array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 88

(فرضية صدام فرعيات الثقافة الواحدة) وانعكاسها على التعاون الخليجي المشترك

الأحد، 01 كانون2/يناير 2012

تمر منطقة الخليج العربي في أعقد حقبها التاريخية، فهي تواجه موجة من التحولات الثقافية والسياسية في محيطها الإقليمي، تنذر بحدوث مخاطر من الصراعات الواسعة، لا أحد يستطيع التكهن بمدياتها ونتائجها، ويذهب بعض المحللين إلى وضع ذلك ضمن مخطط غربي تجاه العالم الإسلامي، في ضوء تفاعل وتصاعد نشاط الإسلام السياسي الذي يعتمد على جملة من المفاهيم والأفكار، التي لا يمكن رفضها كلياً في سياق قيم ومبادئ الدين، عند قطاعات واسعة من الشعوب الإسلامية بمختلف مذاهبهم ومدارسهم.

في الوقت الذي لم تتمكن الثقافة الإسلامية الحالية تجاوز النهج الأفلاطوني وسط متغيرات خطيرة في السياسة الدولية، الأمر الذي حدا بهؤلاء المحللين القائلين بوجود مخطط يستهدف إضعاف العالم الإسلامي، إلى ترجيح الصراعات الداخلية على التدخل الخارجي المباشر، أي اللعب على أوتار التناقضات والاختلافات في الثقافة الإسلامية ذاتها، وقد ساعد على تهيئة بعض بوادرها وجود أنظمة سياسية مستبدة، لا هي تفاعلت مع شعوبها، وخاضت معها تجربة ديمقراطية شفافة، ولا هي عملت على تنميتها ونقلها إلى عصر الصناعة والحضارة، حتى عاشت هذه الشعوب الفقر والظلم والطبقية والتهميش والتوريث، بينما أخذت تلك النظم السياسية تكتسب يوماً بعد آخر ثقافة الطبقة المتعالية، أدى هذا بكثير من الحكام للنظر إلى شعوبهم، على أنهم قطعان لا حول لها ولا قوة، مما أدى إلى ردود أفعال مختلفة في أجزاء كثيرة من العالم العربي، تبلورت على شكل تيارات دينية متشددة أو اتجاهات سياسية معارضة تتكون من تيارات مختلفة، في واقع اجتماعي مترد يحتاج إلى إنقاذ. إن هذا الواقع وضع الإنسان العربي والمسلم في حالة خضوع مهين لفترة طويلة من الزمن، الأمر الذي جعله يبحث أو يتحين أي فرصة يتمكن من خلالها كسر حالة الخوف، والانطلاق كالمارد من القمقم، وهذا ما تحقق على شكل ثورات شعبية ضد أنظمة سياسية (عائلية) معتقة، وهو ما آل إلية الحال في تونس ومصر سلمياً، واتخذ أسلوب القوة المسلحة في ليبيا مؤخراً.

