array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 130

أسعار النفط .. والخلفيات السياسية وهيمنة القوى الكبرى

الأحد، 13 أيار 2018

شهدت أسواق البترول العالمية تقلبات حادة خلال العامين الأخيرين، معظمها نشأ من خلفيات سياسية احتدم فيها صراع القوى الكبري لإحكام السيطرة على منابع الطاقة في العالم، وخاصة الدول التي تلعب أو ترغب في لعب أدور قيادية في منطقتها أو على المستوى العالمي، حيث تعتبر الطاقة بكافة صورها وأشكالها (بترول خام – غاز – مشتقات بترولية – كهرباء) هي المحور الأساسي للتنمية الاقتصادية والمجتمعية ومحاربة البطالة، وتشير التقارير الصادرة عن البنك الدولي إلى ارتباط وثيق بين أسعار النفط ومتوسط الناتج القومي ومعدلات البطالة، حيث تم تقسيم دول العالم إلى ثلاث فئات:

-         الفئة الأولي: وهي تلك البلاد التي تتنوع مصادر دخلها وإيراداتها وتهتم في المقام الأول بتعظيم القيمة المضافة من مواردها المتاحة سواء كانت طبيعية أو مادية أو بشرية وتلعب دورًا محوريًا على المستوى العالمي بامتلاكها للتكنولوجيا، وتهتم بتأمين احتياجاتها من الطاقة (دول العالم الأول).

-         الفئة الثانية: وهي البلاد التي تحاول النهوض من خلال استغلال ما لديها من طاقات محدودة (طبيعية أو بشرية) في توفير حياة كريمة لمواطنيها اعتمادًا على عناصر التقدم غير المتوفرة لديها ولكن تعمل على اجتذابها من خلال الإرساليات التعليمية لأبنائها بالخارج (تجربة الهند – أقوى سابع اقتصاد على مستوى العالم 2015م) أو استقدام أصحاب التكنولوجيا للاستثمار بحزمة من الحوافز والضمانات (تجربة الصين – ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم 2015م).

-         الفئة الثالثة: وهي البلاد التي تمتلك ثروات طبيعية وبشرية وتعتمد على موارد ريعية غير تكنولوجية (تصدير خام البترول أو الثروات المعدنية – السياحة – الممرات الملاحية) ولا تعمل على استقدام التكنولوجيا بقدر اهتمامها بالاستثمار، ومن ثم أصبحت مطمعًا أو صيدًا سهلا للفئتين السابقتين برغم من تخطي نصيب الفرد من الناتج القومي في بعض هذه البلاد لأقرانهم في الفئتين الأولى والثانية.     

 

 

مما تقدم يسهل الآن تحليل وتقييم مستويات الأسعار التي شهدها العالم في العامين الأخيرين، ومدى تأثيره على مناطق الصراع في العالم من خلال ثلاثة مشاهد محددة:

-         أزمة القرم ورد الغرب عليها بإضعاف الاقتصاد الروسي بخفض أسعار البترول، وهو يمثل من 40-50% من إجمالي الناتج القومي، وكيف انعكس ذلك على خفض قيمة الروبل ليصل سعر تحويل الدولار لأكثر من 80 روبل خلال الربع الأول من 2016م.

 

-         استسلام إيران للضغط الأمريكي وتوقيع اتفاقية الانتشار النووي وفقًا لضوابط ومعايير محددة مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بعد انخفاض عائدات النفط ومشتقاته، وهي تمثل أكثر من 80% من إجمالي الصادرات.

 

-         معاقبة الدول الخليجية المؤيدة لمصر بعد ثورة 30 يونيو والتي يمثل النفط أكثر من 80% من عائدات الدخل بها، بل وتأليب الحروب الطائفية من حولها كما نرى في سوريا واليمن والعراق وليبيا، مما كان له أثر سلبي على مجموعة الدول الخليجية بتأجيل بعض المشروعات التنموية بها وظهر أثره الإيجابي بتفهم المملكة العربية السعودية لأبعاد المخطط وإصرارها على استمرار الإنتاج بدون تخفيض ووضع سياسة جديدة للمملكة حتى 2030 لا تعتمد على النفط كأكبر مصدر للدخل.  

توصيف لموقف أسعار النفط حاليًا وانعكاسها على الاقتصاد العالمي:

عقب دخول العالم في الصراعات المشار إليها، بدأت الدول الكبرى في استخدام كل الأساليب غير العسكرية مثل الأدوات الاقتصادية (ميزان التبادل التجاري) والتكنولوجية (النفط الصخري)  لمواجهة مد أسعار الطاقة الذي وصل إلى ذروته في الربع الثالث لعام 2008 م، حيث بلغ سعر برميل النفط 140 دولار، وانهار بعدها مع تداعيات الأزمة الاقتصادية ليصل إلى ما دون 45 دولار في بداية 2009م، إلا أن أسعار النفط عاودت الارتفاع مرة أخرى لتتخطى حاجز 100 دولار بنهاية 2011م، وتستمر الأسعار في التذبذب حول هذا السعر حتى الربع الثاني من 2014م، ليبدأ بعدها مسلسل الانهيار التام وتتدنى أسعار النفط إلى ما دون 25 دولارفي الربع الأول من 2016م، وتعد تكلفة الإنتاج من أهم العوامل التي تحدد القاع الذي يمكن أن تصل إليه أسعار النفط في العالم، حيث لا يمكن للأسعار أن تبقى أقل من هذه التكلفة لفترات طويلة نظرًا للتبعات التي ستطرأ على هذه الصناعة وخروج العديد من منتجي النفط مرتفع الكلفة من الحلبة. تتأرجح تكلفة استخراج النفط في العالم (تكاليف استثمارية + تكلفة تشغيل) طبقًا لطبيعة ونوع النفط، علمًا بأن التكاليف تختلف من حقل لآخر، حيث أن تكاليف الحقول البرية الضخمة مثل حقل "الغوار" في السعودية أو حقل "برقان" في الكويت تقل بكثير في حين تكون تكلفة الإنتاج في الحقول البحرية بالمياه الضحلة أكثر، أما تكاليف الحقول في المياه العميقة كما هو الحال في خليج المكسيك والحقول في البرازيل وغرب إفريقيا ووسط البحر المتوسط فهي مرتفعة جدًا

تشير التقارير إلى أن الأسعار السابقة للنفط كانت أعلى من تكاليف الإنتاج التشغيلية ولكنها وصلت مرحلة حرجة عندما تتم المقارنة بالتكاليف الإجمالية شاملة التكاليف الرأسمالية وهو الأمر الذي أدى إلى قيام العديد من الشركات العالمية بتخفيض إنفاقها الرأسمالي بنسبة 25% خلال عامي 2015 و2016م، وذلك عبر تخفيض ميزانيات الحفر والتنقيب وإيقاف بعض المشاريع التي أصبحت غير مجدية وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض الإنتاج العالمي، ومن ثم التخلص من تخمة المعروض الحالية. يؤدي هذا بالطبع إلى استقرار الأسواق وارتفاع أسعار النفط تدريجيًا طبقًا لما رأيناه في الشهرين الأخيرين ليدور حول 55 دولارًا حاليًا، ومن المتوقع صعوده قبل نهاية العام إلى 60 دولارًا مع ثبات الأسعار عند هذا الحد الذي يعتبر سعرًا عادلاً لبرميل النفط. 

 

مقالات لنفس الكاتب