; logged out
الرئيسية / العصر الخليجي: المقومات.. المظاهر.. الأهداف والتحديات

العدد 88

العصر الخليجي: المقومات.. المظاهر.. الأهداف والتحديات

الأحد، 01 كانون2/يناير 2012

لو كان هناك قانون واحد في تاريخ العلاقات الدولية لكان مغزاه (أن الدول دائماً في حالة صعود وتراجع مستمر). فأقوياء اليوم ضعفاء غداً، وضعفاء الأمس أقوياء الغد، وهكذا دواليك، وهو ما تدعمه التجربة التاريخية التي مرت بها الدول والقوى الدولية والإمبراطوريات منذ الفراعنة والفرس والروم والإغريق والحضارة الإسلامية ثم القوى الإمبريالية الأوروبية وصولاً إلى القوى الأمريكية المهيمنة حالياً على النظام الدولي، حيث إن العلاقات الدولية كانت وستظل عبارة عن لعبة (سلم وثعبان) أبدية.

في التاريخ الحديث للعرب كانت القوى الإقليمية الكبرى تتمحور حول مصر والعراق وسوريا، إلى جانب إيران وتركيا، حيث ساهم كبر الحجم الجغرافي والثقل السكاني ووفرة الموارد الطبيعية وتميز الموقع الجغرافي والحداثة السياسية النسبية وكبر حجم القوة العسكرية لهذه الدول في إعطائها ميزة أو أفضلية في توازن القوى الإقليمي مقارنة بجيرانها الصغار أو الضعفاء آنذاك. فمصر، على سبيل المثال، ظلت فترة طويلة هي المهيمن الإقليمي في منطقة القلب العربي والجزء الإفريقي من الوطن العربي، وتقاسم العراق وسوريا الهيمنة على المنطقة الشرقية من الوطن العربي، إلا أن المراقب للتغييرات والتطورات الناشئة في المنطقة منذ ما يقارب من عقد من الزمان يلاحظ تغير صور معادلات توازن القوى التقليدية في المنطقة لصالح قوى وأطراف ولاعبين دوليين آخرين، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وفي قلبها الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، ثم بقية ممالك دول مجلس التعاون الخليجي (الكويت، البحرين، عُمان)، حيث ساهم تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية لبقية القوى الإقليمية الكلاسكية في الوطن العربي، وعدم استقرارها السياسي والاجتماعي من جانب، وتزايد حجم القوة والنفوذ السياسي للممالك الخليجية، والذي بزغ نتيجة لارتفاع معدلات التنمية والنمو الاقتصادي المتزايد في هذه الدول الذي أحدثه ارتفاع أسعار النفط، ونجاح هذه الدول في بناء قاعدة اقتصادية وتنموية ثابتة، وحالة الاستقرار السياسي والاجتماعي التي تتمتع بها هذه الدول، في ارتفاع نسبة الرضا الشعبي عن الأداء السياسي للحكومات الخليجية، وتزايد جاذبية وتوسع نطاق القوة الناعمة والنشاط الدبلوماسي لهذه الدول في توسيع نطاق انخراطها وانغماسها في الأزمات والصراعات الإقليمية، ونجاحها في إدارتها وحلها.

كل هذه الأسباب هي التي دعتنا للقول إن في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين ستكون الكلمة العليا في تحديد مسار ومستقبل المنطقة العربية في أيدي دول مجلس التعاون الخليجي، حيث إن أحداث (الربيع العربي) وتردي الأوضاع في كل من مصر وسوريا ورزوخ العراق تحت نير الاستعمار والاحتلال ستترك الساحة السياسية العربية فارغة أمام دول المجلس، التي يوضح ويؤشر النمط السلوكي الخارجي لها أنها عقدت النية والعزم على ملء هذا الفراغ والسعي جاهدة نحو قيادة المنطقة في المستقبل.

وتسعى هذه الدراسة إلى رصد مظاهر هذا الصعود الخليجي، وماهية مقوماته، أبعاده، أهدافه، والتحديات التي ستواجه دول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل، وما هي الآمال والتوقعات التي نتمنى أن يحققها الصعود الخليجي للشعوب والمجتمعات العربية جمعاء؟

أصبحت دول الخليج هي التي تشكل الوعي الجمعي العربي ثقافياً وفكرياً وسياسياً

مقومات الصعود

لعل أهم مقومات الصعود الخليجي هو القوة المالية والاقتصادية التي تتمتع بها هذه الدول التي تراكمت لديها بفضل العوائد والريع الناجمة عن مبيعات النفط والصناعات التحويلية المرتبطة به خلال العقود الأربعة الماضية على وجه العموم، وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على وجه الخصوص، حيث نجحت هذه الدول في توظيف هذه العائدات في إقامة قاعدة اقتصادية وتنموية قوية، كانت خير داعم لقوتها الاقتصادية. فحسب آخر تقرير اقتصادي عربي كانت حصة دول الخليج من إجمالي حجم التجارة الخارجية العربية حوالي 40 في المائة، أي حوالي 473 مليار دولار من إجمالي 1.7 تريليون دولار، وتجاوزت نسبة الصادرات الخليجية حوالي 23 في المائة من إجمالي حجم الصادرات العربية في عام 2010 التي بلغت 726 مليار دولار. وحققت كافة دول المجلس فائضاً كبيراً في الميزانيات السنوية، قامت حكومات هذه الدول بضخه لصالح تحسين مستويات المعيشة والتنمية في الداخل وتدعيم مكانة ونفوذها الخارجي.

