; logged out
الرئيسية / في ظل التعقيدات وتداخل المصالح وتوازن القوى: هل يواجه "الناتو" إيران عسكريًا؟

العدد 132

في ظل التعقيدات وتداخل المصالح وتوازن القوى: هل يواجه "الناتو" إيران عسكريًا؟

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

"حلف الناتو لن يقدم على مساعدة إسرائيل دفاعيًا إذا هاجمتها إيران لأن إسرائيل شريكة وليست عضوًا في حلف شمال الأطلسي ومن ثم فإن الضمانة الأمنية التي يوفرها الحلف لأعضائه لا تنطبق على إسرائيل"، بتلك الكلمات التي أدلى بها الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج لمجلة "دير شبيجل" الألمانية في الثاني من يونيو2018م ، فقد حدد وبوضوح موقف الحلف من إمكانية تطور الملف الإيراني نحو سيناريو الحرب، ومع أهمية ذلك التصريح كونه رسالة ربما ليس فقط لإسرائيل باعتبارها أحد شركاء الحلف ضمن مبادرة الحوار المتوسطي التي أطلقها عام 1994م، بين الحلف وسبع دول شرق أوسطية هي مصر، الأردن، الجزائر، تونس، المغرب، موريتانيا، وإسرائيل وإنما ربما تكون إعادة التأكيد على الهدف الذي أنشئ من أجله الحلف وهو الدفاع عن أعضائه حال تعرض أحدهم لاعتداء وفقاً لما يحدده ميثاق الحلف بوجه عام والمادة الخامسة منه على نحو خاص، إلا أن الصورة ليست بذلك التبسيط، بمعنى  آخر أن للحلف شروطاً للانخراط في الصراعات خارج أراضيه إلا أنه ربما تكون هناك أزمات تملي على الحلف أن يكون طرفًا  فيها ولو بشكل غير مباشر ، ويثير ما سبق ثلاثة تساؤلات أساسية: الأول: ما هو منظور ودور الحلف تجاه البرامج النووية الإيرانية في ضوء قرارالرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران؟ والثاني: ما هو انعكاس التباين الأمريكي-الأوروبي بشأن الملف النووي الإيراني على الحلف كمنظومة أخذ ًا في الاعتبار أن معظم أعضاء الحلف هم في الوقت ذاته أعضاء في الاتحاد الأوروبي؟ والثالث: ما هي حدود التدخل العسكري لحلف الناتو في الأزمات خارج أراضيه ودلالات ذلك بالنسبة لمستقبل الملف النووي الإيراني؟ أولاً: منظور ودور حلف الناتو تجاه البرامج النووية الإيرانية على خلفية الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران: على الرغم من أن حلف الناتو كمنظمة لم يكن طرفًا مباشرًا في الاتفاق النووي إلا أن ذلك لايعني أن الحلف كان بعيدًا عن تلك القضية فخلال زيارة له لدولة الإمارات العربية المتحدة في مارس 2016م، قال  ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف ردًا على سؤال بشأن مستقبل التعاون بين الناتو ودول الخليج العربي في أعقاب توقيع الاتفاق النووي " إن الهدف من الاتفاق هو منع إيران من امتلاك سلاح نووي" وأضاف" الولايات المتحدة والدول الأخرى المعنية وأوروبا تصب تركيزها على أهمية تنفيذ بنود الاتفاق وعلى أهمية احترامه" وقال "من المهم أن يكون هناك تنفيذ كامل للاتفاق النووي وأن يتم تنفيذ آليات التحقق من التزام إيران بتنفيذ بنوده كاملة لمنع الانتشار النووي عمومًا". وما يهمنا في هذا التصريح هو منظور الحلف لمنع الانتشار النووي عمومًا والحالة الإيرانية على نحو خاص، حيث أن هناك مصالح