; logged out
الرئيسية / المحددات الحاكمة لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران

العدد 132

المحددات الحاكمة لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

ثمة مجموعة من الأسباب دفعت إدارة ترامب إلى الانسحاب المنفرد من الاتفاق النووي مع إيران (المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة)، في 8 مايو 2018م، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، والتي تتمثل في تنفيذ الوعود الانتخابية أمام الرأي العام الداخلي والدولي، وامتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، وافتقار الاتفاق إلى آليات تفتيش صارمة لمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية، وتعزيز الرغبة لدى القوى الإقليمية في امتلاك الأسلحة النووية، وتوظيف الأموال المجمدة بعد رفع العقوبات في دعم السياسات الإيرانية التدخلية وخاصة في بؤر الصراعات المسلحة العربية، والضغوط الإسرائيلية المتواصلة على الإدارة الأمريكية لحصار إيران وتقليص نفوذها، وإرضاء الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وخاصة دول الخليج.

بوجه عام، تشير العديد من التصريحات الرسمية الصادرة عن الرئيس الأمريكي والبيت الأبيض، فضلاً عن الأدبيات الصادرة عن مراكز البحث والتفكير والتحليلات الواردة في وسائل الإعلام، خاصة الأمريكية، إلى أن هناك مجموعة من المحددات الحاكمة لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، على النحو التالي:

 

1- تنفيذ الوعود الانتخابية، التي كان قطعها الرئيس ترامب على نفسه منذ أن كان مرشحا لرئاسة الولايات المتحدة في أحاديثه لوسائل الإعلام خلال عامي 2015 و2016م، بضرورة إلغاء الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع الدول الأوروبية وإيران فيما عرف باتفاق "5+1" في يوليو 2015م، لأنه يعتبره "اتفاق كارثي"، لم يحافظ على أمن الولايات المتحدة. هذا بالإضافة إلى محاولته الانتقاص من شرعية الرئيس السابق أوباما، فالاتفاق النووي مع إيران يعد أحد المكاسب التي حققها أوباما خلال ولايته الثانية، وفقًا لاتجاه سائد في الكتابات الأمريكية.

وتعد رؤية ترامب وأنصاره ومستشاريه، أو ما يطلق عليهم "حراس البوابة الأمريكية"، للاتفاق باعتباره "الصفقة السيئة" للولايات المتحدة، والاقتناع بأن المفاوضين الأمريكيين لم يكونوا على مستوى المسؤولية الوطنية في الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة. ففي 13 أكتوبر 2017م، أثناء خطابه عن استراتيجيته تجاه إيران، قال ترامب "إن العقلية التي كانت وراء هذا الاتفاق هي نفس العقلية المسؤولة عن توقيع الكثير من الاتفاقيات التجارية في الأعوام الماضية التي ضحت بمصالح الولايات المتحدة التجارية وغلبت مصالح دول أخرى، وأضاعت ملايين فرص العمل على أبناء وطننا. "وأضاف نحن بحاجة لمفاوضين يدافعون بقوة عن مصالح الولايات المتحدة".

ومن ثم، كان هناك اتجاه عام لدى إدارة ترامب للتخلص من هذا الاتفاق بأي شكل، فيما يطلق عليه "عقدة أوباما"، ولم يعد الحديث عن اتفاق تكميلي، وإنما إعادة التفاوض على اتفاق جديد حيث قال ترامب خلال كلمته التي تفسر الانسحاب "بخروجنا من الاتفاق سنبحث مع حلفائنا عن حل مستدام وشامل، اتفاق تستفيد منه إيران والشعب الإيراني، وعندما يكونون مستعدين، فأنا جاهز، ومستعد، وقادر". فهذا القرار يتسق مع الخط السياسي الرافض للاتفاق الذي يتبناه ترامب من الأساس.

ولعل ما ساعد على اتخاذ ترامب هذا القرار خروج اثنين من الداعمين للحفاظ على الاتفاق، مع تعديله وتقويته، من إدارته، هما وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي السابق، إتش أر ماكماستر، بل حل محلهما مايك بومبيو وجون بولتون، وكلاهما معارض الاتفاق ومؤيد الانسحاب منه. فالمسألة تعلقت بتوقيت القرار وليس مبدأ اتخاذه، لاسيما بعد فشل جهود الوسطاء الأوروبيين – بسبب تعنت الموقف الإيراني- في التوصل إلى صيغة تفاهم ترضي الطرفين الأمريكي والإيراني، وأدى هذا الفشل إلى إعلان الانسحاب الأمريكي من الاتفاق.