المقوم الثاني هو المقوم السياسي، حيث ساهم وجود نظم سياسية (فريدة من نوعها) مستقرة في دول مجلس التعاون، تركز بالأساس على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ممثلة في تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية الاقتصادية واحترام حقوق المواطنين ورعايتهم وتوفير كافة احتياجاتهم الأساسية من جانب، والتدعيم والتفعيل المتدرج للمشاركة السياسية لمختلف القوى المجتمعية بصورة تتناسب مع الخصائص السيسولوجية للمجتمع الخليجي، كل ذلك ساهم بحد كبير في دعم مساعي التوسع والانغماس الخارجي البناء في كافة الأنشطة والتفاعلات الدولية، حيث أكدت دول مجلس التعاون الخليجي الافتراضات النظرية التي تقول إن الدول المستقرة داخلياً يساعدها هذا الاستقرار على تدعيم نفوذها وحجم انخراطها الخارجي الدولي.

أما المقوم الثالث فهو القوة الدبلوماسية، حيث كان نمط التفاعل الإيجابي والالتزام بقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية ومساندة حقوق الشعوب وتحفيز أسلوب العمل الجماعي من خلال مؤسسات العمل الدولي المشترك من جانب دول مجلس التعاون الخليجي، وارتفاع مستوى الكفاءات الدبلوماسية الوطنية الخليجية، والتركيز الأساسي على الأنشطة الإنسانية والثقافية كالانخراط الكبير بفاعليات ومهام حفظ السلام وأعمال الإغاثة الإنسانية والمعونات والمساعدات الخارجية ومواجهة الكوارث وحوار الحضارات وغيرها من صور الدبلوماسية الشعبية قد أسهمت في تحسين صورة هذه الدول في مخيلة الشعوب الأخرى، وحفزتهم واجتذبتهم وألهمتهم الانخراط بالأنشطة الدولية. لقد نجحت دول مجلس التعاون الخليجي إلى حد كبير في توظيف واستغلال مواردها القومية (الطبيعية والبشرية) ومصادر القوة الوطنية (الاقتصادية والسياسية) في بناء قوتها السياسية الخارجية، بصورة دعمت مساعيها الداعية لتجديد وتوسيع دورها ونفوذها الخارجي.

دول مجلس التعاون الخليجي ستكون لها الكلمة العليا في تحديد مستقبل المنطقة العربية

مظاهره

أثر هذا التحول في حجم القوة السياسية والاقتصادية والتنموية الداخلية (الوطنية) على نوعية السلوك الخارجي لدول مجلس التعاون الخليجي في كافة المجالات، حيث أدى تراكم الثروات الوطنية إلى توسع الدول الخليجية الشديد في التحول التنموي والاقتصادي الداخلي، حيث توسع حجم الإنشاءات وإقامة البنى التحتية وإقامة قواعد اقتصادية وتصنيعية ضخمة في هذه الدول من جانب، وامتلاك القدرات المالية اللازمة للإنفاق بسخاء على أنشطتها الخارجية وتدعيم مساعيها الجادة لتحقيق المصالح الوطنية لهذه الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي، مثل دعم الأمن والاستقرار الإقليمي، تحسين مستوى معيشة المواطن العربي، ومساعدة كافة الدول العربية والإسلامية ... إلخ.

فعلى الصعيد الاقتصادي تحولت مدن خليجية مثل دبي وأبوظبي في الإمارات العربية المتحدة، الرياض وجدة في المملكة العربية السعودية، والدوحة في قطر وغيرها إلى مناطق جذب استثمار خارجي ضخم. حيث ساعد المناخ الاقتصادي المنفتح والإيجابي والمحفز للعمل الحر وللاستثمار على اجتذاب رؤوس الأموال الخارجية، بصورة أصبح معها حجم الاستثمارات في إمارة من سبع إمارات مثل دبي يماثل ويفوق حجم الاستثمارات الخارجية لقوي إقليمية كبرى مثل مصر (التي يفوق حجمها الجغرافي والسكاني والمواردي أضعاف ما تمتلكه دبي).