استراتيجية للحلف تحتم على هذا التحالف العسكري منع  إيران من حيازة سلاح نووي منها أن نجاح إيران في امتلاك أسلحة نووية يعني تكريس خلل توازن القوى الإقليمي ومن ثم تهديد مصالح دول الحلف في تلك المنطقة ومنها أمن الطاقة حيث أن توقف ضخ النفط لدول الحلف سيكون عملاً عدائيًا يستوجب على الحلف التحرك عسكريًا للتصدي لهذا الأمر، فضلاً عن أن تحول إيران إلى دولة نووية يعد تهديدًا للعمق الاستراتيجي للحلف في ظل وجود إيران على نقاط تماس استراتيجي للحلف سواء في منطقة الشراكات الشرق أوسطية أو في آسيا الوسطى والقوقاز وهو ما يعني الحد من نفوذ الحلف في تلك المناطق، وقد عبر عن ذلك صراحة الأمين العام للحلف في كلمته أمام مؤتمر ميونخ للأمن  عام 2016م، حيث قال " ينبغي ألا يظن أحد أن الأسلحة النووية قد تستخدم كجزء من صراع تقليدي، بل أنها سوف تغير من طبيعة أي صراع بشكل جذري"، بالإضافة إلى أن وجود دور فاعل للحلف في منع إيران من حيازة أسلحة نووية من شأنه أن  يعزز الثقة مع الشركاء،  ومنها مبادرة اسطنبول للتعاون التي أطلقها الحلف عام 2004م، وانضمت إليها أربع من دول الخليج العربي، فبقاء الشراكات وتطورها أمرًا يظل مرتهنًا بمدى قدرتها على مواجهة التحديات التي تواجه طرفيها من خلال العمل معًا، وأخيرًا أنه مما يزيد من مخاوف حلف الناتو هو تزامن سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية مع تطوير برامج صاروخية بما يعنيه ذلك من إمكانية حيازة إيران لتلك الأسلحة ووسائل إيصالها معًا، وقد عبر  مسؤولو الحلف غير ذي مرة من أن نظام الدفاع الصاروخي في دول أوروبا الشرقية والتابع للحلف هو لمواجهة التهديدات التي تأتي من خارج النظام الأوروبي الأطلسي.      ويعني ما سبق أن الحلف ليس معنيًا بشكل مباشر بالمسألة النووية الإيرانية ولكن بمدى تأثير سياسات إيران وخاصة في مجال التقليدي في الوقت ذاته على مصالح أعضاء الحلف وهو ما أشارت إليه صراحة أوانا لونجيسكو المتحدثة باسم حلف الناتو تعقيبًا على قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي حيث قالت" أن الحلف غير مخول بتقييم ما إذا كانت إيران تمتثل للاتفاق النووي أم لا؟" بيد أنها أضافت " أن الحلفاء داخل الناتو يشعرون بالقلق من قدرة إيران على تطوير صواريخ باليستية، وكذلك إزاء الأنشطة الإيرانية التي تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط" وأضافت" نشجع جميع الأطراف على العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي شامل يمنع إيران من تطوير أسلحة نووية".   إلا أن تنفيذ تلك الاستراتيجية يظل رهنًا بمدى التوافق داخل الحلف والذي يضم 29 دولة في عضويته وبه آلية للتشاور السياسي وهي المنوط بها رسم سياسات الحلف، ولا يرتبط الأمر بذلك التشاور فحسب بل في مراكز الثقل داخل الحلف فالولايات المتحدة لاتزال هي عصب حلف الناتو في ظل إسهامها بنسبة 72%من ميزانيته وهي القضية التي كانت- ولاتزال- سببًا للخلاف الأمريكي مع أعضاء الحلف، بل كانت أحد عناوين الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب حيث وصف الحلف بأنه منظمة"عفا عليها الزمن،وأنه غير قادر على مواجهة مخاطر الجماعات الإرهابية"،كما كانت تلك القضية موضوعًا رئيسيًا في قمم دول الحلف التي جمعت ترمب مع نظرائه الأعضاء في حلف الناتو وتعهد هؤلاء الأعضاء بتخصيص نسبة 2% من الدخل القومي للأغراض الدفاعية إلا أنه لم تلتزم بذلك سوى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإستونيا واليونان وبولندا ورومانيا.  