يتعين على دول مجلس التعاون تعزيز تعاونها المشترك لمواجهة تحديات المرحلة

أولاً: خريطة الصراع الإقليمي

من يمعن النظر جيداً في التطورات والتغيرات الجارية في المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي، يجد أن هنالك مؤشرات خطيرة تنذر بصراع ثقافي أو صدام ثقافي هو غير ذلك الصدام الذي صوّره عالم الاجتماع السياسي صموئيل هنتغنتون، بأن المستقبل ينتظره صدام حضاري أو ثقافي بين حضارة الغرب من جهة وحضارة المسلمين والصينيين من جهة أخرى، ويظهر أنه صور أو رسم مستقبل البشرية في القرن الحادي والعشرين في نطاق خريطة صراع ثقافي عالمي متوقع، لكي تنطلق سياسة عالمية تؤكد صحة الاتجاه العولمي في أطره العالمية، إلا أن المعطيات الشاخصة في منطقتنا، ولا سيما بعد حربي أفغانستان والعراق تؤكد أن النظرية التي جاء بها هنتغنتون في منتصف التسعينات، وجدت لها صدى في توجه السياسة الدولية آنذاك، وقد ضعف كثير من بنودها المتوقعة بعد سلسلة من الأحداث الدولية لعل آخرها الأزمة المالية العالمية، لتبرز على الساحتين الدولية والإقليمية المحيطة بمنطقتنا في المرحلة الحالية متغيرات ثقافية وأيديولوجية ومصالح اقتصادية، أفرزتها تحديداً حرب الخليج الثالثة والأوضاع في أفغانستان وقضية المفاعل النووي الإيراني والقلق على مستقبل أمن إسرائيل، كقضايا حيوية تحتم على مخططي السياسة العالمية في الدول الفاعلة بالتاريخ المعاصر وضع أطر جديدة للتعامل مع المصالح الدولية الحيوية في المنطقة، حيث أضحت تلك المتغيرات تشكل حالة قلق شديد في مسرح السياسة العربية عامة والسياسة الخليجية خاصة، تحركها مخاوف متزايدة لمعطيات ثقافية وسياسية محلية تؤشر إلى رسم خريطة متوقعة للصراع الإقليمي للشرق الأوسط، تتخذ من المتغير الثقافي المحلي مبرراً لها، حتى بات الأمر يفترض وجود فرضية جديدة قد تكون معدلة عن فرضية هنتغنتون من إطارها العالمي إلى الإطار الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، وربما يشمل ويمتد فرضها إلى حدود دول آسيا الإسلامية (دول النمور) لتطرح خريطة صراع ثقافي إقليمي تؤكد بعض معطياته الأولية فحوى هدف مركزي يتمثل في تصفية الجيوب المقلقة (للاستقرار الدولي) عبر صدام فرعيات ثقافة شعوب المنطقة نفسها، تحركها المصالح السياسية المتشابكة على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي، مستخدمةً أقوى سلاح في ذلك (سلاح الثقافة وتناقض فرعياتها)، من دون وجود حاجة للتدخل العسكري بتكلفته البشرية والمالية الباهظة، ليتم توقع ذلك بعد انبثاق عصر جماهيري جديد أفرزته ظروف موضوعية دفعت الإنسان إلى ذلك، تحت شرعية محلية بفعل طغيان الحكام والمستبدين الذين سلكوا طريق إقرار حق العائلة في الحكم ورفاهيتها، مقابل ملايين من البشر لم يحصدوا خلال سنوات طوال سوى الخضوع والتنكيل عبر أجهزة أمنية قمعية حارسة أمينة على صيانة عرش هؤلاء الحكام وعوائلهم والذين تسللوا في غفلة من الزمن تحت حجة الدفاع عن حياض الأمة وتحرير فلسطين كواجب قومي وإسلامي، ليفرز الواقع الجديد ظروفاً جديدة قد يتبنى بعضها المنهج الأفلاطوني في الحكم على الآخر وثقافته. لذا فالصراع الذي يمكن قراءة بعض ملامحه في المحيط الإقليمي الخليجي، يؤشر إلى مزيد من تفكك الأمة لصالح إسرائيل، وإذا كانت المبررات الداخلية المتفاعلة تعطي الحق للجماهير في اختيار إرادتها، فإن المخاوف التي تحدق بالمنطقة العربية قد تكون أكبر مما هو متوقع من فرضية تحقيق إرادة الجماهير بثورات شعبية. فالعالم تغير والسياسة الدولية أخذت تدور في فلك جديد يقترب ويبتعد عن المنطقة تحت مبررات لا حدود لها. وهنا ينبغي أن نقف عند نقطة مركزية، هي أنه إذا بقي المنهج الأفلاطوني يحكم العقل العربي والإسلامي، فإن ثمة مخاطر ستحدق بالمنطقة الإسلامية على امتداد طولها وعرضها، تحت تأثير المتغير الثقافي، سواء على صعيد الدولة المحلية المحررة من حكامها أو على صعيد المحيط الإقليمي، تحت وطأة الصراع الإثني والمذهبي السياسي، الذي يروج له وفق فرضية جديدة تقول بهذا، أي فرضية الصراع الثقافي من داخل الأمة، وليس مع الآخر العالمي، كما ذهب إلى ذلك هنتغنتون من قبل، والشيء الذي يخشاه بعض المحللين أن تكون هنالك مباركة شرقية وغربية لمثل هكذا صراع، ولذلك فإن انعكاسه على منطقة الخليج العربي بالتأكيد يكون مباشراً، وهذا يؤثر حتماً في تغير خريطة المنطقة بعد سلسلة ويلات من الحروب المدمرة، والتي دفع ثمنها الباهظ الشعب العراقي تحديداً.