إن دولة مثل المملكة العربية السعودية على سبيل المثال لا الحصر، تعتبر في رأي خبير مرموق مثل كينيث بولاك أهم دولة في النظام المالي العالمي أجمع، حتى أهم من الولايات المتحدة ذاتها، منشئة ومؤسسة النظام الاقتصادي العالمي السائد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث يقول بولاك في مقالته المعنونة (تأمين الخليج) التي نشرت في مجلة (Foreign Affairs) في عام 2003:

إن المملكة العربية السعودية ليست أكبر منتج للنفط أو صاحبة أكبر احتياطي منه فحسب، بل إنها صاحبة أكبر قدرة إنتاجية منه. وهو ما يساعدها في العمل على استقرار وتوازن أسعار النفط، سواء بزيادة أو إنقاص إنتاجها حسب الحاجة لذلك. وبسبب أهمية الإنتاج والسوق السعودي فإن خسارة أو تهديد النفط السعودي كفيل بشل الاقتصاد العالمي والتسبب في انهياره على أقل الاحتمالات بصورة مقاربة للكساد العالمي الكبير خلال ثلاثينات القرن العشرين إن لم يكن أسوأ.

فعلى الرغم من اشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، حافظ الاقتصاد السعودي على قوته وثباته إلى حد كبير، حيث لم تتأثر المملكة جوهرياً بالأزمة. وحسب تقرير مؤسسة فيتش (Fitch Group) للعام 2010، فقط اتسمت بنية النظام الاقتصادي السعودي بعدة عوامل كان لها الفضل في تقوية ودعم القوة والنفوذ الاقتصادي السعودي على النطاقين الإقليمي والدولي وأسهمت بشدة في تدعيم ورفع تصنيفه الائتماني لدى المؤسسات المالية العالمية. هذه العوامل هي:

1- وجود احتياطي هائل من النفط، الأمر الذي يضمن إيرادات مضمونة من العملات الأجنبية. هذا إلى جانب تبني المملكة برنامجاً لتوسيع الطاقة الإنتاجية، وهو ما يعني زيادة حجم عوائده النقدية التي وصلت حسب آخر الإحصائيات إلى حوالي 21 مليار دولار.

2- وجود فائض كبير في الميزانية نتيجة لزيادة حجم الإيرادات الحكومية عدا المصروفات الحكومية. فحسب وحدة التحليل الافتصادي التابعة لمجلة (الإيكونومسيت) فقد بلغ حجم الإيرادات الحكومية للمملكة حوالي 175 مليار دولار، مقابل 105 مليارات كمصروفات حكومية، وهو ما يعني تراكم حوالي 71 مليار دولار كفائض في الميزانية الحكومية السنوية. وهي الفوائض التي حافظت على خفض حجم الدين العام وتقليصه.

3- عدم وجود دين خارجي، فالفائض الكبير في الحساب الجاري للحكومة يعمل على تقوية وضع الدولة القوي أصلاً لتكون دائناً خارجياً صافياً.

4- وجود برنامج قوي للإصلاحات الاقتصادية والتنموية عززه انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية بعد فترة انتظار طويلة.

5- وجود نظام بنكي قوي مستقر إلى حد بعيد، كونه خاضعاً للإشراف التنظيمي السليم، وهو ما أهل المملكة لاستضافة المركز الرئيسي للبنك المركزي لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي يعتبر أكبر بنوك النظام الاقتصادي العالمي.

من حنكة وحكمة حكام الدول الخليجية أنهم استوعبوا جيداً درس الثورات العربية

إن الاستقرار السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب العديد من الإجراءات والقوانين وحزمة السياسات الاقتصادية والسياسات العامة المحفزة والمشجعة للاستثمار، سهولة إجراءات العمل الاقتصادي، وتيسير حرية العمل الاقتصادي واحترام القانون وجدية إجراءات محاربة الفساد (جاءت دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة الدول العربية حسب مؤشر مؤسسة هارتيغ وشركة داو جونز لقياس الحرية الاقتصادية) أسهمت في رفع العوائد الاقتصادية وتوسيع حجم النفوذ الاقتصادي والمالي للدول الخليجية، التي استفادت من تراكم هذه العوائد في توسيع حجم استثماراتها الخارجية في الدول العربية. فحسب تقارير الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية لعام 2010 بلغ حجم الاستثمارات الخارجية لدول الخليج حوالي 135 مليار دولار، كانت على قائمة هذه الدول الإمارات العربية المتحدة بحوالي 54 مليار دولار (40 في المائة)، ثم المملكة العربية السعودية بحوالي 40 مليار دولار (30 في المائة)، ثم قطر 16 مليار دولار (12 في المائة) ومثلها للكويت، ومملكة البحرين بحوالي 8 مليارات دولار (5.6 في المائة)، وسلطنة عمان بحوالي مليار دولار (واحد في المائة). هذا إلى جانب امتلاك دول خليجية مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية وقطر أكبر صناديق الاستثمار السيادية في العالم أجمع، حيث تبلغ قيمة المحافظ الاستثمارية لهذه الدول ما يزيد على 100 مليار دولار، الأمر الذي ساهم في جعل اقتصادات هذه الدول دعامة مركزية لاستقرار النظام المالي العالمي.

