; logged out
الرئيسية / العلاقات الخليجية - الجزائرية: رؤية مستقبلية

العدد 133

العلاقات الخليجية - الجزائرية: رؤية مستقبلية

الأحد، 13 أيار 2018

عندما نتحدث عن العلاقات البينية العربية سواء الثنائية، أو الجماعية، فإننا نتحدث عن أهمية تقوية الروابط العربية ككل، فالتعاون الثنائي أو في إطار تكتلات يصب في النهاية في المصلحة العربية الجماعية.

ولقد دأبت مجلة (آراء حول الخليج) على فتح ملفات العلاقات الخليجية مع المحيط الخارجي سواء العربي، أو الإقليمي، أو الدولي من أجل اكتشاف فرص التعاون، ومواطن الالتقاء، واستشراف المكامن الإيجابية التي تخدم المصالح المشتركة وتنميتها والبناء عليها، وعدم التوقف عند نقاط الاختلاف وجعلها حاجزًا يصعب تجاوزه، فالعلاقات الدولية تقوم على قاعدة المصالح وتبادل المنافع بما يعزز مبادئ العيش، أما الاستثناء فهو النزاعات والصراعات، وعليه لابد للدول أن تؤمن بالحوار والتعاون في الجوانب الممكنة من جهة، وتقريب وجهات النظر حيال القضايا التي لا يوجد تطابق في الرؤى حيالها، حيث من الطبيعي أن تتفاوت وجهات النظر بين الدول تجاه القضايا الدولية والإقليمية خاصة في المرحلة الحالية التي تتشابك فيها المصالح والغايات.

والجزائر الشقيقة دولة عربية كبيرة ومهمة تربطها علاقات تاريخية مع دول مجلس التعاون، وكذلك بقية الدول العربية، وهذه العلاقات متنامية على أكثر من مستوى سواء الاقتصادي، أو السياسي، أو الأمني، أو غير ذلك، وكانت قد بلغت ذروتها في مرحلة استقلال الجزائر في خمسينيات القرن العشرين، تلك المرحلة التي بذلت فيها الجزائر الغالي والنفيس وفي مقدمة ذلك " الإنسان " فقدمت مليون ونصف المليون شهيد من أبناء الجزائر والذين كانت دماؤهم الزكية الشرارة التي أشعلت الحماس الوطني والعربي والتأييد الدولي وحققت الاستقلال، ولقد وقف العرب جميعًا إلى جانب الجزائر في هذه الملحمة التاريخية.

كما أن الجزائر استطاعت أن تتجاوز أزمة (العشرية السوداء) في التسعينيات الماضية، وواجهت الإرهاب بصلابة وانتصرت عليه، وحققت تجربة مهمة في مقاومة الإرهاب والتطرف، وكانت كافة الدول العربية داعمة للجزائر في مواجهة الإرهاب، وهذا ما فعلته السعودية أيضًا في مواجهة الإرهاب والتطرف ما جعل لدى الدولتين تجربتين متماثلتين ورائدتين على مستوى العالم.

وإذا كنا قد تحدثنا عن العلاقات التاريخية، فإن المستقبل يحمل بين طياته الكثير من فرص التعاون بين الجزائر ودول مجلس التعاون، وتوجد أسس ومنطلقات لهذا التعاون، فالجزائر دولة منتجة للنفط والغاز وعضو في منظمة (أوبك) مع الدول الخليجية وبقية أعضاء المنظمة ويظل التعاون مهمًا لاستقرار أسعار النفط، كما أن الجزائر دولة عربية لها ثقلها الاستراتيجي ومهمة بمساحتها الشاسعة وشعبها وثرواتها الطبيعية المتنوعة، وقوتها العسكرية الكبيرة، إضافة إلى ثقلها في إفريقيا وعلاقاتها التاريخية مع دول القارة السمراء جنوب الصحراء، وقربها من الأسواق الأوروبية، ويمكن التوسع في عضوية اتفاقية أغادير بضم أعضاء جدد من المنطقة العربية بينهم الجزائر إلى هذه الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ عام2007م، والتي تضم في عضويتها مصر، الأردن، المغرب، تونس، فلسطين، ولبنان وتهدف إلى الإعفاءات الجمركية والتبادل التجاري وجذب الاستثمارات الأجنبية بين هذه الدول، ودول الاتحاد الأوروبي.

