء على التمرد الحوثي المدعوم إيرانيا وتحفظت الجزائر على التدخل لحل الأزمة، وبطبيعة الحال فإن الموقف الجزائري من الأزمة السورية واليمنية على وجه التحديد كان محط تلقف من إيران للتقارب من دولة بثقل الجزائر ومحاولة إخراجها عن الصف العربي وإعادة تدويرها ضمن استراتيجية التطويق الإيراني للنظام العربي.

وتعد قضية الصحراء من المحددات الهامة في تطور العلاقة بين المغرب والجزائر وبين الجزائر والدول العربية حيث دائما ما تكون هذه القضية محل استغلال من وسائل الإعلام لاستخدامها كورقة في توجيه دفة العلاقات بين الأطراف العربية لمسارات مختلفة، فيتردد في وسائل الإعلام اعتراف بعض دول الخليج بكون الصحراء مغربية وأنها تدعم المغرب ماديًا ومعنويًا في سبيل الاستثمار فيها فينعكس بالسلب على العلاقات الجزائرية ـ الخليجية.

وبحكم العلاقات التي تربط الجزائر بإيران فإن الجزائر أيضًا ترفض تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية يضاف إلى ذلك ما يتعلق بالقلق الجزائري حول انخفاض أسعار النفط والذي يمثل لها مصدرًا اقتصاديًا هامًا والحاجة إلى خفض معدلات الإنتاج من أجل عودة الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى.

محفزات التقارب

رغم الخلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا إلا أن الجانبين بحاجة كبيرة إلى بعضهما البعض خاصة السعودية والجزائر في إطار العلاقة التي تجمعهما كدول عربية وإسلامية وثقافة واحدة وتاريخ واحد حيث تحتفظ الجزائر بعلاقات ودية مع باقي دول مجلس التعاون فإن توطيد العلاقة مع السعودية أكبر دول المجلس وأكثرها تأثيرًا يعد ضرورة لا غنى عنها في المرحلة الحالية وبخاصة في الملفات المشتركة التي تتمثل في:

1-القضية الفلسطينية تمثل القضية الفلسطينية منذ ميلادها قبل عام 1948م، محور الالتقاء العربي وتوحيد التحركات على المستوى الدولي سواء لدى القوى الدولية أو في هيآت ومنظمات الأمم المتحدة ورغم الانشغال العربي بالأزمات الجديدة في الآونة الأخيرة، إلا أن الدول العربية لم تنس دورها الداعم للقضية الفلسطينية وتمثل هذه القضية أهم نقاط التوافق والالتقاء العربي وبخاصة بين الدول الخليجية والجزائر ويمكن أن تشكل مجالاً لتطوير العلاقات السياسية بين الطرفين.

2-النفط والاستثمار: تعتمد الجزائر في ميزانياتها على عائدات النفط، ويؤدي تراجع أسعاره إلى أزمة اقتصادية حيث تشكل عائدات النفط حوالى 65% من ميزانية الدولة ومن هنا فإن رغبة الجزائر في خفض الإنتاج من أجل عودة أسعاره للارتفاع لن يتم إلا بموافقة دول الخليج العربية وفى مقدمتها السعودية التي تعد أكبر المنتجين للنفط والتي تمتلك احتياطي ضخم منه مقارنة بالجزائر كما أن الجزائر بحاجة ماسة إلى الاستثمارات الخليجية حتى يتم تنويع الاقتصاد الجزائري والخروج من ضائقتها المالية حيث بلغت حجم المنح والقروض المقدمة من الصندوق السعودي للتنمية في قطاعات الري والإسكان والكهرباء في الجزائر ما يقدر بحوالي 491,09 مليون دولار وقطاع الاستثمار السعودي في الجزائر يحتاج إلى نقلة كبيرة وبخاصة أن الدولتين لهما توجه نحو تنويع مصادر الاقتصاد بعيدًا عن البترول والجزائر لديها مصدر طبيعي مثل المعادن يحتاج إلى تعبئة الاستثمار فيه بشكل كبير وقد يمثل مجالاً واعدًا للتعاون بين الدولتين كما تقدر حجم الاستثمارات الإماراتية بحوالي 10 مليار دولار تتركز في قطاعات الصناعة والسياحة والعقارات والطاقة المتجددة وترتبط الإمارات بالجزائر بحوالي 40 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات كثيرة وبالرغم من الإجراءات والتشريعات التي تتخذها سلطات الجزائر لخلق مناخ جاذب للاستثمار تتضمن إزالة المعوقات البيروقراطية ومنح امتيازات متعددة تتراوح بين الإعفاء الضريبي وتسهيلات تتعلق بتوفير العمالة ومصادر الطاقة بأسعار تنافسية وتعد الإقرارات الأخيرة لقانون الاستثمار تخلق بيئة جاذبة للاستثمار وبخاصة الخليجي.

2 قضية الصحراء الغربية:

تسعى الجزائر إلى الحول دون الاعتراف الخليجي بمغربية الصحراء والاكتفاء بموقف محايد وعدم مساعدة المغرب من خلال الاستثمار في هذه المنطقة حيث تكتسب قضية الصحراء أهمية بالغة في السياسة الخارجية الجزائرية.