هذه القوة الاقتصادية سخرت دول مجلس التعاون الخليجي جزءاً لا يستهان منها في دعم قضايا وأزمات الشعوب والدول العربية المعوزة. على سبيل المثال، وبسبب التحول الديمقراطي الذي شهدته مصر وتونس والبحرين خلال ما يعرف بالربيع العربي، الذي كانت له تداعياته السلبية على حالة الاقتصاد الوطني وأحوال المواطنين في هذه الدول، سارعت دول مجلس التعاون الخليجي بتقديم المساعدات والمعونات المالية لهذه الدول، من دون انتظار أو تأجيل. فقدمت المملكة العربية السعودية مساعدات لمصر بحوالي 4 مليارات دولار، وقدمت دولة الإمارات مساعدات بحوالي 5 مليارات دولار، وقدمت دولة قطر حوالي 10 مليارات دولار، وقدمت الكويت مساعدات بحوالي 3 مليارات دولار. وكذلك الأمر مع كل من تونس والبحرين. تباعاً، ويمكننا استنتاج أن تزايد حجم القوة الاقتصادية الخليجية ساهم بكل تأكيد في تدعيم قوتها السياسية والعسكرية.

على المستوى السياسي باتت دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن – وعلى رأسها الإمارات وقطر والسعودية – أكثر الأطراف فاعلية ونفوذاً وتأثيراً وانخراطاً بإدارة وحل الصراعات والأزمات العربية. فدولتا قطر والإمارات لعبتا دوراً غير مسبوق عربياً في الدفاع عن الشعب الليبي، الذي سعت لتدميره آلة الحرب والعنف الدكتاتوري للقذافي، وقتما وقفت أغلب الأطراف العربية مكتوفة الأيدي ومتفرجة على حملة الإبادة الجماعية التي ترتكب ضد شعب عربي أعزل ومسالم. وكذلك تحاول كلتا الدولتين اتباع الاستراتيجية نفسها مع الشعب السوري.

نجحت دول المجلس إلى حد كبير في توظيف مواردها القومية ومصادر قوتها الوطنية في بناء قوتها السياسية الخارجية

على الصعيد السياسي الداخلي هناك النموذج الكويتي المتميز في الممارسة الديمقراطية النيابية، حيث تميزت دولة الكويت بثبات وعمق ممارساتها الديمقراطية النيابية منذ الاستقلال، والتي سادتها الشفافية والنزاهة وعكسها لحركة مؤسساتية متقدمة، قائمة بالأساس على مبادئ التوفيق بين موروثات الخصوصية الثقافية والمجتمعية والبيئية العربية التي تتفاعل فيها ومواكبة العصر، حيث تتمتع الكويت ببرلمان قوي الأداء، يمارس دوره الرقابي والتشريعي بصورة مثيرة للإعجاب، بصورة أصبحت معه هذه الدولة الخليجية (جنباً إلى جنب مع لبنان) نموذجاً يحتذى به على المستوى الإقليمي العربي في الحرية والقدرة على مراقبة أداء الحكومات الوطنية ومساءلتها وكبحها وإقالتها إن هي تعدت الاختصاصات والسلطات الممنوحة لها، أو قصرت من جانب آخر في الالتزام بالواجبات والتعهدات المنوط بها القيام بها. وما حدث مؤخراً من إجبار رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح على الاستقالة بعد توارد الأنباء عن وجود شبهات فساد وتعد على المال العام خير مثال على قوة النموذج الديمقراطي الكويتي مقارنة بالدول العربية الأخرى التي تمتلك تاريخاً نيابياً وبرلمانياً طويلاً مثل مصر، التي فشلت فيها الجماعة السياسية والأحزاب وأعضاء البرلمان في التصدي للفساد والانتهاكات المنهجية والتعدي المنظم من جانب الحكومات المتوالية على القانون والدستور، ما أدى إلى اندلاع ثورة 25 يناير، التي كان الغضب من تزوير الانتخابات وتردي الأداء البرلماني (خاصة في شقي التشريع والرقابة على أعمال الحكومة) أحد أهم عوامل اندلاعها.

وعلى المستوى الدبلوماسي، وحتى في أزمات وصراعات ما قبل (الربيع العربي) كان لدول مجلس التعاون الخليجي قوة ونفوذ دبلوماسي جلي. ففي الصراع العربي-الإسرائيلي على سبيل المثال، فإن المبادرة الدبلوماسية التي تقدم بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في عام 2003 والتي عرفت باسم (مبادرة السلام العربية) لاتزال أكثر المبادرات والمقترحات العربية والدولية قبولاً من كافة أطراف المجتمع الدولي لحل الصراع العربي-الإسرائيلي.

