; logged out
الرئيسية / صعود الهند وأمن الخليج العربي

العدد 88

صعود الهند وأمن الخليج العربي

الأحد، 01 كانون2/يناير 2012

قال الرئيس الأمريكي باراك اوباما أمام البرلمان الهندي في نوفمبر 2010 (إن العلاقة بين الهند وأمريكا ستكون واحدة من الشراكات التي ستحدد القرن الحادي والعشرين، وإن أمريكا تضع الرهان على مستقبل الهند وعلى الدور الأكبر الذي ستلعبه على المسرح الدولي والذي سيساهم في دعم السلام والأمن). كما وسعت إدارة أوباما الشراكة الثنائية مع الهند، حيث أصبح الفيل الآسيوي يتطلع إلى الشرق»، وأن تشارك الهند في حوار ثلاثي جديد بين الهند واليابان وأمريكا.

تتبنى الهند مبدأ مونرو الهندي في جنوب آسيا والمحيط الهندي من خلال تعزيز بناء أسطولها، فما تأثير ذلك على أمن منطقة الخليج العربي التي كانت يوماً ما تدار من مكتب الهند البريطاني في بومباي كما يردد ذلك ساسة الهند، وفي ظل عمالة هندية تتجاوز سبعة ملايين عامل هندي على أقل تقدير.

عناصر قوة الهند

تأتي الهند في المرتبة الثانية بعد الصين في عدد سكانها، مليار و190 مليون نسمة (يوليو 2011)، وتأتي في المرتبة الخامسة على مستوى العالم في الناتج القومي الإجمالي الذي بلغ 4,046 تريليون دولار (2010)، وتأتي في المرتبة السابعة عالمياً في معدل النمو الاقتصادي سنوياً، 8,3 في المائة (2010)، وتأتي في المرتبة الثانية في عدد قوتها العاملة، 478,3 مليون عامل (2009)، لكن في مستوى دخل الفرد السنوي تأتي في المرتبة 164 عالمياً، حيث مستوى دخل الفرد 3400 دولار، ويصل مستوى البطالة فيها إلى 10,8 في المائة (2010)، ويعمل 52 في المائة من العمالة الهندية في الزراعة، ونسبة الذين تحت مستوى خط الفقر من سكانها وصلت إلى 25 في المائة، وهي دولة مستوردة للنفط والغاز الطبيعي، وإضافة إلى ذلك فهي قوة نووية وتبني قوة برية وبحرية وكما قال الرئيس أوباما، فإن لها مستقبلاً في لعب دور عالمي تحتاج إليه الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة والدور الهندي

منذ نهاية الحرب الباردة وصعود الدور الصيني أخذت الولايات المتحدة تفكر في أهمية الهند بثقلها السكاني وقوتها النووية وجوارها الجغرافي في محاولة للتقرب إلى الهند من أجل توازن القوى الإقليمي في آسيا وعلى مستوى العالم ضد النفوذ الصيني المتزايد، وقدمت الولايات المتحدة إغراءات متعددة للهند لكسبها إلى جانبها سواء في مجال التعاون الاقتصادي أو التعاون في مجال الطاقة النووية حتى أصبحت باكستان الحليفة التقليدية للولايات المتحدة في الحرب الباردة هامشية بعد الحرب الباردة حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر 2011 لتعيد إلى باكستان أهميتها للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب ومع ذلك كان تحالفاً مخادعاً. ولا تخفي واشنطن أهمية الهند الاستراتيجية لمصالح الولايات المتحدة في آسيا. وقد حرص رؤساء الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة على زيارة الهند، بيل كلينتون عام 2000، جورج بوش الابن عام 2006 وباراك أوباما في نوفمبر 2010، وهو أول رئيس أمريكي يزور الهند في ولايته الأولى، وكانت زيارات الرؤساء تمتد إلى عدة أيام في الوقت الذي لم تحظ باكستان بمثلها بل كانت زيارة لعدة ساعات كما فعل كلينتون في زيارته إلى باكستان.

ومما يعكس أهمية الهند في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، الاتفاقية النووية الثنائية بين الهند والولايات المتحدة عام 2010، رغم عدم تقديم الهند تنازلات مقابل ذلك مثل الانضمام إلى معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية أو الحد من التنافس النووي. وقد أعلنت مؤخراً رئيسة وزراء أستراليا، جوليا غيلارد، تخفيف الحظر الذي تفرضه أستراليا على مبيعات اليورانيوم للهند رغم أنها خارج معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.

وكانت الحكومة الاستراتيجية قد طرحت من قبل التعاون بين الديمقراطيات الثلاث: أستراليا، اليابان، والهند، وأن تكون الولايات المتحدة ضمن هذا النادي الديمقراطي في شرق آسيا، وهذا يوحي ضمنياً بمحاولة ربط الهند بتحالف ضمني موجه ضد الصين باعتبارها خارج النادي الديمقراطي ودولة شمولية، لكن الهند مترددة رغم الإغراءات لأنها لا تريد التورط في مواجهة لا تخدمها ضد الصين.

