; logged out
الرئيسية / الإرهاب وتحديات النظام العربي: التجربة والمأمول

العدد 131

الإرهاب وتحديات النظام العربي: التجربة والمأمول

الأربعاء، 06 حزيران/يونيو 2018

إن التقييم العام للعمل العربي المشترك في المجال الأمني، من حيث الكم الهائل والنوعي للنصوص القانونية، لاسيما في ميدان مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، يجعلنا نجزم بأن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة عن وزراء الداخلية والعدل العرب في أبريل 1998م، لوحدها كافية لدفع التعاون والتنسيق الأمني العربي المشترك بما يدفع نحو توحيد الرؤية الإستراتيجية لبناء نظام إقليمي عربي، خصوصًا وأن هذه الاتفاقية العربية مسنودة باتفاقيات إقليمية تجسد الإرادة العربية لمواجهة ظاهرة الإرهاب العابرة للحدود والأوطان والقارات، كما جاء في ديباجة اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي (2004) "وتأكيدًا لعزمها على التصدي للإرهاب ومكافحته بشكل جماعي، وسعيًا لتعميق وتطوير التنسيق المشترك فيما بينها وتحقيق الشمولية والتكامل في مكافحة الإرهاب."[1] أي التأكيد هنا على الإدراك العربي والإقليمي بضرورة العمل الجماعي لمواجهة الإرهاب ومكافحته.

فإذا كان الجزم بأهمية الاتفاقيات العربية والإقليمية في إيجاد قدر من التعاون العربي المشترك لمواجهة الإرهاب، فما الذي يجعل النظام الإقليمي العربي عاجزًا عن توحيد الرؤى والإرادات، منقسمًا بين وحداته الفاعلة تاركًا المجالات الفكرية، الاستراتيجية، الإعلامية تبحر في التناقضات لا تخدم إلا جماعات التطرف العنيف والإرهاب وتصاعد كل أنواع الجرائم الإرهابية؟

أولاً، دور الإرهاب في تعثر النظام العربي الجماعي.

ألحقت الجرائم الإرهابية بالدول العربية خسائر بشرية ومادية مما أدى إلى تعطيل المشاريع التنموية المحلية والجماعية، وفقد النظام الإقليمي العربي من خلال آلياته المؤسساتية، الجامعة العربية، القدرة على التكيف مع الحجم المذهل لتلك الخسائر، فخلال سنة واحدة من ظهور "داعش" سنة 2014م، تكبدت المنطقة العربية خسائر فاقت ترليون دولار في قطاعات حيوية مثل النفط، السياحة والبنى التحية[2]، ويقابل هذه الخسائر، ارتفاع الإنفاق الأمني لمواجهة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود والتهديدات الأمنية الإقليمية المرتبطة بها سواء تعلق الأمر بالتغول الصهيوني في المنطقة أو بالتمدد والنفوذ الإيراني في قلب العواصم العربية أو بعودة العثمانية الجديدة وطموحات الشرق أوسطية الجديدة، حيث بلغ إجمالي الإنفاق العسكري للدول العربية وفقًا لبيانات صندوق النقد العربي أكثر من 800 مليار دولار في الفترة ما بين 2010-2015 وتزيد المخصصات المالية للقطاع العسكري والدفاعي والأمني عن خمس إجمالي الإنفاق الجاري وأكثر من 8 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، وهي أعلى نسبة في العالم[3]. وإذا دققنا النظر في الانعكاسات الكارثية للجرائم الإرهابية على المستوى القطري العربي فإنها ترسم خريطة التشرذم العربي في مواجهة التهديدات الخارجية من جهة، وتنامي الإرهاب العابر للحدود من القاعدة إلى داعش، فالحرب العراقية ضد داعش كلفت الخزينة العراقية أكثر من 100 مليار دولار، حسب حيدر العبادي، رئيس الحكومة العراقية[4] في الوقت الذي تؤكد المصادر الحكومية السورية أنها خسرت 1.170 مليار دولار منذ بداية الحرب السورية [5] بينما قدر البنك الدولي فاتورة الخسائر الاقتصادية في سوريا بسبب الصراع الدموي في الفترة من 2011 إلى 2017 ما يقارب 226 مليار دولار، حيث فقدت سوريا 27 بالمائة من ثروتها العقارية السكنية و50 بالمائة من ثروتها من المؤسسات التعليمية والصحية[6].