ينبغي أن يأخذ العمل الخليجي المشترك مساراً إصلاحياً وأن يستفيد من العبر التي مرت بالمنطقة

إن مضي أكثر من ثلاثة عقود على حرب الخليج الأولى وعقدين على حرب الخليج الثانية وأقل من عقد على حرب العراق واحتلاله وعقد على حرب أفغانستان، يدفع كثير من المتخوفين على سلامة الأمن القومي العربي والإسلامي إلى القلق الشديد من ضرب هذا الأمن من الداخل، وليس من الخارج، بأدوات محلية وإقليمية، تعمل وفق المنهج الأفلاطوني(أبيض أسود) يحركها المتغير الثقافي والاقتصادي، وربما سيكون تقسيم الوليمة فيما بعد على أطراف إقليمية تنتظر. لذا فإن المنطقة الخليجية تقف اليوم أمام تحديات ضخمة أولها مواجهة أوضاع جديدة، أخذت تظهر في ساحتها الداخلية كأحداث البحرين وغيرها. وثانيها، تحديات تفاقم الأزمة بعد مرحلة سوريا، وما يمكن توقعه في العراق، ولاسيما بعد الدعوات إلى الأقاليم، وانسحاب القوات الأمريكية منه، والتي يربطها البعض بتشابك الصراع نفسه، وكذلك لبنان وما يمكن أن يستجد فيها من تداعيات مشابهة، وتبقى المحصلة النهائية ليس في صالح العرب والمسلمين سواء على المدى القريب أو البعيد. فضلاً عما سينتج عن صعود الاتجاهات الدينية في تونس ومصر بعد التغير وتوقعات أخرى مشابهة في ليبيا وربما سوريا، كمتغيرات سياسية وثقافية، تؤثر في رسم سياسة هذه الدول داخلياً وخارجياً، وهو ما بدأ يشكل بحد ذاته تحدياً داخلياً، يتمثل في الصراع بين الاتجاهات التحديثية العلمانية المقلدة للنموذج الغربي والاتجاه الديني، ويظهر هذا التخوف رغم تأكيد القادة الإسلاميين على احترام اختيارات الناس في ما ساروا عليه، ولا سيما قضية حقوق المرأة وحرياتها أو قضية التعبير عن الرأي وغيرها، وهنا تبرز مسألة أساسية يمكن أن تكون نقطة نقاش تتعلق بالتصريحات والنوايا الحسنة للقادة الجدد، وهي عامل مطمئن من حيث النوايا في تأسيس علاقة ديمقراطية جديدة في هذه البلدان، لكن المشكلة الأساسية قد تتعدى ذلك إلى قضية أعمق تكمن في المنهج الذي يحكم تفكير هؤلاء القادة أنفسهم ومنظريهم، والتي يمكن أن تكون بحد ذاتها أداة تستخدم في الصراع الإقليمي المتوقع إذا لم يتم تجديد هذا المنهج وفق أصول الدين الأولى، وفي القدرة على التفاعل مع متغيرات السياسية الدولية الحالية، وما يمكن أن تنعكس آثاره سلباً أو إيجاباً على المنطقة الخليجية خاصة والمنطقة العربية بشكل عام. وإذا كان البعض يرى أن الأطراف الدولية المختلفة لديها بعض التوجس ومنها القلق على أمن إسرائيل، فإن مخاوف الإسرائيليين أنفسهم لم تكن بمستوى القلق الشديد، وهم يقرأون اتجاهات الصراع، ليس ضدهم على أقل تقدير، في المرحلة الحالية بقدر توجهه نحو أطراف الثقافة الواحدة تحديداً، وهنا تكمن إشكالية العلاقة التي تحكم حاجة الأمة إلى الحوار ورص الصفوف في المرحلة الحالية، وبين تعدد رؤى سياسية أيديولوجية محلية قاصرة النظر في البعد الاستراتيجي، وهي متهيئة لعملية الاصطفاف والتصعيد.