ثانياً: انعكاس التباين الأمريكي -الأوروبي بشأن الملف النووي الإيراني على الحلف كتحالف دفاعي: لاشك أن استمرار التباين بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين من شأنه أن يرتب آثارًا سلبية على حلف الناتو حيث أن معظم الدول أعضاء حلف الناتو هم في الوقت ذاته أعضاء في منظومة الاتحاد الأوروبي بما يعني التداخل بين عضوية المنظمتين، صحيح أن الاتحاد الأوروبي يسعى لتأسيس هوية أمنية متمايزة عن الحلف وقد ازدادت وتيرتها في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه في ظل استمرار ذلك التباين فإن الدول الأوروبية التي سوف تشهد مصالحها ضررًا قد تبحث عن إجراءات لمواجهة تلك الأضرار وهو ما عبر عنه رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك خلال قمة الاتحاد في صوفيا والذي "ندد بتقلب مواقف إدارة ترمب وقال أن قرارتها " خلصت أوروبا من كل أوهامها في شأن الاعتماد على الولايات المتحدة" وربما تتمثل تلك الإجراءات في المضي قدمًا في تعزيز البديل الأمني الأوروبي بعيدًا عن الناتو رغم معارضة بعض الدول الأوروبية لذلك الخيار وتفضيل مظلة الحلف، ويعزز من ذلك إعلان كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهي الدول التي مثلت الاتحاد الأوروبي في الاتفاق النووي رفضها لقرار الرئيس ترمب، ولعلإعلان 9 دول أوروبية وهي" فرنسا وألمانيا وبلجيكا والدنمارك وإستونيا وهولندا والبرتغال وإسبانيا"، بالإضافة إلى بريطانيا  في الخامس والعشرين من يونيو 2018م، تأسيس قوة عسكرية لمواجهة الأزمات وذلك خارج منظومة الاتحاد الأوروبي والتي أطلق عليها" مبادرة التدخل الأوروبية" يعد مؤشرًا مهمًا في هذا الاتجاه،  فعلى الرغم من أن تلك المبادرة لم تصدر عن الاتحاد كمنظومة فإنها تعد تعتبر ردًا أوروبيًا عمليًا على ما تراه أوروبا من ضرورة الاضطلاع بأمنها حتى خارج منظومة الاتحاد الأوروبي ذاتها.وربما يكون من غير الواضح مدى تأثر حلف الناتو على المدى القصير جراء ذلك التباين حيث تشير خبرة الماضي القريب أنه بالرغم من الخلاف بين الولايات المتحدة وأعضاء الحلف فإن هناك تمسك أمريكي ببقاء تلك المنظومة، يقابله حرص أطلسي مماثل إلا أنه على المدى البعيد ربما يشهد الحلف تأثرًا تأسيسًا على مؤشرات ثلاثة: أولها: ما أشارت إليه بعض المصادر من أن مشروع التخطيط العسكري لفرنسا للفترة من 2019- 2025م – والذي أحيل للبرلمان لمناقشته- يتضمن اقتراحًا مفاده الدعوة لاستقلال فرنسا عن حلف شمال الأطلسي،الجدير بالذكر أن فرنسا قد أعلنت انسحابها من قيادة اللجنة العسكرية في الحلف عام 1966م، بيد أنها عادت لتوليها مجددًا عام 2009م .