بلا أدنى شك، لقد أصبحت المملكة العربية السعودية أقوى فاعل إقليمي عربي في الشرق الأوسط، حيث أسهمت الطفرة التنموية والاقتصادية التي سببها ارتفاع أسعار النفط خلال العقود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي، والتي استغلتها ووظفتها المملكة أفضل توظيف في بناء قاعدة تنموية واقتصادية ومالية خرسانية، وفي تطوير قدراتها العسكرية والتسليحية بأحدث نظم التسليح والدفاع. وساهم تراجع قدرات القوى الإقليمية العربية الأخرى (مصر وسوريا والعراق) بفعل الضعف الاقتصادي أو عدم الاستقرار السياسي في تدعيم مكانة المملكة باعتبارها الدولة (الارتكازية) بتعبير البروفيسور بول كيندي وكذلك باعتبارها الدولة (حلالة المشاكل) في الوطن العربي، حيث توضح مراجعة السجل التاريخي للسلوك السياسي والدبلوماسي للمملكة خلال العقد الفائت حيوية وقوة الدور السعودي في حل وإدارة الأزمات والصراعات التي نشبت بين العرب وبعضهم بعضاً، وبين العرب وجيرانهم الإقليميين من جانب، ووقوفه الثابت مع الحقوق العربية والعمل على استرجاعها والدفاع عنها أمام كافة المنظمات الدولية.

وهناك بلا شك الدور الفعال الذي يمارسه حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر في المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لتدعيم وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ودوره في اتفاقية السلام بين دولة السودان وحركة تحرير السودان (التي انفصلت الآن عن السودان) ومحاولاته الجادة لحل الصراع السياسي في اليمن.

أما دولة الإمارات فهي مازالت تنتهج أسلوب العمل الذي استنه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والداعي والعامل على تحقيق وتدعيم التعاون والعمل العربي المشترك، والتقريب بين وجهات النظر العربية ومساعدة كافة الشعوب العربية من دون قيد أو شرط وبلا حدود. وهو ما تجلى في كون دولة الإمارات كانت أول دولة تتدخل من أجل حل الأزمة السياسية في مصر منذ الأيام الأولى لثورة 25 يناير بصورة سلمية، حيث كان سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية النشيط، أول مسؤول عربي وأجنبي يزور مصر وسط الصراع. وكذلك دور الإمارات الدبلوماسي والعسكري الجريء في الصراع في ليبيا. وحتى على صعيد القضايا الدولية فإن دولة الإمارات كانت رائدة مجال العمل والتعاون الدولي المشترك، والذي تجلى في إقامة الوكالة العالمية للطاقة البديلة (إيرينا) في مدينة أبوظبي 2009، والمبادرة الإماراتية ودعوتها المستمرة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وغيرها من قضايا العمل الإنساني والخيري العالمي، حيث باتت وجوه وشخصيات خليجية مثل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وزوجته سمو الأميرة هيا بنت الحسين، وكريماته الشيخة ميثاء والشيخة منال، وهناك كذلك موزة المسند زوجة أمير قطر أكثر الشخصيات العالمية تأثيراً ومساهمة في العمل الإنساني والخيري في العالم، حيث تصدرت الشخصيات الخليجية الدعاوى الدولية الداعية لإنقاذ الأرواح الإنسانية في مناطق الكوارث والنكبات مثل السودان والصومال وباكستان وغيرها من المناطق. وتعددت مشاركات ومساهمات دول الخليج في نشاطات مواجهة الكوارث الطبيعية التي تتعرض إليها الدول والشعوب الأخرى مثل ما حدث من فيضانات في باكستان، زلزال تركيا، تسونامي دول جنوب شرق آسيا واليابان وغيرها من المناطق المنكوبة.

أهم مقومات الصعود الخليجي في المنطقة القوة المالية والاقتصادية التي تتمتع بها

أما المظهر الثقافي لهذا الصعود فيتمثل في الصعود الفني والأدبي والإعلامي والتقني والأدبي الفكري الخليجي، حيث أصبحت مدن عربية خليجية مثل الكويت والمنامة ومسقط والشارقة وأبوظبي، وبالطبع دبي التي يتواجد على أراضيها أكبر عدد إقليمي من محطات الإذاعة والتلفزيون وشركات الإعلام (مدينة دبي للإعلام) إلى جانب كبرى الشركات العالمية في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات، عواصم ثقافية عربية جديدة، تماثل وتضاهي تماماً القاهرة وبغداد وبيروت وغيرها من العواصم الأدبية العربية الكلاسكية. فتمتلئ قاعات ومسارح ومراكز الفنون والأكاديميات الفنية والعلمية والمتاحف في هذه المدن المطلة جميعاً على الخليج بالندوات والمؤتمرات والمعارض الفنية والسينمائية والمسرحية على امتداد العام، وهو ما جعل نموذج القوة الناعمة لإمارات الخليج طاغياً ومأهول التأثير على المستوى الإقليمي. فأي إنسان عربي يتمنى العيش والعمل في مدن مثل دبي وأبوظبي وجدة والدوحة ومسقط، حيث التطور وجاذبية أسلوب الحياة ونمط المعيشة.