ثانياً: التحولات الإقليمية المتوقعة والتعاون الخليجي

إن اختبار صدق فرضية صدام أطراف الثقافة الواحدة من عدمه، يحتاج إلى تحليل علمي معمق للمتغيرات المؤثرة في الواقع الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في المرحلة الحالية، وإخضاعها لدراسات رصينة في مجال علم الاجتماع والإنثروبولوجيا والسياسة والاقتصاد، وكمحاولة متواضعة وسريعة يمكن الحديث عن أثر التحولات الإقليمية المتوقعة على الواقع الخليجي، وهذا يتطلب وقفة متفحصة لواقع العمل الخليجي المشترك خلال ثلاثة عقود من انبثاق مجلس التعاون الخليجي، الذي وجد في الأصل لمواجهة تداعيات الحرب العراقية-الإيرانية على المنطقة الخليجية آنذاك. واليوم قد تغير الحال، واتسع نطاق المخاوف الخليجية بعد الثورات الشعبية في العالم العربي، والتي يستمر مسلسلها يوماً بعد آخر، كذلك مع تصاعد أدوار محلية وإقليمية ودولية متشابكة، وما يمكن أن تتمخض عنها من نتائج مقلقة على مصير المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج الغنية بالنفط بشكل خاص، خاصة مع تصاعد مخاوف بعض الأطراف المحلية والإقليمية من صعود الإسلام السياسي إلى دفة الحكم، وما يمكن أن تفرزه اتجاهات الصراع الأيديولوجي المحلي من معطيات جديدة تبعث على مخاوف إقليمية متعددة، فضلاً عن مخاوفها المحلية، ولاسيما في ما يتصل بتوقع تحولات سياسية وثقافية، ربما تكون مفاجئة وسريعة، الأمر الذي يضع أمام مجلس التعاون الخليجي خريطة تحديات سياسية جديدة، لا أحد يعرف حدودها الحقيقية وسط إفرازات جديدة بعد سنوات من حرب العراق، وتصاعد لاعبين فاعلين في الإقليم الخليجي العربي، أبرزها اللاعبان الإيراني والتركي ولكل منهما مصالح ووجهات نظر مغايرة عن الآخر في الشكل، وربما تصب في نقطة مشتركة في بعض أهدافها الحيوية من حيث الجوهر، ولاسيما ما يتصل منها بالجانب الاقتصادي، فضلاً عن متغيرات داخلية قد تستخدم بشكل أو آخر بتأثير المتغير الثقافي على لاعبين محليين، بحكم الضرورة، اعتقاداً منهم بالدفاع عن مصالح محلية حيوية، أو استخدامهم كأداة في هذا الصراع، ضمن تصورات وتوقعات تخص مستقبل المنطقة. في الوقت نفسه أخذ اللاعب الخليجي، يتصدر المشهد السياسي ضمن حساب مصالح بعينها، والشيء الذي بات يهم المجتمع الخليجي هو قضية العمل المشترك ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي، الذي ينبغي إعادة صياغته من جديد وفق تأكيد مصلحة الشعوب الخليجية والعربية والإسلامية، حتى يكون متغيراً أساسياً في التماسك الخليجي من خلال حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع مد اليد إلى كل أطراف المحيط الإقليمي للحوار، وترجيح مصالح المنطقة وتفوقها على مصالح أي من اللاعبين الآخرين من خارج الإقليم.