وثانيها: أن التباين الأمريكي-الأوروبي ربما يجعل الحلف مجرد آلية للتشاور أكثر من كونه تحالفًا دفاعيًا،وفي هذا السياق قال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج "الخلافات بين  أعضاء الحلف حقيقية لكن الروابط صامدة" وذلك خلال مؤتمر صحفي مع رئيسية الوزراء البريطانية تريزا ماي في لندن 21 يونيو2018م، ولم تكن هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الأمين العام للحلف عن توتر العلاقات الأمريكية-الأطلسية فخلال قمة الحلف في يوليو2017م، قال ينس ستولتنبرج "ربما رأينا ضعف بعض العلاقات بين أمريكا الشمالية وأوروبا، لكننا نصر على إبقاء الشراكة عبر الأطلسي بما يخدم مصالحنا الاستراتيجية" ولاشك أنها تعد التصريحات الأقوى من نوعها بل ورسالة مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية ،إلا أنه مما يزيد من مأزق الشركاء داخل الحلف هو تزامن ذلك الخلاف مع خلافات أخرى  بين الولايات المتحدة وشركائها وهو ما عكسه اجتماع قادة مجموعة الدول الصناعية السبع يومي 8 و9يونيو 2018م، والتي عقدت في مقاطعة كيبيك بكندا والتي شهدت مؤشرات على انهيار التحالف الأمريكي سواء مع أوروبا أو أمريكا الشمالية من خلال السياسات الحمائية التجارية التي أعلنها ترمب ضد هؤلاء الشركاء. وثالثها: أنه في الوقت الذي يشهد فيه حلف الناتو خلافًا بين أعضائه  نجد سعي التجمعات المناوئة للسياسات الغربية عمومًا لتعزيز دورها ومنها منظمة شنغهاي التي عقدت اجتماعها السنوي في يونيو2018م، و تضم  تلك المنظمة العديد من الدول الآسيوية ومنها روسيا ،فضلاً عن حصول كل من الهند والصين على العضوية الكاملة في تلك المنظمة، وسعي إيران لنيل تلك العضوية إذ لاتزال بصفة مراقب، تلك المنظمة التي يطلق عليها" حلف الناتو الآسيوي" حيث تضم دولاً بالإضافة إلى أنها تجمعها مصالح مشتركة عديدة إلا أن الإطار العام الذي يعزز من أهميتها كونها تضم دولاً تناوئ سياسات الولايات المتحدة وحلف الناتو،ولعل إعلان ألكسندر جروشكو نائب وزير الخارجية الروسي عن استعداد روسيا للانضمام إلى حزمة تدابير الحماية الأوروبية للاتفاق النووي والتي تتضمن ضمان عدم توقف صادرات النفط الإيرانية ودعم إيران للوصول إلى نظام الرسائل المصرفية الدولية، فضلاً عن تأكيده بأن" توسع حلف الناتو لن يحل أياً من المشاكل الأمنية الحقيقية في المنطقة وإنما يخلق خطًا فاصلاً جديدًا" يعد مؤشرًا على تأسيس جبهات مضادة إضافية للسياسات الأمريكية الجديدة،الجدير بالذكر أن وزير الدفاع الروسي سبرجي شويجو أعلن في 20 يونيو2018م، أن حلف الناتو أجرى 13 مناورة عسكرية ضخمة قرب الحدود الروسية،مشيرًا إلى أن عدد قوات الناتو التي شاركت في المناورات الحربية تراوح بين 40 إلى 60 ألف جندي وهو الأمر الذي يدعو روسيا لتطوير قواتها المسلحة، فضلاً عن إجراء مناورات مماثلة.          