وفي هذا السياق، تبرز بعض التحليلات التي ترى أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي يهدف إلى إسقاط النظام الإيراني، عبر مراحل متدرجة تبدأ بزيادة الضغوط الاقتصادية وتنتهي بالحرب المباشرة، على نحو ما حدث مع عراق صدام حسين. وتبعًا لوجهة النظر هذه، يتجاوز الهدف الأهم من وجهة نظر واشنطن الاتفاق النووي الإيراني أو السياسات التدخلية الإيرانية في الشؤون الإقليمية إلى هدف أوسع وهو إسقاط النظام. ولعل ما يؤكد صحة هذا التحليل مخاطبة وزير الخارجية بومبيو الشعب الإيراني بأن "عليه أن يغير قادته"، متسائلاً "ماذا استفاد الإيرانيون من ثورتهم بعد 40 عامًا ؟".

 

2- امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، إذ يعتبر ترامب أن هذا الاتفاق "معيب" وأن الاتفاق الذي وقعته إدارة أوباما لم يجهض طموحات طهران الرامية إلى امتلاك السلاح النووي، بل سمح لها بتطوير قاعدة صناعية نووية كبيرة دون فرض قيود على أعداد أجهزة الطرد المركزي ونوعيتها المسموح بها ومواصلة تخصيب اليورانيوم، على نحو يقودها بمرور الوقت إلى "حافة الاختراق النووي" أو "العتبة النووية" خلال فترة زمنية قصيرة. بعبارة أخرى، إن بنود "الغروب في الصفقة" أو المدة الزمنية المحددة في الاتفاق على تخصيب اليورانيوم غير مقبولة على الإطلاق.

ومن ثم، فإن رؤية إدارة ترامب مفادها أن النظام الإيراني لا تنحصر رغبته في مجرد امتلاك البرنامج السلمي للطاقة النووية، بل أن ثمة وثائق استخباراتية تكشف تاريخ النظام الإيراني في السعي للحصول على أسلحة نووية. وقد تحدث الرئيس ترامب في خطابه الذي أعلن فيه الانسحاب من الاتفاق بصيغة الفعل المضارع عن سعي إيران المستمر لبناء قنبلة نووية. وفي 30 إبريل 2018م، قال ترامب "في غضون سبعة أعوام سيصل الاتفاق لنهايته وستتحرر منه إيران ويكون بمقدورها إنتاج أسلحة نووية"، وهو أمر لا يمكن قبوله من وجهة نظره.

وقد أثار جهاز الاستخبارات الإسرائيلي مفاجأة في 30 إبريل 2018م، عندما أكد (استنادًا لوثائق من 55 ألف صفحة، و55 ألف ملف أخر على 193 قرصًا مدمجًا) أن العاملين في البرنامج النووي الإيراني سبق وعملوا على أجهزة متفجرة نووية، وحافظوا سرًا على أعمالهم المتعلقة بصنع القنابل، والذي يشمل الرسومات وبناء الطراز بالحاسوب، واختبار محفزات النيوترون. وقد قاموا بذلك على الرغم من أن الاتفاق النووي يلزمهم بعدم السعي إلى امتلاك سلاح نووي أو حيازته أو تطويره، أو المشاركة في أي عمل من أعمال التصميم هذه.

وقد دعا ذلك الخبير في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى دينيس روس (الذي سبق أن خدم في الولاية الأولى لإدارة أوباما) إلى التساؤل في مقال له بدورية فورين أفيرز في 11 مايو 2018 م، "لو تخلى الإيرانيون حقًا عن نواياهم في حيازة أسلحة نووية يومًا ما، فلماذا احتفظوا بجميع هذه الوثائق؟". باختصار، لقد ارجأت إيران خيار امتلاك الأسلحة النووية ولم تتخلى عنها، على نحو يشير إلى أن انتقادات ترامب للاتفاق النووي صحيحة. فإيران كانت أقرب تطوير سلاح نووي قابل للاستخدام أكثر مما تصوره العديد من الخبراء حتى أولئك الذين شككوا سابقا في إنكار هذا الواقع.