والتركيز على النموذجين العراقي والسوري له دلالته في تحليل العجز العربي المؤسساتي على إدارة الحربين وإيجاد استراتيجيات عربية لاحتواء النزاعات الداخلية ومواجهة الإرهاب وفق طموحات وروح الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، خصوصًا في الشق المتعلق بالآليات المشتركة التي نصت عليها بنود الاتفاقية، وهو ما جعل الحالتين العراقية والسورية نموذجين للانكشاف العربي أمام المشاريع الإقليمية والدولية، فالمسألة السورية في إدارتها الأمنية أضحت بيد روسيا، تركيا وإيران من خلال مسارات إستانة التي تصنف التنظيمات المسلحة في دائرة الإرهاب انطلاقًا من مصالحها الإستراتيجية، بالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تراقب هذه المسارات وقلبها وعقلها مع الأكراد لخلق حاجز ديمغرافي وجغرافي بين الطموح التركي المتنامي في المنطقة والتحالفات البرغماتية الممكنة على المحور الجيوستراتيجي أنقرة- موسكو وطهران، وهنا ما تصنفه أنقرة كجماعات إرهابية تعد حليفًا استراتيجيًا بالنسبة لواشنطن، وهو نفس التناقض الذي تعرفه الدول العربية في نطاقها الإقليمي والجهوي، حيث يشكل نموذج حزب الله اختبارًا واقعيًا لدرجة التنسيق والتعاون العربي والجهوي، فبالرغم من إدراجه كجماعة إرهابية من قبل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي إلا أن لبنان الدولة المعنية مباشرة بالمسألة تحفظت على التصنيف لتجنب الصراع الدموي الداخلي ،ينما احتجت العراق من خلال وزير خارجيتها، إبراهيم الجعفري، وأشاد بكل من حزب الله والحشد الشعبي العراقي[7]، وذلك بدوافع القرابة المذهبية. واتضح هذا التناقض العربي في مواجهة وتحديد الجماعات الإرهابية في القمة العربية الطارئة لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة، حيث اعترض الوفد اللبناني على البنود التي تصنف حزب الله كجماعة إرهابية الواردة في البيان الختامي للجامعة العربية، رغم أن البيان حمل حزب الله مسؤولية دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية في الدول العربية، كما استنكرت الجامعة العربية التدخلات الإيرانية في البحرين وتدريب الإرهابيين وزعزعة الأمن والاستقرار من قبل حزب الله وإيران في السعودية والبحرين[8].

وانتقل التناقض العربي في التعامل مع الجماعات الإرهابية من الجامعة العربية إلى داخل مجلس التعاون الخليجي من خلال الأزمة الخليجية في التعامل مع قطر، حيث شكل الإرهاب محور هذا التصادم، وكانت من بين المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها كل من المملكة العربية السعودية، الإمارات، البحرين ومصر إلى قطر عبر الوساطة الكويتية، أن تقطع قطر علاقاتها مع كافة التنظيمات الإرهابية والطائفية والإيديولوجية، وتم تحديدها صراحة في تنظيم الإخوان المسلمين، داعش، القاعدة، فتح الشام، وحزب الله، وضرورة إدراجها ككيانات إرهابية وضمهم إلى قوائم الإرهاب المعلن عنها من الدول الأربع وإقرارها بتلك القوائم، مع المطالبة الفورية بإيقاف كافة أشكال التمويل القطري لأي أفراد أو كيانات أو منظمات إرهابية، وكذا المدرجين ضمن قوائم الإرهاب في الدول الأربع وكذا القوائم الأمريكية والدولية المعلن عنها[9].

وهنا نعود لبداية التساؤل، حيث أنه من المفروض أن تعكس الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب الإرادة العربية المشتركة وأن تلتقي الدول العربية في إطار العمل المؤسساتي الجماعي للاتفاق على تصنيف موحد للجماعات الإرهابية وضرورة تمييزها عن الجماعات السياسية وجماعات المقاومة، وهو ما ذهبت إليه المادة الثانية من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي ميزت بين الجريمة الإرهابية والكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير، واستثنت من ذلك كل عمل يمس بالوحدة الترابية لأي من الدول العربية. كما ميزت الاتفاقية العربية بين الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية بنفي انتساب مجموعة من الأفعال والسلوكيات للجرائم السياسية أحصتها في ستة أنواع من الأعمال، تبدأ بتجريم التعدي على ملوك ورؤساء الدول المتعاقدة وأزواجهم وأصولهم وفروعهم وتنتهي بتجريم الأعمال التخريبية والإتلاف للممتلكات العامة وجرائم تصنيع أو تهريب أو حيازة الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات.