فبفضل الرؤية الخلاقة لحكام وأمراء الخليج (الذين يعتبر أكثرهم شعراء ومفكرين أكثر منهم زعماء أو حكماء، ويكفى فقط ذكر اسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كشاعر، وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي كمؤلف ومؤرخ) وكرمهم الطائي في الإنفاق على العلوم والفنون والثقافة (البحوث والتطوير R&D كما يعرف في الغرب) أصبح الخليج العربي بحيرة ثقافية، تنتج المعرفة والفكر وتصدره للعالم العربي أكثر من غيرها من الدول العربية. ففي المجال الإعلامي على سبيل المثال لا الحصر، تمتلك دول الخليج العربية أكبر وسائل الإعلام المرئي والمكتوب تأثيراً على النطاق الإقليمي. فبحسب دراسة حديثة نشرتها جامعة ميرلاند وجد أن أكثر القنوات العربية مشاهدة وتأثيراً على المستوى الإقليمي هي خليجية، مثل قناة (الجزيرة) القطرية، (العربية) السعودية، أبوظبي الإماراتية، ومجموعة MBC السعودية. وأن أكثر الصحف العربية تأثيراً هي (الشرق الأوسط) و(الحياة) اللتان تصدرهما مؤسسات صحفية سعودية. لقد أصبحت دول الخليج هي التي تشكل الوعي الجمعي العربي (ثقافياً وفكرياً وسياسياً ... إلخ).

على صعيد آخر، تقدم هذه الدول أكبر دعم وتمويل للمجالات الفكرية والأدبية عربياً. فعلى سبيل المثال، تقدم دولة الإمارات أكبر عدد من الجوائز والتكريم والتشجيع وتحفيز العمل في مجالات العلم والفنون والآداب. فإمارة أبوظبي تقدم جائزة الشيخ زايد للكتاب، التي تعتبر أكبر جائزة عربية، وتقدم كذلك جائزة البوكر العربية، أهم وأكثر الجوائز العربية احتراماً وتقديراً في مجال الكتابة الأدبية. وهناك أيضاً جائزة شاعر المليون، التي يرعى فاعلياتها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي. أما قطر، فتقدم أكبر جائزة عربية في مجال العلوم الاجتماعية، المعروفة باسم الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية. أما المملكة العربية السعودية فقد تميزت منذ عقود بأصالة جوائزها المساندة والداعمة للبحث العلمي وللدراسات الإسلامية والأدب العربي والطب والعلوم، فتقدم جائزة الملك فيصل العالمية التي تمنح لصاحب أكبر إسهام علمي مسلم. وهناك جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للترجمة. أما دبي فإنها تتميز بجائزتها العالمية للقرآن الكريم، التي يقدمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لحفظة القرآن الكريم، وللشخصيات الإسلامية البارزة، وللمؤسسات العلمية والدعوية الأفضل على مستوى العالم الإسلامي، وغيرها من الجوائز والمكرمات والمنح التي تقدم للعلم وللعلماء، بل وصل إلى إلى حد تخصيص دول خليجية مثل الإمارات والكويت والبحرين يوماً وطنياً للاحتفال بالعلم والعلماء يسمى (عيد العلم).

إن دول الخليج قد تكون طغت وتوسعت في البناء والتشييد العمراني (ثورة الكونكوريت بلغة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي) وفي المنشآت الترفيهية والاستهلاكية – وطبعاً الصناعية والخدمية –لكنها لم تنس غذاء العقول وأماكن البحث العلمي ورجاله وباحثيه (ثورة العقول). فإيمان حكامها وزعمائها بأن لا نهضة بلا علم نجد تطبيقه في انتشار الجامعات والمعاهد العلمية والتقنية والفنية والمكتبات العامة داخل كل مدينة خليجية.

أهدافه

إن تزايد حجم النفوذ والقوة القومية والخارجية لدول الخليج يصب في الأساس في المقام الأول لصالح الدول والمجتمعات والشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. فدول الخليج ذات هوية عربية وإسلامية، يفاخر أهلها وحكامها بانتمائهم إلى الأمة العربية (ثقافياً وتاريخياً وعرقياً)، وترى أن ما هو في صالح العرب هو في صالح الخليج وأهله، والعكس بالعكس.

إن دول مجلس التعاون الخليجي ترى في تزايد قوتها ونفوذها الخارجي لا بد أن يصب في مصلحة الأمة العربية ومصالحها القومية بالأساس، حيث يأمل أهل الخليج في أن يكون العائد من وراء حالات النمو الاقتصادي والتنموي والقوة السياسية والنفوذ الدبلوماسي تحقيق العديد من الأهداف القومية والوطنية، مثل:

* الحفاظ على أمن واستقرار الدول العربية جمعاء، وحماية مواطنيها من التعرض لأية صور من التهديد أو الخطر الداخلي أو الخارجي. خاصة ضد بعض القوى الإقليمية المعادية للعرب.