 

3- افتقار الاتفاق إلى آليات تفتيش صارمة لمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية، على نحو يقلص فرص كشفها ومعاقبتها على أية محاولات للخداع الاستراتيجي للوكالة الدولية للطاقة الذرية أو للأجهزة الاستخباراتية للدول الكبرى. فالمفتشون لا يملكون حق التفتيش غير المشروط للعديد من المواقع بما فيها العسكرية، وفقًا لرؤية إدارة ترامب، على الرغم من قيام مسؤولي الوكالة بالعديد من الزيارات لمواقع هذا البرنامج، للتحقق من التزام إيران بتطبيق الاتفاق، وأقرت الوكالة بهذا الالتزام.

لذا، ظهرت بعض التحليلات لدى عدد من مراكز الدراسات الأمريكية والأوروبية التي تشير إلى أنه في ظل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، فقد تلجأ إيران لزيادة تخصيب اليورانيوم، وإذا تبنت إيران هذا، فإن الهدف الرئيسي للاتفاق والمتعلق بتحجيم قدرة إيران في الحصول على أسلحة نووية لن يكون متاحًا بعد الأن.

 

4- تعزيز الرغبة لدى القوى الإقليمية في امتلاك الأسلحة النووية، إذ أن بقاء الصفقة على صيغتها الحالية يعني – وفقا لرؤية إدارة ترامب- أن منطقة الشرق الأوسط سوف تشهد خلال المرحلة المقبلة سباق تسلح نووي، إذا ما تمكنت إيران من امتلاك هذا السلاح، لاسيما أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، وترفض التوقيع على اتفاقية عدم نشر الأسلحة النووية على نحو يشير إلى اختلال موازين القوى بين الدول العربية والدول غير العربية في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، حذر سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من أن بلاده ستطور وتمتلك سلاحًا نوويًا إذا امتلكت منافستها الإقليمية إيران قنبلة نووية، حيث صرح في حوار مع برنامج 60 دقيقة على شبكة سي بي إس الأمريكية، إن السعودية "لا تريد الحصول على الأسلحة النووية"، لكنه استطرد موضحًا " لكن دون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها في أسرع وقت ممكن". كما سبق في عام 2011م، عندما حذر الأمير تركي الفيصل - سفير السعودية السابق لدى الولايات المتحدة- من أن التهديدات النووية من إسرائيل وإيران قد تجبر السعودية على أن تحذو حذوها.

فقد أوضح الرئيس دونالد ترامب، في كلمته من البيت الأبيض لشرح أسباب الخروج "إذا سمحنا لهذا الاتفاق بالمواصلة فسيكون هناك قريبًا سلاح نووي في الشرق الأوسط". في حين أن ثمة مخاوف أوروبية مقابلة مفادها أن انهيار الاتفاق النووي سيؤدي إلى سباق تسلح في منقطة الشرق الأوسط، وصراع بين إيران وإسرائيل، بالإضافة إلى تصعيد الحروب بالوكالة في المنطقة بين طهران والرياض، وهو الأمر الذي يحمل تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الأمن الأوروبي وعلى مصالح القوى الأوروبية بالمنطقة.

 

5- توظيف الأموال المجمدة بعد رفع العقوبات في دعم السياسات الإيرانية التدخلية وخاصة في بؤر الصراعات المسلحة العربية في سوريا والعراق واليمن ولبنان، فضلاً عن مناطق أخرى من العالم، لاسيما بعد مضاعفة الميزانية الخاصة للشؤون العسكرية والتسليحية بنسبة 40 %، وتوظيف الأموال في بناء الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، في الوقت الذي استمرت الأوضاع الاقتصادية تسوء، سواء من حيث ارتفاع معدلات البطالة وتزايد التضخم، وتراجع قيمة الريال الإيراني، على نحو ما يفسر استمرار اندلاع الاحتجاجات في الداخل ثلاث مرات خلال نصف عام.

وقد أدى ذلك إلى فقدان الولايات المتحدة أحد أوراق الضغط  الكبرى على إيران، بل حصل النظام الإيراني على مليارات الدولارات لتعزيز ما يطلق عليه في الأدبيات "إيران التمدد"، وإحداث الفوضى في جميع أنحاء الشرق الأوسط بشكل خاص. في حين أن الاتفاق النووي يفتقر القدرة على تقييد أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار الإقليمي، بما فيها دعم الميلشيات المسلحة والجيوش الموازية مثل حزب الله في لبنان والمجموعات الشيعية التي تقاتل مع النظام السوري والجماعات المسلحة في العراق وميلشيا الحوثيين في اليمن.