3-القضية الليبية:

تشكل الأوضاع في ليبيا تهديدًا خطيرًا على الأمن الوطني الجزائري نظرًا لطول مساحة الحدود بين ليبيا والجزائر التي تقدر بحوالي 1000كم2 وانتشار الأسلحة والفوضى قد يتم نقلها للجزائر. وهنا السعودية تستطيع لعب دور يتماشى مع الرؤية الجزائرية خاصة أن ليبيا لا تشكل أهمية كبيرة للسعودية.

ويمكن للجزائر أن تلعب دورًا هامًا في القضايا الآتية:

1- القضية اليمنية: تعد الجزائر من الدول التي تتمتع بثقة جميع الأطراف لسياستها المتوازنة مع كل أطراف النزاع في اليمن وتلتزم دائمًا سياسة عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول والحياد خاصة في النزاعات العربية، وتتمتع الدبلوماسية الجزائرية أيضًا بخبرة كبيرة في الوساطة كدورها في حل أزمة الحدود بين العراق وإيران، وأزمة الرهائن الأمريكيين في طهران والمشاركة في إتمام اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا ويمكنها أن تلعب دورًا هامًا في حلحلة الأزمة في حال جنحت الأطراف إلى الحل السلمي بصورة لا تضر بمكانة المملكة ومصالحها الإقليمية ويمكنها من خلال علاقاتها التي تربطها بإيران أن تخفف حدة التوتر بينها وبين دول مجلس التعاون والدول العربية خاصة بعد الاتفاق النووي الأخير الذي ترافق معه شدة التوتر بين الأطراف الإقليمية والصراع حول الأدوار الإقليمية.

2- الأمن ومكافحة الإرهاب: في ظل التحديات الأمنية التي تعصف بالمنطقة العربية والخليج العربي بصفة خاصة من حيث انتشار الحروب اللامتماثلة والإرهاب والتواجد العسكري الأجنبي المكثف في المنطقة وانتشار الأسلحة وغيرها من التهديدات التي تستهدف بالأساس تقويض دعائم الأمن القومي العربي في المنطقة ولا سيما أمن دول الخليج العربية، وهذه التهديدات تحتاج إلى ترتيبات أمنية عربية تعتمد خصوصًا على تدعيم القدرات العسكرية الذاتية وتحديثها والجزائر تمتلك جيشًا عسكريًا قويًا وله خبرات قتالية عالية وبخاصة فيما يتعلق بتأمين الحدود ومكافحة الإرهاب العابر للدول والمعلومات الأمنية وبالتالي فإن تدعيم العلاقات الخليجية الجزائرية للوصول بها إلى الاتفاق الاستراتيجي حول التهديدات المحتملة ومواجهتها إنما يمثل إضافة كبيرة للقوة العربية في مجابهة هذه التهديدات ويسد الثغرة التي تنتهزها الدول الإقليمية ولا سيما إيران في تمديد نفوذها عبر تفتيت وحدة الهدف والقرار العربي.

3-الدول العربية ودول الخليج العربي بصفة خاصة بحاجة كبيرة إلى توحيد إمكانيات وقدرات الأمة العربية في كافة المحاور الاستراتيجية فتم العمل على تدعيم قدرات واستقرار دول العمق الاستراتيجي في مصر والسودان من أجل استقرار أمن البحر الأحمر والممرات البحرية فيه (باب المندب) وتدعيم العلاقات في الاتجاه الاستراتيجي المغاربي والجزائر من أجل ضرب محاولات القوى الإقليمية تطويق النظام العربي وضرب مرتكزاته وتعد الجزائر ركيزة هامة في هذه المنطقة.

وبشكل عام يمكن القول رغم ما تتداوله وسائل الإعلام أحيانًا من وجود خلافات بين دول الخليج العربية والجزائر ، إلا أن دبلوماسية القمة والتي تتمثل في تبادل الزيارات بين مسؤولي الطرفين يثبت بشكل كبير مدى حاجة الطرفين لبعضهما في إطار الصف العربي من أجل توحيد القدرات العربية لمواجهة التهديدات الآنية التي باتت تشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل النظام العربي وهذا يحفز التفكير في تطوير آليات العمل العربي المشترك وبخاصة الجامعة العربية بإنشاء محكمة العدل العربية التي تبت في القضايا العربية ـ العربية وتكون قراراتها ملزمة بما يقضي على الخلافات البينية فدول الخليج العربي ومعها كل من مصر والأردن وغيرها أدركت مدى فداحة التهديدات المحتملة ومن ثم رأت أنه لا بديل عن توحيد القدرات العربية لمواجهتها وعلى الجزائر التي تلتزم سياسة الحياد أن تدرك أن التهديدات التي تعصف بالمنطقة العربية لا تقل عن حرب أكتوبر 1973م، التي شاركت فيها أشقاءها العرب ولابد من الاستفادة العربية من الإمكانيات والقدرات الجزائرية في هذا الشأن.

مجلة آراء حول الخليج