* تدعيم وتشجيع كافة صور العمل الجماعي العربي المشترك بين جميع الفاعلين والأطراف الإقليميين، بصورة تخدم وتساهم في التسريع نحو تحقيق الوحدة العربية الطوعية بين الشعوب العربية، كبداية نحو تحقيق التكامل الإقليمي (الاقتصادي) بين الحكومات والنظم العربية.

* العمل على تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي عن طريق توسيع حجم التجارة والاستثمار والتبادل والتعاون الاقتصادي، وعدم اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة لحل الصراعات بين الدول العربية وجيرانها.

* العمل على إيجاد فرص نمو اقتصادي وبناء قاعدة اقتصادية – تنموية حقيقية تساهم في تحسين الظروف المعيشية لجميع الشعوب والمجتمعات العربية.

* بناء نهضة علمية وتقنية ومعرفية عربية وذلك من خلال العمل على تسريع وتيرة الإنتاج المعرفي برفع وتحسين مستوى االتعليم وبناء اقتصاديات المعرفة وتشجيع الابتكار وتمويل المشروعات النهضوية في المجالات كافة وفي مختلف الدول العربية، وذلك لإعادة العرب إلى قديم مجدهم ورفع مكانتهم بين القوى الدولية، كند لهم وليس تابعاً أو مقلداً أو مستهلكاً لمعرفتهم.

التحديات التي تواجهه

لم يكن الطريق أمام الصعود الخليجي سهلاً أو مفروشاً بالورود، وبالطبع فإن المستقبل لن يكون كذلك. فعلى الرغم من كل الإنجازات التي حققتها ولا تزال تحققها هذه الدول إلا أن المستقبل يخبئ لها العديد من الصعوبات والتحديات (الداخلية والخارجية) قد تحول دون استمرار النهوض والتقدم الخليجي. ولعل من أهم هذه التحديات هي:

1- تحد سكاني: ويتمثل في حالة اختلال التوازن الديموغرافي داخل دول مجلس التعاون. فمن جانب هناك اختلال داخلي بين المواطنين والوافدين، حيث لوحظ التناقص الشديد في عدد السكان المواطنين مقارنة بالوافدين خاصة في دول مثل الإمارات وقطر والكويت. وهو ما قد يهدد دعائم الاستقرار والأمن والنمو الاقتصادي في المستقبل في حالة حدوث توترات وأزمات سياسية جدية مع الدول التي يأتي منها هؤلاء الوافدون. على صعيد آخر اختلال التوازن الديموغرافي بين دول الخليج العربية وجيرانها (خاصة إيران) وهو ما ساهم في استمرار حالة الاختلال الدائم والمعضلة الأمنية الدائمة في الخليج العربي. فبينما لا يصل إجمالي عدد السكان العرب في دول الخليج الست إلى حوالي 40 مليون نسمة، فإن عدد سكان إيران يتعدى 80 مليون نسمة. وحتى اليمن – الجار الضعيف لدول الخليج – يصل حجم سكانه إلى ما يوازي عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي من دون السعودية. إن مثل هذا الضعف البشري والسكاني قد يكون محرضاً لهذه الدول على الاعتداء وتهديد دول الخليج.

2- تحد اقتصادي: من المعلوم أن النظام الإقليمي الخليجي هو نظام نفطي بالأساس، أي قائم على النفط، سواء بتصديره كمادة خام أو بالصناعات التحويلية المرتبطة به، والعوائد النفطية هي المصدر الرئيسي، أو حتى الوحيد، لأغلب الإيرادات الحكومية وممول الإنفاق الحكومي الهائل لهذه الدول. وفي ظل تزايد الطلب الدولي على الطاقة وتناقص حجم الاحتياطيات النفطية في دول المجلس فإن هذه الدول مطالبة بضرورة التوصل إلى بدائل أخرى للنفط، في حالة وقوع التنبؤات القائلة بقرب نهاية عصر النفط.

3- تحد عسكري وأمني: حيث فرضت الطبيعة الجغرافية على دول مجلس التعاون أن تكون دولاً صغيرة محاطة بمجموعة من الدول الكبرى القوية، وفي الوقت ذاته كونها دولاً ثرية، فإنها غالباً ما كانت مطمعاً وعرضة للاعتداء عليها من الخارج، وهو الأمر الذي فرض عليها اللجوء لتوفير الحماية وشرائها من أطراف وقوى خارجية تحميها وتحفظها من هجمات جيرانها الطامعين والعدوانيين. لكن هذا الاسلوب فرض على دول الخليج أعباء اقتصادية هائلة وجر عليها مشكلات سياسية مزعجة، وفي الوقت ذاته لم يوفر لها الحماية بصورة كلية. ففي خلال ثلاثة عقود (1980-2003) انخرطت دول الخليج بثلاث حروب مريرة، راح ضحيتها ملايين العرب، ودفعت من أجلها مليارات الدولارات لو أنفقت على الأنشطة التنموية لأصبح الخليج العربي (والوطن العربي كله) في مستويات معيشية وتنموية أعلى من تلك التي تحيا فيها مجموعة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