أضحت المنطقة العربية في غياب العمل العربي المشترك في مواجهة الجماعات الإرهابية عرضة للتدخلات الأجنبية الدولية والإقليمية، فإذا أعدنا تحليل المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها الدول الخليجية الثلاثة مع مصر إلى قطر، يتضح انكشاف السيادة القطرية العربية أمام الأطماع الجيوسياسية الإيرانية والتركية، حيث كان من ضمن المطالب إعلان قطر تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وطرد العناصر التابعة أو المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، والإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية التي تم الإعلان عن إنشاءها.

وفي هذا الاتجاه، فإن أي حديث عن عمل عربي مشترك في ظل غياب الإرادة القطرية العربية بأهمية المحيط الجيواستراتيجي العربي والتحديات والتهديدات الإقليمية بكل الأشكال، أو أي بناء لتحالفات ظرفية خارج الدائرة العربية، يعني الانكشاف العربي أمام المشاريع التفكيكية الرامية إلى تفتيت الدول العربية إلى كنتونات مذهبية، طائفية وإيديولوجية، وتلعب الجماعات الإرهابية هذا الدور التفكيكي خدمة للأجندات والمصالح الإقليمية خارج الدائرة العربية، حيث يكرس الواقع العربي التوظيف الخارجي للورقة المذهبية والطائفية الشيعية أو دفع الأقليات الكردية نحو الانفصال بتعزيز الهوية الضيقة على حساب الهوية الأوسع والأشمل.

ثانيًا، التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب: دروس للاستفادة من أجل تأسيس مشروع عربي جماعي للمصالحة الوطنية.

في ظل هذه التحديات التي يعرفها العمل العربي المشترك في مجال مكافحة الإرهاب، كيف يمكن الاستفادة من التجارب السابقة في مواجهة الإرهاب قصد التأسيس لمشروع عربي مؤسساتي في إطار الجامعة العربية، بأبعاد متكاملة فكريًا وماليًا وأمنيًا؟

لقد مرت بعض الدول العربية بتجارب مريرة في مكافحة الإرهاب حتى وإن اختلفت البيئة السياسية الداخلية والبيئة الجيوسياسية لكل دولة، ويمكن أن نستند هنا إلى التجربة الجزائرية في بداية التسعينيات من القرن العشرين، حيث تمثل نموذجًا لضغوطات البيئة السياسية الداخلية، بسبب صعوبة الانتقال الديمقراطي من تجربة الأحادية الحزبية إلى التعددية الحزبية، الذي واكبه ضعف التكيف الاقتصادي مع ضغوطات صندوق النقد الدولي التي فرضت إعادة الهيكلة الاقتصادية بما يخدم الانفتاح الاقتصادي والانتقال من الاشتراكية إلى اللبرالية، أي التطبيق القسري للانفتاح الاقتصادي التي فرضتها مؤسسات بروتن وودز.

أهم تحدي في عملية الانتقال الديمقراطي في الجزائر صعود جماعات الإسلام السياسي التي استغلت مرحلة الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستخدمت الخطابات الشعبوية الفضفاضة مثل" الإسلام هو الحل"، مع انتهاج سياسية المغالبة تجاه النظام القائم وتعبئة الشارع بتكفير السلطة والديمقراطية.[10]استغل الإسلاميون البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المضطربة في الجزائر في تلك الفترة وقاموا بتعبئة الشارع الغاضب والناقم على السلطة الحاكمة بخطاب ديني أخلاقي، بحيث "استفادت الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الفراغ الإيديولوجي السائد أو من تواجد الإيديولوجيات المتراجعة، أو من هذه العودة الشاملة نحو القيم الروحية الدينية فوجد الكثير من الشباب فيها توازنه المفقود في المرحلة الحرجة من حياته"[11]، فأدى وقف المسار الانتخابي إلى الصدام المسلح بين النظام والجماعات الإسلامية المسلحة، هذه الأخيرة التي كانت لديها كل الاستعدادات للانتقال إلى العمل المسلح لإيمانها المطلق بعدم جدوى العملية الديمقراطية والتنافس السلمي على السلطة، وزاد من تعميق الأزمة التحاق الجماعات الإسلامية المسلحة العائدة من أفغانستان، حيث تم تقدير عدد الجزائريين المقاتلين في أفغانستان نحو ثلاثة ألاف مسلح، تم تجنيدهم وتدريبهم للقتال في أفغانستان من قبل عبد الله عزام[12]، والظاهرة نفسها تعرفها بعض الدول العربية في الوقت الراهن من خلال ما يعرف بعودة المقاتلين من سوريا والعراق بعد الانتكاسة التي عرفتها داعش في بلاد الرافدين.