في المقابل الدول الخليجية تسعى للاستثمار في الجزائر وفي كل الدول العربية الشقيقة في شمال إفريقيا، وبالفعل توجد استثمارات خليجية مهمة هناك، بل تضاعفت في السنوات الأخيرة، حيث الرغبة متبادلة فتحتاج الجزائر للاستثمارات الخليجية وقامت بتعديل التشريعات لمنح فرص استثمارية أفضل تتضمن حماية وضمانات قانونية ، وتحاول تحسين البيئة الاستثمارية في ظل التحول إلى اقتصاديات السوق الحرة بما يساعدها على تجاوز الأزمات الاقتصادية. فيما ترغب دول الخليج في تنويع استثماراتها الخارجية وتوسيع قاعدة اقتصاداتها، كما أن تداعيات ما يسمى بثورات الربيع العربي تستوجب تكثيف التعاون بين جناحي الوطن العربي في إفريقيا وآسيا خاصة على ضوء الفراغ الأمني والسياسي الموجود في بعض دول الربيع العربي ومنها ليبيا وخطورة ذلك على الجزائر والمنطقة العربية برمتها.

وعليه يجب أن تتضافر الجهود الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وتتقارب وجهات النظر السياسية مع ترك هامش لتباين الرؤى دون أن يؤثر على صلب طبيعة العلاقات الأخوية ، أي ليس بالضرورة تتطابق السياسات حيال كافة القضايا المشتركة التي تهم جميع دول المنطقة، لكن يجب وجود الحد الأدنى من التوافق على القضايا الرئيسية التي تمس الأمن العربي الجماعي، خاصة أن المنطقة العربية مستهدفة بكاملها وليس دولة محددة أو إقليم دون آخر، ولا توجد دولة بمنأى عن الإرهاب أو تصدير الفتن إليها، فالمنطقة تتعرض لحالة مزدوجة من التطويق والاختراق معًا، ولعل ما تفعله إيران في دول شمال إفريقيا دون استثناء، بل في دول إفريقيا جنوب الصحراء، يدعو للقلق على الأمن القومي العربي والإقليمي فقد تعرضت دول المغرب العربي كافة لمؤامرات إيرانية، ناهيك عن الصراع الدولي على التواجد المسلح في إفريقيا، والصراع على اليورانيوم في القارة السمراء، وأيضًا دفن النفايات النووية في هذه القارة الفقيرة القريبة والمشتركة للدول العربية، إضافة إلى التنافس على الأسواق الإفريقية من قوى إقليمية ودولية متعددة.

ومن أجل المكاشفة والصراحة، نرى أنه تظل نقاط خلافية بين الجزائر ودول مجلس التعاون الخليجي حيال ملفات في المنطقة منها: قضية البوليساريو والصحراء ، سوريا، اليمن، وإيران وغير ذلك، والجزائر تتمسك ببنود دستورها في التعامل مع هذه القضايا، والدول العربية والخليجية تتفهم دوافع ومنطلقات الجزائر، لكن يظل من الضروري إيجاد رؤية جماعية مشتركة في حدها الأدنى لتحديد المخاطر والتهديدات التي تواجه الأمة العربية، ومن ثم الاتفاق على أولويات المواجهة وتحديد أدواتها في إطار عمل جماعي مشترك تحتضنه جامعة الدول العربية بهدف تحصين المنطقة وقطع الطرق أمام القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى النفاذ للمنطقة العربية وفرض أجنداتها على مصالح دولها وشعوبها، كما أن هذه الرؤية لا تتضمن الاعتداء على أحد ولا تريد جر المنطقة إلى أتون حروب إقليمية، بل للدفاع فقط عن مقدسات وأوطان وأراضي الدول العربية، وقطع الطرق على الفتن المذهبية والعرقية وغيرها، ودعم التعايش السلمي بين كافة العرقيات والمذاهب والقوميات في إطار الدولة الوطنية الحديثة التي تتسع للجميع وهذا حق مشروع للعرب وسط هذا المحيط الهادر والأجندات التوسعية والمؤامرات المتتالية.

مقالات لنفس الكاتب