; logged out
الرئيسية / العرب .. في ميزان الحرير

العرب .. في ميزان الحرير

الإثنين، 31 كانون1/ديسمبر 2018

يوجد توجه صيني محموم حاليًا لإعادة طريق الحرير التاريخي، خاصة منذ أن أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج في عام 2013م، عما أسماه مبادرة (حزام واحد وطريق واحد)، ورصدت بكين مبالغ ضخمة للإنفاق على محطات هذا الطريق سواءً البرية أو البحرية، حيث يشمل طريق الحرير الجديد شبكات طرق وسكك حديدية وأنابيب غاز ونفط وخطوط للطاقة الكهربائية وشبكات للإنترنت وبنى تحتية متنوعة، ويضم ثلاثة مسارات برية ومسارين بحريين تربط الصين بمختلف دول العالم.

وانقسمت الآراء حول فائدة هذا الطريق وتأثيراته على دول العالم، وحول إذا ما كان هذا الطريق شريانًا للتنمية العالمية، أم وسيلة هيمنة صينية على اقتصاد العالم، من خلال تسويق السلع ومعها ثقافة وقيم الصين لمختلف دول العالم. أم يمثل هذا الطريق رأس الحربة في حرب باردة اقتصادية تقودها الصين ضد الغرب، وعليه فهناك من يرى أن الصين تتهيأ للتفرد بالجلوس على قمة الهرم الاقتصادي العالمي قريبًا بعد أن حلت في المرتبة الثانية خلف أمريكا، ويرى آخرون أن عدم معارضة الولايات المتحدة لهذا المشروع يعود لأسباب كثيرة، منها أن واشطن تغض الطرف عن إحياء طريق الحرير لأنه يجعل إسرائيل جزءًا من الاقتصاد العالمي ويلغي عزلتها ومقاطعتها، بل يجعل إسرائيل تغزو دول العالم بالسلع والثقافة والفكر وهو ما تتمناه أمريكا.

لكن الأهم ماذا يمثل طريق الحرير للدول العربية؟، وهل هو في صالح العرب أم ضدهم؟، وحول ذلك انقسم الباحثون، فمنهم من يرى أهميته في التنمية وتحسين البنى التحتية خاصة أن الصين تغدق عليها بسخاء في دول محطات الطريق، وهناك آراء مغايرة ويعتقد أصحابها أن هذا الطريق لا يحمل الكثير من الخير للدول العربية، بل هناك متشائمون يرون أنه يهدد الاقتصاد العربي، ويتجاوز ذلك إلى تهديد الهوية العربية، ومن ثم أجمع الكثير من الخبراء على ضرورة أن يتفاوض العرب مع الصين لتحسين الفرص وتعظيم المكاسب، حيث من الواضح أن الصين تبحث عن بدائل للنفط الخليجي، وتعتبر أن حليفتها الأهم في المنطقة هي إيران، كما تربطها علاقات تجارية وثيقة مع إسرائيل، وتعتبر المنطقة العربية ودول القارة الإفريقية مجرد سوقٍ لتصريف منتجاتها ، وأرضًا خصبة لاستثماراتها الخارجية، وهذا ما ذكره الدكتور ديجانج صن، نائب مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الدولية بشنغهاي حيث قال (إن الصين تنظر إلى الشرق الأوسط باعتباره سوقًا وليس منطقة صراع ومنافسة سياسية). كما أن الصين تواجدت عسكريًا لأول مرة في إفريقيا عبر قاعدة جيبوتي التي يحيطها الغموض من حيث العدد والعتاد، بعد أن استثمرت الصين 100 مليار دولار في إفريقيا.

المنتجات العربية هي المتضرر الأول من طريق الحرير كونها لا تستطيع منافسة المنتجات الصينية من حيث الجودة و السعر، الأمر الذي قد يهدد بالقضاء على المحاولات العربية في اللحاق بركب الصناعة، لذلك فالأمر يستلزم أن يتعاون العرب لتوظيف المزايا النسبية في التفاوض بشكل جماعي مع الصين لمرور طريق الحرير، على أن يوازي ذلك تكتلاً اقتصاديًا عربيًا على غرار التكتلات القائمة في العديد من مناطق العالم، سواء غرب أو شرق إفريقيا، أو دول أمريكا اللاتينية ، أو جنوب شرق آسيا، مع إجادة آلية اللعب بأوراق المزايا النسبية لتعظيم الفوائد التي يمكن أن تجنيها الدول العربية من الزحف الصيني القادم، فاقتصادات العرب الحالية وحجم تجارتها البينية أرقام لا ترقى إلى حجم وطموح دولنا وشعوبنا، ولن تصمد أمام المد الصيني المغرق، فحجم التجارة العربية ضمن التجارة العالمية لا يمثل إلا 4% فقط، حيث بلغ حجم التبادل التجاري العالمي عام 2017م، نحو 35.4 تريليون دولار، وكان نصيب الدول العربية منه 1.64 تريليون دولار، كما أن حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية 2.64 تريليون دولار ، بينهم 56.4 % لصالح دول مجلس التعاون الخليجي ، ونصيب بقية الدول العربية مجتمعة نحو 43.6%، وهذه الأرقام متواضعة جدًا ولا تستطيع الصمود أو التوازن أمام المارد الصيني الذي بلغ حجم تجارته مع دول منطقة الشرق الأوسط أرقامًا قياسية إذ بلغت قيمته مع الدول العربية 191 مليار دولار، ومع إيران 37 مليار دولار، ومع إسرائيل 12 مليار دولار، طبقًا لإحصائيات عام 2017م.

يتبقى من الضروري أن تخوض الدول العربية غمار التكامل الاقتصادي ؛ بمعزل عن الخلافات السياسية حيث أن المخاطر كثيرة ولن تستثني أحدًا، فالمنافسة قوية والتقدم سريع وإعصار العولمة يجتاح العالم ولا يعترف بالحدود ، والتنين الصيني تحرك خارج حدوده إلى مختلف الاتجاهات ، وخريطة العالم الاقتصادية تتغير بسرعة ولن تنتظرمن يتأخر عن الركب العالمي.

مقالات لنفس الكاتب