ثالثاً: حدود التدخل العسكري لحلف الناتو في الأزمات خارج أراضيه ودلالات ذلك بالنسبة لمستقبل الملف النووي الإيراني: على الرغم من أن تدخل حلف الناتو عسكريًا خارج أراضيه يظل محكومًا بالميثاق المنشئ للحلف عمومًا الذي يحدد هوية الحلف بوضوح فهو تحالف عسكري للدفاع عن دوله الأعضاء حال تعرض إحداها للاعتداء وهو ما تشير إليه المادة الخامسة من الميثاق المنشئ للحلف بوضوح من أن أي هجوم مسلح على دولة أو أكثر من دول الحلف يعتبر هجومًا على الدول الأعضاء كافة، إلا أن ما سبق لايعني أن الحلف ظل مرتبطًا بالنطاق الجغرافي لدوله بل أنه مع انتهاء الحرب الباردة وظهور تحديات أمنية جديدة خارج أراضي دوله الأعضاء بدأ الحلف انتهاج سياسات استباقية ضمن مراحل التحول التي شهدتها استراتيجيات الحلف من" الردع" إلى "الدفاع الجماعي" بل أن هناك أزمات رأى الحلف ضرورة التدخل العسكري المباشر فيها ومنها الأزمة الليبية عام 2011م، حيث كان التدخل الأطلسي فيها  بناءً على قرارات أمنية وأخرى إقليمية رأى أنها تمثل إحدى ركائز ذلك التدخل. ومن ثم فإن التساؤل الرئيس الذي يثار الآن هو هل يمكن أن يتدخل حلف الناتو عسكريًا لحسم الملف النووي الإيراني حال ما كان الخيار العسكري مطروحًا من جانب المجتمع الدولي؟واقع الأمر أن الإجابة ليست من السهولة بمكان ولكنها ترتبط بثلاث مسائل أساسية الأولى: القدرات، والثانية: أسس ذلك التدخل، والثالثة: درجة التهديد.فعلى صعيد القدرات العسكرية للحلف فلا مجال للمقارنة بين تلك القدرات والقدرات العسكرية الإيرانية، فقد بلغ الإنفاق العسكري لدول حلف الناتو مجتمعة 921,5 مليار دولار خلال عام 2016م، وتسهم الولايات المتحدة بما قيمته 72% من تلك الميزانية حيث بلغ النفقات العسكرية الأمريكية في الحلف حوالي 664 مليار دولار،  كما بلغت النفقات العسكرية للاتحاد الأوروبي عام 2016م، حوالي 206,1 مليار يورو في مقابل 199 مليار يورو في عام 2012م، وذلك وفقًا لبيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومعهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام، أما إيران فقد أعلنت زيادة ميزانيتها العسكرية 1,3 مليار دولار، خلال العام 2017م، لتصل إلى حوالي 11,6 مليار دولار، ولاشك أن مؤشر الإنفاق العسكري ينعكس بالطبع على واقع القدرات العسكرية التي تعكس فجوة هائلة بين حلف الناتو وإيران، إلا أنه من التبسيط الشديد اختزال سيناريو المواجهة العسكرية في القدرات العسكرية للجانبين فحسب بل أن هناك متغيرات أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار منها واقع البيئتين الإقليمية والدولية، ففي ظل تطور العلاقات الروسية- الإيرانية على النحو الذي آلت إليه منذ التدخل الروسي في الأزمة الروسية عام 2014م، وحتى الآن يعني أنه يجب وضع الدور الروسي في الحسبان وخاصة أن للحلف جبهة أخرى للصراع مع روسيا وهي الجبهة الشرقية "أوكرانيا" والتي تشهد تعزيزات عسكرية ومناورات متبادلة بين الحلف وروسيا، وفي ظل الأهمية الاستراتيجية التي توليها روسيا للمسألة السورية والتي أسفرت عن إعادة التواجد الروسي ضمن معادلة الشرق الأوسط مجددًا فإن فكرة تدخل الحلف عسكريًا بشكل أو بآخر في منطقة تماس شديد مع روسيا ستظل مرتهنة بحسابات دقيقة للغاية من جانب الحلف، ولعل الأزمة السورية قد عكست طبيعة العلاقات الروسية- الأطلسية سواء من خلال إسقاط تركيا" أحد أعضاء الحلف"، طائرة حربية روسية من طراز سوخوي 24  في نوفمبر عام 2015م،  قيل أنها انتهكت