انتهجت الجزائر خيارات سياسية وأمنية من أجل محاربة الإرهاب والتطرف العنيف، تمثلت في مشاريع الوئام المدني وقانون الرحمة، لتضييق الأعمال الإرهابية وتقليص الأضرار البشرية والمادية، واسترجاع قوة وقدرة الدولة وتجنيد كل قوى المجتمع في الانخراط في العملية السلمية، وكان من نتائجها المباشرة، تفكيك بعض الجماعات المسلحة وترك السلاح من خلال إجراءات قانونية وتنظيمية، مع إبقاء الدولة على كل الخيارات مفتوحة لمحاربة التطرف العنيف والإرهاب، بما فيها الخيارات الأمنية.

فيما بعد تم إلحاق قانوني الرحمة والوئام المدني بميثاق السلم والمصالحة الوطنية (2005)، الذي يعد بمثابة عقد اجتماعي-سياسي حيث تم الاستفتاء الشعبي على الميثاق بتزكية أكثر من 90 بالمائة، من نتائجه المباشرة، حسب تقديرات رسمية بعد عشرة سنوات 2005-2015: استفادة أكثر من 15 ألف جزائري من تدابير الوئام المدني والسلم والمصالحة الوطنية، منح 7100 عائلة المفقودين من أصل 7144 عائلة أحصتها الدولة من تعويضات مادية، إعطاء الدولة تعويضات لفائدة 11224 أسر الإرهابيين المعوزين[13]، وكان من الأهداف الإستراتيجية لميثاق السلم والمصالحة: أن يكون بمثابة عقد اجتماعي تعبيرًا عن إرادة شعبية، وميثاقًا غليظًا لبناء السلم والاستقرار، لاسترجاع الدولة لهيبتها الداخلية وسمعتها الدولية، بعد الحصار الدولي الذي فرضته قوى خارجية بتوظيف الجماعات الإرهابية والتشكيك في الخيارات الأمنية التي كانت تطرحها الدوائر الاستخباراتية الفرنسية، بسؤال تشكيكي:"من يقتل من الجزائر؟".

وأهم النتائج التي حققتها الجزائر من خلال المصالحة الوطنية أن الشعب الجزائري، كما جاء في أدبيات الميثاق ذاته، أولاً، عرفان الشعب بقوة الجيش الوطني الشعبي ومصالح الأمن وكافة المواطنين بمحاربته الإرهاب. ثانيًا، إبطال المتابعات القضائية في حق جميع الأفراد الذين سلموا أنفسهم للسلطات . ثالثًا، إبطال المتابعات القضائية في حق المطلوبين داخل الوطن وخارج الوطن الذين يمتثلون طوعًا للهيآت الجزائرية المختصة، رابعًا، إبطال المتابعات القضائية في حق أفراد شبكات الدعم للإرهاب الذين يصرحون بنشاطاتهم للسلطات المختصة . خامسًا، العفو على الأفراد المحكوم عليهم عقابا على اقترافهم نشاطات داعمة للإرهاب. وأخيرًا، إبدال العقوبات أو الإعفاء من جزء منها لصالح جميع الأفراد الذين صدرت في حقهم أحكام نهائية.

مع الإشارة أن ميثاق السلم والمصالحة استثنى من هذه التدابير، كل الأفراد الذين كانت لهم اليد في المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات أو استعمال المتفجرات في الاعتداءات على الأماكن العمومية.