إن التحولات والتغيرات المتوقعة في المنطقة العربية بشكل عام، مرتبطة كذلك بمسارات إقليمية ودولية، أبرزها المساران الغربي والشرقي، اللذان ربما تلتقي مصالحهما في نقطة معينة أو تفترق حسب الظروف المحيطة بالمنطقة، وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع الداخلية في بعض الدول العربية بعد حقبة (الربيع العربي)، وطبيعة سياسة أو اتجاه بعض الأطراف الإقليمية، كتركيا التي ظهرت مساندة للشعوب وحقوقها الإنسانية، وهي تقلب مواقفها حسب مجريات الأمور السائدة، وفق توقع زيادة استثماراتها وتنفيذ مشاريع اقتصادية أو إيجاد أسواق لبضائعها المختلفة في الأسواق العربية، أو أنها تسعى إلى زيادة نفوذها السياسي في المنطقة مقابل المحاولات الإيرانية الساعية لتحقيق مصالحها الأيديولوجية والاقتصادية واصطفافها مع المسار الروسي والصيني-الكوري الشمالي المناهض للمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة ببعديه السياسي والاقتصادي في إطار التسابق الحميم على توسيع مساحة نفوذ كل منهما في العالم بشكل عام، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وكذلك على صعيد طموح كل طرف في كلا القطبين، لتحقيق أهدافه وحسب توجهه الأيديولوجي. هذا في إطار حسابات دائرة المصالح القومية الاقتصادية والسياسية العامة، أما على الصعيد الثقافي فكل متغير محلي أو إقليمي يدفع إلى الصراع الثقافي سيكون لصالح مساري السياسة الدولية آنفي الذكر، لتدفع عندئذ شعوب المنطقة العربية والإسلامية ثمنه باهظاً، أي تكون الأخيرة هي الضحية. لذا فإن تأثير المتغير الثقافي سيكون حاضراً في أجندة هذه الأطراف جميعاً، في الوقت الذي تتمتع فيه إسرائيل بالاستقرار، وهي تراقب التغيرات المتفاعلة في (الربيع العربي)، وكيف ستكون لها مساهمة كبيرة أو صغيرة في رسم خريطة سياسة الشرق الأوسط، تجاه جملة من القضايا الداخلية والدولية، ومدى انعكاسها على مستقبل المنطقة العربية بشكل عام، والمنطقة الخليجية بشكل خاص، وهذا الأمر يتوقف على تشكيل خريطة منطقة الشرق الأوسط الجديد، والذي ربما سيكون ناتجاً التناقض الأيديولوجي والثقافي في فرعيات الثقافة الواحدة، بل إنه سيشكل حجر الزاوية في اصطفاف قوى الصراع المتوقع تحت تأثير المتغير الثقافي الذي يظهر أنه مهيأ أكثر من المتغيرات الأخرى في التأجيج له، ليكون منطق اللاعب الدولي في كلا القطبين منسجماً مع مصالحهما الحيوية: ترك عنصر التضاد السياسي في ثقافة شعوب المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي يقول كلمته، ويظهر فعله في تمزيق المنطقة العربية بشكل عام، أكثر من أي خيار آخر (كالتدخل على الأرض) الذي تكون تكلفته عالية جداً في عالم يمر بأزمة اقتصادية خانقة. ففرعيات الثقافة السائدة في المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي- بعد التغيرات الجوهرية الأخيرة في العالم العربي وما ينتظر من مفاجآت أخرى - مهيأة لأي احتمال للصراع، ولا سيما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، وتزايد القلق بشأن تطور مجريات الأوضاع في سوريا وعملية الشد والجذب في البحرين، ومناطق أخرى في العالم العربي.