الهند في موضع توازن سياسي في علاقاتها مع كل من إيران ودول مجلس التعاون الخليجي

الهند ومنتدى المحيط الهندي و(مبدأ مونرو)

إن النمو الاقتصادي الهندي ومحاولة تعزيز نفوذها في المحيط الهندي، يجب أن ينظر إليها باهتمام، فقد نشرت وثيقة رسمية في عام 2007 عن مبدأ الاستراتيجية البحرية الهندية (India’s maritime Military Strategy)، تؤكد أهمية سيطرة الهند على الممرات الحيوية للمصالح القومية الهندية، خاصة في ظل توسع العلاقات الهندية مع قارة إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تلبي حاجة الهند من النفط والمعادن واليورانيوم والألماس فقد تضاعفت صادرات إفريقيا جنوب الصحراء ثلاث مرات إلى الهند، ووصل حجم التبادل التجاري بين إفريقيا السوداء والهند خلال (2008-2009) إلى 40 مليار دولار، وهو رقم مهم في التجارة الدولية للهند، التي تتنافس مع الصين في إفريقيا، ولذا تسعى الهند إلى تشكيل قوة بحرية ذات فاعلية في المحيط الهندي، وكانت قد أنشأت قبل سنوات عدة منتدى دول المحيط الهندي لتعزيز نفوذها وعلاقاتها التجارية، ويعرف في الدوائر الاستراتيجية الهندية أن نفوذ الهند في المحيط الهندي ما يسمى (مبدأ مونرو) الهندي على غرار مبدأ مونرو الأمريكي عام 1823 عندما أعلنت الولايات المتحدة حينذاك أن العالم الجديد في غرب الكرة الأرضية منطقة نفوذ أمريكية وحجمت دور أوروبا فيها. وإثر تعزيز الهند لقوتها البحرية ونفوذها في جنوب آسيا والمحيط الهندي والمشاركة الفعلية في مقاومة قراصنة القرن الإفريقي، وفي ظل التنافس الدولي، فإن هذه المنطقة تعتبر ضمن المجال الحيوي الهندي لعلاقة الهند التاريخية مع شرق إفريقيا، وفي ظل التقارب الأمريكي-الهندي فإن ذلك يعزز ثقة الهند بنفسها بأنها قوة صاعدة ليست على المستوى الإقليمي، بل على المستوى العالمي في المستقبل الذي قد لا يتجاوز عقداً من الزمن.

ولقد عقدت القمة الإفريقية-الهندية الأولى 2008، والقمة الثانية عام 2011، كما أن الهند عززت علاقاتها مع دول مجموعة آسيان (ASEAN) على مستوى القمة، وهذا تطور مهم في علاقات الهند الخارجية يجب أن يؤخذ باهتمام في المنطقة العربية وخاصة منطقة الخليج العربي.

إيران تاسع شريك تجاري والإمارات أكبر شريك تجاري

إن منطقة الخليج العربي ذات أهمية استراتيجية للهند، فإيران تعتبر تاسع شريك تجاري للهند، وإن الفائض التجاري يأتي لصالح الهند، حيث تستورد الأخيرة 17 في المائة من حاجتها للطاقة من إيران، وتم الاتفاق على مد خط لنقل الطاقة من إيران إلى الهند عبر باكستان، والسؤال الذي يطرح: كيف سيكون موقف الهند في حالة توتر العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران؟ خاصة أن ثاني تجمع شيعي في العالم بعد إيران يوجد في الهند. وفي ظل أن العلاقات التجارية بين إيران والخليج العربي حيوية على المستوى التجاري، فإن حجم التبادل التجاري بين الإمارات والهند يصل إلى 44 مليار دولار سنوياً، إن هناك اتفاقيات دفاعية بين الهند وبعض الدول الخليجية مثل الإمارات وسلطنة عمان وقطر، مما يجعل الهند في موضع توازن سياسي في علاقاتها مع كل من إيران ودول مجلس التعاون، بالإضافة إلى وجود ملايين من العمالة الهندية في دول الخليج العربية.

مستقبل العلاقات: استمرار التعاون أم المواجهة؟

إن كلاً من الصين والولايات المتحدة تحاول الاستفادة من دور الهند الإقليمي والعالمي، فقد أصبحت الهند مراقباً في منظمة شنغهاي للتعاون بدعوة من كل من روسيا والصين في محاولة لإبعادها عن الولايات المتحدة التي تريد تسخيرها لتوازن القوى في آسيا ضد الصين، كما أن كلاً من أستراليا واليابان تسعى إلى جذب الهند إلى تعاون أكثر تحت شعار التعاون أو التحالف الديمقراطي. ومع نمو مصالح الهند في إفريقيا ,ومجموعة آسيان، يجب أن ينظر الجانب العربي إلى تطور السياسة الهندية بإيجابية أكثر واحتواء الهند خوفاً من محاولة أن تكون ورقة ضغط أو ضمن تحالف تقاسم المصالح في المستقبل، خاصة مع تنامي العلاقات الإسرائيلية-الهندية-الأمريكية وهو ما يتردد في إسرائيل تحت شعار التحالف الثلاثي مما يجعل منطقة الخليج بين كماشة هذا التحالف في حالة تشكله فعلياً لأن المصلحة القومية هي التي تحدد سياسة الدول الخارجية، وكما يتردد في العلاقات الدولية ليست هناك صداقة دائمة أو عداوة دائمة بل هناك مصالح دائمة. وتكمن الخطورة في أين تكون مصالح الهند في المستقبل، وتحت شعار حقوق الإنسان ماذا ستكون ورقة العمالة الهندية في الخليج العربي؟ وهل تكون مطالبة في المستقبل بحقوق سياسية في ظل القوة الهندية الصاعدة؟ إن الجانب العربي عليه النظر بجدية لمبدأ مونرو الهندي الجديد، ومع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعدم الاستقرار السياسي في باكستان يبقى الدور الهندي محل اهتمام في الاستراتيجية الغربية.

مجلة آراء حول الخليج