المجال الجوي التركي، أو قيام كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بتوجيه ضربة عسكرية ثلاثية ضد مواقع قيل أنها مرتبطة بأسلحة كيماوية للنظام السوري وذلك في إبريل 2018م، وقد تردد أنه تم إبلاغ الجانب الروسي مسبقاً بتلك الضربات بما يعنيه ذلك من رغبة الدول الكبرى الأعضاء في الحلف تجنب الصدام مع روسيا، بل أن حلف الناتو ذاته كمنظمة حريص على عدم الصدام مع روسيا وهو ما أكده الأمين العام للحلف غير ذي مرة ،فخلال زيارته لبريطانيا في 21 يونيو2018م، قال ينس ستولتنبرج" لا نريد حربًا باردة جديدة مع روسيا، لا نريد سباقاً إلى التسلح" وأضاف" سنبذل أقصى الجهود من أجل علاقة أفضل مع روسيا"، الجدير بالذكر أنه تم تأسيس ما يعرف بـ " مجلس "روسيا — الناتو" عام 2002م، والذي يعد الآلية الرئيسية للتنسيق والتشاور بين حلف الناتو وروسيا  ويعقد اجتماعاته بشكل منتظم.  أما بشأن أسس التدخل، فقد حدد الحلف شروطاً ثلاثة للتدخل في الأزمات خارج أراضيه وهي حدوث إجماع بين دوله على أن تلك الأزمة تمثل خطرًا مباشرًا يهدد أعضاء الحلف، وصدور قرار أممي يكون بمثابة مظلة قانونية للتدخل وذلك تجنبًا لظهور فجوة بين "الشرعية" والمشروعية" وهي التي كانت أحد المعضلات التي واجهت عمل الحلف خلال أزمات سابقة، حيث أثيرت تلك القضية خلال تدخل حلف الناتو في كوسوفو عام 1999م، إذ وصفت عمليات الناتو بأنها "غير قانونية "ولكنها "مشروعة"، أما الشرط الثالث فهو طلب الأطراف المعنية بالصراع بشكل مباشر أو غير مباشر  تدخل الحلف، فعلى سبيل المثال فقد اعتبر حلف الناتو أن قرار جامعة الدول العربية رقم 7298 بتاريخ 2 مارس 2011م، بشأن" الطلب من مجلس الأمن تحمل مسئولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض منطقة حظر جوي علي حركة الطيران العسكري الليبي، وإقامة مناطق آمنة في الأماكن التي تتعرض للقصف" هو دعم إقليمي مؤسسي لعمليات الحلف في ليبيا آنذاك، وبالتالي ومع وضوح أسس التدخل العسكري من جانب الحلف في الأزمات التي تقع خارج أراضيه فإنه ربما يكون لكل حالة خصوصيتها وبيئتها الإقليمية والدولية التي أملت على الحلف تفضيل هذا الخيار أو ذاك. وبشأن تقييم درجة التهديد، فإنه يجب التأكيد في هذا الشأن على أن الحلف –برغم قدراته العسكرية الهائلة-فهو ليس آلة عسكرية جاهزة للانطلاق حتى في ظل وجود قرار أممي بل أن هناك آليات تشاورية داخل الحلف ومنها اللجنة السياسية، فضلاً عن آلية إدارة الأزمات ومن ثم فإن هاتين الآليتين تعملان من أجل تحقيق الإجماع قبيل تدخل الحلف في أزمة ما وهي مسألة ليس من السهولة بمكان، حيث أن اعتراض دولة واحدة فقط على تدخل الحلف يعني إحجام الحلف عن التدخل، وفي الوقت ذاته فإن موافقة الدول الأعضاء على التدخل يعني وجود التزامات محددة تقع على عاتق كل دولة ضمن الإطار الجماعي للحلف.