أما الإجراءات السياسية الوقائية التي اتخذتها الجزائر والرامية إلى تجنب تكرار المأساة الوطنية الكارثية، حظر الممارسة السياسية، تحت أي غطاء كان، من قبل من كانت له مسؤولية في استخدام الدين وتوظيفه في العنف، مع إبعاد أية مسؤولية عن الدولة وتحميلها سبب المفقودين التي تعد من انعكاسات آفة الإرهاب، مع معاقبة الدولة لكل فعل معزول، مع إبعاد أية شبهة عن سائر قوات النظام العام التي أدت واجب مكافحة الإرهاب، تتحمل الدولة على ذمتها مصير كل الأشخاص المفقودين في سياق المأساة الوطنية، حيث يعتبرون ضحايا المأساة الوطنية.

إن تجربة المصالحة الوطنية في الجزائر، يمكن أن تقدم الخبرات الميدانية والتطبيقية لمجموعة الحالات العربية التي تعرف مرحلة الانتقال الديمقراطي، من خلال الاستفادة من التدابير القانونية، الاجتماعية، والسياسية، وفي الوقت ذاته تقدم نموذجًا لمكافحة التطرف العنيف وتجنيب الأحقاد والكراهية داخل المجتمع الواحد، من خلال التكفل الاجتماعي بعائلات المفقودين وعائلات الإرهابيين، من باب العدل والإنصاف، طبقًا لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} سورة الزمر: الآية 7.

ثالثًا: المشروع العربي لمكافحة الإرهاب: المعوقات والمحفزات.

إن النظام العربي الإقليمي في نهايته هو انعكاس أمين لواقع التفاعلات العربية-العربية، وترجمة فعلية لواقع انهيار الدولة الوطنية التي أنهكتها الأعمال الإرهابية وزادت من مأساتها التدخلات العسكرية الأجنبية، والرهانات على تفعيل مشروع عربي لمكافحة الإرهاب في أبعاده الشاملة والمدمجة، من خلال تفعيل الآليات الفكرية، المالية، الاجتماعية، القانونية، تبقى مرهونة بتقليص الهوة بين الإرادات الوطنية العربية المتناقضة، حيث يمثل النموذج القطري في استجابته للمطالب الخليجية عائقا عن تفعيل آليات كل من الاتفاقية العربية والاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب، وأهم تحد يبقى قائمًا يتمثل في الاتفاق العربي الجماعي على وضع قائمة للجماعات، الكيانات والأفراد بصفة دورية التي تمارس الأعمال الإرهابية أو تدعمه، كما تبينه البنود العربية والخليجية بصفة واضحة.

كما تمثل بعض الحالات العربية التي تعرف مرحلة الانتقال الديمقراطي تحديًا وعائقًا أخرًا للعمل العربي المشترك، بحيث لا يزال الصراع قائمًا في بناء الدولة في ليبيا في غياب تكريس المصالحة الوطنية بين الجماعات والمليشيات المسلحة، مع الاستثناء من عملية المصالحة الوطنية ما تم إبعاده من قبل الأمم المتحدة اسميًا، وتتمثل تلك الجماعات في تنظيم القاعدة، داعش وأنصار الشريعة.

ونفس الشيء في سوريا بحيث في غياب الاتفاق الداخلي والدولي على تصنيف الجماعات الإرهابية يبقى النزاع في سوريا يؤثر سلبًا على العمل العربي المشترك، خصوصًا بمحاولات فرض الأطراف الدولية والإقليمية خارج الجامعة العربية رؤيتها لطبيعة التسوية بما يخدم مصالحها الجيوسياسية.

إن تحدي بقاء الدولة الوطنية العربية يحفزها على الإسراع في إيجاد قدر من العوامل المشتركة، لأن الخسائر التي تلحقها الجماعات الإرهابية أمنيًا وماديًا بالدولة والمجتمع، تتطلب التعاون على تفعيل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وتحيينها وتكييفها مع سرعة التهديدات المتزايدة والطارئة، فظاهرة عودة المقاتلين العرب من سوريا والعراق إلى أوطانهم تشكل تهديدًا لكل الدول، كما تشكل ظاهرة الإرهاب الإلكتروني تحدي في عالم الإرهاب الافتراضي الذي أصبح لديه القدرة التعبوية والتدميرية تلحق الأذى بكل الدول العربية.

 

 

مجلة آراء حول الخليج