تطور أحداث المنطقة يجعل دول الخليج أمام خريطة تحديات سياسية جديدة

ثالثاً: أهمية العمل الخليجي المشترك

لا شك في أن كل ذلك تترتب عليه نتائج خطيرة، تدفع إلى أتون الصراع المحلي الذي تجني ثماره القوى الكبرى ضمن فلسفة جديدة تضمن لنفسها مزيداً من المصالح وتهيئة الأجواء المناسبة لإضعاف الأمة، وضمان الأمن الكافي لإسرائيل ضمن تشكيل مؤجل لخريطة الشرق الأوسط الجديد إذا لم تنتبه الأمة إلى واقعها وتراجعه مراجعة علمية نقدية لترجيح مصالحها الحيوية على المشاريع السياسية والمصالح المنفردة التي لا تجني الأمة منها غير الخسارة والتراجع والتأخر عن ركب الحضارة الإنسانية المتصاعدة. لذا يقع على عاتق مجلس التعاون الخليجي إزاء هذه الأحوال وتشابك خيوطها تعزيز تعاونه المشترك، والانصراف إلى تكوين قوته الداخلية أولاً، وإلى فتح باب الحوار الجدي مع أطراف إقليمية وعلى رأسها إيران من أجل الحفاظ على سلامة الأمة الإسلامية ثانياً، ليكون التفاعل وسيلة فاعلة في إيجاد فرص التطور الحضاري الذي يضمن السلام في المنطقة، ويساهم في السلم العالمي أيضاً. لذا ينبغي أن يأخذ العمل الخليجي المشترك مساراً إصلاحياً والاستفادة من العبر التي مرت بالمنطقة الخليجية ومحيطها الإقليمي، والعمل على تجنب أضرار صراع قد يكون بتأثير متغيرات يصعب ضبطها في مرحلة التحولات الجارية في المنطقة العربية بشكل عام. ولذلك فإن اتجاه مجلس التعاون الخليجي نحو عمل تعاوني مثمر يكون عن طريق بناء استراتيجية متكاملة للعمل الخليجي المشترك في الميادين التنموية، وتحقيق خطوات باتجاه مزيد من الإصلاحات الاقتصادية وبناء نموذج تعاوني جديد يأخذ في الحسبان رغبات السكان في كل دولة على أن تكون خطة التنمية البشرية المستدامة تأخذ مسارها التطبيقي على مستوى المجتمع القومي الخليجي بأسره وبجهد وطني، والعمل على تحديث الدولة الخليجية وبناء مرتكزاتها الأساسية، على أساس صياغة نظام دستوري يتلاءم مع الخصوصية الخليجية ضمن سياق العمل الخليجي المشترك من أجل بناء الإنسان وإعطائه حقه الثقافي، بما يتلاءم مع تصوراته الاجتماعية، وكذلك العمل على بناء منظومة العمل الدبلوماسي الخليجي المشترك المستقل، وعدم الانصياع كرهينة لطرف دولي دون آخر، فالسياسة الدولية متقلبة وتسعى إلى تحقيق مصالحها الآنية والمستقبلية، ولا يمنعها من ذلك عنصر الصداقة أو التحالف. لذا فإن قاعدة العمل الخليجي المشترك تبقى مرتبطة بقوة العلاقة بين المواطن والدولة. ويمكن تعزيز هذا التعاون المشترك عن طريق بناء منظومة دفاعية متكاملة للدفاع عن المصالح الخليجية بعيداً عن المساعدة الأجنبية التي تكلف البلاد والعباد خسائر فادحة، وبالتالي لا تجني منها الشعوب شيئاً، حين تغير السياسة الدولية بوصلتها حسب مصالحها الحيوية، وفي مقدمتها أمن إسرائيل. وكل هذا التعاون الخليجي المشترك لدرء خطر التحولات المتوقعة في المنطقة، يمكن أن يتبلور بشكل منتظم من خلال تحقيق وحدة خليجية متكاملة المؤسسات تؤطر لبرنامج سياسي منفتح على العالم وتقدم نموذجاً ديمقراطياً مميزاً، سواء من خلال نظم حكم دستورية أو إيجاد صيغ مقاربة، تكون فيها الشعوب حاضرة ومساهمة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية من أجل بناء مواطنة حقيقية تربط الإنسان بأرضه وتاريخه.

مجلة آراء حول الخليج