ولايعني ما سبق أن عدم الإجماع داخل الحلف كان معوقاً لتحرك دول الحلف الكبرى بشكل فردي للدفاع عن مصالحها حال تعرضها لتهديد كبير، وهناك سابقتان في هذا الشأن: الأولي خلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988م)حيث شارك بعض أعضاء الحلف الرئيسيين في  تأمين إمدادات النفط من خلال حماية عبور ناقلات النفط عبر الخليج العربي وذلك كمثال على"ائتلاف من الدول الراغبة" لتأمين مصالح جوهرية رأت تلك الدول أنها تواجه تهديدًا بالغًا، أما الثانية: فهي  حرب تحرير دولة الكويت عام 1991م، التي شاركت فيها  كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ضمن تحالف دولي ضم 34 دولة وذلك لضمان عدم سيطرة العراق علي نفط دولة الكويت أو تهديد الإمدادات النفطية من المملكة العربية السعودية، الأمر الذي كان يعني مشهدًا إقليميًا بالغ التعقيد.وبتطبيق تلك المعايير على المسألة النووية الإيرانية  الراهنة يمكن القول أن وجود فجوة في القدرات العسكرية تجعل من كافة الأطراف تجنب "حافة الهاوية" للتعامل مع أزمات من هذا النوع بل أن مزيجًا من الحلول الضاغطة والتوفيقية ربما يكون خيار حلف الناتو للتعامل مع تطورات الملف النووي الإيراني مستقبلاً، من ناحية أخرى ربما لايكون الأمر مرتبطاً بحلف الناتو فحسب بل بالاتحاد الأوروبي الذي ما زال يسعى لتطوير هوية أمنية لن تصطدم بالضرورة مع حلف الناتو بل إن ذلك أمر يجب أن يؤخذ في الاعتبار من حيث التأثير على بناء اجماع دولي سواء داخل منظمة الأمم المتحدة أو على أرض الواقع، من ناحية ثالثة فإن الحلف الذي يوجد على خط التماس المباشر مع إيران ربما يرى أن الاستراتيجية الأفضل لمواجهة التهديدات الإيرانية والتي لا تختزل في البرامج النووية بل في السياسات الإقليمية لإيران هو ممارسة المزيد من الردع وتعزيز القدرات العسكرية للشركاء بما يحقق الحد من النفوذ الإيراني وفي الوقت ذاته تحقيق توازن القوى الإقليمي.   ومع أهمية ما سبق فإن ثمة ملاحظات ثلاثة يجب أخذها بعين الاعتبار عند تقييم سياسات حلف الناتو تجاه تطورات الملف النووي الإيراني مستقبلاً:  الأولى: أن القمة القادمة للحلف والتي سوف تعقد خلال الفترة من 11-12 يوليو2018م -والتي سوف تتزامن مع نشر هذه الورقة –لا تزال هي الإطار الحاسم للقضايا الخلافية بين أعضاء الحلف بعيدًا عن التصريحات العديدة التي تثار من آن لآخر، وفي هذا السياق قال الأمين العام للحلف" خلال تلك القمة المرتقبة سنذهب إلى أبعد من ذلك، مع المزيد من المال والمساهمات في عمليات حلف الأطلسي". والثانية: معضلة الدول الأوروبية في التوفيق بين التزاماتها الأمنية ضمن منظمة حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في ظل مؤشرات التباين الأمريكي -الأوروبي حول العديد من القضايا ليس أقلها الحرب التجارية المحتملة وتداعياتها على شركاء الأمس وهو الأمر الذي سوف ينعكس بلاشك على التعامل مع الملف النووي الإيراني ضمن أي خيار مطروح.   والثالثة: تشير خبرة الماضي القريب إلى أن الدول الكبرى بغض النظر عن عضويتها سواء في حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي لن تسمح بامتلاك طرف إقليمي في منطقة الشرق الأوسط سلاحًا نوويًا بما يتعارض وموازين القوى الراهنة وبالتالي تبقى كافة الخيارات قائمة بحسب تطور أزمة البرنامج النووي الإيراني ويرتبط ذلك بشكل أساسي بتكلفة وعائد أي من تلك الخيارات.

مجلة آراء حول الخليج