وفي هذا السياق، برزت أدلة محددة على خرق إيران روح الاتفاق ومنها تقارير الأمم المتحدة حول تزويد طهران الحوثيين بالصواريخ الباليستية خرقًا لقرار مجلس الأمن 2216. وتبعًا لرؤية ترامب، فإن تراجع القدرات المالية لإيران بسبب إعادة فرض عقوبات اقتصادية أمريكية عليها، سيحد من تمويلها الجماعات الموالية لها، على نحو يحد بالتالي من النفوذ الإيراني في المنطقة العربية.

فرؤية إدارة ترامب تختلف عن رؤية إدارة أوباما التي كانت تطمح في الوصول إلى تفاهمات مع إيران وإشراكها في الجهود المبذولة للوصول إلى تسويات للأزمات الإقليمية المختلفة، بعد سيادة اعتقاد لدى عناصرها أو أركانها مفاده أن النجاح في التوصل إلى اتفاق نووي معها سوف يدفعها إلى إجراء تغيير في سياستها باتجاه إضفاء طابع أكثر اعتدالاً عليها، بل دعوتها إلى إجراء حوارات مع القوى الإقليمية المتنافسة، وعدم الدخول في مواجهات معها.

وفي هذا السياق، تعرضت العلاقات الأمريكيةـ الإيرانية لهزة عنيفة مع وصول ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، والذي يتبنى نهجًا مختلفًا وفقًا لنسقه العقيدي عن النهج الذي اتبعه الرئيس السابق أوباما، بل يعتبر ترامب الاتفاق النووي "أسوأ صفقة في التاريخ" وسعيه المستمر لعرقلة حصول طهران على عوائد اقتصادية منه. بل حرص ترامب على توسيع نطاق الخلافات مع إيران واعتبارها جزء من المشكلة بدلاً من أن تكون جزءًا من الحل، بحيث لم يعد الاتفاق النووي فقط محور الخلاف الوحيد بين واشنطن وطهران إذ ركزت إدارة ترامب على قضايا تدخلات إيران الإقليمية ودعمها للإرهاب وتطويرها برنامج الصواريخ الباليستية.

وقال ترامب في تصريحات تبرر خروجه من هذا الاتفاق "كان يفترض أن يكون هذا الاتفاق بناءً، لكن هذا لم يحدث، مضيفًا " اليوم لدينا أدلة دامغة تؤكد أن وعود إيران كانت أكذوبة. هذا يدل على أن الاتفاق كان مريعًا. لم يجلب السلام والهدوء". وتبعا لذلك، تمثل التحدي للسياسة الأمريكية في السنوات الماضية في موازنة إحجامها عن زيادة تدخلها في الشرق الأوسط والرغبة في مواجهة إيران التي تزداد في ممارسة "السياسات الشيطانية"، والتي لا تهدد استقرار المنطقة فحسب، بل حرية التجارة والملاحة في الممرات المائية في المنطقة وأمن حلفاء الولايات المتحدة.

 

6- الضغوط الإسرائيلية المتواصلة على الإدارة الأمريكية، وتقديم أدلة على عدم حسن النوايا الإيرانية بخصوص البرنامج النووي، لاسيما في ظل تصريحات متبادلة واحتكاكات ميدانية بين إيران وإسرائيل على الساحة السورية، وتهديد إسرائيل بضرب المنشأت النووية الإيرانية، في حال إقدام طهران على ضرب تل أبيب. لذا، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بقرار ترامب، وأكد تأييد بلاده الكامل لهذه الخطوة، ووصف القرار بأنه "جرئ".

ووفقًا لتصريحات صادرة عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، فإن نيتانياهو أبلغ الرئيس الأمريكي ترامب في 5 مارس 2018م، بالأدلة المزعومة. وفي ذات اليوم، أعلن ترامب أن عرض نيتانياهو أثبت أن موقفه من الاتفاق الإيراني "صحيح مائة في المائة". كما أصدر البيت الأبيض بيانًا حينذاك جاء فيه أن المعلومات التي أعلنتها إسرائيل بشأن البرنامج النووي الإيراني توفر تفاصيل جديدة ومقنعة بشأن جهود إيران لصنع أسلحة نووية يمكن إطلاقها عن طريق صواريخ.

 

7- إرضاء الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا ثلاث دول خليجية (السعودية والإمارات والبحرين) والتي تضررت من سياسات التمدد الإيراني في الإقليم، إذ سوف تتجه الإدارة الأمريكية فيما يبدو لزيادة ضغوطها على النظام الإيراني، خلال المرحلة المقبلة، إذ ترى إدارة ترامب أنه من الضروري تقييد الاقتصاد الإيراني لتحجيم تهديداتها داخل الشرق الأوسط وذلك من خلال حزمة واسعة من العقوبات الاقتصادية ستفرضها وزارة الخزانة الأمريكية.