لقد أظهرت التجربة التاريخية أن القوى الدولية الخارجية غير قادرة على توفير الحماية للأطراف الأخرى، وهو ما اكتشفته دول الخليج في التجربة التي مرت بها مملكة البحرين مؤخراً، والتي لولا تكاتف دول الخليج العربية وتدخلها العسكري الانفرادي لفقدنا أخاً عزيزاً علينا جميعاً وهو البحرين، حيث أجبرت الحسابات والتعقيدات السياسية والعسكرية والاستراتيجية للولايات المتحدة (الحامي التقليدي للخليج) بينها وبين إيران على توجب الحذر والانتظار قبل التدخل لحماية النظام السياسي العربي في البحرين، وهو الأمر الذي لم تستسغه أو تبلعه الدول الخليجية، التي أخذت قراراً أحادياً فورياً بإرسال قوة عسكرية لحماية المملكة من دون انتظار موافقة أو مساعدة خارجية. وهذا هو الحل الوحيد المقبول والصحيح أمام هذه الدول لمواجهة تحدياتها الأمنية والعسكرية. فإلى جانب قواتها الوطنية المسلحة، فإن حليفها الطبيعي والأبدي لن يكون من الخارج، وإنما من داخل الأمة العربية. وهو ما يفسر سر تكالب الدول الخليجية على مساعدة ونجدة الشعوب العربية لإيمانها بأن أمن العرب لن يتحقق إلا بأيدي العرب.

حصة دول الخليج من إجمالي حجم التجارة الخارجية العربية حوالي 40 في المائة

الآمال المعقودة عليه

إن التحول التاريخي الذي أحدثته الثورات العربية في النظم العربية سوف يطال دول مجلس التعاون الخليجي، لكن ليس بالشكل نفسه. فإن الشعب الخليجي ليس كالشعب المصري أو التونسي أو الليبي. بمعنى أن نسبة الرضا الشعبي عن الأداء الحكومي في دول الخليج – وتحديداً في دولة الإمارات كما أخبرنا الفريق ضاحي خلفان – تعدت 85 في المائة. وهي نسبة غير معهودة في أي نظام سياسي. ما يعني – ضمن ما يعني – أن النظام السياسي والمؤسسات الوطنية لا توجد لديها أزمة مع الشعب أو المجتمع. إن من حنكة وحكمة حكام الدول الخليجية أنهم استوعبوا جيداً درس الثورات العربية وبادروا إلى الاستجابة الاستباقية والوقائية للمطالب الشعبية في ممارسة العمل السياسي والاجتماعي العام، وهو ما عملت على توفيره بصورة تدريجية وليس بصورة راديكالية كما تحاول الدول الثورية، وهو الأسلوب الذي ترى فيه هذه الدول مصيره الفوضى، أو كما ذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد (لنبدأ خطوة خطوة.. ثم سنرى النتائج في المستقبل، ونقارن نتائجنا وأداءنا مع الآخرين).

إن دول الخليج مطلوب منها سرعة الانغماس وتقويته، والإسراع في تقديم يد المساعدة والعون للدول العربية المتأزمة، والتعجيل في اجتيازها لحالات التعثر والتخبط، من دون أن يعني ذلك التدخل من قريب أو بعيد في تحديد أو رسم مسارات التغيير الديمقراطي في هذه الدول، وذلك من أجل عودة الأمن والاستقرار إلى المنطقة، وتدعيم علاقاتها مع الشعوب الثورية وحكوماتها المنتخبة، مهما كانت شكلها أو أيديولوجياتها السياسية، وتوسيع حجم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والثقافي والتكامل السياسي مع هذه الدول، وذلك للعمل على توحيد الصف العربي والجبهة العربية من أجل مواجهة أعداء الأمة من الداخل، كالفقر والإرهاب والبطالة والتخلف التنموي والمعرفي، فهذا مستصغر الشرر الذي أشعل الحرائق في العالم العربي من المحيط إلى الخليج. والخطر الخارجي المتربص بدول الخليج (إيران) والأمة العربية كلها (إسرائيل).

إن الأمة العربية أمامها فرصة تاريخية عظيمة لتعويض تخلفها عن ركب الحضارة والتطور والتقدم، إن هي نجحت في تدعيم ومساندة آمال الشعوب الساعية والراغبة في تحقيق (غايات) الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية من جانب، وتسخير واستغلال موارد هذه الأمة (البشرية والمالية والطبيعية) كـ (وسيلة) لبلوغ هذه الأماني والغايات من جانب آخر. ودول مجلس التعاون الخليجي (وخصوصاً دولة الإمارات) جاءتها الفرصة والظرف التاريخي الموضوعي الآن للانتقال من المقاعد الخلفية إلى موقع القائد. ونأمل بأن تصل القيادة الخليجية للنظام العربي في القرن الحادي والعشرين إلى بر الأمان، حيث السلام والاستقرار، والحرية والكرامة والاستقلال.

مجلة آراء حول الخليج