وسوف تطال هذه المرة كافة الأنشطة الاقتصادية في إيران، بما سيؤدي على الأرجح لشلل اقتصادي واسع بالبلاد خلال الفترة المقبلة، ومن شأن العقوبات الأمريكية أن تضعف الثقة الدولية بالاقتصاد الإيراني وتعمل على إضعافه بخلاف تقويض الطموح الإيراني بدعم مكانة قطاع النفط والغاز الطبيعي دوليًا وهو ما يرضي الدول التي ترى أن الصمت الأمريكي خلال إدارة أوباما هو الذي سمح لطهران بتغلغل نفوذها في شؤون دول المنطقة.

فقد أصدرت ثلاث دول خليجية فور إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 مايو 2018م، بشأن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، بيانات ترحيب لما تضمنه الإعلان الأمريكي من إعادة فرض للعقوبات الاقتصادية على إيران والتي سبق وأن تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي الموقع في يوليو 2015م، خلال إدارة أوباما، وهو ما يمكن إرجاعه لمجموعة من العوامل تتمثل في استخدام لطهران للأموال المجمدة في زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي، وإضعاف النظام الإيراني بتوقيع عقوبات اقتصادية عليه والقوى الداعمة له، وتوجيه رسائل رادعة لحليف إيران في الإقليم (قطر) فضلاً عن وكلاءها في بؤر الصراعات مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، والاتساق مع السياسات التي تتبعها عدد من دول الخليج لإخلاء الإقليم من خطر الأسلحة النووية.

إذ عبرت السعودية عن تأييدها القرار الأمريكي الرامي إلى الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي مع إيران حيث جاء في البيان "أن السعودية تؤيد ما تضمنه الإعلان الأمريكي من إعادة فرض للعقوبات الاقتصادية على إيران والتي سبق وأن تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي". كما أيدت الإمارات قرار ترامب، على نحو ما عكسته تغريدة نشرتها وكالة الأنباء الإماراتية  "الإمارات تدعو المجتمع الدولي والدول المشاركة في الاتفاق النووي إلى الاستجابة لموقف الرئيس ترامب لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل وذلك من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدولي".

وقالت مملكة البحرين في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية إنها "تدعم بشكل كامل قرار الولايات المتحدة الأمريكية للتصدي للسياسات الإيرانية ومحاولاتها المستمرة لتصدير الإرهاب في المنطقة دون أدنى التزام بالقوانين والأعراف الدولية". وشددت على وقوفها إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في جهودها الهادفة للقضاء على الإرهاب على الصعيدين الإقليمي والدولي. ودعت المنامة بقية أطراف الاتفاق النووي إلى الانسحاب منه مثل ترامب، وأكدت على "موقفها الداعم لجميع المساعي التي تهدف إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل بما فيها منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، ومكافحة تمويل وإسناد إيران للميلشيات المتطرفة في المنطقة".

 

خلاصة القول يستند قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران إلى حسابات محددة تتعلق بالداخل الأمريكي الذي خاطبه بتعظيم المخاوف من طهران، وهو ما انعكس أيضًا في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وتهدئة دول الخليج المتضررة من سياسات إيران وإعلاء نفوذها في بؤر الصراعات، وترجمة التوافق مع اليمين الحاكم في إسرائيل إزاء الخطر الإيراني، بما يصب في تحقيق هدف رئيسي وهو سياسات ردع إيران.

فانسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، يعني متغيرًا محددًا وهو أنه أزال نهج عهد أوباما تجاه إيران، وإذا تمكنت الأخيرة من تهديد الاستقرار الإقليمي من خلال توسيع تدخلاتها في بؤر الصراعات أو استئناف برنامجها النووي، فسيعود الأمر إلى إدارة ترامب لكي تثبت لشركاؤها في الإقليم وأوروبا أن لديها سياسة لإضعاف الاحتمالين، وأن الانسحاب من الاتفاق النووي يمثل نهاية طريق ليس للسياسة الأمريكية وإنما للسياسة الإيرانية، إذ لا يوفر الانسحاب وحده دليلاً على الأهداف العامة للإدارة الأمريكية تجاه إيران والسياسات اللازمة لتحقيقها.

مجلة آراء حول الخليج